الأربعاء، 2 أبريل 2025

بين ثقافة "النخبة" ونخبة الثقافة

 سألني أحد الاخوة قائلاً : أين دور النخبة او النخب على اختلافها في  تطوير وعي المجتمع  وزيادة إثراء المشهد الثقافي المتآكل عن ماكان سابقاً؟ أجبته:

لكي ندرك لماذا دور هذه النخب في المشهد الثقافي تأرجح من فترة إلى اخرى، علينا ان ندرك التغير الذي حصل لدور الدولة وطبيعة هذا الدور، خلال العقدين السابقين أو يزيد قليلاً.

انتقل وضع الدولة من المساوقة مع المجتمع إلى تجاوز المجتمع نحو تحقيق أهداف طموحة كبيرة، ما كان بالإمكان تحقيقها أو السعي في تحققها لولا دور" ثقافة النخبة،" احتاجت الدولة إلى ثقافة النخبة ورؤيتها اكثر من حاجتها إلى دور النخب الثقافة، لذلك كان يبدو واضحاً وجود هاتين الثقافتين جراء تغير دور الدولة وطبيعة هذا الدور الجديد، ثقافة النخبة الرائدة، ونخب المجتمع الثقافية، لذلك من يقول إنه في السابق كان الحراك الثقافي اشمل واكثر اتساعاً منه الآن محق، لكن عَلى ألا يغفل عن السبب في ذلك إلا وهو طبيعة الدور الجديد للدولة، عَلى امل انه في القريب العاجل تزداد المشاركة بحيث تتسع الدائرتان، دائرة ثقافة النخبة ودائرة النخبة في المجتمع   ليتماسا ويصبحا دائرة واحدة بعد تحقيق اهداف الدولة التي سعت لها، علينا الوعي بأن هدفاً خرافياً ككأس العالم يقام في قطر ما كان يمكن حتى الحلم به لولا دور "ثقافة النخبة." أو الصفوة التي تملك القرار

وضع المرأة في مجتمع الأكثر محافظة في المنطقة ما كان ليتعزز لولا ثقافة النخبة، البنية التحتية الجبارة ما كان يمكن ان تتم في وقت قياسي حداً لولا دور ثقافة النخبة.. أمور كثيراً نشهدها ما كانت لتتحقق لولا ثقافة النخبة واقتناعها، ولكن يبقى في الأخير التأكيد ان المستقبل للنخب الثقافية وتنوعها في المجتمع وقبولها للاختلاف وانصهار الثقافة في المجتمع بحيث تصبح النخبة جزءا من المجتمع تبدأ منه وتنتهي إليه.

الخميس، 27 مارس 2025

محمد بن خليفة العطية.... الشاعروالإنسان

 برحيل الاخ العزيز محمد بن خليفة بن عبدالله العطية , تفقد قطر إبناً باراً وأديباً وشاعراً من طراز فريد , فهو مجيد في الفصحى كإجادته في العامية هذا ما يتفق عليه الجميع , إلا أنني لمست فيه جانباً آخر  وهو الجانب الإنساني أو اللوحة الخلفية لهذة الصورة الابداعية الظاهرة للناس ,المتمثلة في ذلك الايمان المتمكن من النفس الى درجة الرضا والقبول بكل من تأتي به الحياة من أقدار كتبها الله  وقدر على الانسان أن يخوض غمارها , زرته قبل عامين تقريباً في مكان إقامته في لندن حيث كان يتعالج من المرض , وجدته جالساً برفقة بعض من أبناء عمومته الكرام  وبعض الاخوة , فأستقبلني إستقبالاً بإبتسامة لازلت أذكر ملامحها حتى هذه اللحظة  , وحين سألته عن حاله ,قال لي بالحرف الواحد : والله يابومحمد لاأعد ما أصابني  سوى زكام ؟ رغم فداحة المرض  يقول لاأعتبره سوى مجرد زكام أو نشلة برد ,هزني هذا التعبير , أيقظني من سبات الخوف والشك الذي يداهم الانسان بين حين وآخر حين يتقدم به العمر   وحين يعظم  الأمور وينسى "والله من وراءهم محيط"  , وبدأ يسرد علي  ذكرياته مع والده الكريم خليفة بن عبدالله العطية أثناء  رحلة علاج الوالد في الولايات المتحدة  وكم كان والده كذلك شديد الايمان بالله والثقة فيه رغم مرضه العضال,رغم كل المؤشرات الطبية السلبية, وكم كان مبتسماً  وراضياً بما قسمه الله له, ودعته على أمل اللقاء به , وعاد الى الدوحة بعد ذلك وأتصلت به مهنئاً بسلامة الوصول ومتنياً له الصحة والعافية, وفي حفل زواج إبنه قبل أقل من عام مضى , بعث لي بدعوة ثم  بمكالمة تلفونية يحرصني  على الحضور لمشاركته في فرحته بإبنه , وبالفعل كنت حريصاً على  تحقيق ذلك , كان مبتسماً كالعادة , فرحاً بالناس قبل فرحته بإبنه في زواجه , لطيفاً , يختار كلماته بعناية فائقة  ليشرح بها صدور المتلقين  والضيوف, خسارته كإنسان قبل كل شىء آخر تعادل بل تزيد خسارة الوطن له  كسلاح استراتيجي ناعم للدفاع عن قضايا الوطن وقيادتة الكريمة, عندما  يكون المرض العضال مجرد زكام تكون الروح قد سمت على آلام الجسد وأتصلت بما هو أعلى وأسمى من الوجود  المادي الى وجود سرمدى  لايفنى ولايتحول, الفقيد قصة إيمان قبل أن يكون أيقونة أدب وشعر وثقافة تفخر قطر بإنجابها , رحم الله أبا عبدالرحمن وأسكنه الجنة يتبؤا فيها حيث يشاء , والهمه أهله وذويه وعموم عائلة العطية الكرام الصبر والسلوان   وإنا الى ربنا لراجعون

الأحد، 23 مارس 2025

إسلامنا الجميل

 


 



فى فرجان"جمع فريج" قطر منذ عدة عقود, كان المسجد يمثل فرحة أهل الفريج وتحابهم, يجتمعون لأداء فروضهم إمامهم منهم أومن الاخوه أهل فارس أوغيرهم من سكان قطر فى ذلك الحين,المنبر كان للدعوه الى تقوى الله ونشر المحبه والتآلف, لم تكن هناك مايكروفونات تصدع بأصوات أكثرها نشاز, لم يكن هناك زى مميز للإمام أو الخطيب,الإمامه لكبير السن مما عُرف عنه التقوى اذا تأخر الامام الموكول, كانت هناك أحاديث بعد صلاة العصر عادة, جميله فى نبرتها , راقيه فى محتواها, خاصية التحاب والتآلف لأبناء الفريج الواحد, كان مصدرها المسجد .  قدسية الاسلام كانت كانت حركة متجسدة على الارض,     وثقافة أهل الفريج القائمه على فطرة التسامح , لاتسمع من يُكفر أحدا, لاتسمع من يشتم مخالفا له , تعلمنا محبة شيوخنا من أهل الدين وحكامنا, كانت ثنائيه المسجد والمجلس فى توافق لاتضاد, شيوخنا فى المسجد هم شيوخنا فى المجلس, الصبغه اسلاميه واحده , حين كانت تنقل الينا خطبة الجمعه للشيخ بن محمود رحمه الله عن طريق اذاعه خاصه ,احدث ذلك تطورا نوعيا واتيح لأول مره للمرأه القطريه أن تسمع خطبة الجمعه مباشره من المسجد.كان الدين يشكل وعي  المجتمع   ,كنا في نفس الوقت نحب ونتابع الافلام العربية  أذكر كم كانت شعبية   رشدى اباظه وفريد شوقى واحمد رمزى جارفة نجوم  السينما المصريه فى أوجها, لاتداخل ولا إزدواجية نعيش الحياة بسجية منفتحة  وبأولويات  ثابتة , ,لذلك كان اسلامنا جميلا هادئا لاتناقض فيه . كان وعياً خالصاً يمثل فيه الدين  الجوهر والقيم   فى كل نواحى الحياه. كيف يعود اسلامن الجميل؟أو كيف بالاحرى نعود الى اسلامنا الرائع, هل يمكن لنا ذلك بعد أن  ,غاب أهل الفريج أو إندثروا أو أصبحوا قله بعد أن غابت الفرجان بشكلها السابق , لكن بقي أهل قطر على فطرتهم رغم كل هذا التنوع والاختلاف في طريقة ونوعية الحياة عن السابق والدليل على ذلك مانشاهده في هذا الشهر الكريم بالذات  من اعمال الخير ولقاءات المحبة وبقي المسجد محور الحياة كما كان في السابق,  . يحتاج المسجد في إعتقادي الى مجتمع مدني يسنده ويشد من أزره, لكل منهما وظيفته , فلانحمل المسجد مسؤولية المجتمع المدني ولانلقي بوظيفة المسجد على كاهل المجتمع المدني.

السبت، 22 مارس 2025

قطر العروبة

 عندما كنت في الصف الأول والثاني في مدرسة الريان القديم كانت الجزائر وفلسطين هما قضيتا العرب الكبرى؛ نستعرضهما كل صباح في الطابور بعد تحية العلم، وكانت كلمة الصباح وصفاً لحال الأمة العربية، وإشارةً لإرادتها وتماسكها في أغلب الأحيان، وكان في مقابل الطابور في «ليوان» المدرسة رسم بارز بعض الشيء لـ»بن غوريون» رئيس وزراء إسرائيل في تلك الحقبة مخنوقاً بحبل مشنقة، ومن خلفه خريطة فلسطين الحبيبة.

بعد الانتهاء من كلمة الصباح التي كانت تُعد بأهمية حضور الدروس وربما أكثر حيث يستمر الطابور ويأخذ وقتاً كافياً تكون   كل حيثياته وتفاصيله  قد وصلت الى  المنطقة المحيطة بالمدرسة.من خلال استخدام المايكروفون
يأتي دور التفتيش على اليدين ونظافتهما والأظافر وتقليمها، فيبدأ مربي كل فصل بالمرور على طلبته كاستعراض حرس الشرف يراقب وقوفهم، وانتظامهم ونظافة أيديهم، ويتوقف عند المقصر أو المتكاسل منبهاً ومحذراً بعدم قبوله في الصف إذا تكرر منه ذلك مستقبلا.
ثم يبدأ بعد انصراف الطلبة إلى صفوفهم اليوم الدراسي بالحصة الأولى، وكانت ست حصص يوميا ما عدا يوم الخميس حيث كانت خمس حصص فقط.
كان معظم مدرسي تلك الحقبة في قطر من الإخوة المصريين والإخوة الفلسطينيين، أما الطلبة فجلهم قطريون ومع الوقت التحق بمدرستنا بعض الإخوة من البحرين الذين نزحوا إلى قطر وسكنوا الريان أو غزة القريبة منه والتي هي اليوم مدينة خليفة الغربية في الغالب.
على كل حال، كانت المدرسة تقدم لنا غذاءً تربوياً متكاملاً وليس فقط دروساً في المنهج المدرسي، فهناك مسرحيات وهناك تفاعل مع الوضع العربي بشكل أشعرنا كطلبة بأننا نعيش العالم العربي كله بين جنباتنا ونحمل الهم الكبير من المحيط إلى الخليج ضمن حقائبنا التي نحملها على ظهورنا متجهين إلى مدارسنا.
 
وفي أحد الأيام وكنت في الصف الثالث الابتدائي وقبل طابور الصباح فوجئت بتظاهرة تخرج من المدرسة يقودها الطلبة الأكبر سناً منا في الصفوف الخامس والسادس تتقدمهم صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر متجهين نحو شارع الريان القديم العام   بعد أن أشاروا لمن هم في سني بالذهاب إلى البيت.
 
كانت المدرسة في حينه جزءا من النظام العربي ومن وعي الإنسان العربي بذاته وبحقوقه، كما كانت تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم وخطير، فعن طريقها كان الطلبة يتلقون المساعدات من كسوة سنوية كاملة صيفا وشتاء بالإضافة إلى رواتب شهرية بالإضافة كذلك إلى تغذية يومية متمثلة في توفير الألبان للطلبة بعد الحصة الثالثة وقبل الفسحة الرسمية بين الحصص.
نجحت الدولة في ترسيخ مفهوم العلم كقيمة في حد ذاته في ذلك الوقت،  
كانت المدرسة «عربية» في منهجها في هويتها في أدق تفاصيلها   كان البحث عن نوعية تعليم تتفق وثقافة المجتمع فلما تيقنوا من ذلك أسقط المجتمع  جميع العوائق الذهنية التي كانت تعيش في أذهان افراده.
وانخرط الجميع في عملية تعليمية شمولية رائدة في وقتها.

مجتمعنا الجميل

 



على الرغم من عملية التحديث النشطه في مجتمعنا القطري وتبعاتها الاجتماعيه , لاتزال الشخصيه القطريه الاصيله محافظه على جمال الروح الذي جُبلت عليه , نعم أصبح المجتمع يدفع تكلفة إجتماعيه أكبر من ذي قبل نتيجة طبيعية للتغير والتطور في طبيعة المجتمع وفي دور الدولة كذلك عما كان في السابق. هناك بقايا طيبة من الآباء تدرك الابناء وتصلهم بتراثهم الاجتماعي التوافقي, كثير من الشباب الذين نتعامل معهم يوميا , لانعرفهم شخصيا ولكن نعرف آباؤهم أو أقراباؤهم الاكبر سنا الراحلون منهم أوالذين لايزالون على قيد الحياة, فتشعر بحرارة العلاقة القديمه وقد تجددت مع هذا النشء الصغير, وكأنك تعيش عصر والده الذي عاصرته.تميز المجتمع القطري عن غيره من المجتمعات الخليجيه بوجود المجالس ذات الطابع الاجتماعي بالذات بعيدا عن السياسيه أو الايديولوجيا, مجالس تقوم على تنقية السلوك الاجتماعي للأبناء بشكل يجعل من التوافق سبيلا وخيارا متاحا لجميع أفراد المجتمع, أنا أعتقد أننا أمام تحد كبير للإحتفاظ بجمالية مجتمعنا القطري المتمثله في علاقاته مع بعض البعض , حيث لم يعد ظاهرا منها اليوم سوى الالتقاء في مناسبات الزواج ومناسبات العزاء , حيث تجد حضورا كبيرا وشوقا متلهف للقاء وكأننا نعيش في مجتمع تفصله مساحات هائله عن بعضه البعض. المهم أن لايشعر المجتمع بالغربة عن ذاته, ميكانزمات التواصل الاجتماعي لم تعد متوفره بالشكل السابق الذي يخلق روحا حميمية نتيجة التواصل اليومي , لذلك قيمة جيلنا الحالي في نقل ذلك ولو شفاهة الى النشء الجديد الذي ابصر النور مع بداية التحولات التي أتت على طبيعة المجتمع الماديه التي تشكل ذاكرة هامه للبعد المعنوي لأفراد المجتمع, لايزال المجتمع القطري جميلا بأفراده , لايزال جميلا بمجالسه , لايزال جميلا بطيبة أهله , لايزال جميلا بعلاقاته التي يمكن أن يقيمها ببساطة بمجرد استذكار الماضي المشترك. روح المجتمع الساريه حتى الآن يجب المحافظة عليها , كنت في زيارة أخ عزيز بمناسبة زواج أحد أبناءه , وجدت المجتمع عنده, مباركا وفرحا, وفي مناسبة حزينة لصديق آخر , عزيته , وجدت المجتمع عنده معزيا وحزينا. هذا هو المجتمع القطري الجميل , وهذه هي روحه الساريه عبر الزمن, اللهم أحفظ حاضرنا كما حفظت ماضينا ويسر لنا مستقبلنا بدعاء الضعيف منا.

  

  

الجمعة، 21 مارس 2025

قطر مجتمع " الإنسان"

 التطورات السريعة التي تمر بها البلاد خاصة على الصعيد المادي ودخول المادة كعامل أساسي في رسم العلاقات وأهميتها تنقل هذا المجتمع الصغير من مرحلة نفسية متميزة كانت صفة من صفاته وعنواناً لتفرده وتميزه عن غيره من المجتمعات التي رسمت فيها المادة قيماً جديدة، وبدلت الحال إلى أحوال جديدة، بحيث لم تعد مركزية العامل الإنساني هي المحرك للعلاقات، وبالتالي شكت ولا تزال تشكو تلك المجتمعات من ذلك عندما كانت المادة تشكل هامشاً حياتياً فقط للإنسان ولم تنل بعد من ذاته لتستقر بديلاً عنها. مجتمعنا الصغير يدخل إلى مرحلة جديدة بؤرتها المادة ونقطة الامتصاص فيها المال، فبالتالي يجب التنبه إلى أن قوة مجتمعنا القطري هي في تلاحمه مع بعضه البعض بعيداً عن أي عوامل أخرى غير إنسانية. كانت ثمة مادة لدى الكثير في الماضي ولكنها لم تستقر لتشكل العلاقات والدرجات والتراتيب الاجتماعية لوعي أصحابها (أي المادة) في ذلك الوقت بأن البعد الإنساني هو الأغلى وهي ما يعول عليه، لقد تنبه علماء مدرسة فرانكفورت النقدية لهذه المخاطر في مجتمعاتهم الأوروبية ودافعوا كثيراً عن مركزية الإنسان في الكون، بعيداً عن حمى الرأسماليـة الزاحفة حتى خشي «ماركوز» من تحول الإنسان إلى إنسان ذي بُعد واحد تحركه المادة وينجذب إليها، على كل حال لا يزال هناك كثير من الخير والأمل في مجتمعاتنا الخليجية ولا يزال هناك من يعي بأهمية الإنسان ومركزيته كإنسان بعيداً عن شوائب المادة، ولكنه لا يجب إغفال حقيقة هامة وهي أننا ندخل عملية تطور سريعة لم يسبق أن خبرناها في سرعتها وفي حجمها، ولابد أن تحدث تغيرات في شكل العلاقات وبنائها مما قد يكون له تداعيات سلبية. نحن بحاجة إلى التمسك بأنسنة العلاقات الاجتماعية ولا نجعل شيئاً آخر يطغى على هذه الأنسنة لتبقى قطر وهي في طريقها النهضوي ورغم اتجاهها السريع في طريق التحديث «قطر الرجال الأولين بحق».

اذا كانت عملية «الانسنة» للعلاقات تتم في السابق بشكل عفوي فإنها اليوم على ما أعتقد في حاجة إلى عملية استحضار دائم لكيلا تغشى غمامة المادة على إنسانية الروح ومحوريتها في هذه الدنيا الذاهبة.

