في تأبين الريان القديم
التحديث اذ
يغتال الذاكرة التاريخية
الريان اسم له وقع على الاذن العربية عامة ، والقطرية على
وجه التحديد، فاسماً هو احد ابواب الجنة
المبتغاة وموقعا هو سكنى ومقام وموئل
لحكام قطر الكرام واشهر العوائل والبيوت القطرية العريقة الاصيلة كذلك.
وعلى الرغم من ان هناك العديد من المواقع التاريخية
بدولتنا الحبيبة الا ان الريان يبقى ذا
تفرد لاهميته وشهرة اسمه .
كانت مزارع الريان القديم الاكثر شهرة والاكبر مساحة في
قطر ومعظم قبائل وعوائل قطر الاصلية لها
من يمثلها في الريان. لقد كان تجمعا فريدا
دالا على طيبة هذا الشعب والتحامه ببعضه البعض فيكفي ان تذكر انك من الريان ليتاكد
الجميع بانك ابن هذه الارض الطيبة لقد
كانت فسيفساء عائلية عجيبة ومتحابة لا تجد مثلها اليوم، حيث المجالس مفتوحة وعامرة
رغم ضعف المداخيل الا ان النفوس كانت كبيرة والثقة بالله والغد تعمر تلك النفوس
ككل اهالي هذا الوطن الحبيب في تلك الفترة . كان الاطمئنان قيمة كبرى لم نشعر بها
الا بعد ان فقدناها والهدوء والصفاء يلف المكان ويزدان به الجو حتى انك تسمع اصوات
الطيور ومكائن جلب المياه من المزارع المحيطة وانت في دارك بعيدا مئات الامتار
عنها
لقد انجب الريان رجالا لهم قدرهم ومكانتهم في التاريخ
القطري فمنهم الشاعر والاديب ومنهم صاحب الرأي والمشورة ومنهم كذلك اللاعب الفذ ومن مدارسه تخرج رجال
تقلد بعضهم أعلى المناصب والمسئوليات ومقبرته التي تضم رفات معظم شيوخ ورجالات ونساء قطر الكبار دليل حي
على عمقه التاريخي . لقد كان كغيره من مواقع الوطن التاريخية مصدر ابداع ومصنعاً لتخريج الرجال المؤمنين بهذا الوطن المتفانين
في خدمته ولكن التاريخ لا يعرف الثبات
فمع منتصف السبعينيات تقريبا من القرن الماضي ومع تطور
الدولة الاقتصادي والمالي خرجت معظم العوائل القطرية تدريجيا من الريان القديم بعد
ان خصصت الدولة اراضي جديدة لكل عائلة او قبيلة على حدة فمنهم من قطن على اطرافه
ومنهم من ابتعد قليلا الا ان عيون الجميع كانت ترنو اليه كمهد لذلك الالتقاء
العفوي بينهم وتلك الطيبة التي بددها الانتقال الذي مهد بعد ذلك لقيام نفسية جديدة
متمركزة حول الذات
كان الامل في اعادة تخطيطه بحيث يمهد للعودة اليه وانعاشه
مرة اخرى كغيره من مناطق دولتنا الحبيبة ولكن تشاء الاقدار ان يكون مركزا لعملية
ضخمة وكبيرة لم تشهدها الدولة وربما المنطقة من قبل فتلاشى الامل في امكانية
الرجوع اليه كساكنين وما هي الا سنوات قليلة وتحجبنا عن الريان القديم اسوار
واسوار وجدار يتلو جدارا فلا يعود بالامكان حتى التجول داخل شوارعه وازقته المفعمة
والمثقلة بذكريات الامس مع الاباء والاجداد حتى وهي اطلال .
في اعتقادي ان الريان القديم كان نموذجا فريدا لم نستطع
تدعيمه وتعميمه فاكتفينا بتفكيكه تحت ضغط التطور والتوسع والان تمتد يد التحديث
رغم اهميتها لاغتيال ذاكرته التاريخية كمنطقة من اهم مناطق هذا الوطن الحبيب ولفئة
ليست بالهينة ولا القليلة من اهله وسكانه . وكأني بعد الانتهاء من عملية التحديث
القائمة اليوم بهدف انشاء منطقة تعليمية ضخمة على ترابه ارى انهاء الوجود المادي
لمكان يدعى الريان القديم ولم يعد يعني هذا المسمى سوى فريق الكرة الشهير الذي شاء
القدر كذلك ان ينقل ليزرع في منطقة خارج اقليم الريان شاهدا على القادمين
والذاهبين وكأنه يشير ويذكر بالماضي حين كان يتربع داخل ثنايا الريان وبين حناياه
ويجذب ربما لهذا السبب تشجيع وترحيب معظم افراد الجاليات العربية والاسلامية المقيمة
في الدولة .
ايها التحديث رغم ايماني باهميتك وبصدق النوايا حولك الا
اني اراك ثقيلا على النفس كثقل الجبال الرواسي لاقدامك على اغتيال ذاكرتي التاريخية
كأحد أبناء الريان وقضاؤك على املي بالعودة اليه يوما ان لم يكن انا فأولادي
وأولاد غيري من اهله ومن تربى على ارضه وترابه الحبيب.
انه حنين له جذوره ووداع له ما يبرره وتأبين يستدعيه
الضمير والواجب لذكرى تداعب السمع ومكان يهفو له القلب .
يا أهل قطر عظّم الله أجركم جميعا في الريان القديم