أعتقد أنه من الضروري لفهم مايجري العودة الى إبن خلدون كمنظر للدولة
العربية بالذات تاريخيا وإجتماعيا, خاصة
وإن أسباب قيامها في منطقتنا تتشابه الى حدَ كبير مع كل ماجاء في مقدمتة عن نشوء الدول وإنهيارها,
رغم المسافة التاريخية الكبيرة التي
تفصلنا عنه إلا العوامل
التاريخية لقيام الدول في عصرة هي تقريبا نفسها التي قامت عليها
الدولة العربية الحديثة في منطقتنا
العربية حيث لاتزال العصبية والشوكة"القوة" هما المحدد الاول لقيام الدولة سواء كانت قبيلة أو جند وعسكر, كما أن المال وهو
مايُعرف اليوم بوزارة المالية أو المال العام أو خزينة الدولةهو العامل الثاني
والهام لاستمرار الحكم وبقاؤه. فالدولة في
منطقتنا في إعتقادي لاتزال خلدونية المنشأ
ولم يتغير سوى الاطار الخارجي للتكيف مع العصر إلا أن هذين العاملين هم
المحددان الرئيسان لبقاء الحكم فيها والحيلولة دون إنهيارهما , ويبدو الربيع
العربي شاهدا على ذلك حينما ذهبت عصبية
وقوة الحاكم سقطت الدولة وأرتمت في أحضان
الفوضى.
اليوم تمثل أزمة الخليج القائمة تحديا خطيرا للدولة في المنطقة نظرا لتعرض العاملين
الاساسين لاستمرار الحكم فيها لتآكل شديد
من داخله قبل أن يكون تأثيرا يأتيه من
الخارج , وكشفت هذة الازمة عن أمثلة واضحة على ذلك قد بدأت ملامحها تبين وتظهر منذ فترة ليست بالقصيرة .
ماذا يقول إبن خلدون عن عوامل تفكك دولته
واسباب إنهيارها ولنقارن ذلك مع ما نعيشه
اليوم في ظل هذة الدولة الخلدونية العربية القائمه التي بدأ الانهيار فيها منذ بداية الربيع
العربي ويقترب من منطقتنا اليوم بشكل يبدو وكأنه إستحقاقا تاريخيا طال أمد الوفاء به:
أولا يشير إلى أن العصبية والشوكة التي يقوم عليها الحكم في الدولة
تحتاج الى مساع جماعية مشتركة وليست مساع
فردية لأنها لاتكفي ولكنها تختزل بعد ذلك في شخصية
الكبير في العائلة او القبيلة أو حتى في الجند, وبعد فترة يبدأ يصبح "الاستفراد" بالسلطة واضحا في التخلص من منافسيه الذين هم من عصبته وإحلالهم بآخرين لاتتوق أنفسهم الى المُلك, فهم
اصحاب مصالح لاأصحاب مبادىْ. فيصبحون هم العصبة الجديدة التي تتوغل لحصد
الفائدة والثراء والغنى.
ثانيا: بالنسبة الى المال
يشير إبن خلدون الى فيقول "إعلم بإن الدولة في أولها تكون متعففه
فيكون خُلقها الرفق بالرعايا والقصد في النفقات والتعفف في جباية الاموال من الناس ثم رويدا
رويدا يحصل الاستيلاء ويعظم ويستفحل
المُلك ويكثر الانفاق ويكثر الانفاق
والاسراف يحتاج السلطان الى ضرب "المكوس"لاحتياجاته
وتوسع انفاقه ويستطيل في ذلك حتى يصبح القهر منتشرا بين الناس"
ثالثا:التفرد بالمجد وعدم
مقاسمته يقول إبن خلدون"أن العصبية تتألف من عُصابات كثيرة تكون واحدة منها
أقوى من الاخرى فتغلبها وتستولي عليها حتى تصيرها جميعا في ضمنها" ويتبع ذلك
تغييرا في التاريخ وربما في الانساب ويجري التدخل في كل الخصوصيات حتى ينفرد الحاكم بالمجد وحده لاشريك له.
رابعا: "الانغماس في الترف وذلك بسبب توفر اسبابه ووسائله ومن باب المفاخرة والمباهاة
فيصبح هدر الثروات في والمبالغة في التفاهات ديدن ومصدر تفاخر
وعلى قدر القُرب يكون الحظ"
خامسا: الدعة والسكون والاطمئنان بتحقيق المأمول فتختفي الطموحات والفضائل السامية و تتلاشى العقائد الراسخة,
خاصة بعد ذهاب عصبية الجيل الاول وتمسك الجيل الثاني الى حد ما على مكتسبات هذه
العصبية بالاستبداد إلا أن الجيل الثالث
تبدو الدعة والسكون مسلكا واضحا له
.
سادسا:إقصاء أهل العلم والصلاح يذكر إبن خلدون يجرى تكريم أهل الجاه
والمال والثراء أما ماعداهم من أهل العلم
والصلاح فلاتكون لكلمتهم وزنا وذلك بسبب قلة جاههم وعدم الحاجة إليه فليسوا معتبرين
في الكلام في السياسة أو في الحلول الشرعية لما قد يصيب الدولة من من اوضاع وأحوالز
سابعا: تقريب الوضيع والسفله ورفع منزلتة:يشير إبن خلدون إلى أن السلطان او
الحاكم يرضى غروره المتملق والمنافق والمتصنع
فيصطنعه حتى يكايد به الغير من ذوي
الكرامة والعزة وامتلاك النفس .
تبدو الازمة الراهنه كراسا
واضحا لقراءة ما وضعة إبن خلدون في
مقدمته عن الحكم وقيامه واسباب
إنهياره لك أن تبصر ما يحدث اليوم من
تراشق إعلامي وضيع يتجة مباشرة الى أسس دولة إبن خلدون من عصبية ومن إنغماس في الترف ومن تقريب السفيه والوضيع حتى بتنا نسمع عن
اسماء تتحكم في ادارة الازمة لم تكن المجتمعات قد سمعت بها ولابتاريخها , من إختفاء أهل الرأي والمشورة ومن الانغماس في
الترف وتبذير الاموال كذلك على الدعاية الخارجية ,والتسلية و
في تأليه الافراد , في إختزال الشعوب . كل هذه دلائل على أن دولنا لاتزال هي الدولة الخلدونية التي تكلم عنها إبن خلدون في القرن الحادي
عشر لاتزال قائمة وأن اسباب إنهيارها أو استبدالها تلوح في الأفق اليوم بشكل اكثر إلحاحا من
ذي قبل.