عندما كنت في الصف الأول والثاني في مدرسة الريان القديم كانت الجزائر وفلسطين هما قضيتا العرب الكبرى؛ نستعرضهما كل صباح في الطابور بعد تحية العلم، وكانت كلمة الصباح وصفاً لحال الأمة العربية، وإشارةً لإرادتها وتماسكها في أغلب الأحيان، وكان في مقابل الطابور في «ليوان» المدرسة رسم بارز بعض الشيء لـ»بن غوريون» رئيس وزراء إسرائيل في تلك الحقبة مخنوقاً بحبل مشنقة، ومن خلفه خريطة فلسطين الحبيبة.
بعد الانتهاء من كلمة الصباح التي كانت تُعد بأهمية حضور الدروس وربما أكثر حيث يستمر الطابور ويأخذ وقتاً كافياً تكون كل حيثياته وتفاصيله قد وصلت الى المنطقة المحيطة بالمدرسة.من خلال استخدام المايكروفونيأتي دور التفتيش على اليدين ونظافتهما والأظافر وتقليمها، فيبدأ مربي كل فصل بالمرور على طلبته كاستعراض حرس الشرف يراقب وقوفهم، وانتظامهم ونظافة أيديهم، ويتوقف عند المقصر أو المتكاسل منبهاً ومحذراً بعدم قبوله في الصف إذا تكرر منه ذلك مستقبلا.
ثم يبدأ بعد انصراف الطلبة إلى صفوفهم اليوم الدراسي بالحصة الأولى، وكانت ست حصص يوميا ما عدا يوم الخميس حيث كانت خمس حصص فقط.
كان معظم مدرسي تلك الحقبة في قطر من الإخوة المصريين والإخوة الفلسطينيين، أما الطلبة فجلهم قطريون ومع الوقت التحق بمدرستنا بعض الإخوة من البحرين الذين نزحوا إلى قطر وسكنوا الريان أو غزة القريبة منه والتي هي اليوم مدينة خليفة الغربية في الغالب.
على كل حال، كانت المدرسة تقدم لنا غذاءً تربوياً متكاملاً وليس فقط دروساً في المنهج المدرسي، فهناك مسرحيات وهناك تفاعل مع الوضع العربي بشكل أشعرنا كطلبة بأننا نعيش العالم العربي كله بين جنباتنا ونحمل الهم الكبير من المحيط إلى الخليج ضمن حقائبنا التي نحملها على ظهورنا متجهين إلى مدارسنا.
نجحت الدولة في ترسيخ مفهوم العلم كقيمة في حد ذاته في ذلك الوقت،
كانت المدرسة «عربية» في منهجها في هويتها في أدق تفاصيلها كان البحث عن نوعية تعليم تتفق وثقافة المجتمع فلما تيقنوا من ذلك أسقط المجتمع جميع العوائق الذهنية التي كانت تعيش في أذهان افراده.
وانخرط الجميع في عملية تعليمية شمولية رائدة في وقتها.