الاثنين، 31 ديسمبر 2018

ضربة"معلم " لو تحققت


 
دأب الرؤساء الامريكيون دائماً على تكرار أن إسرائيل واحة من الديمقراطية وسط حزام من الانظمة الاوتوقراطية والمستبدة مما يجعل من المحافظة عليها مطلباً إنسانياً عالمياً.هناك وعي لدى الغرب بشكل عام على أن المنطقة العربية  منطقة استبداد  لذلك ليس هناك أولوية إنسانية  ولاضرورة داخلية لدى هذة المجتمعات للتفضيل بين دولها وأنظمتها سوى المصلحة  المادية  ودرجة توظيف كل نظام لتحقيق مشاريع هذة الدول الغربية , بمعنى آخر  لاتقع هذه الدول تحت ضغط  شعبي ولا مطلب مجتمعي  من الداخل  كما لو تعرضت اسرائيل ووجودها للخطر لانها أي اسرائيل حالة إنسانية  يجب المحافظة عليها. وقد شهدنا  في هذا الحصار الجائر والمستمر على دولة قطر تذبذب وذرائعية موقف الغرب والشرق بشكل عام منه تبعاً لمصالحة دون الالتفات والتفريق  مكونات أنظمته  ودرجة اختلاف كل منها عن الآخر لأنه في وعي هذة الدول وشعوبها كتلة واحدة  من الاستبداد  وعدم الشرعية .لذلك أرى أن الاستعجال فيما كانت دولة قطر تهدف اليه منذ بداية الربيع العربي  وهو قيام نوع من التمثيل الشعبي والمنتخب   وتفعيل حياة دستورية  حقيقية بالسرعة الممكنة  سيدخل عاملاً حاسماً  في تعامل الدول الغربية مع أزمة الحصار  وسيجعل من شعوب تلك الدول عاملاً مؤثراً للضغط على حكوماتها  حينما تدرك تلك الشعوب أن هناك واحة من الديمقراطية في طور القيام والانشاء وسط حزام من الاستبداد والاوتوقراطية تمثله دول الحصار , أنا اعتقد أن التوقيت عامل حاسم اليوم قبل الغد واثناء الحصار لابعده و ستكون ضربة "معلم"  تُدخل الجانب الانساني بشكل غير مسبوق وحاسم وستعطي دولة قطر ميزة كبرى  خاصة أن الظروف لدى قطر أكثر تهيئةً مما هو لدى غيرها من هذة الدول وذلك لتجانس المجتمع وأرتباطه  بقيادتة بشكل أكبر وضوحاً وعدم وجود سجناء رأي ولامعتقلي كلمة في سجون قطر وسيعطي أيضاً مرجعية أخلاقية للإنفتاح الاعلامي الذي تشهدة قطر كذلك ,إدخال العامل الإنساني  المتمثل في حرية تمثيل المجتمع  ودستورية العلاقة فية  سيجعل ماترتكبة هذة الدول من حماقات  يومية  في شأن افرادها ومواطنيها أكثر سطوعاً ,وسيكشف زيف الانفتاح الترفيهي التي تمارسه هذة الدول  وهو في الاصل ليس بديلاً عن حرية الانسان وحرية الرأي وأصالة التمثيل, إن ما تحاوله هذة الدول اليوم ليس سوى نوعٌ من الزيف  يقوم على اسبقية الغذاء قبل الدواء والترفية  قبل الحرية وإمتلاك حرية التصرف ضمن دائرة الاستبداد قبل حرية الكلمة والرأي في تقرير المصير , أعتقد أنها ستكون ضربة"معلم"  تفتح بها قطر ثقباً في وعي شعوب العالم  تجعل من هذة الشعوب شريكاً في هذة الازمة بعيداً عن أي مصلحة ذاتيه أو استراتيجية ضيقة تستخدمها الانظمة وتطرح من جديد فكرة الواحة وسط حزام من التصحر والاستبداد ويصبح العالم أمام مسوؤلية اخرى أمام ذاته ووجودة كمجتمع إنساني  ويسقط دعاوي الانفتاح التي يمارسها النظام السعودي اليوم بشكل سافر ومقزز بعد كل هذا الانكار  والتزمت  حيث إمكانية التأصيل للإنسان بماهو إنسان أكبر واعظم من مجرد  التعامل معه بإزدواجية بين حقة الأصيل في الحرية وبين تسويقه كمستهلك  في سوق من الكماليات  التي لاتضيف الى جوهره شيئاً , متى نحقق ضربة "المعلم"  هذه أرجو أن يكون ذلك قريبا

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

"كريسماس" وعيد ميلاد سعيد


 

أتقدم للأخوة المسيحين العرب في الداخل والخارج بالتهنئة بمناسبة عيد الميلاد والسنة الميلادية الجديدة. كنا نمارس التهنئة بهذه المناسبة مع أخواننا العرب المسيحيين ونحن طلبة بكل تلقائية , كنا ننطلق من موقف إنساني بحت ومن منطق تعايش تفرضه الحياة والظروف ومن ايمان بحرية العقيدة ,لاأجد مبرراً مقنعاً اليوم لدعاوي التحريم والتكفير لمثل هذا الأمر ,  التهنئة تأتي كأعتراف بوجود الآخر  وليس بما يعتقد, التهنئة تأتي كأعتراف بحقه على المجتمع الذي يعيش فيه, مثلما حقنا عليه أن يشاركنا أعيادنا بالتهنئه ويحترم عقيدتنا,الفتاوي الكثيرة في تحريم ذلك  أرى أنها تخلط خلطاً عظيماً بين العقيدة والثقافة,التهنئه هنا  تنطلق من البعد الثقافي للمجتمع وليس من بُعد العقيدة للشخص , والثقافة  اوسع مجالاً من العقيدة , العقيدة قد تطبق الحدود الضيقة على المخطىء, ومع ذلك لاتخرجه الثقافة من المله, رغم ارتكابه للأثم ,أعتقد أننا في العقود الاخيرة من تاريخنا  أنفقنا كثيراً من الوقت في استهلاك الدين من خلال استنطاق مالا ينطق فيه ,وجعله هدفاً في حد ذاته والدليل على ذلك كثرة الفتاوي والمفتين وجر المسكوت عنه الى دائرة التحريم على الاغلب, لاأدعوك الى التهنئة ولكن لاتحرمها على غيرك أن هو فعل ,  هذاالتكتل الذي اراه في وسائل التواصل الاجتماعي مفنداً كل من هنأ  الاخوة المسيحين بعيدالميلاد , يكشف عن سراب عملية التنمية التي  نفتخر بإنجازها في مجتمعاتنا الخليجية, فشلت في أن تنشىء إنساناً قابلاً للتعايش مع الآخر وستنتج حتماً إنساناً غير قادر على التعايش مع بني عقيدة مستقبلاً, وهذا ملاحظ والدائرة تصغر يوماً بعد آخر  حتى نصل الى الدائرة الضيفة"الفرقة الناجية" إن الحكم في التعامل مع المختلف هو الاحسان  والاحسان هو العدل,والعدل هو التعايش الانساني المطلوب , ناهيك عما يفرزه الواقع المعاش من ظواهر  لايمكن التعامل معها الا عن طريق مشاركة الآخر والقبول به  , من قال أنني إذا هنئته شاركته اعتقاده في أن الميلاد يعني مولد إبن الله.هذه نوع من البارانويا  والحفر الايكولوجي في العقيدة على حساب الشريعة وفقه مقاصدها الكبرى, أدعوا الى ثقافة اسلاميه انسانية ,ترى في الاخر انساناً مكتمل الانسانية, مهما كانت عقيدته وديانته , فمجتمعنا اليوم يحتوى مجمعاً للأديان ,  هناك المسيحي والبوذي والهندوسي وغيرهم في بيوتنا وفي اسواقنا وفي كل مكان , كيف نستطيع التعايش معهم كمسلمين  لاأقول بمشاركتهم الطقوس ولكن من خلال استخدام لغة التعايش اللفظية , اللغة هي بيت الكينونة  التي تكشف عن وجودها, فالانسان بلا لغة كينونة ناقصة ,كم دعى الاسلام الى اشاعة السلام  والتبسم في وجه الآخر ايماناً منه بدور  اللغة المشتركة الانسانية في اقامة السلام والتعايش فإذا كنا سنحرم مجرد التهنئة اللفظية فماذا سنبقى من انسانية المجتمع  سوى زيادة قابليته للإنفجار والتشظي

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

مفاهيم في "الأسر"

  أعتقد أننا في حاجة ماسة الى تحرير  المفاهيم التي نستخدمها بكثرة  ونعقد عليها الامال كرافعة حقيقية في نهوض الامة ورفعتها   , مفاهيم كالصحوة أو اليقظة أو النهضة تحتاج الى أن تتحرر من أسر  الايديوجيا أو الفهم الثيولوجي "الديني" الضيق الى الفضاء الفلسفي الانساني الواسع , إعتبرنا أن هناك صحوة اسلامية منذ سبعينيات القرن المنصرم جاءت بعد سبات ايديولوجي  قومي ماركسي شيوعي...الخ , فإذا بالصحوة ليست سوى عودة الى ماض متخيل في الذاكرة  وليس في الواقع سكبنا عليه من مخيلتنا الكثير من العصمة والنقاء  وإذا بمجتمعاتنا تعود القهقرى الى الاستعادة لا الى التقدم , تكلمنا عن اليقظة والنهضة فإذا بنا  نسرد الامكان التاريخي  الذي لم يتحقق مع أنه موجود ضمن ادبيات الامة من نص الهي أو سيرة نبويه, فأين الخلل إذن؟ في إعتقادي أن تحرير هذة المفاهيم من البعد الديني "الثيولوجي" الذي هو الاسلامي في حضارتنا هو بداية لتنشيطها  كرافعة مستقبليه لا كإستعادة ماضوية متخيله.  نحن نصحو لنتذكر , نحن نستيقظ لنعيد, نحن ننهض  لنستعيد ذاكرة متخيله , فكر إفلاطوني خالص , كل مايعمله الانسان في هذة الحياة ليس الا تذكر لعالم "المُثل" الاعلى.  في إعتقادي أننا بحاجة الى "تنموية وضعية" , تطلق هذة المفاهيم من أسر الفهم الايديولوجي والديني وتربطهم بالفهم الفلسفي والانساني الاعم ,فتصبح هذة المفاهيم  خروجاً للإنسان من قصوره  الدوغمائي الماضوي  وإيماناً بإنسانيته  ومركزيته في الكون بعيداً عن عرقه ودينه ولونه وخروجاً عن  تصوره لبؤرة محرقيه ماضوية في مخيلته يعود اليها كما هي الحال عندنا اليوم حينما نطرح هذة المفاهيم على النشء الجديد فنزيدهم حملاً ثقيلاً  عجزنا نحن والاجيال السابقة من تفكيكه والوعي به كمستقبل فأصبحنا نحملة كماض ثقيل أرهق ظهر الامة وأعاق تقدمها., الماضي ليس مشروعاً لصحوة ولا لنهضة ولا ليقظة , كل المجتمعات والاديان السماوية والوضعية إمتلكت امكانيات للنهوض ونهضت  ثم تراجعت  , قيم الاسلام هي القيم الانسانية  الموجودة في كل الحضارات  الاخرى ,من الاجحاف التصور بأن المشروع الاسلامي يجب ان يسود حتى يرث الله الارض ومن عليها , طالما هو مشروع فهو عرضة للتراجع , مع بقاء الاسلام وقيم الاسلام كإمكانية إنسانية وليس كمشروع اسلامي ضيق متخيل من ماض , الفكرة الدينية كما قال "بن نبي" فكرة تنهض بالامة  ورأينا ذلك في اليابان  ودول شرق اسيا"بن نبي" وهذا دليل على أن الفكرة الدينية هي فكرة انسانية خاصة بالانسان عموماً , فالثقافة الاسلامية هي ثقافة انسانية او المفترض ان تكون كذلك , أرجو ان نحرر هذه المفاهيم من أسر الفهم الديني الضيق للتجربة الاسلامية  حتى تصبح امكانية مستقبلية , فلا جدال بأن الاسلام امكانية نهوض , لكن  الفهم الانساني للإسلام هو من يحقق ذلك , فالمشروع أذن أمامنا وليس خلفنا, واليقظة  لاتكون من حلم الماضي بقدر ماتكون   تصوراً للمستقبل. مضى أكثر من قرن ونحن  نكرر هذه المفاهيم  ونعيد إنتاجها  فلا نشعر بالصحوة الا مع تكرارها ولا اليقظة الا مع كل شيخ جديد ينادى بها ولانهضة الا مع كل مستبد عادل  يخرج من حطام الماضي ليشعرنا أننا فقط أمةٌ تتذكر.

السبت، 1 ديسمبر 2018

معرض الكتاب والطبقة الوسطى الثقافية"2"



في إعتقادي أن الثقافة سلطة لوحدها تنشأ من داخل أحشاء المجتمع ودور الدولة فقط في إفساح المجال لذلك بأقل تدخل ممكن ,فالبداية كما أظن وأعتقد  ليس في إنشاء وزارة ولكن في ترك الفرصة لبذرات المجتمع المدني أن تنمو وإكتفاء الدولة بدور المنظم  والتمثيل الخارجي, عندما تصبح الثقافة جهازاً مركزيا حكوميا تصبح أداة رسمية وتصبح الثقافة بالتالي ثقافة رسمية من أعلى الى أسفل , والمعروف أن أهم أجهزة الُسلطة الشمولية هي الثقافة بالاضافة الى التعليم ,والحقيقة التي يجب أن تقال  أن وزارة الثقافة والرياضة حققت في فترتها الحالية الكثير من التقدم في اطار تخفيف قبضة الدولة على الثقافة واطلاق يد المجتمع في ذلك ,  ولكن يبقى الخوف من أن يتماهى المجتمع مع ثقافة السلطة ناسياً أنه مصدر الثقافة ومنبعها بل ان ثقافة السلطة هي جزء من ثقافته او يفترض أن تكون كذلك  ,لذلك دعماً للأنشطة الثقافية المتكاثرة, مثل معرض الكتاب والندوات ومراكز البحوث وغيرها في المجتمع ينبغي أن يكون هناك دوراً للمجتمع المدني من خلال اطلاق  جمعياته وتنظيماته واستصدار قوانين تخص ذلك وتشجع عليه , كما من المفترض أن لاتؤطر ثقافة المجتمع  تحت أية شعارات  أو تصورات تلزم الثقافة والمثقفين  بالالتزام بها , حيث المجتمع نفسه لديه القدرة والاحساس  والالتزام الذاتي  بذلك , إذا شعر المجتمع بالوصاية  تماهى مع الامر وانتج ثقافة الوضع القائم, قطر اليوم تعج بكل مختلف  ومتنوع  لذلك هي في حاجة ماسة بأن تبرز ثقافة مجتمعها  كما يفرزه بكل حرية  وثقة , الامر فقط يحتاج الى منظم أكثر من احتياجه الى جهاز كبير كالوزارة تنشأ  تنظيماته  وجمعياته, مجتمع قطر يضج بالصحفيين والاعلاميين والاجتماعيين والقانونيين  والاداريين  والاطباء واالبيئين والمسرحيين واهل البحر واهل القنص وغيرهم وكلهم  أبناء البلد  وولائهم للحكم هؤلاء هم  مصدر ثقافته, فقط اتركوا لمن لم يولد بعد أن يولد  وأطلقوا يد المولود لكي ينظم نفسه بنفسه , وقتها ستجدون ثقافة تنشأ ذاتياً وترفد المشهد الثقافي بالتجدد وتجعل من معرض الكتاب والندوات والمحاضرات  مسلكاً تلقائياً وشعوراً ذاتياً  لأنه ينبع من المجتمع ويرتفع منسوبه تلقائياً نحو المشاركة الفعالة  والاحساس الملموس  بالمواطنة

الخميس، 29 نوفمبر 2018

معرض الكتاب والطبقة الوسطى الثقافية"1"


 


في كل عام تشهد الدوحة في مثل هذة الايام تظاهرة معرض الكتاب تستمر بضعة أيام ثم تختفي  بلا آثر أو تنفصل لتلتحق بكوكب آخر حتى  تعود في موسمها القادم, القارىء في قطر يقرأ لنفسه فقط ليس هناك تيار ثقافي  يمكن استشعاره بعد كل هذه العقود من استمرار ظاهرة معرض الكتاب  , كان يمكن التعويل على طبقة وسطى ثقافية حتى تكسب مثل هذه المعارض والورش  والندوات الثقافية نوع من المصداقية والفائدة الحقيقية داخل المجتمع , مجتمعنا يعيش بلا طبقة وسطى ثقافية وتكاد تختفي منه ايضاً الطبقة الوسطى الاقتصادية كذلك , لذلك معرض الكتاب تماماً مثل ندوات الديمقراطية والهوية الشائعة منذ اكثر من عقد في مجتمعنا بلا أرضية حقيقية  تنتج موادها الاولية فهي لاتتعدى كونها مجال للعلاقات العامة وتبادل الافكار النظرية  التي انتجتها تجارب الاخرين  وعقول الغير,معرض الكتاب في إعتقادي  هو اللاصق الاجتماعي  لمفهوم الطبة الوسطى الثقافة  لأن الكتاب هو محور الثقافة ,هناك من يقول ولكن انظر الى عدد المؤلفين القطريين والكتاب وغيرهم من الفعاليات الثقافية انهم في تزايد مستمر , ألا يدل ذلك على وجود طبقة  ثقافية في قطر, أقول له نعم هم في تزايد مستمر  ولكنهم  يعيشون مرحلة الاستقطاب الثقافي  سواء الفردي او الايديولوجي  مما يجعلهم  مجرد امتداد  ولايشكلون طبقة وسطى ثقافية  نابعة من  نفس المجتمع, لاتستطيع أن تؤسس طبقة وسطى ثقافية  دون وجود مجتمع مدني مستقل ,فيه جميع انواع المثقفين  لاتستطيع أن تقنع أحداً بقيمة معرض الكتاب أو ندوات الديمقراطية أو الهوية دون أن يكون لها أرضية صلبة في المجتمع من مؤسسات وهيئات ونقابات مجتمع مدني , بودي أن أزور دور عرض هذة المؤسسات المدنية الحرة في معرض الكتاب فلاأجد, لذلك المثقف عندنا مثقف سياحي  يحفظ الكثير  ولكن يفتقد الموقف , يفتقد المرجعية المدنية داخل وطنه , فالمثقف القومي جذوره هناك والمثقف الديني ايضاً جذوره خارج الحدود والعلماني ايضاً ابعد من ذلك لو أنهم انطلقوا من داخل المجتمع لأمكن قيام طبقة وسطى ثقافية غير مُستَلبه , تسند الطبقة الوسطى الاقتصادية المتآكله  وترفد التحول الديمقراطي الذي تنشدة الدولة بيسر , هناك حالة من الفراغ في الوسط بين المثقف  وانتماءاته لايمكن ان تشغلها هذة التظاهرات ,  غياب هذة الطبقة جعل من المثقف عندنا مجرد ردود أفعال , الذباب الالكتروني المتزايد هو نتيجة غياب الطبقة الوسطى الثقافية , وكلما كان كثيراً كلما كان غيابها قي المجتمع أكبر يمكن ملاحظة ذلك بوضوح في ازمة الخليج الراهنة.المجال العام هو مجال الطبقة الوسطى الثقافية ,إذا غابت اصبح هذا المجال مجالٌ رسمي بإمتياز, جميع الفعاليات تصبح بلاقيمة تذكر بل تصبح كدعوة على العشاء  أو حفلة زواج ينفض المدعوون بعدها ليبقى العريس والعروسة يحتفلان ببعضهما البعض  "الدولة ووزاراتها ومؤسساتها",الطبقة الوسطى الثقافية هي مجموع الانماط الثقافية داخل المجتمع بها يستغني المجتمع عن الكثير من تجارب الغير , بها يستطيع أن يحقق التعايش دون عملية فرز قد تكلفه كثيراً في المستقبل , الحصار فرصة ذهبية للدفع في طريق ايجاد طبقة وسطى ثقافية تحتضن الجميع من خلال السماح بمكونات المجتمع المدني بالظهور والاستقلال عن جهاز الدولة , لاأعتقد ان هناك من يشكك في ولاء أهل قطر بعد هذة التجربة القاسية التي نمر بها, اشعر وأنا أزور معرض الكتاب وكأنني ذاهب الى سوبرماركت لاشترى بعض الحاجيات والكماليات  لانني لاأشعر بالجذر الثقافي بقدر ماأستحضر وجود الوزارة وهيبة الدولة, والفراغ الثقافي الذي يملأ المجال العام بين مركز الدوحة للمعارض وبيتي المتواضع   