السبت، 15 مارس 2025

كل عام وانتم بخير

 كل عام وانتم بخير , عبارة تعودنا على سماعها  مع كل سنة جديدة او اي مناسبة سعيدة  تتكرر , عبارة غنية بالمعنى   ومفعمة بروح الأمل,  لايمكن  أن يعيش الانسان دون أن يمني نفسه بالأمل , لا يستطيع أن يواجه المستقبل دون ان تحدثه نفسه  بأن غداً أفضل  , حتى لو لم يحدث شيئاً في ذلك  إلا ان الأمل في حد ذاته  إنجاز اً نفسياً, أنظر الى الكثير من حولك من الضعفاء  والمحتاجين , من أين تأتيهم البسمة , رغم حرمانهم وحاجتهم المستمرة  لاساسيات الحياة,, ألحياة محتوى وليست كتله أو قطعة واحدة , لايمتلكها شخص مهما بلغ ثراؤه أو قوته أو منصبه , حينما تكتفي ولم تعد تأمل شيئاً  تكن قد فقدت المعنى  فلابد لك من  ان تجد باباً لم يطرق ولم يُفتح بعد  بهذه الطريقة تحضر الظروف  وتفتح باباً لمستقبل  آخر , المستقبل ليس مستقبلك أنت وحدك , فهذه انانية يقع في براثينها كثير من أصحاب الثروة والاغنياء, المستقبل هو مستقبل الإنسانية , مستقبل الإنسان  في كل مكان ,  , لايمكن لك أن تضمن مستقبلك ومستقبلك أولادك واحفادك ومستقبل الانسانية كله مهدد بحروب نووية وأوبئة وأمراض فتاكة, سمعت كثيراً عبارة" أنا ضمنت مستقبل أولادي  من خلال ماتركت لهم من  أموال منقولة وغير منقولة" مثل هذا لايدرك أن العالم أصبح  متصلاً ببعضه البعض بشكل تماماً يشبه  قطع الدومينو , بحيث لو سقطت  قطعة واحدة  سقطت معها الاف القطع بشكل متواصل  حتى تسقط جميع القطع وهو مايسمى " تأثير الدومينو", أموالك   اليوم التي تستخدمها ترجع  آخر النهار الى  بنوك الغرب , وكل دولار  في يدك , يبات ليلاً في الخزينة الأمريكية ,  وأمريكا وما يعصف بها  سيصيب العالم في مقتل , الحقيقة أننا بحاجة  الى نظام إنساني جديد يكون  فيه الانسان هو المركز والقيمة   وليس الدولار أو السلعة, كنا نقول في السابق لبعضنا البعض عبارة" كل عام وانتم بخير" بطمأنينة , المساحة الجغرافية التي تبعدنا  مراكز التوتر , كلنا نقولها  بإطمئنان  قبل أن يصبح مصير العالم  بضغطة زر في يد مسؤول طائش , كنا نقولها بثقة أكبر حينما كان الذهب  سلعة العالم  وليس الدولار المطبوع  , كنا نقولها قبل أن تسيطر شركات الادوية على  مراكز القرار السياسي في الدول الكبرى لتحولنا الى فئران تجارب   لكي تجني الارباح الطائلة من وراء عالم ثالث منهك   يشتري  هذه الادوية  طوعاً أو كرهاً أو أن يعزل  ويخرج من دائرة  التقنية ووسائل الاتصال  الحديثة. العالم على مدارك عصر جديد لايمثل فيه الانسان أي قيمة  فهو موضوع استهلاكي  متى  ما حان وقته والبداية تكون من الاضعف  طبعاً ,  يصفوننا بالدول الغنية  وأعينهم ليست على البشر وإنما على النفط والغاز والموقع الاستراتيجي,  الى متى سيستمر ذلك , لاأعلم  ولكن كل عام وانتم بخير , طالما نحن مؤمنين بوجود إرادة الهية عليا  تدبر الكون وشؤونه, ومن سننها التداول  وسقوط الظلم مهما طالت به الايام  جرياً مع منهج الاستخلاف  الانساني للكون 

الثلاثاء، 11 مارس 2025

ذاكرة المكان"غزة"

 

غزة الصامدة اليوم , غزة التي تسطر أروع صفحات تاريخ المقاومة والصمود والتحدي في وجه الصهيونية ومن وراءها الاستكبار الامبريالي العالمي, غزة التي أيقظت ضمير العالم  واحرار العالم من سبات المدنية الغربية الزائفة, غزة التي حركت كبرى عواصم العالم نحو وعي جديد  لامكان فيه لاستغلال الانسان  وسرقة احلامه   وارضه واقتلاع تاريخه, لم تكن بعيدة وعي الانسان القطري  كأسم  وكرمزية  للمكان  وللإنسان العربي الفلسطيني 

 أذكر أنني أول مرة سمعت باسم غزة اعتقدت أن الكلام عن غزة فلسطين، كنت في المرحلة الابتدائية، حين أشار بعض الرفقاء للاستعداد لخوض مباراة لكرة القدم مع فريق «غزة» فإذا بها منطقة لايفصلها عن الريان حيث كنا نسكن  سوى مسافة  قصيرة لم تُعمر بعد في حينه  

عندما كنا طلابا في مدرسة الريان القديم الابتدائية، فوجئنا بإخوة كرام يلتحقون بمدرستنا قادمين من غزة، وهي تجمع سكاني لا توجد به مدرسة في حينه، يقع شرق الريان القديم والغرافة، وتفصله أرض قاحلة إلا من بعض الاشجار والأعشاب القليلة التي تسمى اليوم بمنطقة «اللقطة».
أذكر أننا على الدراجات لكي نصل إلى غزة، علينا أن نمر أولا إلى الغرافة، ومن محطة البترول القديمة التي كانت قائمة هناك، نسلك طريقا صغيرا وخطيرا من الأسفلت قادما من الشمال، حتى نصل إلى غزة، حيث كانت كرة القدم ديدن شباب تلك الأيام ومباريات الفرجان شبه أسبوعية.
سمعت أن أول من أطلق عليها هذا الاسم هم أوائل من سكنها من قبائل وعوائل أهل قطر الكريمة، حيث كانت سكنا لعددمن هذه العوائل والقبائل   
وسمعت كذلك أن من أطلق عليها هذا الاسم أيضاً هو أحد الدبلوماسيين القطريين المخضرمين.تفاعلاً مع قوميته  والشعور العربي العارم  مناصرة للقضية الفلسطينية  .
ما أود أن أشير إليه أن الوعي العربي القومي في تلك المرحلة كان له انعكاسات مباشرة في حياة الشعب القطري.
ولا أدري إن كان اسم غزة تيمناً باسم غزة فلسطين،أم لسبب آخر؟ وربما أنه كذلك تيمناً بغزة فلسطين لسيطرة القضية الفلسطينية على ذهن وتفكير المواطن العربي عموما، والقطري خصوصا في تلك المرحلة، إلا أنني على يقين من أن أسماء كالعروبة والوحدة والتحرير والأحرار، التي كانت مسميات لأندية قطرية لكرة القدم، هي من نتاج الفكر القومي الذي كان سائدا في الذهنية العربية عموماً آنذاك.
 أنشأت الدولة فيما بعد مدينة خليفة  الشمالية والجنوبية  لتتضمن منطقة "غزة"  جرياً مع مشروعات الدولة للتحديث  إلا أن  من عايشوا تلك  الحقبة المبكرة  في وعي الشعب القطري لايزالون  يتذكرون وتأتي مع احاديثهم وذكرياتهم , حيث لاتزال القضية الفلسطينية تحتل مكانتها في ضمير أهل قطر , ولاتزال غزة الصمود نبراساً  يضي طريق الامل  مهما طال وأستوحش, لذلك لم يكن وقوف قطر حكومة وشعباً غريباً مع غزة وشعبها الذي يتعرض لابادة ممنهجة من قوى الشر العالمي , غزة    في قلب الشعب القطري باكراً وتسمية قطعة عزيزة من أرض قطر بإسمها دلالة على  أصالة  وجودها  في ضميره وفي وعي أجياله جيلاً بعد آخر

"النص" بين الحرية والحتمية

 أعني بالنص هنا القران الكريم , بلاشك ولاجدال , نحن أمة أنشئها النص , وعلى مر تاريخها لديها إشكالية ليس فقط في فهم هذا النص بل وفي إسلوب تطبيقه,والجدال والفتنة التي حصلت في أول عهد الامة مصدرها الاختلاف في فهم النص وفي تأويله ,وحتى اليوم والسياسة والحكم أو التأمر عبر تاريخها أيضاً مرهون بإستخدام النص وتوظيفه.والجميع يدرك عظمة النص القراني  وكثافته  وسرمدية إمكانية فهمه لجيل بعد آخر  كلما تطورت أساليب الفهم والدليل أننا نحظى سنوياً  بأجيال تتجدد مع فهمه وتتفنن في استخراج  كنوزه  وجواهره,فهل هو داء الأمة أم دواؤها؟ 

بالطبع ليس هو داء بل دواء ولكن بأي جرعة فهم وبأي مقدار تطبيق ؟

وهل كيف يمكن المؤامة بين النص الثابت والواقع المتحرك؟

هل ثمة شيٌ خارج النص , أم "لاشىء خارج النص"؟

ماهو مقدار الحرية وما هو مقدار الحتمية في كل من فهمه وتطبيقه؟سواء للفرد ام  المجتمع؟

هل الأمر مناط بالفرد أم بالسلطة؟ الفرد أم المؤسسة؟

ماهي حدود حرية الفرد في فهمه ؟ وماهي نسبة الاحتكار في ذلك سواء كان ذلك لمؤسسة دينيه أم جهاز  سلطة دينية؟

هل يكفي صلاح الفرد لصلاح المجتمع أم يجب إصلاح المجتمع من خلال فرض رؤية شمولية ترى الدولة انها الانسب ليلتزم بها الفرد فهماً للنص القراني؟

هل القران كتاب هداية وإيمان أم كتاب علم ونظريات علمية وجميعنا  يدرك هبة التفسير العلمي للقران التي سادت ثم إنحسرت ؟

القران كتاب يبهر الانسان حين يتمعن فيه  لأن في طبقاته من الكنوز الكثير  كلما ازداد الانسان إدراكاً كلما إكتشف جديداً مبهراً. ولكن في إعتقادي يبقى هناك شيء خارج النص , وهو النص المرئي أو المشاهد وهو الطبيعة بشكل عام  وحوادث التاريخ ومشاهد آثاره " قل سيروا فأنظروا كيف بدأ الخلق "  وغيرها من آيات السير والنظر في القرآن وهي كثر بمعنى ليس فقط الذهنية الايمانية وانما الذهنية العقلية لها دور في النظر والاستقراء والاستنتاج ,وهو أمر يرجع الى النفس البشرية ومرجعيتها  وهو مجال للحرية خارج النص لايمكن إهماله أو الاستهانة به.ثم أي فهم لأي نص ؟ يبني الأمة ويعزز اللحمة ويدخلنا العصر ؟ هذا سؤال جواهر , نحن لانزال خارج العصر  رغم  وجود هذا الكتاب بين ظهرانينا لاكثر من الف  وخمسمائة عام,. أعتقد أننا  نتحرك في فهمه إنطلاقاً من عقلية الحتمية وليس انطلاقاً من مبدأ الحرية, بمعنى أننا نريد أن  ندخل العصر في داخله أو نفرض فهماً معيناً له على العصر, وفي اعتقادي أنه يحتمل كل العصر وتغيراته  بشرط أن نفهم آياته الكونية  من حيث الإبدال والاحلال وشروط كل منهما, ونترك فكرة العصر الذهبي المستعاد لاستحالة  ذلك.


السبت، 8 مارس 2025

دعوة لتجاوز ندم "التقصير"

  في رمضان بالذات عليك أن تتجاوز ندم " التقصير" كلنا كبشر مقصرون  ولكن عندما تشعر بأنك لست مسلما بالقدر الكافي، عندما تشعر دائما بذنب التقصير، عندما يحتويك الندم المستمر بأنك لا يمكن أن تكون مثل أولئك الأوائل في الإسلام، وإن عليك دائما أن تكون أكثر إسلاما صورة المسلم الأعلى من جانب العبادات فقط وليس من جانب المعاملات الدنيوية، أو من منطلق البعد الإنساني الذي يأخذ بظروف الوقت ومتغيراته هي حالة من الحزن الدائم الذي يرتبط لدى البعض ذهنيا بفكرة المسلم الأعلى، وهي ليست صورة صحية لا للإسلام ولا للمسلمين، الإنسان كائن مادي، توحشك على ماديتك باستمرار لا يحولك إلى كائن نوراني، يعيش المسلم اليوم ضمن نطاق دولة وسط إقليم عالمي، ما لم ينتمِ إليه إنسانيا خاصة وأن الإسلام دين إنساني، لكن التركيز على فكرة المسلم الأعلى تضع النشء في حيرة من أمره ومن مستقبله، شهد التاريخ إمبراطوريات عظيمة قامت على فكرة الإنسان الأعلى ولكنها انتهت، لكن الأديان استمرت، المهم أن لا تنتج وحوشا جرياً وراء فكرة الإنسان الأعلى هذه، المسلم المتواضع الذي يهدي البشرية إلى خير السبيل، الذي أوصل الإسلام إلى أرخبيل الفلبين وجزر إندونيسيا، هذا المسلم المتعامل مع ظروفه وبيئته بشيء من تواضع الإنسان وعظمة الإسلام، هو من أنتج اليوم توافقا بين الإسلام والعصر في تلك الدول كماليزيا وإندونيسيا وغيرهما، المسلم ليس كائنا خارقا، حتى يعيش تبدل العصر دون أن يندمج فيه اندماجا إيجابيا، يجعل منه في حالة طلب مستمر لبناء ذات إسلامية «إنسانية»، تعلو بحقيقة الإسلام السرمدية وفي نفس الوقت تؤكد حقيقة الإنسان المرحلية ووظيفة المسلم في السعي وراء الكمال انطلاقا من ثنائية الذنب والاستغفار البشرية.

الأحد، 2 مارس 2025

رمضان أيام "الفرجان"

لازلت أذكر كيف يعج الفريج قبيل الفطور بحالة من الشعور الجمعي والمشاركة الوجدانية  هناك  فطرة للتواصل  تستبعد الدنيا ومصالحها   تلوح في أفق ذاكرتي لذلك الجو الانساني الغامر  كلما عاد بي رمضان  , أطباق من  الهريس والثريد  والساقو وغير ذلك  من وجبات رمضانية  تفننت إمهاتنا  في إعدادها,  في عملية تبادل وعطاء  جميلة  بين أبناء الفريج الواحد , وفي  أحياناً كثيرة كنا نحن الصغار في حينه من يقوم  بتوزيعها  أو جسامها "بكسر الجيم" قبل   شروع المجتمع بإستقدام  عمالة خدمية, الجميع  يأكل من خير الجميع , الجميع يتذوق  ويشترك مع جيرانه لقمة رمضان, الجميع يعطي  مهما كانت ظروفه المادية, حينما تتبادل المحبة تزداد غنى كلما أنفقت , عندما نتشارك  اللحظة تصبح أغنى لجظة , قبيل الفطور في الفرجان حالة من النشاط  لازلت أعيشها كل ما خطرت ببالي , المسافات متقاربة , القلوب أكثر قرباً , رمضان  أكثر حضوراً, الفريج يحكي قصة واحدة من العطاء والمشاركة,  مائدة واحدة  وان تعددت البيوت , مسجداً واحداً وان تباعدت المسافة, هناك من يستقبل ضيوفه في مجلسه  للفطور , وبعد العشاء  وهناك من يشوي اللحم بعد التراويح  في ركن قريب  فيجتمع حوله الشباب ,رمضان أيام الفرجان سردية يعيشها الجميع  وينتظرها الجميع بفارغ الصبر , شفافية في القول والعمل , بساطة في التعامل , التقاء مستمر,الاطفال يشعرون به مثلما الكبار وهم لم يبلغ الصوم بعد, شهر تخرج فيه النفس من إطارها نحو الآخر , تغير الحال وتبدل الزمن سنة الحياة , واختفت الفرجان بشكلها السابق , لكن رمضان لم يتغير وربما تعاملنا معه قد تغير قليلاً لتغير الجغرافيا , ولكن تبقى فكرة العطاء  مركزية في فرضيته, حيث أنه أفضل الشهور عند الله, نظراً لإتساقه  مع طبيعة الوجود الانساني 

 فأنت  عندما تُعطي   تشترك مع الكون في احتفاله، حيث إن الكون كله. مُعطى، فكيف يمكن ان تشعر بالفقر وأنت تشارك الكون كله عطاءه، الشمس تعطي أشعتها، القمر يعطي نوره، البحر خيراته، السماء ماءها ونظرها، الكون كله عطاء لا يبخل، العطاء من صميم الأشياء، العطاء هو ايقاظ أقصى امكانية مدفونة في داخلك، فتبدأ في التدفق والجريان، فتشعر أنك ممتلئ إلى درجة انك تجد نفسك تقول كيف هذا، كلما أعطيت ازددت غنى، رمضان أغنى الشهور ,رمضان يحررنا من الخوف من الفقر, رمضان درس في المشاركة , إختلاف الجغرافيا  واضمحلال الفرجان لا يغير من  طبيعة الخير في الانسان ولا من طبيعة رمضان شعر الرحمة والغفران

الخميس، 27 فبراير 2025

رمضان زمان " أول"

 في «فريجنا» كما في باقي أحياء دولتنا الحبيبة، كنا نهرع إلى المسجد بعد سماع الأذان لأداء الصلاة بتلقائية، نترك ما كنا نلعبه ونمارسه ونتعلمه، هذه التلقائية كانت نابعة من تلقائية المسجد ذاته ومطوع المسجد البسيط المحبب إلى الجميع، صلاة التراويح عشرون ركعة كنا نؤديها ليلياً تتخللها استراحة قصيرة، كان المطوع في مسجدنا من أهل فارس، رمضان في الماضي مختلف عنه اليوم، له نكهة مختلفة، كان أكثر تجذرًا في الأنفس، تشعر وكأن العمر كله رمضان، لا يصلنا من الأخبار إلا ما يمثله لنا المذياع أو أخبار التلفزيون الرسمي، ليس هناك سقف لليل رمضان في تلك الأيام، نعيشه حتى موعد الصيام، ننطلق إلى الدوحة نحن أبناء ضاحية الريان إلى شارع الكهرباء بأصواته ومطاعمه، لم نكن نعرف شيئًا عن «السلفي» والإنستجرام وغير ذلك، نلج إلى أحد أستديوهات التصوير في شارع الكهرباء أو مشيرب، ليلتقط لنا الصور في وضعية الرجل القديم الثابتة، لا نعود حتى نأكل الشاورما، نتوقف عند متجر البيت الحديث أرقى المحلات في ذلك الوقت أو أحذية باتا اللبنانية، ثم نستقل التاكسي نحن الذين لم نسق بعد عائدين إلى الريان وقد اختفت أضواء الدوحة عن ناظرينا ونحن نقطع المسافة في طريق العودة، هدوء لا يعكره ضجيج، وسلاسة لا ترافقها صعوبة، وصفاء لا يكتنفه غموض، رحم الله تلك الأيام التي اكتنفتها البساطة وغفر لنا جميعاً فيما تبقى لنا من رمضاننا هذا وكل عام وأنتم بخير.

