تنهد بعد ان جلس على الكرسى وقال: ياعمي الله راضي على البلاد واهلها , الجو دائما جميل او ممطر والخضره في كل مكان والانسان يشعر بالحريه والنظام والقانون هو السائد ¸ثم أكد قائلا :أتصدق ان صاحب التاكسي الذي نزلت منه للتو قال لي أن رفع دعوى ضد وزير البلديه لعدم قيام الدوله بدورها في تنظيف منطقته التي يسكنها مطالبا إياه بإرجاع قيمة ضرائبه التي يدفعها لذلك.
سألته أأنت مواطن هنا , قال: نعم منذ عشر سنوات, وسألته كذلك:لم تركت وطنك , أجاب هو الذي تركني وأرغمني على الهجره, قلت له كيف ?
قال: سرقه السارقون واستولى عليه اللصوص , ولعب في خيراته الاقوياء والمتنفذون لم يعد وطنا , اصبح جحيما لايطاق, ثم اردف قائلا : اتعرف عدد العرب الهاربون طوعا وكرها من اوطانهم مقيمون في هذا البلد العلماني , انهم يتجاوزون مئات الالوف, ربعهم على الأقل او اكثر هربوا بدينهم ومعتقداتهم بعد ان ضيق عليهم هناك وسجنوا وعذبوا بسبب ذلك.
قلت له: إذن ان ترى في العلمانيه ملاذ من الاضطهاد الديني والتعسف الانساني ؟. قال لي : هي كذلك , انا امارس عباداتي في المسجد القريب من منطقتي , واصوت في الانتخابات البلديه والسياسيه , واشارك في جمعيات حقوقيه .قلت له ماسلبية العيش هنا ؟ قال السلبيات كثيره كاي مجتمع انساني, لكن الحريه هنا شى مقدس ولاتعني الانعتاق من شىء كما كنا نعتقد في اوطاننا , لاتعني الانعتاق من العبوديه أو التخلص من الاستعمار , أو من النظام الابوي الصارم. لان الاعتقاد بذلك يقوم على أن التخلص من شىء يعنى السقوط في شىء آخر, كالتخلص من الاستعمار اورثنا العسكر والقبيله , والتخلص من النظام الابوى سيورثنا الوقوع في النظام الامومي أو العائلي. الحريه هنا تعني شيئا مطلق , هي الانسان في ذاته بكل ما يحمله من صفات جينيه واجتماعيه .
قلت له: لكنهم ياتون الى بلادنا مهرولين ,أجاب: يأتون بمفهوم الثقافه المتعاليه التي حققت ذاتها الانسانيه وتبحث عن مصالحها الدنيويه بناء على ذلك ،فالغربي يأتيك , وقد سبق له اختراقك ثقافيا حتى ولوكنت اكثر منه علما وتحصيلا .
قلت له: ماذا عن الاسلام ؟ قال لي : لاتخف الاسلام ينتشر هنا بالرغم من التشويه الكبير الذي يلحق به جراء ما نقوم به كمسلمين نحمل إسمه. واسترسل قائلا : أنا احد الذين يدعون الى القراءه عن الاسلام ,وأدفع جزءا من راتبي لترجمة بعض الكتب عنه مع عدد من أصدقائي المقيمين هنا . واستمر قائلا: ليت اخواننا في وطننا العربي يدركون حساسية وضعنا في هذه البلاد ويرفقون بالاسلام الذي هو هويتنا , لاتعلم مايسبب لنا اختلافاتهم وصراعهم حوله وحول مراميه.
قلت له : ماذا عن الربيع العربي؟ قال لي: تصدق ياسيدي الفاضل أنني منذ أكثر من عقدين كنت متوقعا لحدوثه وذكر ليي سبب ذلك قائلا: كنت في إحدى دور النشر العربيه هنا , ولاحظت اندفاعا كبيرا من جانب المصطافين والسياح العرب لشراء كتابا كان نازلا للتو.. في دور النشر إسمه" سيكلوجية الإنسان المقهور" الجميع يسأل عنه ويخبر الغير ويتوافد الجميع لطلبه, من بينهم شخصيات كبيره بل ووزراء ومقربين , أدركت ان الجميع يعيش ويتمتع لكنه يدرك تمام الإدراك ان كل هذا شىء مؤقت وانه قائم على جرف هار لايلبث ان يسقط في الآتون أو القعر وأن سيكلوجية القهر متجذره وإن ما يعلوها من طبقات هي اشبه بطبقات الشحم الذي لايلبث أن يذوب . قلت له :ألا تنوي أن تعود قال: ساعود حتما الى وطني يوما ما ,دعني الان أحلُم.