الخميس، 17 أبريل 2025

الفريج في السابق والفريج اليوم

 


 


في ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات منه, كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد, في الريان حيث كنت اعيش  كانت جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً اجزاء منها تقطن هذه المنطقة التاريخية  من قطر , بمجرد أن تخرج من بيتك  أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج ننشىء علاقة مع الاخر الاجنبي ,أو العربي سواء كان  صاحب الدكان  أو صاحب المقهى أو العامل في الزراعة ومنطقة تاريخياً مشهورة بمزارعها المنتشرة سابقاً,   , نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى هكذا بكل تلقائية وفي المجلس  المجتمع كله يلتقي  نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج, لانعرف القبلية , ناهيك عن الطائفية, العلاقة قائمة على الالتقاء  لاتكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته, الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يربي الخوف وينشأ الستار بين الافراد , هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية  لم نكن في تشابه من حيث  الانتساب لقبيلة واحدة او لعائلة واحدة , لم نكن ننتسب الى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها , لم نكن جميعاً على مستوى  واحد ومسافة واحدة من السلطة ,   والتشاور والتناصح  والتدوال المستمر لمشاكل الفريج هذا التمازج اوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الاخر , هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته  بقدر وجود الاخر الغير قطري ,كنا  ذواتاً قبل أن نكون هوية.


كيف بدأت الهوية الإنعزاليه" في التشكل ؟ حينما بدأنا بإنشاء  الفرجان الجديدة  كل على حدة وأزلنا الاحياء القديمة التي كانت تمثل نموذجاً رائعاً للهوية السردية كالبدع والرميلة والريان  والجسرة.الهوية الانعزالية كما أرى هي الهوية  التي تمتلك ذاتها في داخلها ولايمثل لها الخارج اي بعد تمايزي وتعتقد بقدرتها على الاستغناء عن الاخر" كل هذا  في اعماقها" يعني أصبحت "جوهر".

مع الفرجان الجديدة  أصبح المجتمع   مجالاً للهوية الانعزالية, فأصبح  الفرد   لايرى الا من يشابهه تماما  اختفى ذلك التنوع الجميل  , ما أود الاشارة إليه هو أن الدولة اليوم غيرها بالأمس  وأصبح سؤال الهوية القطرية  بما هى جوهر  مطروحاً في كل مكان  وهو سؤال زائف , الهوية هي الهوية السردية التي كنا نعيشها في السابق ويمكنها الاستمرار  والتطور بشكل تلقائي  , الهوية القطرية كانت "سرداً" منفتحاً, واليوم يبدو الخوف عليها  خوفاً مبالغاً فيه لغياب الحرية التي تنشأ من خلالها الهوية  السردية التي تشارك في صنع ذاتها  وتقرير مصيرها.  بين الابتعاد عن الجذر  وبين الانتشار الصحي على السطح والعلاقة الافقية التي تكرس اللقاء  يبدو الخيار   صعباً مالم نضع اولوية للحرية على الهوية ويصبح التدوال  الواقعي بديلاً عن الاسقاط الفوقي  الذي قد يهمش الجذر لصالح السطح او يعمق الجذر بحيث يجعل منه رافضاً  للتعايش مع السطح

الأحد، 13 أبريل 2025

الفن والحقيقة

 في اعتقادي أن الفنان أهم من السياسي  وأن المثقف أهم من اي منصب رفيع في الأزمات، لأن الفن والثقافة عموما حالة صدق أو من المفترض أن تكون كذلك، في حين أن السياسة حالة ظَرف. الفن والثقافة هما الوسط الإنساني الضروري الذي يجب أن يُترك دونما تدخل من الجانب السياسي ليبقى الباب مفتوحا للعودة إلى الحالة الطبيعية بعد اختفاء الظَرف. كم من الشعوب خرجت من أزماتها عن طريق وجود الثقافة كحالة مستقلة داخل المجتمع مع أنها انعكاس لواقعه الاجتماعي، كم من الشعوب وجدت حلولا لأزماتها مع الآخر عن طريق الواقع الثقافي والفني الحر والمستقل الذي كانت تعيشه تلك الشعوب.

عندما يجد السياسي مأزقا يلجأ إلى المثقف ليأخذ منه وليستمع إلى رأيه، لذلك بقاء الثقافة والفن بمعزل عن الأزمات السياسية ضمانٌ للمجتمع،
 ، كنت دائما على إيمان بأن الفن هو ما يجمع شعوبنا من المحيط إلى الخليج وليس السياسة،
وقف سارتر ضد استعمار فرنسا للجزائر، ووقفت جين فوندا ضد حرب فيتنام،
الفن مؤثر جدا عندما يكون مستقلا وحرا، إذا قبضت الدولة على الفن فاعلم بأن المصير أسود لأنك اقفلت الطريق أمام الخيال وعايشت الواقع الضيق بكل تفاصيله، لذلك نرى الانظمة التي صادرت حق الفنان وعملت على تجييره زالت، أو في طريقها إلى الزوال.
التحق الفيلسوف هايدغر بالنظام النازي أيام هتلر مسايرة لوضعه كأستاذ ومدير للجامعة فخسر سمعته على الرغم من تفرده المذهل بخطه الوجودي والذي نهل منه الكثير بعده.. ووقف دريد لحام في صف طاغية دمشق الأمر الذي أفقده مكانته لدى الشعب العربي،  
لماذا الفن ودور الفنان مهمان جدا في الأزمات لأنه يقول ما كان يُخفية المجتمع في الايام الرتيبة. اليوم أ 
لم يعد بامكان هذه الشعوب أن ترى الفرق بين القبح والجمال فلقد جرت عملية مصادرة واضحة للذوق العام لديها عن طريق تسليع الفن والفنانين.
حينما يتحول الفن الى سلعة وبضاعة رخيصة يخسر المجتمع ضميره ,لايتقدم مجتمع الا إذا تقدم دور الفن فيه واصبح يعكس أمال أفراده وطموحهم  وتعدد اراءهم واتجاهاتهم , فتصبح الحقيقة فيه مجالاً للتداول لا الاحتكار ,إن أسوأ مايمكن أن تصاب به الامم  هو تدهور أخلاققها,  والفن الراقي جزء لايتجزأ من الاخلاق  بل هو مرآة صادقة لمستوى الذوق في المجتمع
إن الفن يا سادة يعكس ذات الإنسان وتاريخه بشكل أصدق من جميع الروايات والقصص والوثائق لأنه تاريخ حي, يعيشه الانسان  ويسطر صفحاته وينشر من خلاله آماله وتطلعاته.