لاءات رمضان

 

مع كل رمضان يأتي به العمر الزاحف نحو النهاية المحتومة لكل من لا يزال عَلى ظهر هذه البسيطة، تتزاحم " اللاءات" في النفس في وجه مغريات الدنيا وعزماً في تلافي ما فرط فيه الانسان في عامه الذي مضى، عزماً يبدو قوياً واصراراً يبدو اكيداً، فالإنسان في حقيقته خطاء، وينتظر الفرصة لتلافي هذه الهشاشة، ويبدو رمضان فرصة مواتية لذلك. لنرى ان كان عزمه سيتغلب عَلى هشاشته التي جُبل عليها.

لا تكذب أنت في رمضان.

لا تغتب أنت في رمضان.

لا تبخل بمالك على محتاج أنت في رمضان.

لا تهجر القرآن أنت في رمضان.

لا تضيع فرصة جمع الحسنات المضاعفة أنت في رمضان.

لا تجعل في قلبك مكانا للحقد وللحسد أنت في رمضان.

لا تنس أن تحافظ على صلواتك أنت في رمضان.

لا تفرط في زكاتك أنت في رمضان.

لا تقل زوراً أنت في رمضان.

لا تقطع رحمك أنت في رمضان.

لا تقس على الفقير واعطف على الصغير أنت في رمضان.

لا تشاهد التلفاز والفاحش من الأعمال أنت في رمضان.

لا تنافق أحداً وكن صادقاً مع نفسك أنت في رمضان.

انتهى رمضان،

سقطت اللاءات وتاقت النفس إلى هشاشتها حينما رحل الروح المطلق"رمضان"الذي جعل منها ذاتاً، تحلق، وعادت الى كونها فرداً يعيش مجتمعاً إنسانياً يعيش اخطاءه ونقصانه وهشاشة وجوده.

الأربعاء، 26 فبراير 2025

يوميات مصاب ب"الوسواس" "

 

 


عليك به لاتتركه حتى تشرب  غسيل ماء فنجانه  لعل عينه أصابتك. لعله "نظلك" أصابك بعين

نصحني "الشيخ"

نعم أنا متأكد  من أنه "نظلني"   رماني بنظرة عين  ولم يذكر الله ولم يصلي على رسوله.

منذ ساعتها وانا أشعر بتوعك  وضغطي مرتفع لعلها عين "ماصلت على النبي"

منذ أن رزقني الله بثروة وانا ألاحظ اعين الاصحاب  بل الاقارب وهي تترصدني , عندما كنت يافعا وعلى "قد" حالي  وفي عنفوان شبابي  لم يذكر أحد  كل ذلك.

ولكن منذ أن أتتني الثروة الجميع بدأ يتفرس معالم وجهي  ويذكر صحتي ووسامتي و شىء عجيب, أنه الحسد بلاشك.

هم يحسدوني على ثروتي  وأموالي , وأنا هجرتهم مخافة ذلك , أصبحت  أعيش مع وسواس الحسد أينما توجهت , أراجع المصحات والمستشفيات  وليس بي داء , أخاف اعينهم , أصبحت أردد مع سارتر"الجحيم هم الآخرون"

أقرب الناس  هم من أستشعر الخطر من أعينهم , العين حق , أصبحت اضع آيات قرانيه في كل ركن من أركان إقامتي , في بيتي , في مجلسي , حتى في سيارتي , كم كنت سعيدا عندما كنت أستخدم المال  استخداما يوميا يسيرا , عندما غكتنز أصبح هما  ولكنه همٌ جميل

لا علي  سأغسل فنجان كل زائر يزورني وسأشرب ماؤه بعد ذهابه, لقد أعددت فنجانين بعدد الضيوف  الذي أدعوهم وإن ذهبت لزيارة أحد أخذت فناجيني معي , ليس هناك حل غير ذلك.

من يقول لي وجهك مشرق , أو رجعت شبابا ,أو زادت نظارتك , لم يعد ذلك يطربني كما كان في السابق, بل أشعر بالعرق يتصبب  مني , وأشعر بإرتفاع ضغطي وأحيانا كثيرا تجدني عند أقرب مركز صحي .أشعر بأن مجتمعنا أصبح مجتمع "حسد" وغيرة .

لكن هناك كثيرون اغنى مني  وأكثر ثراء لكنهم  يعيشون حياة طبيعية بعيدة عن كل ما يحيطني من وساوس , لا لا لا لكنني بالفعل محسود , أعربف أصحابي وأقربائي , عيونهم حاسدة  وقلوبهم تفيض حسدا لأنني غني  وأزددت غنى.

سأستخدم من الطرق جميعا لكي أحمي نفسي من الحسد, سأضع مصحفا في جيبي الداخلي  وآخر في سيارتي  وفناجيني في جيوب ثوبي, وسأمر على المطوع  بعد يوم وآخر ليقرأ علىَ . لن اتركم يحسدونني , مع أنهم أقل ثراء مني وبعضهم على "قد الحال" لكن  أشعر أنهم  فرحين مبسوطين  لايخافون من الغد ولا من العين .بالضبط كما كنت أنا خاليا قد  أن تأتيني الثروة ومعها عين الحسود , إنها معركتي مع العين , كل عين ترمقني سأحاربها , لن أتخلى عن اسلحتي  , لن أترك لأعينهم فرصة حتى  أثناء نومي سأترك القران  يصدح بالمعوذات من آيات الله. المشكلة أنهم لايشعرون بهمي  ولايدركون معاناتي  وأنا أحمل هَمَ نظراتهم ولفتاتهم  وضحكاتهم  وتعليقاتهم .

 لقد أحالوا حياتي جحيما  وهم لايشعرون , لقد عشت أبحث عن الثراء  ولما أصبته  جائني بضريبتة المكلفة جدا لأني أدفعها من داخلي, ومن راحتي ونفسيتي .

 

الثلاثاء، 25 فبراير 2025

حوادث السيارات ... بين القضاء والقدر

 نغفل عنه وهو أكثر الحاضرين تواجداً, حضوره بيننا أكبر من احساسنا بالحياة . وحده الأمل يستر عنا هذه الحقيقة , يخفيها وهى اليقين الأوحد بين البشر لكي تستمر الحياة ويعمل الانسان ويكد ويستبشر بالأفضل دائما كما طلب منه, وإلا فإنه يعيش بين ظهرانينا, يملأ الفراغات التى بيننا, يرانا ولا نراه, نحسبه بعيداً وهو أقرب إلينا من أنفاسنا التى تخرج من صدورنا. ننساه لكنه لا ينسانا فنحن في ذاكرته وعلى جدوله , لا يتخلف عن موعد قد ضرب له, يرقب أمنياتنا ليقتنص الأكبر وربما الأسمن منها , يأتينا على حين غرة يصرع الأمل ويفتك بالأماني, لا يكترث لوهج الشمس فى النهار ولا يقيم حساباً لعتمة الليل وظلامه حين تحين ساعته, لا يشفق على كبير ولا ينتظر صغيراً ولا ترف عينه لمريض, الجميع على جدوله سواء فهو فى طبيعته أمر يجب تنفيذه لحكمة عليا, هو خلق من خلق الله كالحياة ذاتها ، قال تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا " لايبدو عدماً اطلاقاً إلا لمن لم يدرك كنه هذه الحياة الزائلة ذاتها, هو امتداد لها بشكل آخر كما كانت هذه الحياة الجسدية امتداداً لما قبلها من حياة داخل الأرحام , السكن فى الجسد الى أجل مسمى له حكمة إلهية ووظيفة معينة محددة ذكرها الله فى جميع كتبه, لذلك فألم الموت الذى يحدثه للاخرين الذين لم يحن دورهم بعد هو فى حرقة الفراق والاحساس به وفجائية الذهاب وقطع لذة الاتصال مع من نحب ولله فى ذلك حكمه ومراد يستشفه من سمت روحه واعتلى فوق مرام الجسد واستيقن الموت والحياة كفكرتين قبل أن ينغمس فيهما او يعايشهما عيانا. لايخلو بيت من زيارته ولاتخلو دار أو وطن إلا وله فيها مرتع طال  الزمن أم قصر !    

نعم الله كثيرة على الانسان منها منها وسائل الاتصال والمواصلات وفي مقدمتها  السيارة   , ما يحزن أن تكون هذه الوسيلة التي صنعت أساساً لتوفير عناء السفر والانتقال أحد أكثر مسببات الوفاة في أيامنا هذه , كثيرون الذي فقدناهم من شبابنا  نتيجة حوادث السيارات بسبب السرعة وعدم التركيز واستخدام الهاتف أثناء السياقة ,نسمع اسبوعياً تقريباً  عن حادث أو أكثر أودى بحياة شاب أو أكثر, وقد أصابني هذا المصاب شخصياً حيث تسبب حادث في وفاة إبني قبل نحو ست سنوات مضت واحسست  بمرارة الفقد  وكم تمنيت أن لا يتعرض لهذا الموقف أي إنسان, حينما يكون الفقد دونما إنذار سابق كمرض عضال أو كبر في السن , حينما ينزل فجأة على قلب الانسان يغير في نظرته للحياة ويكشف له  كم هي الحياة خادعة وأن كل زينتها لاتعدو أن تُصبح "صعيداً جرزا". في لحظة من اللحظات لن نستطيع أن نمنع الحوادث من النزول بنا , لكن الانسان بإستطاعة أن أن يقضي في القدر وإن كان لايستطيع أن يمنع وقوعه. رحم الله أمواتنا  وأرواح شبابنا الذين فقدناهم , وألهمنا الرشد في تعاملنا مع كل ما أستجد في حياتنا من وسائل وفرها العلم والتكنولوجيا لراحتنا " بل الانسان على نفسه بصيرة" والهمنا  جميعاً الصبر والسلوان في دنيا من طبيعتها التبدل والزوال  .

