السبت، 26 أبريل 2025

حين تتضخم الأنا

أ شعر بتضخم مخيف «للأنا» في مجتمعنا، لم يعد ظاهرة فردية، بل تشعر معها بعدم الاطمئنان والإيمان بالوطن كمشترك يجب المحافظة عليه، نقيم بناء على أي شيء من أجل تضخيم «الأنا» الفئوية حتى نستطيع التأقلم في مجتمع الأنا المتضخمة، نُحرف في التاريخ، نُغير في الأسماء ونضيف ونحذف ونخفي ونظهر، نؤلف، نؤرخ، نبني أوهاما على أنها تاريخ.. خطورة الأنا المتضخمة أنها غير اتصالية، متوجسة. الأنا المتضخمة مجالها التاريخ لا الواقع ومن هنا الإشكال، لا تعيش الواقع إلا بمقدار ما تجد نفسها فيه أو تختلق تاريخها فيه، عندما يفقد المجتمع الإنتاج يلوذ بالتاريخ كريع يستسقي منه مداده وحكاياته ومروياته. لم يعد الوطن كافيا لأنه لم يترسخ كمفهوم وتجربة وواقع، الأنا المتضخمة تخترق الوطن وربما تعلن امتلاكها له، الإشكالية أنها كظاهرة ليست ثابته وإنما قابلة للزيادة والانتشار بعدد المجاميع المتراكمة والمتزايدة طالما أن كتب الأنساب وشجرات الأصول التي تورق يوما بعد يوم مرجعيات صغرى على حساب مرجعية الوطن، فيتلاشى الوطن أمام الأنا المتضخمة التي تاريخها يمتد مخترقا التاريخ مارا عبر العصور منذ أيام الخيام وبيوت الشعر حتى أيام القصور، فالوطن ليس   استثناء، بل هو  القاعدة أو الفرض  فليس هناك مرجعبة أقوى من مرجعية الانتماء لوطن , كل المرجعيات تتراجع أو من المفترض أن تتراجع أمامه كمرجعية لجميع أبناءه , جميع المرجعيات الصغرى  أمام عدالته سيان , ليس هناك باب دون بابه يطرقه المواطن , ليس هناك حب يضاهي حبه في قلوب أبناءه ,هو مجال التضحية والفداء كما أنه مجال  التنمية والعطاء , سلمت ياوطني مرجعاً ألوذ به , سلمت ياوطن  , على أرضه نشأت وفي ظله عشت  وفي ترابه سوف أدفن , على كل أنا متضخمة أن تضمحل  امام الوطن وحقوق المواطنة, على كل مشروع  لايحتوى ابناء الوطن جميعاً ان يتلاشى  عاشت قطر وطناً للجميع وعاش الأمير رمزاً للمجد.

الأربعاء، 23 أبريل 2025

"المجالس" بين الأمس واليوم

 شكلت المجالس وفي المعظم بها « حبوس» وهي جمع «حبس» بكسر الحاء وهو بناء يشبه الكراسي ملتصق بالحائط للجلوس عليه أو  «دكيك» جمع «دكة» وينطقها   البعض «دجه» كذلك وهو مكان مرتفع من الأرض في الفضاء عادة أمام البيت كمجلس مفتوح في الهواء الطلق خاصة أيام «القيض» الصيف، مكانا للتجمع بشكل يومي خاصة بعد صلاة العصر وبعد صلاة المغرب، ونظرا لطبيعة هذه الأماكن وتشابهها وانتشارها، تأصلت علاقات أفقيه بين أبناء الفريج في كل مناطق قطر، فالانتشار وتبادل الزيارات كما شاهدته كان أفقيا. في تلك الفتره من ستينيات القرن المنصرم ومع بداية السبعينيات، ولم تكن المناصب الحكومية تشكل بريقاً زائفاً كما هي عليه اليوم، لذلك كانت علاقة أهل قطر علاقه ذات طابع اجتماعي إنساني أفقي كذلك، بمعنى أنه لم يؤثر على علاقاتهم ببعضهم البعض، كان أشهر مجلس في الريان القديم حيث كنا نسكن هو مجلس الشيخ جاسم بن علي بن عبدالله، حيث يجتمع أهل الريان  لتناول الغداء بعد صلاة الجمعة، ودرس ديني يومي على «حبس» المجلس يقرأ فيه المطوع حسن مراد ما تيسر من الحديث والسيرة، ومجلس الشيخ خالد بن حمد أطال الله بقاءه, وفي الحقيقة كل بيت في الريان بل إن كل بيوت أهل قطر كان يلتصق بها مجلس، لم يكن شكل المجلس مهما ولا يبدو مزخرفا كما نرى اليوم لكنه يحمل معنى أكثر من مجالس اليوم التي تبدو شكلاً ولكنها تخلو من روح المجلس التي تحمل المعنى الحقيقي لقيمة المجلس، القطري عموماً كان يحرص على بناء مجلسه قبل بنائه لداره وبيته الذي سيسكنه وفي هذا دلالة على مدى انفتاحه وارتباط وجوده بالآخرين، دور المجلس كبير أيضا من الناحية النفسية والشعور بالرضا والإشباع النفسي الذي نعاني من بوادر واضحة لغيابه والاتجاه نحو التقوقع والعزلة القاتله أنتج المجلس ثقافة الاحتفاء بالضيف وارتكز على دور الصغار أو أولاد صاحب المجلس في العناية بالضيوف قبل استقدامنا للخدم في البيوت وغيرهم، كان أبناء صاحب المجلس هم من يعمل القهوة ويقدمها للضيوف وكذلك «المدخن» للتَطَيُب عملاً تلقائياً يفرضه الأمر الواقع والظروف، الناس كانت تتهافت ليس لبناء المجلس وكبره وسعته وجمال شكله وإنما كانت تهفو لروح المجلس وإنسانية صاحبه، كم شهدنا مجالس ليست بناء وإنما روح وأُنس تمتلئ بكبار القوم، وكم رأينا مجالس ليست سوى حجر وأسمنت ورتوش ظلت خاوية مقفلة حتى عفا عنها الزمن، مجالس الأمس كانت إنساناً يعيش طبيعته، بينما مجالس اليوم في معظمها ليست سوى مصلحة أو منصب لا يلبث أن يزول لكي تعود بعده حجراً خاوياً يكسوه الغبار.

