عامر لم يمتلك أوراق رسمية لاجواز سفر ,
لابطاقة شخصية ,ليس له اولاد , ليس معه سوى زوجتة التي شاركتة وحدتة وأصالة وجوده الخالي
تماما سوى من حركتة الدائمة في دنيا الله
التي ليست سوى قطر , لم يعرف أرضا غيرها
ولم يغادرها إلا الى ترابها في مقبرة
الريان.فشلت جميع المحاولات التي بذلت لمنحة الجنسية القطرية, كان راضيا باسما
مرحا في المجلس , يمضى في آخر النهار إلى
داره القريبة المكونة من غرفتين صغيرتين , توفيت زوجته وظل وحيدا بعدها, يأتي الى
المجلس العامر ليجتمع مع كثير من رجالات وشيوخ الغرافة والريان يشاركهم الولائم
والافراح والاتراح , لايمتلك وجود رسمي ليس له إلا وجوده الحقيقي كإنسان وهذا وحده
كان كافيا ومالئا قلبه ثقة وإطمئنان, الوجود الرسمي زهوق إذا ما إعتمدنا عليه فقط
ونسينا وجودنا الحقيقي, لأنه غير ثابت وعرضة للتقلبات ,هناك من يتقاتل للحصول على
الوجود الرسمي بأي وسيلة وإحتيال وينسى
وجودة الحقيقي, لم يكن عامر كذلك أراد فقط جواز سفر يثبت به ولاءه للأرض التي أحبها وعاش فيها العمر كله يستطيع به المغادرة والعودة ولم يتمكن حتى من ذلك و لم يؤثر ذلك من نفسيته شيئا
, كان مبتسما مرحا حتى آخر ليلة قابلته
فيها قبل أن يذهب الى داره ليستيقظ صباح
اليوم الآخر وقد أصبح لايرى شيئا , ربما لزيادة منسوب السكر في دمه دون أن يدرى
لينتقل بعدها بوقت قليل الى الرفيق الأعلى,
عاش مايقارب السبعين من السنين برفقة من أحب من أهل الريان , راضيا قانعا
مستبشرا, لم يمتلك أوراق رسمية, هو في نظر الدولة غير موجود أو فائض على وجودها
لكنه في حقيقة الأمر يمثل الوجود الاصيل للإنسان بعيدا عن تدخل الانسان
وانزياحاته وميولة.غاب من سنين , كما غاب
الريان والمجلس العامر ومعظم مرتاديه ,
لكنه لايغيب عن بالي كحالة وجوديه حقيقية, أغنى كثيرا من حالات الوجود الرسمى المتفاقمة
لونا وشكلا لكنها في حقيقة الأمر لاتعيش حقيقة الدنيا, الوجود الرسمى طغى
على المجتمع فأصبحنا بعد العنابي نبحث عن الاخضر وربما لونا آخر مستقبلا وعن المجلس استعضنا بصالات
الشرف , وعن الوظيفة بعضوية الشرف ...كلما توغلت في الرسميات كلما غفلت عن وجودك الحقيقي , وقد ينتهي بك الاجل
ولم تلتف له بعد , عاش عامر وجوده الحقيقي بكل قوة ورحل ولم يمسك بيده مايثبت وجوده الرسمي, لم
يجدوا بحوزته سوى "طاقة" من قماش أبيض وكأنه كفنه يحمله معه ليذهب حيث
الوجود الابدي ويترك دنيا الزيف وأوراقها
واختامها الكثيرة.
رحمك الله ياعامر ما أغناك وما أفقرنا.
رحمك الله ياعامر ما أغناك وما أفقرنا.