الخميس، 12 يونيو 2025

البنية الثقافية ودورها في التحول الديمقراطي

 


قوة الدولة تختلف من منطقة الى أخرى داخل عالمنا العربي الكبير وهذا الاختلاف له مدلولاته السياسية والاجتماعية وتأثيراته على تطور المجتمع وسهولة ولوجه الى المرحلة التحول الديمقراطي المنشود ففي البلدان التي لا تزال البنى الثقافية والاجتماعية فيها فاعله نرى دوراً للدولة يختلف عن تلك البلدان التي لم يعد يوجد فيها بنى تقليدية فاعله أو استطاعت الدولة أن تقضي عليها أو إذا افترضنا وجودها فأنها على الأغلب شكلية .
أستطيع أن أسوق أمثله لتوضيح ما أقصده فالمثال على وجود قوى أو بنى ثقافية فاعلية يمكن رؤيته في كل من لبنان حيث الطوائف أو اليمن حيث القبيله تلعب دوراً حاسماً في إدارة المجتمع وتحولاته في هذه البلدان نجد الدولة تتعامل بشكل سياسي يميل الى توزيع المقدرات بين هذه البنى أو القوى على نحو توافقي لتتمكن من السيطرة على زمام الأمور وهي هنا أقل بطشاً وعنفاً . في حين أن المثال على قيام الدولة بإزالة البنى الثقافية داخل المجتمع يتمثل في تونس أيام بن علي( راشد الغنوشي في إحدى حواراته ) والنتيجة لذلك امتلاك الدولة للمجتمع بشكل كلي وقضاءها على أي إمكانية للتطور في اتجاه المنحنى الديمقراطي الذى يفترض إيجاد بدائل لهذا البنى التقليدية بشكل تدريجي يمكن المجتمع من التقليل من سيطرة الدولة وبطشها .
أما المثال على شكلية هذه البنى التقليدية وعدم فاعليتها بشكل يجبر الدولة على توزيع الأنصبة فهي بلدان الخليج العربي فالقبيلة فيها رغم وجودها إلا أنه وجود شكلي لا يستطيع الوقوف أمام الدولة وجبروتها أو إجبارها على التعامل معها أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل أكثر حيادية لأسباب كثيرة منها الندرة السكانية واعتماد الاقتصاد على الريع المستخرج بواسطة فعاليات أجنبية لا تشارك فيها القوى الوطنية إلا بالنذر اليسير والجميع يعلم لما لهذه البنى الثقافية والاجتماعية بجميع أشكالها ، القبلية والطائفية من دور كبير أثناء مرحلة مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني في جميع بقاع أمتنا العربية ، ولكن التحول السلبي حصل بعد الاستقلال حيث امتلكت الدولة سواءً كانت على شكل الحزب الواحد أو القبيلة أو الطائفة زمام الأمور وتنكرت لتلك القوى التقليدية وماضيها وتاريخها وعملت بالتالي على تهشيمها أو أزالتها أو إبقاءها كديكور لا أكثر ولا أقل فأصبح الأمر وكأننا في حاجة الى استقلال ثان ، ليس من المستعمر هذه المرة ولكنه من الدولة بشكلها الشمولي الذى يدوس على بنى المجتمع التي يمكن تطويرها بحيث تصبح نواه للتحول الديمقراطي المنشود . أن الديمقراطية في نهاية المطاف صيغه توافقية بين العديد من الأطراف ذات المصلحة المشتركة من هذا التعايش . لذلك يتطلب الأمر تحويل هذه البنى وتطويرها الى صيغ أكثر ملائمة للعصر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق