لا أعرف أصلاً, لهذه الكلمة . ربما من يفدي ، فداءً ، أو ربما تحريف شعبي لكلمة فدائي ” الفداوي ” شخصية ارتبطت بتاريخ الخليج وربما هناك مثيلاتها في الثقافات الأخرى . وهو الإنسان الذى يتبع شخصية كبيرة مرموقة سواءً كانت أميراً أو شيخاً أو مسؤولاً كبيراً ويأتمر بالتالي بأوامره وينتهي كذلك عن نواهيه نظير أجر من المال . وهي تختلف عن الخادم الرسمي حيث لا تحتاج الى أي مستندات رسمية لتوظيفها . ولا ضير من هذا كله ، فمرحلة انتشار هذه الشخصية حكمتها الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة آنذاك . إلا أنها موجودة حتى وقتنا الراهن ولكن في نطاق أضيق مما كانت عليه في السابق . وهناك رجال أشاوس من أبناء الوطن تقلبوا في هذه المهنة في السابق فلا يُعد ذلك نقيصه ً أو عيباً خاصةً إذا كانت كرامة الإنسان مصونة حيث العلاقات أصلاً في مجتمعنا الخليجي مترابطة نظراً لقرابة الدين والنسب . ولكن أن تكون هذه العقلية بطبيعتها اللاحوارية وطاعتها العمياء رغم عدم الاقتناع هي مقياس ومعيار الحراك الاجتماعي في المجتمع والارتقاء الى الأعلى في زمن العلم والتخصص . فالأمر إذن ينبئ عن خلل في نظام المجتمع الاجتماعي وعليه بالتالي أن يعيد ترتيب أوراقه وإلا فلتقفل أبواب المدارس والجامعات ونوفر على ميزانياتنا المرهقة أصلاً مزيداً من الضغوط والعجز ، والأنكى من ذلك عندما يضطر المتعلم إلى تقمص عقلية ” الفداوي ” هذه ويلغي بالتالي بقناعاته وأفكاره جانباً ويدوس على سنوات دراسته ويتحول بالتالي الى فداوي عصري ليتحسن وضعه وتشرق بقية أيام حياته ، فلذلك فإن مساحات التهميش في مجتمعاتنا الخليجية كبيرة جدا وتزدحم بالعقول والخبرات ذات الدرجة العالية من الوعي أما أنها لم تستطع مجاراة ذلك لقناعاتها أو أنها لا تعرف أصلاً الطريق إلى ذلك لأن طبيعة تلك الشخصية تتطلب استعداداً فطرياً ومواصفات خاصة . إن المجتمع لـه من القوى الضاغطة الشئ الكثير ويفرز بالتالي إفرازات تتناسب مع كل حقبه زمنية وهذه الشخصية هي إحدى إفرازات المجتمع القبلي في حين أن مجتمع الطوائف يفرز ميليشيات والمجتمع العسكري يفرز نخباً عسكرياً وهكذا . أعتقد أن فضيلة الحوار لم ينتجها مجتمعنا العربي الآن رغم وجود قيادات للأمة عبر تاريخها آمنت بالحوار إلا أنها لا تعد مقارنة بتاريخها الطويل فأحادية الرأي وتهميش الأغلبية هي السمة الغالبة وعندما تشيع ثقافــــــــــــــــــة ” الفداوي ” وخصائصها المذكورة في المجتمع ومؤسساته تحت مسميات حديثه تصبح الخسارة مضاعفه . إن فترة بزوغ تيار العلم في دولنا الخليجية كافيه للأخذ به كمعيار أساسي وربما وحيد للحيازة على الثقة والاستشارة . فإسداء الثقة للمتعلم والمثقف أمر هام للاستفادة منه واخلاصه بالتالي لوطنه ونظامه حيث أن مرحلة الانتقال والتحول للمجتمعات تتطلب تضحيات لا يقدمها إلا أصحاب القناعات الراسخة وهذه ليست خصائص تلك العقلية المسطحة . فمجتمعاتنا بين أمرين في غاية الخطورة ، الأول في اعتمادها على الريع النفطي الذى ينتج ويعاود إنتاج نفس الشخصية ولكن بصورة معاصرة والآخر في تبني خصائص هذه العقلية ولو تحت غطاء عصري حيث قد يحمل صاحبها اليوم أعلى الشهادات أكبر الجامعات ولكن لـه نفس الآلية والميكانيزم لاعتقاده أن ذلك ما يتطلبه العصر المعاش للانخراط فيه فلابد إذن من تغير ثقافة المجتمع ككل واعتماد الإنتاجية كمصدر لإفرازات جديدة . ما يجدر الإشارة إليه إن دول الخليج حالياً تسعى لتوسيع دائرة الحوار والتشاور مع أصحاب المشورة والرأي ولكن الإحساس بأهميتهم ربما يتطلب تغيراً في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع ولتبقي تلك الشخصية التاريخية ضمن إطارها الذى خلقت من أجله وتبقى بالتالي الأمور لأهل الرأي ما صلحت .