الجمعة، 23 مايو 2025

عن مجتمعنا المطمئن

 كان ما يربطنا بالدوحة هو الذهاب إلى المدرسه صباحا أو الذهاب إلى مستشفى الرميلة عند الحاجة وأيام الأعياد حيث نستأجر تاكسيا وأذهب وبعض الإخوان إلى منطقة «البدع» حيث  بعض الاقارب، وكان البدع عبارة عن فريج ضيق الأزقة والممرات  ، وأذكر أننا كنا نمر على جميع البيوت ما أمكن للحصول على العيدية ولا نرجع إلى الريان إلا وقد كنا استنفدناها، حيث البحر قبل الكورنيش الحالي مجاور للبيوت وبعضنا يتعلم «الحداق» والبعض الآخر يقضي وقته على البحر أو أمام أحد االدكاكين في البدع مع الأصحاب والأهل أو الأقارب من الشبان في ذلك الوقت. في غير هذه المناسبات المحددة كنا محكومين بجغرافية الريان صيفا وشتاء ما عدا الخروج للبر أو للبحر. كان للريان طبيعة خاصة وهي على ما أعتقد التي أعطته هذا المسمى الجميل فهو محاط تقريبا بالمزارع وحتى كنا نستيقظ باكرا على أصوات ماكينات جلب المياه في هذه المزارع وبه العديد من برك السباحة ففي بعض المزارع هناك أكثر من بركة، نقضي أوقاتنا صيفا في السباحة فيها وفي صيد الطيور، وكنا نواجه ممانعة ورفضا أحيانا من المشتغلين فيها  و كان والدي يمتلك مزرعة في غرافة الريان داخل سور المدينة التعليمية حالياً بها بركتان للسباحة، في الليل ليس هناك سوى جلعة «قلعة» عبدالله بن جاسم التي سكنها حفيده الشيخ جاسم  بن علي بعد ذلك حيث يلتقي أهل الفريج جميعاً عصراً واحياناً ليلاً على العشاء  من الجانب الآخر فكان في بيتنا «دجة» أو دكة خارجية للجلوس عليها في الليل حيث الهدوء التام والسكون الجميل، ومعظم بيوت أهل قطر كانت تحتوي على «دكيك» حيث لم يكن الضيق معقولا والمساحات خالية والفضاء واسعا. بالإضافة إلى المجلس بالطبع، تليفزيون أرامكو أدخل وعيا جديدا، فلم يكن في المنطقة سوى تليفزيون الكويت وكان إرساله ضعيفا ونادرا ما يكون واضحا ومستمرا، حين كنا نتشوق لمسلسل «أبو جسوم» الشهير في تلك الأيام، أما تليفزيون أرامكو من الظهران فكان من الممكن مشاهدته بشكل شبه منتظم، وكان حقيقة على قدر من التخطيط الواعي لثقافة المنطقة كانت كانت جميع أفلامه مدبلجة تماما باللغة العربية، كما أنه ذو أجندة ثقافية فهناك برنامج ثقافية وتسلية كما أن  هناك أيضا المصارعة الحرة التي امتلكت قلوب الكبار «الشيبان» في ذلك الوقت وكأنهم ملوا من دعة الحياة وسكونها ويريدون استرجاع أيامهم الأولى في مصارعة البحر بحثا عن اللؤلؤ، من كثر ما كانوا حريصين على متابعتها بإنتظام،  وكان أحدنا يخبر الأخير إذا ما استعلم عن موعد لعرض فيلم لفريد شوقي، لما لأفلامه من شعبية نظراً لمشاهد المغامرات والعنف وانتصار الخير في النهاية  ليقوم بإصلاح الإريـال «الهوائي» وتوجيهه الوجه السليمة ليتمتع بمشاهدة مثيرة وممتعة تمتص انفعالاته الداخلية ليستلقي في فراشه ساكنا مستسلما للحظات من النوم الهانئ. كان مجتمعاً ينعم بالطمأنينة ولم يكن هناك مايعكر صفو يومه , كان فكره ملاصقاً  لواقعه, وهو ما يبعث عن السكينة والطمأنينة , التي عكر صفوها اليوم , دخول العالم الى وعي الانسان دون استئذان  فتجده يعيش  معاناة الواقع الافتراضي المفروض على وعيه تاركاً واقعه الملموس فريسةً  للهموم والتفكير  المفرط  الخارج عن ارادته  فيشقى بها فكره ويضيق بها عقله. يالهفاً أين غابت تلك الطمأنينة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق