في ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات منه, كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد, في الريان حيث كنت اعيش كانت جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً اجزاء منها تقطن هذه المنطقة التاريخية من قطر , بمجرد أن تخرج من بيتك أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج ننشىء علاقة مع الاخر الاجنبي ,أو العربي سواء كان صاحب الدكان أو صاحب المقهى أو العامل في الزراعة ومنطقة تاريخياً مشهورة بمزارعها المنتشرة سابقاً, , نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى هكذا بكل تلقائية وفي المجلس المجتمع كله يلتقي نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج, لانعرف القبلية , ناهيك عن الطائفية, العلاقة قائمة على الالتقاء لاتكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته, الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يربي الخوف وينشأ الستار بين الافراد , هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية لم نكن في تشابه من حيث الانتساب لقبيلة واحدة او لعائلة واحدة , لم نكن ننتسب الى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها , لم نكن جميعاً على مستوى واحد ومسافة واحدة من السلطة , والتشاور والتناصح والتدوال المستمر لمشاكل الفريج هذا التمازج اوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الاخر , هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته بقدر وجود الاخر الغير قطري ,كنا ذواتاً قبل أن نكون هوية.
كيف بدأت الهوية الإنعزاليه" في التشكل ؟ حينما بدأنا بإنشاء الفرجان الجديدة كل على حدة وأزلنا الاحياء القديمة التي كانت تمثل نموذجاً رائعاً للهوية السردية كالبدع والرميلة والريان والجسرة.الهوية الانعزالية كما أرى هي الهوية التي تمتلك ذاتها في داخلها ولايمثل لها الخارج اي بعد تمايزي وتعتقد بقدرتها على الاستغناء عن الاخر" كل هذا في اعماقها" يعني أصبحت "جوهر".
مع الفرجان الجديدة أصبح المجتمع مجالاً للهوية الانعزالية, فأصبح الفرد لايرى الا من يشابهه تماما اختفى ذلك التنوع الجميل , ما أود الاشارة إليه هو أن الدولة اليوم غيرها بالأمس وأصبح سؤال الهوية القطرية بما هى جوهر مطروحاً في كل مكان وهو سؤال زائف , الهوية هي الهوية السردية التي كنا نعيشها في السابق ويمكنها الاستمرار والتطور بشكل تلقائي , الهوية القطرية كانت "سرداً" منفتحاً, واليوم يبدو الخوف عليها خوفاً مبالغاً فيه لغياب الحرية التي تنشأ من خلالها الهوية السردية التي تشارك في صنع ذاتها وتقرير مصيرها. بين الابتعاد عن الجذر وبين الانتشار الصحي على السطح والعلاقة الافقية التي تكرس اللقاء يبدو الخيار صعباً مالم نضع اولوية للحرية على الهوية ويصبح التدوال الواقعي بديلاً عن الاسقاط الفوقي الذي قد يهمش الجذر لصالح السطح او يعمق الجذر بحيث يجعل منه رافضاً للتعايش مع السطح