الجمعة، 21 فبراير 2025

المنصب بين الانجاز وحُسن الخُلق

زرته في بيته , لم أجد عنده أحداً, ترك الوظيفة منذ فترة ,  اعرفه قنوعاً ملتزماً , مخلصاً , لايحب  الأضواء ولا يسعى لها , كان مكتبه  يعج بالمتابعين طبيعةً لعمله , ومجلسه  مزدحماً  بالزائرين , يقدم المصلحة العامة على العلاقات الشخصية , أدى مهام وظيفته بما يرضي  نفسه وضميره,  إنتهت فترته  عاد الى منزله , قانعاً وليس مُقنعاً لدى  قطاع آخر من أصحاب المصالح الضيقة الذين يتكتلون حول المسؤول في لمح البصر غير عابئين  بأي شىء آخر غير  مصالحهم  حتى ولوكان ذلك على حساب مسؤوليات الوظيفة وقسم أداءها  وضمير صاحبها 

قلت له: كيف ترى نفسك الآن 

أجابني مرتاح وسألته ماذا عن من كان حولك ومعك ؟أجاب  بقي منهم القليل  الذين تربطني بهم علاقة قبل الوظيفة  وتفرق وابتعد الكثير ممن تعرفوا علي بعد  استلامي للمنصب. ثم أردف هل تعرف ان العديد ممن كنت أعرفهم قبل إستلامي المنصب  لم يزرني  ولو مرة  في المكتب  لأي مصلحة كانت , وانما كانوا يزوروني في المجلس  كأصدقاء  , وأختتم كلامه: الدنيا بخير لا يزال هناك أخيار  وهم كثر ولله الحمد , أهم شىء أن ترضي ضميرك  وأن تؤدي أمانتك  وتبر بقسمك  الذي اقسمته أمام الله ثم أمام سمو الامير المفدى." إنتهى"

 يخلط المجتمع  بين إنجاز الشخص  وممارسته للأخلاق العامة ,  فيرى في الالتزام بحسن الخلق إنجازاً, كافياً لنجاحه في أداء عمله  دون حسابات أخرى تقتضيها  طبيعة العمل ومسؤولياته. كثيراً مانسمع  أن مسؤولاً إنساناً ناجحاً ومحبوباً   لدى الجميع وحين البحث عن إنجازاته العملية  المحسوبة لانجد شيئاً يذكر.  كما جاء ذهب , اين الاشكالية هنا ؟ في ذكاء المسؤول أم في طيبة المجتمع وبراءته؟ المنصب مسؤولية  ويكتنفها قسم يؤديه صاحبه  للقيام بواجبه خير قيام , بينما حسن الخلق سمت إنساني يفترض ان كل إنساناً  يتمثل به ويلتزم به إنطلاقاً من إنسانيته وعضويته في مجتمع بشري إنساني. من يعمل يخطىء , ومن لايعمل  لايخطىء,  ومن يلتزم بالمسؤولية في أداء الوظيفة بعيداً عن أي شىء آخر ,  لايتقبله المجتمع بمثل ذلك الآخر الذي يعتمد على العلاقات الاجتماعية في سد ثغرة  عدم قيامه بمسؤوليته في أداء عمله بالشكل الأمثل. مجتمعنا الصغير  كان يقوم أساساً على العلاقات الأفقية بين أفراده , ولكن من تعقد الامور  وترابط المصالح  اصبحت شكل العلاقات فيه تأخذ منحنىً عمودياً على حساب  العلاقة الأفقية وهذا أمر طبيعي في حدود  معينه على شرط أن  لا تكون على حساب العلاقات الافقيه السليمة,  ضعف أداء المجتمع المدني جعل من المنصب  قفزة  قد تصيب صاحبها بعدم الاتزان, فبالتالي يصبح عرضة لتجاذب المصالح والاغراءات. نحتاج الى فصل في التقييم بين أداء الوظيفة وبين  دماثة الخلق التي من المفترض أن يتميز بها كل إنسان  سواء كان  صاحب منصب أم مجرد مواطن عادي , ليس كل من نحبه  كان ناجحاً في عمله وليس  كل من لانودَهُ  كان فاشلاً في أداء مهام وظيفته. أداء المجتمع نابعاً من  مستوى وعي أفراده  ليس فقط بذواتهم وإنما  بما يريدون تحقيقه في المستقبل   لأجيالهم , الاشكالية حين يكون صاحب المنصب من الذكاء بحيث يتصنع غير سجيته ليخفي عجز الاداء  , فيحفل بطيبة المجتمع على حساب ماكان يجب أن يقدمه له من إنجاز.

  

السبت، 15 فبراير 2025

التغيرات الاجتماعية" موسم الندوات "

  دعوني أنطلق من حالة وجودية عشتها  وأعيشها كمواطن خليجي وعربي ومسلم, وهي إتساع  الفجوة بين الواقع الذي نعيشه  والجهاز المفاهيمي الذي نمتلكه  كأفراد في المجتمع, بمعنى أن هناك فجوة بين الواقع الذي نعايشه  وبين مانفكر فيه  إنطلاقاً من عدم ملائمة المفاهيم  أو ال tools الذي نستخدمها  لفهم هذا الواقع  وفك شفرته . في إعتقادي بدأ الانسان  تقليدياً في الخليج  بمعنى أن كان في تطابق بين واقعه الهادىء  وما ينتجه هذا الواقع من مفاهيم  لاسباب كثيرة منها نمط العلاقات الافقي التشابكي بين افراد المجتمع , ومع مرور الوقت و بفعل التقنية والتطور العلمي  والحداثة سمها ماشئت ,  اصبح إنساناً استهلاكياً ومع مزيداً من التطور المادي والتقني  في جميع المجالات أصبح  هو ذاته موضوعاً للإستهلاك , لينتهي به الأمر اليوم ليصبح إنساناً مستباحاً.إزدادت  الفجوة إتساعاً بين واقعه ومايمتلكه من مفاهيم تتماشي مع هذة التغيرات التي أحدثت هذة الفجوة بشكل جعل من الصعب معه التعامل مع واقعه  بشكل  متناغم  , ثمة إغتراب بين  واقعه الاجتماعي وجهازه المفاهيمي  الذي درج على استخدامه في السابق  ليفهم واقعه اياً كان مصدر هذا الجهاز المفاهيمي., لنعطي أمثلة:

مفهوم الفتنة الذي أخذ في الاتساع بشكل عطل مساحة كبيرة من تفكير المجتمع , وكلما اقتربنا من مناقشة موضوع  أو مسألة ما , جاء التحذير ستحدث  فتنه  , والافضل الابتعاد عنه وتأجيله أو ترحيله من جيل الى آخر.

مفهوم " الهوية " وكيف تحول الى هوس شبه يومي وجرح نرجسي بعد أن كان أمراً عادياً  لايثير قلق المجتمع 

مفهوم السيادة  الذي تربينا عليه أين هو الآن؟

مفهوم الاستقلال: الذي  قدمت الشعوب التضحيات لكي تناله  كيف يبدو الآن؟

مفهوم النصر والهزيمة: هل إنتصرنا أم إنهزمنا من يجيب؟

مفهوم الديمقراطية التي كانت ديدن كتاباتنا  وتطلعات شعوبنا , ماهو الحال به بعد الذي يحصل في الكويت  وهي المثال الخليجي الاوحد في هذا المجال بل وبعد أول إنتخابات برلمانية في تاريخ قطر وماآلت إليه نتائجها جعل  من الاستفتاء الاميري أمراً مستحقاً؟

مفهوم الوطنية, مفهوم الخيانة.......ناهيك عن المفاهيم والاصطلاحات المستوردة التي نحن ف ي اشتباك دائم معها  كالعلمانيه واللبيراليه ...

إبتعد الواقع كثيراً  بينما  إستمر الفكر ثابتاً دون وسيط معرفي مفاهيمي  يمكننا معه فهم هذا الواقع  المتغير  بأدوات من  إنتاجه ومن صميم طبيعته. بل ما هو الواقع أصلاً؟ هل هو كيان ٌموضوعي ٌ ثابت ُ أم هو بناءٌ  إجتماعي ٌ يتشكل من خلال حوار المجتمع مع ذاته؟

ماهي الحقيقة ؟ هل هي موضوعية مستقلة عن التجربة الانسانية؟ هذه أسئلة جوهرية لمقاربة هذة الاشكالية, هناك أزمة علوم إجتماعية  نعيشها كمجتمعات  رغم كل مالدينا من جامعات  ومعاهد وكليات  لاسباب عديدة منها أن هذه العلوم أفقية الطابع بينما  الحراك الاجتماعي في هذة المجتمعات يرتكز على العلاقات الرأسية, ومنها  كذلك عدم  الايمان بهذه العلوم رغم التغيرات السريعة التي تمر بها مجتمعاتنا.  أدموند هوسرل الفيلسوف الالماني الشهير في كتابة أزمة العلوم الاوروبية الذي نشر عام 36  ثم أعيد نشره من قبل تلاميذه كاملاً عام 54 , حاول إيجاد طريقة لجعل العلوم الاجتماعية أو الفلسفة بالذات  منهجاً دقيقاً  كالمناهج العلمية أوجد ماسمي اليوم بالظاهراتية وهو منهج يحيد كل أفق تاريخي أو إيديولوجي أو حكم مسبق لدراسة الظواهر الاجتماعية  لتبدو  كما تتجلى في الوعي  حين يقصدها دون أي تأثيرات اخرى  ودون اصدار احكاماً عليها, أهتم بدراسة الوعي وتنقيته , جاء بعده تلميذه هايدغر لينتقل بالفكرة من الوعي الى الواقع من خلال نموذج الدازاين"  وتعني الكينونة الملقاة هناك  ويعني بها الكائن الانساني في العالم وعليه ان يتدبر شوونه  ويخلق حقائقه وسط الاشياء ليصنع وجوده الاصيل , فمن اصالة الوجود سد هذه الثغرة التي نعاني منها كمجتمعات عربية , نعيش واقعاً لانملك مفاتيحة  ولا أدوات فك شيفرته . الغرب منذ بداية القرن الماضي  وهو يتفلسف لغوياً ليحل هذا الاشكال فأوجد ما أمكن تسميته  ب إنسان التأويل ليس فقط في نصوصه الدينية والتاريخيه بل وجودياً من خلال إيجاد صيغة واقعية للتعامل البراجماتي مع تعقد الحياة  وموقف الانسان مع مستجداتها.

السؤال الآن: ما دور جامعاتنا ومعاهدنا  ومؤسساتنا وفي مقدمتها هذا المعهد الرصين  في المساهمة في سد هذه الفجوة التي أراها أخطر ما يواجه مجتمعاتنا  من تغيرات اجتماعية  حيث أوصلتنا الى  هذة الحالة  من "اللامعيارية " نعيشها اليوم.

أين هو المجتمع المدني في عالمنا العربي اليوم  وماهو دوره ؟

ماهو واقع تدريس علم الاجتماع  في مجتمعاتنا؟ كان خريج علم الاجتماع مكان حيرة المجتمع وفائض عن التوظيف 

ماهو واقع الفلسفة وهي من يصنع  أو ينحت المفاهيم وهذه وظيفتها الرئيسية كما يقول "دولوز"؟

ماهو واقع تدريس التاريخ في مجتمعاتنا حيث يذبح الحاضر بإسم الماض كل يوم دون استشراف للمستقبل  ودراسة الحوليات وتاريخ الذهنيات؟.التاريخ ليس مجرد أحداث  وإنما هو روح  وحالات نفسية  . 

 أعتقد أننا بحاجة ماسه الى ما أسميه" الواقعية الجماعية أو المجتمعية, حيث لابد من أن ننظر الى الواقع  على أنه نتاج تفاهمات وثقافة جماعات, كما أن الحقيقة  ليست منفصلة عن الواقع  فهي دائماً مجالاً للتأويل  والبناء المستمر حتى يمكن ان نخرج  بحلول واقعيه ومفاهيم مشتركة حولها يدور اهتمام المجتمع  لكي  نستطيع  أن نجعل من واقعنا  واقعاً  متحركاً  ينتج حقائقه في عملية  تبادل مستمره مع إنسانه الذي يعايشه. لابد من حوار مجتمعي إجتماعي الطابع , وحدها العلوم الاجتماعية وتطوير تدريسها  وعناية المجتمع بها وبأهميتها تجعل من مثل هذة العقبة" تحدياً" يمكن مواجهته , بينما العقل المطلق بكل اشكاله وايديولوجياته يرى فيها تهديداً فيتراجع وينكمش ويتكور حول هويته وعقيدته.

 

الجمعة، 31 يناير 2025

زواجنا والواقع الافتراضي

 لله الحمد والمنه نعيش في دولتنا الحبيبة قطر في حب وأمان, شعب طيب , وقيادة حكيمة تشارك شعبها أفراحه وأتراحه, لايكاد  يخلو  إسبوع من  تلقينا عدد من دعوات حضور حفلات الزواج  على الاقل  ثلاثة دعوات خلال الشهريين الماضيين, بالنسبة لي , غيري ربما يتلقى يومياً دعوة أوأكثر طوال الاسبوع  بل انني تلقيت اربع دعوات في يوم واحد للمشاركة شيء جميل ورائع  تلتقي بالاخوة والمعارف, طبعا  يصبح من الصعب تلبية كل الدعوات  ولكن يبدو الامر دليلاً على ترابط المجتمع , ليس هذا صلب الموضوع الذي أود أن أتحدث عنه, الموضوع الذي يشغل بالي ويلفت نظري هو أننا  اصبحنا نعيش واقعاً افتراضياً بالمفهوم السيسولوجي كما تحدث عنه عالما الاجتماع الفرنسيين جان بودريار, وبيير بورديو وذلك نتيجة سيطرة" الصورة" على الواقع وتحويله الى إفتراض وليس حقيقة مجردة بمعنى انه لم يعد محايداً كما يعتقد بورديو بل يتم انتاجه والتحكم فيه اعلامياً, هناك بعض الاخوة اعرفهم يكرهون أن  يتم تصويرهم  ويرفضون الوقوف لذلك بهذا المعنى هم خارج هذا الواقع  مع انهم حضروا الحفل إلا أنهم عرضة للعنف "الرمزي" الذي تمارسه الصورة كإعلام  سواء كانت صامته أم تصويراً حياً, فالحفل هنا لايعكس الواقع الفعلي  بل الواقع بعد تشكيله  ولك ان تتصور البساطة وقد اصبحت  رسميات  والاعين وهي تتسابق الى الكاميرات  والوقوف  المفتعل  أنه واقعاً بديلاً عن أعراسنا في السابق  قبل هجمة التقنية الاعلامية  على مظاهر حياتنا, لذلك تجد من يخرج من الحفل  لايتذكر إلآ قليلاً ممن التقى بهم وربما لو واجه المعرس في اليوم التالي لم يعرفه يقول جان بودريار عالم الاجتماع الفرنسي الشهير ان المجتمع الحديث في ظل  الاعلام والتكنولوجيا  لم يعد يعكس الحقيقة  بل يخلق واقعاً زائفاً هو يصنع لك الحدث  ويسحب المركزية من الانسان ليصبح جزءاً منه  فيختفي الاصل  ونعيش في نسخة زائفة  عنه,, ارى أن حفلات الزواج في مجتمعنا أصبحت تدور في حقلة الواقع الافتراضي  وليس الواقع الفعلي الذي عشناه  حتى جيل 2000 تقريباً, وقس على ذلك باقي نشاطاتنا الاجتماعية, يختفي الانسان كلما تقدمت التقنية ,  كانت حفلات الزواج في السابق تحمل روحاً  حيث لاكاميرات ولا اضاءات تخطف الابصار وكأنك في  دائرة مراقبة أمنية, اليوم جسدأ  وكاميرا ومخرجاً وطابور صباح  او صفاً في مسجد ليس اعتراضاً على من يتسبب  طالباً رزق  ولكن على أهمية إمتلاء الروح قبل "كشخة" الجسد , الروح المطمئنة لم تعد موجوده الاريحية  ضاعت امام التكدس , المجتمع يود المشاركة ويسعى لذلك والدولة تفعل ما تستطيع لتحقيق ذلك من توفير قاعات  غيرها , يبقى أ ن نسقط حلقة  التقليد الاعمى والتنافس في  مناسبات خلقها الله رحمة للإنسان وسكناً له ,لكن الاشكالية مع جيل اليوم الذي سحب البساط من تحت أرجل جيلنا سألني أحدهم ما شفناك في عرس فلان , قلت له كنت حاضراً, وقد سلمت عليك , رد علي " اسمح لي لم أرى صورتك في "انستغرام" الحفل , نسىء الواقع الفعلي لتعلقه بالواقع الافتراضي الذي فرض سلطته على الجميع

