قي
هناك تغير إجتماعى طبيعى بمرور الزمن ولكنه لايأتى على جميع ظواهر المجتمع المعنويه والماديه بنفس الدرجه, هناك مقاومه من الانسان سواء كان فردا أو مجتمعا أو حتى نظاما فى إبطاله أو تأخيره أو حتى إلغائه , التغير الاجتماعى السياسى أو الاقتصادى , يمكن التحكم فيه فى حين أن التغير الاجتماعى الثقافى المتعلق بالقيم والعادات والممارسات التى يصعب التحكم فيها وربما يستحيل. وحدها الثورات تأتى على الاثنين ولها القدره على تغييرهما واستبدالهما بجديد. من هنا كانت الثورات عبارة عن بدايات جديده . ولكن الثورات فى نفس الوقت ليست أمرا يخطط له , الثورات الشعبيه هى فى الحقيقه نذُر تتجمع كما يتجمع الغيم ليسقط المطر بعد حين. قد تجتمع هذه النذر فى مكان , وقد يجتمع بعضها فقط فى مكان آخر, فلذلك تبدو دراسة الثورات للاستفاده منها , مصدر كبير وغنى لعلماء السياسه والاجتماع , والشعوب الحيه هى التى تستفيد من الثورات ونتائجها من غير الحاجة الى تكرارها, لقد إستفاد الغرب من الثوره الانكليزيه فى القرن السابع عشر فى انتزاع الحق الالهى من الملك ,وتسليم الشأن العام للبرلمان ومجلسيه, ولقد أستفاد الغرب كذلك من الثوره الامريكيه فى التحرر وإنشاء الدستور لمجتمع جديد يتكون, واستفاد الغرب من الثوره الفرنسيه فى نشر مبادىء الحريه والعداله فى أرجاء أوروبا الاقطاعيه حينئذ.. سكن الغرب بعد ذلك , فيما تحرك غيره فى إدراك ما أدركه وبنسب متفاوته, ليس بالضروره أن تقوم ثوره فى كل مكان ولكن أن يتفهم الجميع منطق الثوره والتغيير , من يدرك ذلك من الانظمه يدرك التحول سريعا . هذه المقدمه أراها ضروريه اليوم ,خاصة بعد نجاح الثورتين التونسيه والمصريه فى إزاحة نظامين ديكتاتوريين , والكلام عن المطالبه بإستمرار ذلك على الجميع , الامر الذى سيجزء إنسانية الثوره ويجعل منها مرتعا للأهواء لو تم, وهذا فى مجال الاستحاله. يمكن تحديد مكونات قيام الثوره الى عوامل إجتماعيه وسياسيه وإقتصاديه تتمثل بإختصار فى مجموعه من القيم المفقوده أو القيم السالبه الموجوده أولها : الفساد , وغياب العداله, وإمتهان الكرامه, ومصادرة الحريات, بالاضافة الى عامل جوهرى هام جدا وهو القدره على التواصل بشكل كبير يوحد الوعى ويشحذ المشاعر ويركز من الاهتمام. هذا ما تم. السؤال الآن هل كل المجتمعات العربيه لها من القدره من إتيان ذلك وتحقيقه؟ , لاأعتقد ذلك , ولذلك أقول علينا من الاستفاده من الثورتين بأكبر قدر ممكن وليس التركيز على إمكانيه تحققهما أو إعادتهما فى مكان آخر, والمسؤوليه هنا تقع هنا على طرف النظام بالدرجة الاولى بلاشك. على الجميع أن يجعل من الثوره المصريه الاخيره بالذات مرتكزا للتغيير لانها وبلا شك بدايه لمرحله جديده قادمه على المنطقه ككل, مبادىء جديده ومفاهيم حديثه ومجتمع جديد يتشكل , بالنسبة لدول الخليج ورغم عدم اكتمال مكونات التغيير الشعبى الدافع ذاتيا وإجباريا على التغيير إلا انه لايمنع من أن تكون مطالبه ابعد وأسمى من تشكيل مجالس منتخبه فقط فى حالة غياب القيم الانسانيه ولقانونيه الدافعه للتغيير. على الرغم من إيماننا بأهمية التجربه ولكن الوضع اليوم يفرض تداعيات جديده, ماذا يعنى مجلس منتخب فى ظل غياب قيم العداله والمساواه , أو غياب الحريات أو إنسان بكرامه أقل من غيره. الثوره تنتج قيما وتعمل على إرسأئها بعد ذلك لتتحول الى ممارسه بعد ذلك وهذا ما يستدعى بقاء الجماهير حتى اللحظه فى ميدان التحرير بعد رحيل مبارك , لابد من التأكد من إنزال قيم الثوره التى قامت من أجلها الى مستوى الممارسه. لايعنى ذلك اننى ضد ايجاد المجالس المنتخبه بل بالعكس هى ضروريه وقادمه لامحاله ولكن الوضع يتطلب الأرتفاع الى مستوى ما نعايشه اليوم بعد هاتين الثورتين الباسلتين فى كل من تونس ومصر,إن سقف المجالس المنتخبه يبدو محدودا ومتواضعا جدا اليوم, والحال العام كما هو, ألم تكن هناك مجالس منتخبه فى مصر وفى تونس السابقتين ,إن إنبثاق قيم التغيير وتفعليها يعنى مسارا جذريا آخر, لم تفعل مثل هذه القيم رغم وجودها فى تاريخنا وحياتنا الشخصيه إلا أن تفعليها كما ظهر فى ميدان التحرير وغيره جعل منها شمسا تشرق لا يدركها ليل ولا يأتيها ظلام من خلفها او من أمامها. على كل حال , لانريد لشعوبنا فى الخليج أن تخرج من المولد بلا حمص كما يقولون , فلا بد من الاصلاح والتقدم فى هذا الاتجاه على سقف ما أنتجتة الثوره فى تونس ومصر وليس على ماكان الوضع عليه قبلهما, خاصة وأن عاملا خليجيا مؤثرا لعب دورا إيجابيا مشهودا لصالح الشعبين وتحررهما فى البلدين الشقيقين , هذا العامل ينبع من الخليج الثائر.لينشر نوره فى كل سماء إنه شعاع شمس الجزيره الساكنه قلب كل مصرى وتونسى. هنا فقط يمكن أن يتموضع قول شوقى " احرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس"