الأحد، 11 مايو 2025

مجتمع على مفترق طرق

 أذكر عندما انتقلنا للدراسة إلى الدوحة في المرحلة الاعدادية في أواخر الستينيات، حيث كانت ضواحي الدوحة تمثل ريفا بالنسبة للمدينة التي هي الدوحة، أذكر أنني فوجئت ببعض مظاهر الفردانية التي لم تكن واضحة لنا قبل الانتقال إلى الدوحة كطلاب، منها على سبيل المثال لا الحصر، خروج الطلبة أثناء اليوم الدراسي وخروجهم خارج أسوار المدرسة وكذلك غياب قوة الضبط الاجتماعي الذي كانت تمارسه الأسرة على أبنائها مقارنة بالوضع ونحن في الضواحي، كذلك الشللية السلبية نتيجة عدم التشابه، مقارنة بالشللية الايجابية المتشابهة إلى حد كبير «عيال فريج واحد» أيضا لاحظت قدرة الطالب على اتخاذ القرار بمفرده دون الرجوع إلى العائلة نظرا إلى البعد عنها والسكن في القسم الداخلي مع الطلبة الآخرين والعودة للعائلة كل نهاية أسبوع، لا أنسى البعد العربي وتأثيره كذلك على نمط تفكير ذلك الجيل فكانت أمانيهم مرتبطة بسقف أعلى يصل إلى حدود الوطن العربي الكبير.كنا نتسابق لشراء مجلة العروبة ومن بعدها جريدة العرب حيث لم تكن هناك مكتبات خارج نطاق الدوحة. يمكن القول إن القبيلة اختفت شيئا ما وراء المدينة وبعد ذلك في المرحلة الثانوية وظهور الأندية الثقافية في الدوحة وإصدار مجلة الدوحة الثقافية، فتمدن الريف وتخرج من بين ابنائه المهندسون والأطباء والباحثون، كل ذلك تأثير «مديني». ما ألحظه منذ فترة أن اختفاء دور المدينة والثقافة المدينية آخذ في التلاشي شيئا فشيئا في حين تعاظم دور قيم المرجعيات الأولى التي تمثل تجذرا واضحا في الثقافة الريفية، ومع تزايد عدد سكان المناطق المحيطة بالدوحة من جميع الجنسيات، أصبح هناك نوع من التكور والتشرنق حول الذات أثر سلبيا على الحياة في المدينة وبدأ يصدر ميكانزمات هذا التشرنق حول الذات على شكل دعاوي الحفاظ على الهوية وعلى اللهجة الاصلية وما إلى ذلك ووصل حتى للاعلام. بل ربما هناك محاولات لاجتثاث صور التنوع أمام الحشد للشمولية والنمطية  , اختفى دور المدينة أو تلاشى بعد اختفاء أهم أحيائها الحضرية، أين دور نادي الجسرة الثقافي الذي كان رائدا على مستوى العالم العربي في الثمانينيات مثلا، ؟   فمراكز تحضر مهما كان نوعها , نواد , هيئات , نقابات... تحمل قيم المدينة بتنوع سكانها من جميع  الفصائل   بدوا كانوا أم من الحضر،  مع تزايد عدد سكان هذه المناطق على حساب المدينة، بالاضافة أننا ربما نمارس جمع الاضداد دونما قدرة على الخروج من ذلك بمركب ثالث يدفع إلى التطور، فنضع قيم القبيلة إلى جانب الجامعة الغربية الحديثة والفكر السلفي إلى جانب قيم الفندقة الحديثة الاستهلاكية. مجتمع صغير متجانس  يحتاج وقت  لينتقل الى ثقافة الاندماج الشمولية , فلانستعجل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق