لو اطلقنا وصفا مركبا على القرن الفائت فيما يخص شعوبنا العربيه لامكن اطلاق صفتى المطالبه بالاستقلال و المطالبه بالديمقراطيه عليه , بدخول ثلثه الاخير نالت جميع الدول العربيه استقلالها, وبذلك لم تعد احدى الصفتين ساريه المفعول بعد تحققها فعليا بل دخلت ارشيف التاريخ كجهد تم انجازه. وبدأت الصفه الاخرى تتبلور ولاتزال بعد عقد من قرننا الجديد ولايبدو فى الافق انها قريبة الانجاز . كانت المطالبه بالاستقلال تختلف فى طبيعتها عن المطالبه بالديمقراطيه ان تكون حرا تختلف عن طبيعة تلك الحريه بعد ذلك, ان تملك مصيرك تختلف عن تحديد طبيعه وسير ذلك المصير, ا ن تمتلك خيرات وطنك تختلف عن سقف تلك الخيرات ونصيب كل فرد منها. طبيعة الصفه الاولى وهى نيل الاستقلال مشحونه بالامل والعاطفه بل وبالتاريخ تاريخ الامه وهو يتجه الى الخارج , فى حين ان طبيعة الصفه الاخرى الغير منجزه حتى الان داخليه وذات الوان كقوس قزح وتتطلبت اليات اخرى غير تلك السابق وتقوم على الارث السياسى للمجتمع والتحولات التاريخيه التى مر بها وقدرته على صياغه بدائل وقدرته على تحقيق قدر من التماسك والدول العربيه ليست كلها على مسافه واحده من ذلك كله. هناك الكثير من الاسباب لانسداد الافق ففى حين تبدوا الانظمه فى حالة طرش تبدو الشعوب وكأنها تتخبط فى ليل دامس لماذا هذه الحاله. انا اعتقد هناك جزء تاريخى معنى اكثر بالانظمه وهناك جزء اجتماعى له صلة بادراك الشعوب بالاضافه الى ان هناك تبادل وتأثير واضح للبعد الخارجى كذلك.
بالنسبة للانظمه اولا: فى معظم الدول العربيه الدوله سبقت قيام المجتمع وعملت على صياغته فى حين ان كل المجتمعات الديمقراطيه اليوم سبق وجود المجتمع فيها الدوله بل عمل على تجليها بأطيافه"المقصود بالمجتمع هنا المجتمع المدنى"
ثانيا: ادى ذلك الى قيام الدوله برعاية المجتمع والاحسان اليه والصاقه بها بالاضافه الى حصر جميع موارده وحيازتها تبعا لذلك وقد سبق وتكلم العديد من المفكرين عن الاستبداد الشرقى وعلاقته بالاقتصاد الريعى
ثالثا : نشأ تبعا لهاذين الامرين علاقه ثقافيه تؤله من الدوله كأشخاص تحت اى مسمى فاصبح موت الزعيم توقف للحياه وشلل للشعوب الى اخر ذلك من انقطاعات تعوق التفكير السليم للفرد وتحوله الى مستجدى السماء بسبب وبدون سبب وعطلت طاقة الفكر وقتلت الابداع ليتحول المثقف والاكاديمى والطبيب والمهندس الى موائد اخرى غير طاولة البحث ومختبرات العلوم والانتاج.
اما بالنسبة للشعوب فانها فى مطالبتها بحقوقها تتبع الطريق الفج دون ادراك منها اما بالصدام المباشر او غير المباشر عن طريق وسائل الاعلام فى حين ان المعركه الحقيقيه للشعوب على اطلاقها تتمثل فى حقل المجتمع المدنى ووجوده وفاعليته وقد اشرت سابقا لفكره الهيمنه التى استخدمها غرامشى والتى يبدأ بها المجتمع بالمطالبه بحقوقه وشروط توفرها اى ان العمليه بالنسبه للمجتمع تنبع من القاع وتنتشر افقيا وتحتاج الى فكر غير فئوى وغير أنى. طبعا سيصيح قائل وهل ستسمح الانظمه بذلك بالطبع لن تسمح ولكن عند نقطه معينه قد يدعوها الموقف الى التفاوض وهو بدايه الطريق والخروج من حالة ” الطرش” المزمنه التى تعانى منها
بالاضافه الى ان الوضع الخارجى ايضا قد لايسمح اذا تعرضت ارتباطاته ومصالحه للخطر ولكن عند حد معين لايستطيع تجاوزه سيبحث عن هذه المصالح من مايستجد به الوضع ايا كان ملمسه او لون جلده. غياب الارث السياسى العصرى فى دولنا العربيه قد يعرضها للفوضى كما نرى فى العراق ولكنه فى النهايه صناعة الشعوب لان الانظمه تتناسل وتتوالد بجيناتها فى حالة غياب البوصله الداله على الاتجاه الحقيقي لصناعة مثل هذا الارث لدى الشعوب, ففى حين ان قوة اى نظام تقوم على عسكرته بمعنى اعتماده على الجيش او الميليشيات ايا كان نوعها فأن التقدم الذى احرزته الدول فى هذا المجال هو اما فى تمدين هذه العسكره او فى جعلها خارج صراع المجتمع المدنى عندما تكون مؤسسات المجتمع المدنى من القوه بمكان تقف على خط سواء من غيرها من المؤسسات بما فيها الجيش ولعل التقدم الاخير الذى احرزه نظام اردوغان فى الحد من سلطة المؤسسه العسكريه فى تركيا من التدخل فى السياسه انتصار كبير للمجتمع المدنى التركى والذى بدأ با كرا فى تحديد دور الدين من السياسه لان استخدامه فيها يخرجها من امكانيه التحول البشرى والتغير المستمر طبقا للظروف نظرا لطبيعته العقائديه التى تحتمل الايمان فقط