الأحد، 12 يناير 2025

كرسي "الحلاق "...باروكة أم شعر طبيعي؟

 جاء الى المنصب من حيث لايعلم,إضطربت حياته من الظل الى وهج الظهور والبروز, كان إنساناً   بسيطاً ككل أقرانه يفكر في يومه ويعيش أحلامه الصغيرة , مبتسماً متواضعاً, يرى التفاصيل ويحتفل بها , الظل  وجود آخر يجعلك أقرب الى إنسانيتك, بل هو الوجود الحقيقي الذي يكشف حقيقة الانسان , كم عظيم عاش في الظل , كم عبقرياً وحكيماً  تعالى على اضواء المنصب واكتفى منه بالتواضع  والقرب من الناس . المنصب قاتل اذا كنت قادم اليه من فراغ وجودي, ستفقد السيطرة على نفسك وعلى تصرفاتك, سيجعلك تمشي على رأسك وانت تعتقد انك لاتزال ماشياً على قدميك, سترى الناس صغاراً  وتنسى  لحظتك الصغرى , ستجعل بينك وبين الناس مسافة  فيها كثير من العلو  والانفة   بعد ان كنت تلتصق بهم  وتأنس لجوارهم,سيجعل منك المنصب وجوداً زائفاً يجاريه الناس  في العلن فقط, كثيرون هم الذين سقطوا بعد إغواء المنصب   من أعين الناس ,يحرصون الآن بعد رحيل المنصب لمشاركة الناس  والدخول بينهم وتلاحقهم في نفس الوقت إزدراء الناس  ونظرات التهميش , قلة هم أولئك الذين كسروا هذه القاعدة فظفروا بحب الناس بعد المنصب بشكل جارف وكأنهم لايزالون متربعين  على كرسيه, المنصب شرك  أما تصطاده أو يصطادك,ابسط مثل يردده العامة هو وصفه بأنه كرسي " حلاق" الذي إذا إعتلاه  ذو الشعر "دلالة على "الغنى الوجودي" سيظفر  منه بعد تركه بشعر أكثر كثافة ولمعاناً  وإذا إعتلاه  الاصلع " دلالة على "الفقر الوجودي" سيتركه وقد سقطت باروكته  وديس عليها بالأرجل   من يعتبر؟ وما أكثر العبر. عرف المجتمع العديد من النماذج السلبية والايجابية, إلا أن هناك مناصب لاتحتمل التفكير إلا أن تكون مثالاً ايجابياً لانها تخص كل المجتمع فصاحبها هنا لاخيار له إلا أن يكون بحجم المنصب وثقل المسؤولية والا فإنه ينتحر اجتماعياً, المجتمع يقتل من خلال نظرته, ويقصي من خلال همسته, لايمكن أرضاء كل الناس نعم هذه حقيقة , لكن الابتسامه وسهولة التواصل  والاريحية في اللقاء والترحيب عند القدوم  وغيرها من الاخلاقيات الاجتماعية ضرورية  لأن الانسان نفس قبل أن يكون جسداً, المؤامة بين حسن اللقاء وسهولة الاتصال  والقدرة على الانجاز ومساعدة الناس قدر المستطاع هي روشته النجاح الاجتماعي والأمن النفسي لصاحب المنصب ولافراد المجتمع كذلك, في ذهني أمثلة من السابق ومن الحاضر على من أحسن في أداءه للمنصب بحيث يقبل عليه الناس بعد تركه المنصب وكأنه لايزال يشغله  اعترافاً منهم بالجميل سواء كان ذلك وجه باسم أو يد ممدودة  وليس لي حاجة لذكرها فالمجتمع يحملها في ضميره الجمعي . كن كبيراً قبل الكرسي تبقى كبيراً بعده

الأحد، 5 يناير 2025

كيف درسنا التاريخ ؟... للخلف دُر

 حين كنا ندرس مادة التاريخ نحن جيل الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي , خلال مراحلنا الدراسية الى ما قبل الجامعة,  لم ندرك  أننا كنا ندرس التاريخ الماض  كمستقبل بدلاً من أن ندرس المستقبل كتاريخ , لم يكن هناك ادراك حتى من قبل الاساتذه والمنهج كذلك أنهم يدرسوننا التاريخ كمستقبل مطلوب تكراره أو إستنساخه , فكبرنا وفي اذهاننا أن المستقبل  توجد له صورة ذاتيه  نمتلكها مقدماً , كان تاريخاً زاهياً جميلاً, كله بطولات  وانجازات , سأتجاوز هنا قضية الطوبائية التي درسنا بها تاريخنا الى قضية أهم وأخطر وهي تثبيت ذلك التاريخ كصورة  للمستقبل  كان علينا كجيل جديد ان نستنسخها , كان خطأ المنهج كبيراً وكانت الرؤية التعليمية والتربوية في هذا المجال قاصرة مع الاسف , وحين ظهرت المدارس الخاصة بتنوعها دُرس التاريخ  بشكل آخر فمنها من كان يُدرس تاريخ العالم  والحروب العالمية  واخرى  يُدرس التاريخ فيها  انطلاقاً من منهجها ونظامها التعليمي انجليزياً كان أم فرنسياً وهكذا,حتى الآن أعتقد أن التاريخ لا يزال يُدرس بشكل خاطىْ, التاريخ اليوم في اعتقادي ليس له علاقة بالماضي , التاريخ اليوم هو المستقبل , يجب على النشء الحالي أن يدرس المستقبل كتاريخ , النظرة الخلفية  كما كنا في الطابور نمارسها كالعسكريين " للخلف دٍُر" يجب ان تنتهي , صراعاتنا اليوم نتيجة لما درسنا من تاريخ ما ضوي يجب ان يدفن ,  لانزال نعيش الماضي كتاريخ حاضر وكمستقبل قادم , نفس الخلافات والصراعات منذ العصر الاول  نعيشها اليوم بمسمياتها الدينية والاجتماعية , نحتاج الى نظام تربوي جديد يدرس المستقبل كتاريخ, ينظر الى الغد كنقطة  تعدد  وانفتاح , لنجعل من دراسة التخصصات بجميع انواعها الاجتماعية والعلمية  تاريخاً يُدرس  , ليس التاريخ هو الحوادث فقط فهذة نظرة قاصرة ومحدودة, التاريخ هو الانسان في إتجاهه المستمر نحو الغد والمستقبل  ينشد الرخاء ويتعامل مع مايستجد وليس مع ما عايشه الاجداد بالامس ,  مادة التاريخ في مدارسنا يجب ان تتطور باتجاه المستقبل , نحو الانسان  وليس نحو الحوادث , رغم اننا اكتشفنا فيما بعد  ان ماكان يدرس لنا كتاريخ  لم يكن كما كان او كما حصل  وانما كما كنا نريده ان يكون , فاصبحنا نمتلك عقليات مبسترة  وحينما قرأناه بعيون الغير وجدنا اننا كنا نُدرس تاريخ السلطة وليس تاريخ الشعوب, على التربويون  وخبراء المناهج اليوم مسؤولية كبرى أن يضعوا لمادة التاريخ منهجاً مستقبلياً يدرس المستقبل  إذا ما أردنا لاجيالنا القادمة أن تتطور وان تبتعد عن التعصب  والتمحور حول الذات تاركة مستقبلها في يد غيرها يتحكم فيه كيفما يشاء.

الأربعاء، 1 يناير 2025

إشكالية التخلص من الطاغية

 



يفرغ الطاغيه الرؤوس من العقول ويمتهن الاجساد  ويعيث  فسادا فى الثروات ويملأ الدنيا جورا وظلما, لايسأل عن خاتمته  كيف تكون ومتى تحين, ينسى أو يتناسى , يعمل حسابا للبعيد ويأتى أمره من القريب, يكبل الشعب  بالحديد, ويتحكم فى خطواتهم  وانفاسهم , ينام مطمئنا وهم فى السجون , يستمتع بأنات الثكالى وصياح اليتامى . هو يربى شهوة الانتقام  داخل النفوس , هو يريد أن يكون الشعب على شاكلته ونحوه, فلا يظلمه التاريخ  . لي هنا بعض الملاحظات حول اشكالية التخلص من الطاغيه:
 أولا:  الشخصيات الاستبدادية  ذات الطغيان فى التاريخ التى وصلت الى خطوط اللارجعه, لايبقى لها سوى طريقة كيف تموت,بالتالى تدفع بإتجاه  رمزية الموت دائما  , أو الهروب المذل
ثانيا: التخلص منها بعد القبض عليها طبعا  يحتمل أمران  نظرا لتاريخها الاشكالى  , سرعة  انجاز ذلك وبغموض احيانا  وبدون تفاصيل كثيره لطى الصفحه بأسرع ما يكون, أو تقديمها للمحاكمه   إذا كانت قدرة المجتمع وفاعليته واضحه وحوله إتفاق عام.

ثالثاً: فى التخلص من الطاغيه  لابد وأن يكون الهدف واضحا للجميع فلا يصبح  طريقة التخلص منه  مكسبا لجهه على أخرى  أو ميزه لطائفه على أخرى , فالتاريخ المعنى لابد وأن يكون التاريخ الكبير تاريخ الوطن  لاتاريخ القبيله أو الطائفه أو المنطقه.

رابعاً:طبيعة الشعب الذى يحكمه  الطاغيه مهمه جدا  فالطاغيه القبلى  اشكاليه أكبر من الطاغيه الايديولوجى فسقوط الايديولوجيه سقوط له او العكس ولكن القبيله فى ارضها لاتسقط وقد يعاد  ذكره والتذكير به دائما, تماما  مثل الطاغيه الدينى الذى له اتباع يحملون فكره من بعده

خامساً: اذا أمكن التخلص من الطاغيه  إنسانيا عن طريق المحاكمه, لأن الطغيان ظاهره ضد الانسانيه  وليست فقط ضد دين معين او شعب دون آخر فهو الأفضل  والاصفى للنفوس, إستعمال الشعب  لنفس آلية الطاغيه  فى التخلص منه , يعطى مؤشرا  بالنهج  والاتجاه   
سادساً: طريقة التخلص من الطاغيه  تكشف عن تحضر المجتمع وبأنه أى الطاغيه  لايتعدى كونه إستثناء عن القاعده  لايمكن أن يتكرر , وعكس ذلك ينبىء عن  ثمة قابليه لدى المجتمع واستعداد مبدئى  للطغيان اذا ما سنحت الفرصه أو حان وقتها.
سابعاً:    يجب ان نعى ان الطغيان ليس فقط  سلطوى , هو كذلك ثقافى ودينى  , تفكيك الاستبداد يبدأ قبل وصوله للسلطه  وهذه مهمة المنابر والمدارس , فالمستبد ضحيه  وجان فى نفس الوقت.أنه صوره للتضارب الثقافى الذى يعيشه المجتمع  بين لحظة ولادة الزعيم  وبين لحظة تمزيقه