معركة التعليم في قطر

 في إعتقادي إن أعظم معركة قادتها الدولة هي معركة التعليم وإقامة نظام تعليمي  لجميع طبقات المجتمع مجاناً, إدخال مدرسة في مجتمع مغلق لم يكن بالأمر السهل تماماً بإقامة نادي في حي أو فريج لديه صورة مسبقة  سلبية وتصور ثابت ومسبق عن معنى لهذه الكلمة,إلا إن النظام العربي في حينه كانت تتملكه روح شاملة ورؤية ليس لبلد دون غيره وانما للإمة العربية بأكملها, الامر الذي جعل من المدرسة ذاتها جزءاً من هذا النظام

 العربي ومن وعي الإنسان العربي بذاته وبحقوقه، كما كانت تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم وخطير، فعن طريقها كان الطلبة يتلقون المساعدات من كسوة سنوية كاملة صيفا وشتاء بالاضافة إلى رواتب شهرية بالاضافة كذلك إلى تغذية يومية متمثلة في توفير الالبان للطلبة بعد الحصة الثالثة وقبل الفسحة الرسمية بين الحصص. ومن الملاحظ أن عدد الطلبة القطريين قد تراجع قليلا بعد توقف المساعدات الاخرى مع الوقت ونجاح الدولة في ترسيخ مفهوم العلم كقيمة في حد ذاته في ذلك الوقت، ولكن ما لبث حتى عاد الجميع كبارا وصغارا يطلبون العلم في ذاته ولذاته.

لا يعني أنه لم تكن هناك مقاومة من بعض كبار السن لوجود المدرسة، فقد امتنع بعضهم عن إدخال ابنائه المدرسة مدعين أنها أصلا «مفسدة»، خلخلت المدرسة الوعي وأظهرت التباين فيه بين أفراد المجتمع.
أما بالنسبة للمرأة وتدريسها فقد أخذ المجتمع وقتا طويلا لكي يقتنع بتدريس البنت وأهمية ذلك بالنسبة لها وللمجتمع، وكانت لحظات صهر عنيفة للوعي التقليدي الذي يرى في المرأة كائنا ليس في حاجة للعلم بقدر حاجته للطاعة والانصياع لارادة المجتمع الذكورية، في بداية الستينيات كانت قضية الثورة الجزائرية وكذلك القضية الفلسطينية بالطبع هما محور طابور الصباح بعد تحية العلم، كنا نعيش روح الأمة في المدرسة، لم تكن المدرسة درساً فقط كانت كذلك وعياً وإحساساً بمصير الأمة المشترك وتطلعاتها إلى الحرية والاستقلال، كنت لاأزال أذكر صورة لبن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، مشنوقا على خريطة فلسطين في ممر مدرستنا الابتدائية في الريان القديم، كان النظام التعليمي نظاماً عربياً ومخرجاته كانت قوية وطنياً وأكاديمياً سواء من التحق بالجامعات الاوروبية والأميركية أو من التحق بالجامعات العربية.. ساعدت هذه الشمولية بين الجزء والكل على إيجاد مدرس يحظى باحترام المجتمع ويمثل فكرة آمن بها المجتمع كذلك، بصورة  أعمق وأكثر تأثيراً منها اليوم.