الأحد، 18 نوفمبر 2018

الوجود اللأخلاقي



من أعظم إنجازات أزمة الحصار الراهنة هي أنها شرعنت أخلاقياً لوجود العديد من الاجهزة الاعلامية والبحثية في قطر , حيث عملت على تجاوز حالة الوجود اللاأخلاقي الذي كان يستشعرها المواطن  لهذة الاجهزة  في المجتمع , حينما إنغمست في الشأن القطري  حيث القضية قضية وجود وإن كان هناك إنفصاماً بين الوجودين قبل الازمة , حيث كان الوجود القطري إستاتيكياً منكفأً على ذاته  بينما كان وجود هذه الاجهزة ديناميكياً  بإتجاه الخارج, على الرغم من أن قضايا العالم العربي وهمومه ومشاكله واحدة ,كما لاأعتقد أن هناك خارجاً على حساب الداخل,, الشعب القطري قضاياه هي قضايا الشعوب العربية الاخرى , في إعتقادي أن وجود هذه الاجهزة كان لاأخلاقياً قبل الازمة, كما أوجد هذا الانفصام لغة تبريريه لاأخلاقية  , مثل أنتم شعب صغير ومشاكله محدودة  ومجتمع رفاهية , نحن لانتدخل في شأنكم فلاتتدخلوا في شأننا,مثل هذه العبارات  تتكرر, نحن نحمل رسالة الحرية للشعوب الاخرى, أنتم لاتطالبون بالديمقراطية أو هي ليست مطلباً ملحاً حيث الريع  جعل منها طلباً مؤجلاً لذلك نحن نعمل على نشرها  للشعوب العربية الاخرى ,من هنا  كانت عبارة في قطر وليس من قطر,منطق هيمنه  لاأكثر وإن لم يفصح عن نفسه بشكل مباشر,   من خيراتكم  نبني لكم  ما يحفظ لكم إستبقاؤكم المادي .
 إذا لم تتبنى قضايا الشعب أو فصلتها حسب إهتمامك ومصلحتك,فأنت لست منه وبالتالي وجودك فيه فائض عليه. من المهم للفرد أوللجهاز أن يكون وجوده أخلاقياً  مهما بلغت درجة تأثيره , لذلك كانت فترة الحصار الراهنة فرصة لإعادة النزعة الاخلاقية اللازمة لوجود هذه الأجهزة ذات الرسالة, لاأتكلم عن الافراد بقدر ما أتكلم عن رسالة الافراد والاجهزة , الرسالة ذاتها يجب أن لاتستثني  فئة لتستهدف أخرى  بحكم الحاجة اليها وليس بحكم طبيعتها .قطر كعبة المضيوم كما قال سمو الامير الوالد , نعم بشرط أن يكون وجوده إنسانياً,يعزز مكانتها , قطر الرأي والرأي الآخر , نعم بشرط  أن لايكون حصرياً   , قطر صوت من لاصوت له , نعم بشرط أن لايكون للخارج على حساب الداخل على كل حال,ينهي الحصار كأزمة وقضية خاشقجي كجريمة  وجوداً معلقاً  لم يكن يشعر به المواطن القطري بل كان يضيق بلا أخلاقيته وأن وجدَ له من التبرير ما وجد,لقد  أوجدت هذة القضيتان , "الحصار وإغتيال خاشقجي " وجوداً أخلاقياً جديداً مكتملاً في الصوت والصورة رابطاً بين الزمان والمكان أرجو ان يستمر  حتى نؤسس لهذه المرحلة الاخلاقيه اللازمة  ونبني عليها, حيث لاشىءيأتي  قبلهافي حين يأتي بعدها كل شيء. 

الخميس، 15 نوفمبر 2018

الوافد وفجوة الشر "الاخلاقي"


 
أنقل اليكم تجربة طبيب عربي اكدتها المشاهدة جاء للعمل بكل جد وتفان  ثم إكتشف بعد الفترة ومن خلال أقرانه الذين سبقوه أن هناك فجوة   بين المواطن وبين تأثيره كوجود متحقق يدخل  من خلالها الشر الاخلاقي. لاأُعمم هنا بقدر ما أحاول رصد ظاهرة  ينبغي تلافيها  لضررها على الحيز العام كمجال للتعايش  في مجتمع يمر بمرحلة انتقالية سريعة الخطى طموحة الابعاد.
"أعترف أنني أضعت كثيرا من سنواتي في هذا البلد، لم أتقدم فيه علميا، ولم أستفد من خيراته اجتماعيا، كنت أزاول عملي الروتيني اليومي، أعالج المرضى واصرف لهم الدواء، وفي إجازاتي آخذ مستحقاتي في إجازة سنوية أعود بعدها لمزاولة عملي الروتيني كطبيب، كنت مرتاح البال، مستريح الضمير، حتى لفت نظري بعض اقراني إلى ملاحظة هامة شغلتني كثيرا وهي كما أشاروا «بدك تعرف الناس في هالبلد وتقدم خدماتك طبقا لمعرفتك لمكانتهم، إذا بدك تتطور»، لم ادرك المقصد من هذا، ظهرت على اقراني مظاهر السمنة، ولم يعودوا يهتمون بتطوير أنفسهم طبيا، بقدر ما كانوا يمارسون حياتهم اجتماعيا، ومع ذلك تقدموا وظيفيا، واصبحوا استشاريين وأنا لا أزال «ممارس عام»، حاولت أستفسر اكثر، فهمت أنه لا بد لي من تقديم الجانب الاجتماعي على الجانب المهني في ممارستي من خلال إدراكي للتراتيبية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وإعطائها الأولوية ليس بين مواطن وغير مواطن وإنما بين فئة المواطنين انفسهم، وذكروا لي أمثلة سابقة لنجاح هذا التوجه الاجتماعي الذي قالوا ان المجتمع يفرضه عليهم، فهناك من اصبح طبيبا خاصا لفئة دون غيرها في المستشفى الحكومي العام ومواعيده فقط لعدد خاص جدا من المرضى، وآخر يطلب اسم المريض أولا لكي يسمح له بمقابلته، أو يحوله إلى طبيب آخر، وثالث حصل على الجنسية وافتتح عياداته الخاصة بعد هذا الاختراق الاجتماعي، على حساب التفريط العلمي" إنتهى كلام الطبيب هنا ، بالنسبة لي أنا هناك العديد    من المرضى حدثوني، عن نماذج طبيه رائعة، اخلصوا لمهنتهم، الإنسانية بعيدا عن أي مطمع اجتماعي آخر،    ومع ذلك تبقى الفرصة متاحة للقادم الجديد من المهنيين أو الاطباء أو غيرهم، في القدوم إلى هذا البلد بعقلية الفرصة الاجتماعية طالما ظلت هذة الفجوة بين المواطن كوجود وتأثير موجودة ويكتشفها المقيم بعد فترة من استقراره وملاحظتة لحركة الوسط الاجتماعي.إن  فكرة التمييز بين المواطنين انفسهم التي استولت على ذهنية كثير من الاطباء، وهم رسل الرحمة تدل بوضوح على بشاعة  الواقع المادي الذي تكرسه الفرصة بعيدا عن الاخلاق كإتيقيا وأساس ,ومجالاً خصباً  للشر الاخلاقي الذي لاينتج عن طبيعة الانسان بقدر ما يكون نتيجة لظروفه وضعف وازع الضمير لديه  , خطيئة كبرى أن يُكرس مثل هذا التوجه لما فيه  من سوء ليس فقط بحق المواطن الضعيف ولكن بحق الوافد أيضاً عندما يجد نفسه في مجتمع  يدفعه  الى الصراع بين ضميره وفرصته.

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

مواطن مؤجل يعني مقيماً غير مستقر



بين الحين والاخر تطرح قضية المواطن والمقيم  من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي ويحدث نوعاً من الانقسام الحاد بين وجهات النظر تصل احياناً  اتهام البعض بالعنصرية أو إتهام المقيم بالانتهازية , ويستعان بالتاريخ  وبالاسقاطات السابقة  لحوادث جرت هنا او هناك تثبت  الولاء او عدم الولاء ويصبح الامر  مشاعاً ومبتذلاً  له بداية وليس له نهاية , في إعتقادي العلاقة بين المواطن والمقيم في قطر  علاقة تاريخية قديمة فقطر منذ الازل كانت مقاماً للكثير من الاخوة العرب من المشرق اولا ثم اصبحت من المشرق والمغرب لاحقاً, والقطري بطبيعته ليس عنصرياً فمالذي إذن حدث  ليبدو الامر وكأنه ظاهرة تشغل بال الطرفين المواطن والمقيم , في اعتقادي هناك عاملان  يبدوان على قدر من الوضوح لتفسير ذلك .

العامل الاول :شعور المواطن بالتأجيل  حيث,يشعر القطري أنه مواطن مؤجل  لكثرة الوعود  وانتظاره للوفاء الذي طال.

ثانياً:    هناك شعوراً عاماً لدى المواطنين بأولوية المقيم  في فكر الدولة  تركز بشكل خاص  خلال هذة الازمة المستمرة.

هاذان العاملان هما  سبب التوتر في العلاقة  لدى المواطن والمقيم والذي ينعكس صداها خلال وسائل الاتصال الاجتماعي,

 شعور المواطن أنه غير "مُفَعَل" بالشكل الكافي جعل منه نزقاً تجاه الآخر , ليتهم بالعنصرية  من قبل المقيم وهوغير ذلك.في إعتقادي أن على الدولة دور كبير , في ضبط العلاقة بين المواطن والمقيم خاصة في ظل هذا التواجد الفخم  لكل هذة المؤسسات التعليمية والاعلامية  والبحثية التي  يستوطنها عدد كبير من الاخوة المقيمين الاكفاء,كلما  جرى تأجيل  المواطن كلما  كان أكثر حساسية تجاه المقيم , كلما إنعكس ذلك سلباً على إستقرار المقيم ,ماذا أعني بالمواطن المؤجل ,؟أالمواطن المؤجل هو المواطن الذي ترعاه الدولة  من مولده حتى وفاته  لكنه يفتقد الرؤية الواضحة للمستقبل حيث أنه ضمن واجبات الدولة ولايشعر بكيانه الذاتي حق الشعور, هو مكتمل البناء المادي , مؤجل الاكتمال المعنوي بينما يجمع لاينطبق ذلك على المقيم القادم للعمل  ضمن شروط تقاعد تستفيد الدولة من اكتماله المعنوي وتضمن له كذلك اكتماله المادي او بعضه.

في السابق كانت علاقة المواطن بالمقيم أكثر سهولة  واقل تعقيد  نظراً لأن طموحات الدولة في السابق أقل بكثير من طموحاتها اليوم ,لذلك من الاهمية بمكان  وضع معادلة المواطن والمقيم في صيغتها السليمة بحيث يبدو تفعيل المواطن هو إستقرار للمقيم و نحن بحاجة الى إخوتنا المقيمين , كذلك نحن في حاجة الى مواطن يمتلك صحة نفسية  جيدة , المواطن المؤجل مصدر إزعاج لأن التأجيل إنتظار والانتظار  نار كما يقال , كلنا نتعرض أحياناً كثيرة لضغوط الانتظار  ونتصرف بعصبية المنتظر الذي طال إنتظاره, بين إحساس المواطن بالتأجيل, وشعوره بتفضيل المقيم فجوة يدخل معها "الشر" الأخلاقي أرجو أن تحظى بالاهمية والاهتمام الكافيين لردمها , بحيث يصبح المواطن فاعلاً بشكل يشعر معه بكينونته ,و حتى يستقر المقيم بشكل يشعر معه بإنسانيته.

السبت، 10 نوفمبر 2018

"الصورة" والمجتمع المُعلق

 
 
تشكل الوعي المجتمعي بعيدا المصلحة العامة يدخله فى اطار مجتمع المناسبة بامتياز, بمعنى انه يخفي مايمليه عليه وعيه فى عقله الباطن أو فى اللاوعي بقدر ما ينساق الى شكلانية ما يفرضه عليه واقعه من مسايرة . تشكل المناسبة الاجتماعية مظهراً اجتماعياً كبيراً فى مجتمعاتنا لأهميتها بل انها تعتبر معلماً تنفرد به هذه المجتمعات دون غيرها فهى رمز للتآلف والتآخي والترابط بين أفراد المجتمع , وهى من لبنات المصلحة العامة بلا شك ولكن عليها ألا تكون هى كل ما يمثل المصلحة العامة. لأن مفهوم المصلحة العامة أكثر شمولية من مظاهر المناسبات أيا كان نوعها , فى المناسبة تشيع ثقافة غير ناقدة" النقد هنا بمعنى "الفهم" أن يفهم المجتمع مايجري" بحكم طبيعةالمناسبة التي تحتمل التماثل والمجاملة والتسامح الى حد الانصهار أو الانسحاب , فى حين أن المصلحة العامة قد تقتضي المصارحة والنقد والاختلاف والفهم فلذلك من الضروري تواجد مجتمع المصلحة العامة ومناسباته الى جانب مجتمع المناسبة الاجتماعية وثقافته . انفراد ثقافة المناسبة يحوّله الى قشور غير معبرة عن واقعه الحقيقي وبالتالي يفتقد المجتمع نقد الذات والتطور , فتشيع بالتالي ثقافة الصورة الجامدة لشخوصه كالتي نشاهدها فى الأعراس وتتشابك الأيدى وكأنها فى الصلاة دلالة على الالتزام بالمناسبة وعدم الخروج عن المألوف بعيدا عن ثقافة الرأي والحركة.
  حتى المنهج القرآني لا يعول على الثبات الذى يقوم ويرتكز عليه مثل هذا المجتمع . هذا المجتمع سيظل معلقاً ما لم تتزواج المناسبة الاجتماعية وثقافتها بثقافة المصلحة العليا الناقدة التي تتجاوز الأفراد الى مصلحة المجتمع ككل وتتحول بالتالي هذه الثقافة الى مناسبة اجتماعية وتبدو صورها مختلفة تظهر فيها الحركة والمناظرة والحوار. تشيع اليوم فى جرائدنا نقلاً للمناسبات الاجتماعية وبالأخص مناسبة الزواج والصورة وحدها قد تحكي ثقافة المجتمع وتحكي حراكه وحيويته.الدوحةاليوم   عاصمة ثقافية بإمتياز  ولا تزال المناسبة الاجتماعية وثقافتها التشابهية هى المسيطرة وهي الريتم الذي  يحاكيه المجتمع بشكل وجودي واضح كما لو يبدو وكأنه إمكانية المجتمع القصوى التي يستطيع تحقيقها  ,أي انتصار لثقافة الجمود   أكبر من ذلك.
مفهوم المصلحة العامة مفهوم جلل بل هو ثقافة بحد ذاته وهو فسيفساء لا يعرف الاحتكار لفئة دون غيرها ولا يعرف الثبات بحكم تغير الظروف والأحوال ولا يغني عنه ولايمثله شكلاً أو مظهرا ًواحداً تحتدم فيه الآراء والتوجهات لتنصهر أخيرا فى هدف أسمى هو مصلحة الوطن أي أنه مفهوم ديناميكي صورته متحركة غير ثابتة تقبل الرأي والرأي الآخر. والى أن يشيع مثل هذا المفهوم ويصبح ثقافة معاشة لا مستهلكاً اعلامياً سنبقى مع مجتمع المناسبة الاجتماعية وقدسية الصوره الجامدة, لدرجة أنك تعتقد أن الجميع في صلاة من شدة الانضباط ونمطية الحركةالواحدة وليس الأمر سوى صورة تذكارية في مناسبة إجتماعية, لكنهاداخل عقل المجتمع الباطن تحكي قصة إثبات وجود حتى وإن  كان  معلقاً أو على الهامش.  

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

خطاب الأمير و"أخلاق الواجب"


 

خطاب سمو الامير في افتتاح الدور السابع والاربعين لمجلس الشورى, كان خطاباً شاملاً ومطمئناً في نفس الوقت  لوضع الدولة واستكمالها لمسيرتها التنموية رغم  مرور سنة ونصف على الحصار الآثم, هنا أريد فقط أن أسلط الضوء على فقرة هامة جاءت في خطاب سموه حفظه الله  وهي الفقرة المتعلقة بالانسان  ومحوريته في عملية التنمية رابطاً ذلك  بضرورة تطور القيم والاخلاق , يطرح سمو الامير فكرة عظيمة حول فلسفة الاخلاق ,بعد سقوط مريع  للاخلاق وللقيم  منذ ماقبل  بدء الحصار حتى اليوم , لم تشهد المدونة الاخلاقية للثقافة في الخليج كالذي نعايشه اليوم مع الاسف, كان المعوَل  في السابق على الدين  وبأن الاخلاق مبنية على الدين , لكن كيف نفسر  سقوط من يدعي التدين ويحمل لواء الدين؟كيف نفسر من يحور الاستبداد الى عدل  والاخلاق الى  رمي المحصنات, كيف نفسر كل هذا القبح ونحن  ندعي التدين , إذن  لابد من مقاربة  الاخلاق من منظور آخر وهو مادعا اليه صاحب السمو وهو الالتزام بأخلاق العمل, أخلاق الواجب , الاخلاق التي تُطلب لذاتها, الاخلاق التي هي جوهر كينونة الانسان,  فقيمة الانسان مرتبطة بتصرفه اخلاقياً وفقاً للواجب كما يقول "كانط",وكأن سمو الامير يطلب  من أفراد مجتمعه أن يتصرفوا وفق ما يطلب منهم واجبهم الاخلاقي , لاكردود أفعال لما يفرضه عليهم الغير , وحتى إن كان هذا الغير يزج بالدين ليبرر ما يفعله أو يقوم به.قيمة الفرد  في أن يكون سلوكه موافقاً  لما يريد أن يكون سلوك الاخرين معه عليه.هذه في إعتقادي نقطة مهمة جداً في خطاب سموه , الدولة بحمد الله تجاوزت الحصار فعلى المجتمع  اليوم تجاوز ثقافته,  الخطورة في أن ينتهي الحصار وتبقى ثقافته , لذلك  موضوع الاخلاق والقيم  الذي اشار اليه سموه في منتهى الاهمية,ثم أن هناك  نقطة أخرى أيضاً هامة يحب الاشارة بعد ماعصف بنا أخلاقياً ماعصف  وهو أولوية الاخلاق على الدين "جئت لأتمم مكارم الاخلاق", فلانعتبر بتدين الشخص قبل أن نعتبر بخلقه, أخلاق الواجب  كما جاء بها "كانط" تضمنها خطاب سمو الامير , أيضاً الذات الاخلاقية التي تكلم عنها "كيركغارد" التي تسبق الذات الدينية  كشف عنها خطاب سموه حينما بنى الاخلاق على العمل  فالتدين  إيمان ينعكس على شكل أفعال وأعمال.

كذلك كانت إشارة سعادة رئيس مجلس الشورى الى أن المجلس يبحث في إيجاد وسيلة للتواصل مع المجتمع بحيث يستطيع أن يكون همزة وصل فاعلة بين المجتمع والحكومة , تندرج هذه أيضاً  ضمن مايسمى بأخلاق الواجب  التي تُطلب لذاتها لتكتمل معها كينونة الانسان  ويشعر معها بإكتمال تدينه كونه أخلاقياً.

لماذا سقط الوكيل؟


 

ذكرت في مقال سابق أنه  التجربة الادارية الحكوميه خلال العقود السابقة, أظهرت أن هناك في الاغلب صراع بين منصبي الوزير والوكيل في الجهاز الحكومي, وبالتالي خلال العقد الماض حتى الآن كان هناك تركزاً واضحاً لمنصب الوزير  وإنسحاباً تدريجياً واضحاً لمنصب الوكيل, بحيث إختزل منصب الوزير الذاكرة الادارية والسياسية للمجتمع, في حين أصبح منصب الوكيل  يحمل أثراً سلبياً في النفس  حتى أن بعضهم يلجأ الى التبرير أن عُين أو قَبل أن يكون وكيلاً, وأصبح بالتالي منصب الوكيل لغز يحتاج الى فك, هذه ظاهرة خطيرة في إعتقادي, حينما يسعى ويصبح هَم الوكيل الاول هو  الحصول على درجة وزير كدرجة, مبرراً ذلك بأن الجميع حصل على درجة وزير , هذه "الريعية" لدرجة الوزير , جعلت من منصب الوزير نفسه"ريع" وبالتالي حولت منصب الوكيل الفني الى مجرد زيادة , وجوده وعدم وجوده سواء.غياب منصب الوكيل يخل  بالهيكل التنظيمي للوزارة ويجعل العلاقات الادارية فيها  في فوضى كبيرة  ويدخل الوزير في متاهة  يتحول معها من راسم سياسة الى مأمور ضبط, غياب منصب الوكيل من الذهنيه الادارية أكثر خطراً من غيابه الفعلي في الواقع , أُشبه الوكيل في الوزارة بضابط الايقاع  الذي يجعل من الوزير يبدع  لأن الايقاع متناغم  والاوكسترا  في إنسجام ,والاخطر من ذلك أن المجتمع بجميع مستوياته أصبح يتهافت على درجة "وزير" فقط إبحث عن  من يُسلك لك الطريق , هذه الريعية أطلقت عقلية استهلاكية  داخل الجهاز الحكومي ذاته  وأصبح حتى التقاعد قبل نيل ذلك يُعدُ إنتحاراً أو أنك لم تحقق شيئاً يذكر في حياتك , داخل كل وزارة هناك منظومة  تعمل ضمن الهيكل الاداري  الذي يوزع الصلاحيات  ويلعب منصب الوكيل دوراً حاسماً لاغنى عنه في توصيل القرار الاستراتيجي الذي يجب على الوزير إتخاذه, هناك من يدعو الى أن  لقب  "معالي" يجب أن تُعطى  للوكيل ليصبح معالي الوكيل  لأنه الاكثر  ثباتاً من الوزير السياسي  والاكثر  استمراراً للحفاظ على  تراكم الخبرات في الوزارة , بينما عندنا يختفى من الذاكرة الادارية للمجتمع ويبقى منصبه شاغراً تتلقفه الايدي  من كل ناحية وصوب ويجتاز الادنى والمقرب ذو الحظوة ويقوم بدوره مدير المكتب او رئيس العلاقات العامة. في التشكيل الوزاري الاول  وحينما رأت الحكومة في وقتها رفد الوزراء كبار السن من الوجهاء  بعدد من الوكلاء المتعلمين, حدثت طفيره كبير لمنصب الوكيل , وكان هَم المتعلمين والخريجين حينذاك  الترشح او الاختيار لمنصب الوكيل لديناميكيته  واهميته , في السابق كان دور الوكيل طاغياً على دور الوزير, والآن تلاشى تماماً أمام  منصب الوزير , في الحالة الاولى يمكن التبرير أن المجتمع كان لايزال يُعطي الوجاهة الاجتماعية أهمية كبرى  حيث المجتمع يحتاجها  وظيفياً لملامسة همومه واحتياجاته, وأحتاج الى ديناميكيه  لتحقيق ذلك  من خلال منصب الوكيل الذي  يدير العمل  داخلياً , ولكن الآن لايمكن تبرير غياب منصب  الوكيل بهذه الصورة إلا  أنه تمظهر لظاهرة "الريع"  في شكل إجتماعي وشمولي واضح وأخشى أن تستمر  بحيث  يصبح لقب الوزير ليس "معالي"  وإنما معالي العلامة الوزير الذي يختزل الوزارة  في لقبه وفي منصبه.

   

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

"مواطن "فوق الشجرة

 
  
 
وحده المجتمع المدني الكفيل بإنزال المواطن من فوق الشجرة, وبعثه روحاً تسري في أوصال المجتمع . لو استقرئنا التاريخ لوجدنا أن التغيير الراديكالي وما قد يصاحبه من سلبيات هى نتيجة عدم الاكتراث بوضع الانسان الذى قد يأخذ شكلاً آخر عندما تصطدم آماله وطموحاته بما لا يطيقه أو يستطيع التعبير عنه, فيسقط على الارض ويرتطم بالواقع إرتطاما   .المواطن العربي  بشكل عام أما مريض بالهذيان والاكتئاب يخلط الماضي بالحاضر والدين بالدنيا يهذى بأمجاد الأمس ولا يملك حاضره وليست لديه القدرة على استشراف مستقبله,وإما مواطن فوق الشجرة  يتكلم عن الحرية وهو أول من يحرمها على غيره, يتحدث عن النظافة ليلقي بأوساخه فى الشارع وأمام البيت, يتأسف على ضياع الأمانة ليمارس النفاق سراً , يدعو الى النظام ليفتخر بتجاوزه بعد ذلك, يبكى على الديمقراطية الغائبة لينحاز الى العرق والطائفة والقبيلة حتى الرمق الأخير, يطلب الانتخابات ليكون أول المتنصلين من نتائجها, يقول شيئا فى العلن ليضمر شيئا آخر فى السر, يمارس التقية ويدعي صفاء النية. المواطن  هنا ضحية أكثر منه مرتكبٌ لكل تلك المثالب ، هي تمظهر حقيقي لغياب المجتمع المدني الحقيقي الذي يرفع الشخص الى مستوى الايمان بالفكر الذى يميز الانسان عن غيره من الكائنات والذى يعطيه الحق فى الدفاع عما آمن به والقوة فى قول ما اقتنع به كذلك.المجتمع المدني وحده القادر على انتشال المواطن من بؤرة التكور حول الذات لحمايتها الى مجال الحوار الانساني البناء والثقة بالنفس والانتماء المهني والفكري اللازم لبناء الوطن والأمة. لن تكون الدولة أية دولة على هدى وبصيرة وهى لا تحمل فى ثناياها بذور مجتمع مدني حقيقي, هو بوصلتها الحقيقية نحو بر الأمان هو الحد الفاصل بين رشدها وغيها. لقد ظلم المواطن العربي غير مرة , ظلم عندما صدق وعود الديمقراطية الآتية لا محالة ولم ير سوى شعارات ترفع وعبارات تردد, وظلم عندما دعي الى الانتخابات وكتبنا على الصندوق إسم القبيلة والعشيرة , وظلم ثالثة عندما فرغت الدولة بذور المجتمع المدني من مضامينها والحقته بها .الدولة اليوم تقوم بكل شىء من أجل المواطن حتى  في مجال الترفية, إنها تعيد الماضي إليه مُعلباً,وتضع له المستقبل في كبسولة ليتناولها صباحاً , جميل كل هذا ولكن الى متى سيبقى فوق الشجرة أما آن له أن ينزل الى ساقها ليضمه وأن يشارك في رفدها بماء الحياة إنطلاقاً من محليته وخصوصية؟
إنزلوا المواطن ياسادة من فوق الشجرة , لن تكتمل انسانيته حتى يعيشها ممارسة ولن يشعر بكسنونته حي يعيشها قيمة ومعنى
 
 

الجمعة، 26 أكتوبر 2018

" أزمة" أم لحظة إستئناف الإنسان


"ندوة مركز إبن خلدون" أزمة الخليج وآثارها

 من الواضح الآن أن الحصار  لم يَعد أزمة  بالمفهوم الدقيق لهذة الكلمة , يبدو أنه اقرب الى حركة التاريخ المتواصلة نحو الحرية  وإنعطافة ضرورية  للإنتقال من مرحلة الى أخرى, أعتقد أن ربيع الانسان الخليجي قد بدأ مع الحصار , كان التاريخ قبل الحصار تاريخ الدولة الكليانية , أصبح اليوم  تاريخ الانسان , تمظهرات الحصار  ذات أطياف شتى كلها تبرز الاتجاة نحو تاريخ الانسان في هذة المنطقة آخرها حتى الآن زوبعة إغتيال خاشقجي  وهي تدل بشكل لايمكن إنكاره عن بداية تاريخ الآنسان في هذة المنطقة  وبداية  تفكك وإنصهار الدولة بشكلها الكلياني  كذلك فيها , كان التفكير قبل الحصار في الدولة كونها أداة تسلط , الآن بدأ تفكير العالم حول مصير الآنسان في هذة المنطقة من العالم , لولا الحصار لما كان الاغتيال  ولما أصبح الإنسان قضية في هذا الجزء من العالم , هذا هو منطق التاريخ المنطلق نحو الحرية في كل بقاع العالم مهما حاولت بعض الدول سد المنافذ والابواب وبناء السواتر الحديدية , لايجب أن نفكر في الحصار كأزمة , بل يجب أن نفكر فيه كسياق  وإتجاه لحركة التاريخ نحو بلوغه لأهدافه , أنظر ماذا فعل الحصار في دول الحصار ناهيك عن الدولة المُحاصرة لتدرك  أنه حركة تاريخ بأدوات بشرية , التاريخ يبحث عن الاغبياء لكي  يكرس مسيرته واستمراريته , لأن الاذكياء يفهمون  حركته مسبقاً وإتجاهه , أنظر كيف مُلئت سجون دول الحصار بأصحاب الرأي  وأصحاب الفكر والمعتدلون من شيوخ الدين في جميع دول الحصار بلا إستثناء , أنظر كيف فعل في الشعب القطري المُحاصر وكيف أبرز إرادةٌ من فولاذ لم تكن لتظهر لولاه , أنظر كيف أفرز مساحة للرأي والرأي ألاخر في هذا المجتمع لم يكن هناك متسع لإظهارها قبل ذلك ,  , الحصار ليس أزمة إلا في ساعته الاولى , أما بعد ذلك فهو إستئناف  للإنسان  بعد فترة غياب طويلة , الحصار ليس أزمةٌ إلا في بياناته الرسمية فقط أما بعد ذلك فهو إنكشاف عن بنية الدولة الكليانية البشعة المتحكمة في هذة البقعة من العالم , وبقدر ماهي كليانية إستبدادية بقدر ماكانت إجراءتها بشعة ضد الغير بل وضد شعبها ,ما يجري في السعودية والامارات والبحرين   من إعتقالات على الهوية بعد إرتكابهم  لجريمة الحصار لشعب شقيق  في لحظة  غباء  تاريخي شكل من أشكال البشاعة  التي يحركها التاريخ في إتجاهه حول حرية الإنسان مهما كانت محاولات هذة الانظمة للهروب من استحقاقاتها التاريخية , لولا الحصار لكان خاشقجي كاتباً عادياً  في سياق الصحافة السعودية , لولا الحصار وتمرده على أوامر الكتابة ضد قطر وحصارها دونما إقتناع منه بذلك  لما لوحق وأُغتيل مكراً ومكيدة , ليصبح سياقاً إنسانياً يتدفق  ليغرق معاقل الاستبداد ويوقض بنيان الطغاة, الحصار لم يعد أزمة لا لا لا أنه سياق إستئناف  بلاشك , إستئناف للإنسان في هذه المنطقة من العالم بعد أن أتى عليه حيناً من الدهر  لم يكن شيئاً مذكورا.

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

إشكالية النقد في مجتمع "مُنجز"


 

الفرق بين التعامل مع الواقع وبناء الواقع نفسه يحدد فى اعتقادى وظيفه النقد فى المجتمع, المجتمع الذى بنى نفسه يختلف عن المجتمع  المُنجز, الاول  شارك النقد فى بنائه  بينما الاخر  اكتفى النقد بالاشاره الى  عثراته  ومشاكله وتخبطاته واقصد بالنقد هنا حركة المجتمع ورؤيته حول  حاضره ومستقبله.يتسامر الناس هنا أن الصمت أفضل من الكلام  والسكوت أفضل من النقد مهما كان بناءً هذا مصدره أننا مجتمع "مُنجز"حيث النقد فى مجتمع الانجاز حركه بنيويه بينما فى المجتمع المُنجز  بنيه فوقيه قد تتعمق اذا ما سمح لها وقد تكتفى  بوضعها الفوقى وتؤأرشف  فى ادبيات المجتمع لاغير . يقوم النقد فى المجتمع الاول على المثقف العضوى  بينما ينتزع الصداره فى الثانى المثقف التقليدى وقد يعانى رديفه الامرين. فى المجتمع الاول " الذى بنى انجازه" الصحافه نابعه من المجتمع بينما فى الاخر  هى انعكاس  للمنجز ذاته. القانون فى الاول  يسرى فى اوصال المجتمع لايستثنى منه  وصل دون غيره بينما فى الاخر  هو ضمن مشاريع الخصصه التى تعج بها مجتمعاتنا المنجزه. السياسه فى المجتمع المبنى هى ديناميكيته  وحراكه بينما هى فى المجتمع المنجز رجس من عمل الشيطان. المواطن فى الاول لبنه  من لبناته بينما فى الاخر ضيف  ينتظر منه خفة الظل  والا الباب" يسع جمل", الكُتاب فى المجتمع الاول  عيون واذان بينما فى الاخر شله من المتطفلين  والزائدين عن الحاجه. الثقافه فى المجتمع الاول بناء وهيكل بينما فى الاخر  رداء قد يلزم وقد لايلزم. فى الاول الثروه وسيله بينما فى الاخر غايه وهدف  ,  فى الاول المستقبل يسكن القلب بينما فى الاخر الحاضراحلى ولاشىء غيره.  فى الاول يجرى التغيير بطريقه نقديه ذاتيه وكمراجعات بينما فى الاخر  يمارس النقد قصفا  فى بنيه صلده  ليس هو من اجزائها اصلا.  فى الاول  هو ذاتى الوجود بينما فى الاخر  هو مختلق  وربما من لوازم الشرعيه فى هذا العصر ايجاده. على كل حال  فالطريف فى عالمنا العربى انه حتى فى المجتمعات التى بنت انجازها كالجزائر مثلا وغيرها لم تستطع التعامل مع هذا الانجاز كجزء اساسى منه  فبقيت مع غيرها سواء بسواء , هذا يطرح سؤالا هاما حول طريقه بناء الانجاز ذاته ومن استغله دون الغير, فالمجتمعات التى كافحت لنيل الاستقلال   لم يخطر ببالها يوما انها بحاجه لاستقلال اخر من الداخل, فبالتالى  كانت حركة هذه المجتمعات الاجتماعيه قاصره  على الغير  دون اى تأثير فاعل  فى بناء داخلى والا لاستمرت هذه الحركات فى ديناميتها حتى اليوم   لان الوقوف عند نقطه معينه دون حراك  يجعل منها  كتله  ومع الوقت  لايمكن تجاوزها بسهوله ومثال الثوره الفرنسيه واضح  فى  استمراريتها  حتى اليوم. ان بناء المجتمعات عمليه مستمره  والفكر بما فيه النقد جزء من هذا الاستمرار فاذا اُنجز المجتمع  وغلقت حوله الابواب تحول الفكر بما فيه النقد  الا زوائد دوديه لاتضر الا اذا التهبت وليس لها دواء حينئذ سوى الاستئصال.

الخطاب الاخلاقي و"العار"



قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً اخلاقياً عالي المستوى حول ملابسات إغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية  في اسطنبول والذي كان مدار إهتمام العالم كله على  مدى الثلاثة  اسابيع الاخيرة منذ دخوله القنصلية في الثاني من إكتوبر الحالي , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً  في حين كان الكثير يتوقع أن يكون إستخبارياً  أو بياناً تفصيلياً جنائياً , وهنا تكمن عبقرية خطااب أردوغان  وهذة المساحة المتروكة  للذات وللأخلاق وللدين    حتى يترك حرية للتصرف بما يتسق والخروج بما يحفظ ماء الوجه ومن القرارات  ما يفي بالمتطلبات الانسانية في جريمة إهتز من تأثيرها ضمير العالم ,جاء خطاب أردوغان أخلاقياً  لأنه كان بصدد العار  الذي قد يلحق بالانسان في كل مكان جراء ماحدث , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأن ماتم على أرض بلاده يُعد عاراً في تاريخ العلاقات بين الدول , جاء خطاب أردوغان إنسانياً وأخلاقياً لأن الطرف الآخر المتهم فيه  بلدٌ  يتمنى كل عربي ومسلم أن لايكون مكاناً للعار , بلد الحرمين الشريفين  , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأن المُناشد هو خادم الحرمين الشريفين , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما  قدم نصيحة لحكومة المملكة العربية السعودية حول كفاءة ممثليها في الخارج , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما تجنب االتحديد وأكتفى بالشمول  , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما ناشد خادم الحرمين الشريفين أن يحاكم الجناة في تركيا حيث الجريمة أرتكبت  على أراضيها , جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما أتسق مع دينه وذاته  وأشار الى أن الادلة الدامغة تقول أن الجريمة قد جرى الاعداد لها بشكل مسبق ودقيق, جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما طلب من السعودية  أن تعاقب مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء  من أسفل إلى أعلى دونما تحديد أو لمز حتى تنجو من العار, عار الانسانية الذي  كان واضحاً أنه  على وشك ان يتلبسها  بشكل يندى له تاريخها  ويحز في ضمير كل عربي ومسلم ذلك ,حان للمملكة العربية السعودية أن تنجو من وصمة العار التي تكاد تلتصق بها منذ دخولها في مستنقع اليمن وحصارها الآثم للشعب القطري الشقيق  وإنجرارها بكل تاريخها وراء  من لايريد بالاسلام ولا المسلمين الخير , أردوغان كان أخلاقياً الى درجة كبيرة  وترك المجال مفتوحاً  أما محاسبة الذات قبل محاسبة العالم ,كان أردوغان معلماً أخلاقياً حينما طرح أسئلة مفتوحة وترك الأجوبة للدين والأخلاق والضمير والعدالة الدولية , لايمكن أن تدعي تقدماً وأصلاحاً والحرية لديك لم تتحول بعد الى فن للمشترك الانساني , لايمكن أن تجعل من نفسك مجدداً وأن تحاصر الرأي الآخر وتتصيده بإلإغتيال لايمكن أن تقنع العالم بأنك إصلاحي وأن تضيق بصحفي لايمتلك سوى قلمه, لقد كان خطاب أردوغان خطاباً عن رمزية العار  التي تمثلت في القنصلية السعودية التي ترفع راية لااله الا الله, هذا ماجعل خطاب الرئيس أردوغان متمهلاً ثقيلاً , لمثل هذا التناقض الفج الذي لايقبل به مسلم شريف على هذة الدنيا , أن تذبح نفسُ برئية  تحت راية التوحيد ,أدركتم كم كان أردوغان متألماً وصبوراً وأخلاقياً. رحم الله الشهيد جمال خاشقجي وأورثه الجنة  يتبؤا فيها حيث يشاء  والهم خطيبته وذويه الصبر والسلوان.

الأحد، 21 أكتوبر 2018

"الخاشقجية"



 ترك جمال  خاشقجي خلفه "الخاشقجية" كظاهرة صحفية في منطقتنا الخليجية  بالذات , ظاهرة الصحفي الانسان المقاوم الذي  لايبرر  سبب وجوده سوى مقاومته للظلم والاستبداد , احتكر موته الاصلي لايمثله أحد غيره  وحوله الى مشهد  كارثي  لايستطيع ان يفلت معه اي ظالم او أي نظام  متلون  يتاجر بالانسان,

خاشقجي هو أول صحفي خليجي  وربما عربي يذهب  الى حتفه بقناعاته الشخصية مع توفر جميع امكانيات  الخروج الآمن الذي يحفظ له شهرته ومكانته , وربما هو الاخير في ذلك , يطرح ملامح الصحفي الاخير  في مجتمع يضج بالصحفيين  المنتمين الى تيار الحياة  بصفتها  وجهة نظر السلطة  والمستبد , موت خاشقجي بهذة الصورة التراجيدية  أنتج " خاشقجية" ربما هي المستقبل لابناء هذا المنطقة  للانتقال بالسلطة من العالم اللاهوتي الديني الى  العالم التاريخي الانساني , المثقف بصفة عامة في مجتمعاتنا مثقف ديني لاهوتي يرى في السلطة دين  وفي المستبد وثن , هذة القيامة" التي أقامها خاشقجي بموته هي انبثاق  للخاشقجية الثقافية التي  سوف تنقل  الثقافة لدينا من الحالة الدينية اللاهوتيه الى الحالة الوضعية البشرية الانسانية.فنحن امام  صور متعددة للمثقف الاخير في مجتمعاتنا  وفقاً لدرجة حضور الوعي وانماط هذا الوعي لكن "الخاشقجية" طرحت سلاح المقاومة بالنقد البناء وليس  بحمل السلاح او إثارة الفوضى , أدركت الخاشقجية ممثلة في الصحفي الراحل أن  مجتمعاتنا في أزمة  لايشعر بها فقط الفقير والمغبون بل حتى المثقف المقرب والصحفي البارز , مثل هذا الوعي يغيب عن كثير من المثقفين والصحفيين في مجتمعاتنا طالما هم في عيش رغيد مع الاستبداد  فهم لايشعرون بالمستقبلل وبالكاد يشعرون بالانسان كقيمة بغض النظر عن انماط وجودة , أحدث جمال خاشقجي قطعاً مع هذا النمط من الصحفي والمثقف المنعم الذي يعيش بذخاً لكن يعاني صراعاً مع ضميره  ويؤلمه ما يحدث في بلاده من هضم للحريات وتضييق على الرأي الحار , الخاشقجية هي عودة الى الاصل أصل الانسان الذي يشعر والمثقف العضوي , كلنا في مرحلة ما قبل الخاشقجية  طالما نعيش في تضاد مع ضمائرنا , طالما نسوغ الاستبداد . هذة القيامة  التي أحدثها موت جمال خاشقجي  ليست سوى معنى جديد للشهادة  ليس في معركة قتال  ولكن في معركة  حرية ضمير , هو طراز من المثقفين الواقفون على شفا حفرة بين حب الوطن وبين الاخلاص لقيادته  بنصحها  لابنفاقها والتزلف اليها ضد قناعاته . ذهب جمال خاشقجي لكن الخاشقجية باقية, لم يكن جمال معارضاً أو شتاماً أو مهرجاً , نادى من أعلى منبر متمدن  في الصحافة العالمية بأنه يخشى على وطنه من الاستبداد وبأن الاصلاح يمر من خلال الانسان  لامن فوق جثته, أعتقد أن القاتل قد خدم خاشقجي  حيث قتله جسداً لتحى "الخاشقجية " رمزاً

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

خاشقجي الغياب الاكثر حضوراً



في عالمنا العربي كل شىء حاضر  لاشىء غائب , العدالة حاضرة , الحرية حاضرة , المَكرُمة حاضرة , طالما القائد الملهم حاضراً لايغيب  , طالما  أن الحضور يلد الحضور والالهام يرث الالهام , لايشكل الغياب في مجتمعاتنا  أي سؤال ,هذا الحضور الابدي  هو لب المشكلة في عالمنا العربي  الزمان والمكان ممتلئان في عالمنا العربي ,  في إعتقادي أن غياب خاشقجي مطلوب وراهنيته  قد حان  وقتها, نحتاج أن يغيب أو أن يُغيب خاشقجي لكل تحضر قضيته وهي قضية الحرية والرأي الحر , نحن اليوم نحتاج الى الغياب  مجرد الغياب  في حد ذاته , الغياب يطرح أسئلة  مفتوحة ,  الآن في عقل كل عربي حضور للغياب وغياب للحضور , حضور لموسى الصدر الغائب , للمناضل المغربي المهدي بن بركة وحاليا  للصحفي السعودي الغائب جمال خاشقجي , بينما غاب القذافي ونظامه, والحسن الثاني وسنوات حكمة , وحالياً النظام السعودي  يرتج لغياب خاشقجي لأن كما أشرت  في غيابة تبدو قضيته  حاضرة  وفي وجدان كل إنسان حر في أي بقعة  من العالم , , للغياب ثلاثة أبعاد ,البعد الوجودي  وهو الشخص , والبعد المعرفي  وهوإمكانياته  ودوره , والبعد الانساني وهو قضيته , إذا بإمكان السلطات السياسية وأنظمة الاستبداد التخلص من بعده الوجودي  والمعرفي فإنها لاتستطيع أن تتخلص من بعده الانساني وتأثيره  وقوة إنتشاره ,يختلف خاشقجي عن غيره من معارضي النظام السعودي أولاً لأنه يطرح مشكلته إنسانياً بعيداً عن أي أدلجة , ثانياً لأنه إختفى والاختفاء بمثل هذة الصورة  يطرح قضيته بشكل أكثر أهمية ويجعل منها قضية كل فرد وكل نظام ديمقراطي في العالم , فغياب خاشقجي هو حضور لقضية الانسان العربي , غياب خاشقجي هو حضور للهدر الذي يتعرض له الانسان  في هذه البقعة من العالم , غياب خاشقجي هو حضور  وتسليط الضوء على الممارسات الصبيانية لهذه الانظمة ,  الحضور تجريد بينما الغياب رمزية , عندما يكون المعارض مجرداً فقضيته  مجردة معه  وسياقها مرتبط بأداءه  وتحولاته ولاتصل الى غيره الا بمقدار ما يتجه من التجريد الى الرمزية  ولا يصبح رمزاً إلا إذا ذهب ضحية  لتمسكه بقضيته  أو دخل في سرداب الغياب تأبيداً لها. حضور جمال خاشقجي اليوم  أشد سطوعاً من أي وقت مضى  كان فيه ضيفاً على قناة عالمية أو كاتباً في جريدة عالمية , أنه يحضر اليوم كقضية إنسانية بعد أن كان حضورة كمواطن سعودي وشخصية صحفية.

الجمعة، 28 سبتمبر 2018


تمهيد

" فقد شهدت فترة الحصار الجائر تعزيز مكانة دولة قطر وترسيخ دورها كشريك فاعل على الساحة الاقليمية والدولية وواصل الاقتصاد القطري نموه وبرهن على قوته وتماسكة"

الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني

أمير دولة قطر
شكل لي الحصار شخصياً صدمة, ليس لأنه مستبعد ولكن لأن بشاعة التوقيت , جعل منه أمراً أخلاقياً وليس فقط إجراءً سياسياً, وبقد ما كان هذا الأمر مؤلماً لي بقدر ما كان قدراً إلهياً للكشف عن إرادة وصلابة  الشعب القطري وصلابة قيادته وحسن إدارتها للأزمة بكل حمكة واستبصار , بالنسبة لي أن أزمة الحصار ليست أزمة سياسية بقدر ماهي أزمة أخلاقية  وبالمعني الادق  للأخلاق أزمة "إتيقيا" لما تحمله من تجاوزات  فيما يتعلق بالنسيج الخليجي الواحد  وكذلك أيضاً فيما يخص العمق الاجتماعي المشترك  والاواصر المتداخلة بين ابناء الخليج  في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية, ناهيك أنها نسفت فكرة كانت دائماً  تطرح من أن السلطات الحاكمة في هذة الدول هي جزء لايتجزأ من هذة الشعوب , بينما جاء قرار الحصار ليدحض ذلك عندما أراد المحاصرون مصادرة حق شعوبهم في الاعتراض فكانت بالتالي قرارات من نوع "منع التعاطف" مع قطر والشعب القطري, لذلك ستجد عزيزي القارىء في هذا الكتاب مقالاتٌ فكرية في طبيعتها  لاتقوم على الوصف بقدر ما تستند على التحليل , "إرادة وطن"  هي أعظم  ما تجلى في هذة الازمة ,في إعتقادي فقد أصبحت قطر إرادة واحدة  خلف قيادة واحدة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخها

الاثنين، 24 سبتمبر 2018

بياع المخزي" السجائر"


 

عندم كنا صغاراً في الفريج , كنا نتطلع دائماً الى الشعور بأننا كبرنا أو أننا نكبر, لاشىء في الفريج يدل على اننا نكبر , الحياة هادئة الى درجة الرتابة  لانملك من وسائل الاتصال سوى تلفونات البيوت  , التلفزيون ليس الجميع يملكه  وفترة بثه محدودة جداً , نشعر بأن الزمن باق والوقت لايمر , نتكدس أمام الدكاكين , تلفت أنظارنا أنواع السجائر بألوانها المتعددة والمختلفه , شكلت لنا تحدياً واضحاً , لايدخنها سوى الكبار وعادة ليسوا من أهل الفريج , بعض الاساتذه  والمدرسين , نشعر أن هناك زهواً يخرج مع دخانها  وشعوراً  بالثقة , أذكر ان أحد أصدقائي  حدثني في الصف عن تجربته في التدخين  عصراً في زرع والده  وأنه يحتفظ بعلبة السجائر هناك  فذهبت معه ليخرجها من مكان دفنها  في طرف المزرعه , صغيرة جداً أسمها "نويكت" هكذا كنا ننطقها, أعطاني سيجاره  لم استطع تدخينها كما يجب  وانما اكتفيت في  اخراج الدخان من فمي , ومع الايام وجدت جميع أصدقائي يملكون علباً للسجائر منها "الكابتن "وبو" قطو"  وبوطماط "وطبعا نويكت وغيرهم , المهم ان مجتمع الفريج  من كبار السن لاحظ ذلك فتنادوا بوقف بيع "المخزي" هكذا كانوا يطلقون على الدخان "السجائر"وتنادوا بعدم ذهاب الاولاد الى الدكاكين حيث بياع  المخزي , والادهى من ذلك أن وسائل المراقبةكانت لصيقة جداً بحيث أصبح الشم  حاسة خطيرة تكشف من يدخن من غيره" شميت في ثياب ولدك ريحة"تتن" سمعتها من احدهم يكلم زميلاً  له من كبار السن في الفريج,  لاتمشى مع فلان تراه يدخن المخزي  تحمل تصير مثله" أيضاً ,هذه في حد ذاتها تهمة كبيرة قد لايبيت صاحبها في بيته تلك الليلة الا وقد وبخَ وربما ضُرب من قبل والده.ماذا كان يعني التدخين في ذلك الوقت كان يعني العزلة الاجتماعية  وليس من السموح للمدخن ان يدخل المسجد لو عرف عنه انه مدخن  كان محرماً في التقاليد, بل سمعت أن هناك من يرفض تزويج المدخن في تلك الايام , ما يهمني هنا التركيز على الوظيفة الاخلاقية التي كان يمثلها الشعور الجمعي  لدى أهل الفريج , اليوم نرى العالم كله  يضع التدخين ليس فقط في خانة المخزي الذي يشعرك بالمهانة بل في خانة الخطر الذي يهدد صحة ووجود الانسان ذاته  , دينياً ليس هناك اجماع على حرمته  ولكن اخلاقياً كان يكشف  عن بداية  للخروج من نطاق التفكير المسموح به في ذلك الوقت , كان اهل الفريج أيضاً يحتقرون من يستورده ناهيك عمن يبيعه كذلك ,بينما كان يمثل لنا نحن الصغار بداية الاعتماد على الذات وبناء الشخصية  والشعور بالمسؤولية , ثم جاءت "مخزيات " أخرى إضافة الى التدخين  بحكم  تطور المجتمع وانفتاحه على العالم ولو عاش أهل الفريج الى يومنا هذا  لقضوا جل وقتهم في البحث عن "الجليل"المستحب "الذي يدعو الى الاحترام " بعد تحول المخزي الى ثقافة عامة ولغة تخاطب  والفاظ  تأنف الاذن من سماعها  ويخجل القلب من الانصات إليها.

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

الاستثمار في الوجع الشعبي


 

مدى  نجاح أي مشروع  وفاعلية أية خطة حكومية مهما كانت أولويتها أو اهميتها هو في خلوها لاي مصدر من مصادر الوجع الشعبي أو لأقل قدر منه داخل المجتمع,لذلك تبدو الفاعلية والجاهزية وحسن التنظيم وموافقة التوقيت من العوامل الهامة جداً في تحقيق ذلك الهدف , قد نتفق على الاهداف بشريطة أن لاتكون الاهداف مصدراً للوجع الشعبي , كثيرة هي القرارات التي كانت مصدراً  لوجع شعبي داخل المجتمع , والتي مع مرور الزمن ثبت أن هذا الوجع الشعبي كان  مبرراً حيث لم تكن النتائج المترتبة على هذه القرارات  ايجابية  الى درجة ان تراجعت الحكومة عن الاستمرار فيها بعد  أن شعرت أن الوجع قد أرتد اليها بعد أن أصاب المجتمع واستشرى فيه , في قطاعات كثيرة منها التعليم والصحة , واليوم  شكل قرار تجنيد طلبة الثانوية مصدراً لوجع شعبي كبير  من عدة نواح  أولا لفجائيته ثانياً لعدم دراسته الدراسة الكافية وتأثير ذلك على نفسية الطلاب  وثالثاً  لتوقيته  رابعاً  لعدم وجود رؤية واضحة حتى عند القائمين عليه  كثير من الاسئلة وجهت للقائمين على المشروع  لم تجد اجابات شافية  لدى الاهالى سوى  أن هناك أوامر  وكشف لي البعض عن  حالة غياب تامه  حول كيفية التصرف مع الحالات الفردية  والصحية والنفسية لكل مجند صغير  هو على أعتاب بناء إمكانية ذاتية  ليجد نفسه داخل صندوق معلب من الاوامر , يحبط كل إمكانية ذاتية في مهدها, حتى أولئك الذين لديهم إعفاءات طبية من أكثر من مصدر طبي داخلي وخارجي جرى التعامل معهم من منطلق "الشك" وهذا في حد ذاته مصدراً عميقاً للوجع الشعبي , حينما يصبح الشك هو نمط العلاقة بين المواطن  والحكومة,  لاأنكر أهمية المرحلة التي نمر بها, لاأنكر أهمية التجنيد الاجباري والخدمة الوطنية , لا أنكر اخلاص المسؤولين , لاأتنكر لواجب المواطن أمام وطنه ,  لاأرفض الفكرة , لكني أرفض الاستثمار في الوجع الشعبي حتى لوكان التراجع عنه بعد ذلك  حلاً ,بل أدعو الى ضرورة دراسة التجربة أولاً  بشكل تشاركي قدر الامكان  وتداولي داخل الاوساط الاجتماعية  وان لم نصل بعد الى مرحلة الاستفتاءات الا أن هناك مجالاً للتدوال , وعدم  الاعتماد على اسلوب احداث الوجع الشعبي لادراك نجاح  التجربة أو فشلها.

نحن أمام بناء ثقة  ولسنا بصدد إختبار مواطنة, كل أبناء قطر على قيد الاستعداد لتلبية الواجب بشرط الشعور بالذات أولاً, عندما يُحمل الانسان على أنه مجرد شىء يصبح وجعه عميقاً والاستثمار في  هذا الوجع خطيئة  قد تنسى ولكن لاتغتفر في حق وجودة كإنسان, إسألوا كثيراً ممن ذهب ضحية للاستثمار في الوجع الشعبي   في قطاعات كثيرة كالتعليم والتقاعد المبكر  والصحة  وغير ذلك

إستثمروا في الانسان كقيمة في حد ذاته , ولاتستثمروا في الانسان  كموضوع للتجربة والتقييم لأن في ذلك انتقاصاً في كرامته كمخلوق فضله الله على كثيراً ممن خلق وكرمه على من سواه من الكائنات.

الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

كيف كنا نعيش الهوية كسرد




 


في ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات منه, كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد, في الريان حيث كنت اعيش  كانت جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً اجزاء منها تقطن هذه المنطقة التاريخية  من قطر , بمجرد أن تخرج من بيتك  أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج ننشىء علاقة مع الاخر الاجنبي , صاحب الدكان الايراني , وراعي القهوة الهندي  والزراع العماني , نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى هكذا بكل تلقائية وفي المجلس  المجتمع كله يلتقي  نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج, لانعرف القبلية , ناهيك عن الطائفية, العلاقة قائمة على الالتقاء  لاتكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته, الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يربي الخوف وينشأ الستار بين الافراد , هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية  لم نكن في تشابه من حيث  الانتساب لقبيلة واحدة او لعائلة واحدة , لم نكن ننتسب الى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها , لم نكن جميعاً على مستوى  واحد ومسافة واحدة من السلطة , السلطة كانت مبثوثة في كل مكان كرموز من العائلة الحاكمة أو الوجهاء ,الالتقاء شبه اليومي بهم والتشاور والتناصح  والتدوال المستمر لمشاكل الفريج هذا التمازج اوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الاخر , هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته  بقدر وجود الاخر الغير قطري ,كنا  ذواتاً قبل أن نكون هوية.


كيف بدأت الهوية الميتافيزيقية" في التشكل ؟ حينما بدأنا بإنشاء مايسمى فرجان العوائل  كل على حدة وأزلنا الاحياء القديمة التي كانت تمثل نموذجاً رائعاً للهوية السردية كالبدع والرميلة والريان  والجسرة.الهوية الميتافيزيقية كما أرى هي الهوية  التي تمتلك ذاتها في داخلها ولايمثل لها الخارج اي بعد تمايزي وتعتقد بقدرتها على الاستغناء عن الاخر" كل هذا  في اعماقها" يعني أصبحت "جوهر".

مع فرجان العوائل وبعض الامتيازات الاخرى كذلك التي يغلب عليها المسمى العائلي والقبلي داخل المجتمع  مجال الهوية الميتافيزيقية , فأصبح الفريج كله لقبيلة واحدة وداخل الفريج ذاته احياء لعائلة واحدة دون غيرها منها, واصبح الفرد لايرى الا من يشابهه تماما الا بالمسمى الثالث او الرابع ربما بمعنى أتقهوى مع نفسي , وأتغدى مع نفسي وأتعشى مع نفسي  مع جزئي الاخر  من نفسي عائلتي وقبيلتي  , ما أد الاشارة إليه هو أن الدولة اليوم غيرها بالأمس  وأصبح سؤال الهوية القطرية  بما هى جوهر  مطروحاً في كل مكان  وهو سؤال زائف , الهوية هي الهوية السردية التي كنا نعيشها في السابق ويمكنها الاستمرار  والتطور بشكل تلقائي  اذا لم تتدخل الحكومة بإجهاضها كما اشرت حينما شرعت في  في انشاء ما يكرس الهوية الميتافيزيقية الاولية, مثل بعض الاحتفالات  وبعض المناسبات الفارزة بشكل واضح ,ايضاً التجنيس العشوائي والسريع يعتبر مقتلاً لتطور الهوية السردية الفاعلة التي تمارس وجودها بتلقائية,الخوف على الهوية هو ناتج ممارسات خاطئة  في حين أن اسبقية الحرية على الهوية   سيجعل من المجتمع صاحب رأي  في كل ما سيتعرض له من تغيرات  وبالتالي يتحمل  مسؤولياته وتبعات ذلك, الهوية اولوية حينما لاتمتلك الارادة والحرية  وبالتالي هي في موقع  التأثر  وردود الافعال. هذا مثال بسيط أردت إيضاحه لأهمية الهوية السردية التي كنا نمارسها تلقائياً  لولا خطوات  اخرى  لم تكن مدروسة بشكل كاف قضتها عليها أو أزاحتها عن المشهد نتيجة الاعتقاد بأولوية الهوية على الحرية  ورأي المجال العام والاوساط الاجتماعيىة,  مما جعل من الهوية القطرية "جوهراً" متعال بعد أن كانت "سرداً" منفتحاً, واليوم يبدو الخوف عليها  خوفاً مبالغاً فيه لغياب الحرية التي تنشأ من خلالها الهوية  السردية التي تشارك في صنع ذاتها  وتقرير مصيرها.  بين الابتعاد عن الجذر  وبين الانتشار الصحي على السطح والعلاقة الافقية التي تكرس اللقاء  يبدو خيار الدولة صعباً مالم نضع اولوية للحرية على الهوية ويصبح التدوال  الواقعي بديلاً عن الاسقاط الفوقي  الذي قد يهمش الجذر لصالح السطح او يعمق الجذر بحيث يجعل منه رافضاً  للتعايش مع السطح