هناك بشر لاتشعر بهم الا بعد أن يرحلوا, لايشكلون عبئا على الحياه ولا على الناس , يمرون عليك مرور السحاب , تتعود على وجودهم بشكل يجعلك تنسى غيابهم أو رحيلهم, يرتبطون في ذاكرتك بالطيبه والابتسامه الدائمه والبراءه وحب الناس والمساعده, تشعر بالفقد عندما يرحل هؤلاء عن الدنيا ,لأنهم يمثلون الارض في طيبتها والبشرية في طفولتها,و أهل الفريج في تقاربهم وتحابهم .علي ناصر المسيفري الذي رحل قبل أيام يعرفه جيلي والجيل السابق معرفة جيده ليس لانه متميز عن غيره , ولكن لانه بسيط إلى حد أنه صديق الجميع حتى الجنسيات الاخرى من غير القطريين كان يألفهم ويساعدهم ويشاركهم الماكل والمشرب,اعلم ان الاخ علي بن ناصر المسيفري مريض ورأيت علامات المرض على وجهه منذ عام تقريبا عندما جائني مهنئا بزفاف إبني فيصل, إحتفظ له بكثير من الذكريات كلها تدل على نبله واخلاقه العاليه , في العمل وفي السفر , كان مخلصا لأهل الريان ولنادي الريان , ولعله من الرعيل الاول الذي استطاع التكيف مع الاجيال اللاحقه والصغيره حتى أصبح محبوبا لدى الجميع في النادي وخارجه, نموذج على ناصر الانساني هو الخساره , وليس الموت في حد ذاته .الانسان البسيط في كل شىء في نشأته , في علاقاته , لايقترب من خطوط الناس ولا من حظوظهم , له عالمه الذي بناه في داخله , ورسالته التي إقتنع بها في حياته وهي العمل والانشغال به عن تافه القول أو سموم الكلام, عايش الجميع ولم يتغير , لم يتملق , لم يحسد أحدا , قبل مايقارب العامين لقيته وهو يمارس رياضه المشىء وسألته عن صحته فقال لي: ذهبت كل مكان بريطانيا وأمريكا وغيرهما ولم اجد علاجا شافيا وقال لي :سأذكر أنك كنت واصلا ياعبدالعزيز لسؤالي عنه بين وقت وآخر. عندما يرحل البسطاء قدلا يشعر بهم أحد لان مقاييس البشر قد إختلفت اليوم , الغياب الحقيقي هو المعنى الذي يمثله هؤلاء البسطاء , على ناصر يمثل جيل من اهل الريان بعضهم اليوم يتقلد مناصب رفيعه , وبعضهم قد تقاعد وآخرون إنعزلوا عن الحياه, وهناك من إنتقل الى رحمة الله ,مايميز علي ناصر , أنه إستطاع السير بنفس الروح المتفائله والعزيمه القويه, لم يكن يملك مؤهلا علميا كبيرا سوى إنساتيته وهي أسمى المؤهلات, كان يعيش الحياة ك إقتناع بضرورة العيش , لم يكن ينظر للحياه ,كان يعيشها ببساطه وبنقاوه , جميع من عاصره يفتقده كما قلت كنموذج لانسان الفريج البسيط المبتسم القانع الراضي بما قسمه الله له, أكثر من إفتقاده كبدن أو جسم, لاأنسى رحلتنا الى الكويت معه وبصحبة نموذج انساني آخر رائع هو صالح بن عبدالله النشيره المري رحمه الله , زميله وصديقه المخلص ,فقد كانا يتسابقان في خدمة نادي الريان ولو من جيبهما الخاص, لن أنسى تلك الذكريات الجميله معهما لعظيم اخلاقهما وسمو تربيتهما, ولقد توفي الاخ صالح رحمه الله منذ سنوات في طريق عودته من مكه المكرمه وبقيت أذكره كلما قابلت الاخ علي, وقد سبق لعلمي أن الاخ على ناصر إعتذر عن تقلد منصب في مجلس ادارة نادي الريان مؤخرا ,بسبب حالته الصحيه , وسافر بعد ذلك الى تايلند ومنها الى الولايات المتحده الامريكيه , وقد نفذ أمر هناك وهو تحت العلاج .
رحم الله على بن ناصر المسيفري فكم كان خفيفا على النفس, هوناً على الأرض ضيفا على الحياه ,سريعا في رحيله عنها , نماذج تذكرك بأن الدنيا لاتزال بخير
الجمعة، 5 سبتمبر 2014
الأربعاء، 3 سبتمبر 2014
ماتت "الطبقه الوسطى" عاشت "داعش"
منذ سنوات حذرت من زوال الطبقه الوسطى في مجتمعاتنا العربيه عامة والمجتمعات الخليجيه بالذات وإختفائها , وذكرت انها مخزن القيم والاخلاق والفضيلة الوسطى. خيرات هذا الوطن العربي الكبير وبالا عليه وعلى شعوبه,ودين عالمنا الاسلامي أصبح وبالا عليه ايضا, تم القضاء على الطبقه الوسطى الاقتصاديه بسرقة المال العام واحتكار التجاره والاعمال وضرب القوى العماليه في المجتمعات أو بالاستغناء عن اليد العامله الخليجيه بيد عامله اسيويه او غيرها وهندسة المجتمع لإخضاعه وتهميش العقل المجتمعي , كما تم إزالة أو التضييق على الطبقه الدينيه الوسطى التى ترى في الاسلام دين حياة وتعايش لحساب ثنائية الشيخ والمريد, والفقيه والمقلد, فأصبحنا بين طبقتين إقتصاديا بين طبقه عليا متخمه وسفلى متهالكه , ودينيا بين طبقة فقهاء الطوائف وجند الله بأحزمتهم الناسفه. ثم نتسائل من أين جاءت "داعش". من يستطيع أن يفسر أن معظم منتسبي داعش هم من أبناء الجزيره العربيه ومن السعوديه بالذات اغنى دول العالم قاطبة ثم تليها الكويت الغنيه اقتصاديا ؟ داعش هي الطبقه الوسطى المقتوله في مجتمعاتنا , داعش هي نظام التعليم العام الذي ضحينا به لحساب المدارس الخاصه بما فيها الدينيه , داعش هي الانقسام الذي أوجدناه لحماية عروشنا وكراسينا فإذا به يقترب من رقابنا, كيف يتحول طبيب الطبقه الوسطى الى مقاتل يبطش بالناس , كيف يتحول مهندس الطبقه الوسطى من البناء الى الهدم؟ هؤلاء يحملون قيم إنسانيه أين هي الآن؟ تم حصار الطبقات الوسطى في المجتمعات العربيه الكبيره وتهميشها بأنظمه عسكريه بوليسيه تريد الاستمرار الى مالا نهايه , كما تم تضخيم الطبقات العليا في المجتمعات الخليجيه وهي بالذات العوائل الحاكمه ومن دار في فلكها بشكل ملفت للنظر خلال العشرين سنه الماضيه, حتى انك تلاحظ غياب قيم واخلاقيات الطبقه الوسطى في خطاب ادارة الخلافات عبر وسائل الاتصال الاجتماعي , مقارنة بالسابق , إختفت الفنون لإختفاء الطبقه الوسطى وبقي التصفيق المجاني , إختفت ثقافة الابداع لإختفاء الطبقه الوسطى لحساب ثقافة الاتباع, إختفي الشعر كأغراض لاختفاء الطبقه الوسطى لحساب الشعر كإنتهاز, إختفى المثقف المتجرد حتى لايتجرد من ملابسه فقرا لحساب المثقف الصفقه المزدوجه.إختفى مسجد الاسلام العام لحساب مسجد الخطاب الديني الخاص.ونتسائل من اين جاءت داعش؟ إنها لعنة زوال الطبقه الوسطى بمفهوميها , الاقتصادي والديني , إنها ثمرة الاحتكار الاقتصادي والديني , إنها ثمرة الابتعاد عن الانسانيه,من يستطيع أن يجزم ثلاثا على انه من اهل الجنه وغيره في النار , من يستطيع أن يجزم أن إسلامه فقط هو الصحيح وغيره هالك؟ أي عقليه وسطيه تقول بذلك , لاتستطيع أن تنتج عقليه وسطيه دون طبقه وسطى حقيقيه, التخمه قد تنتج تطرفا كما أن الفقر ينتج تطرفا كذلك ,سياسة عزل الطبقه الوسطى في المجتمعات العربيه أو تقليصها والتضييق عليها أو إزالتها كما في مجتمعاتنا الخليجيه, أدى الى ظهور القاعده "المعتدله"نسبيا بالنسبة الى داعش المرعبه حاليا والاخطر قادم بلاشك , أطفال يحملون رؤوس مقطوعه إلى أى نظام تعليمى ينتسبون؟ أو إلى أي طبقه هم ينتمون؟ , إختزال للدنيا وللعمل وللحياه تماما , إننا نعيش الآخره و مشهد وقوفنا أمام الجنة والنارقبل أن ترفع الأقلام وتجف الصُحف.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)