هدمت ثورات الربيع العربي الصيغ القديمة
المسيطرة على المجال العام في عالمنا
العربي , لكنها ظلت عاجزة عن بناء بديل لتلك الصيغ في الاغلب مما جعل العودة الى تلك الصيغ التي
تمثلها بالذات "الدولة العميقة" ولوبشكل آخر أمراً حتمياً لعدم وجود
البديل الحقيقي في الاذهان قبل أن يكون مشروعاً يمكن تحققه في الواقع.أنا اعتقد ان
الازمة الخليجية الحالية بشكل أو بآخر ربيعًا خليجيا وعرضاً لأحداثه وتجلياته.والسؤال المطروح الآن
هل تشكل الأزمة الخليجية الراهنة تكريساً للدولة العميقة أو أملا في الفكاك منها و نوراً في أخر النفق للخروج منها .كما أسلفت فأن ثورات
الربيع العربي سقطت في قبضة "الدولة
العميقة" بدرجة او بأخرى ولم تتمكن من الافلات من قبضتها ولعل الاسباب هنا
كثيرة منها فراغ المجال العام من القوى
المدنية الفاعلة بل فراغ المجتمع بأسره من السياسة ولايوجد سوى الولاءات الاولية والدين . فهل
تشكل الازمة الخليجية الحالية أملا في الافلات من قبضة "الدولة العميقة"
فيها؟ تشترك دول الخليج مع دول الربيع العربي جميعها في فراغ المجال العام الا
من هاذين الفاعلين,, الولاءات الأولية
والدين وتفتقر اكثر من ذلك الى المجتمع
المدني فكما
تحالفت الدولة العميقة في دول الربيع العربي مع المؤسسة العسكرية وبقايا الانظمة السابقة التي سقطت , فأن الدولة
العميقة في أزمة الخليج استنفرت القبيلة
فيما رمت بالمطالبين بالاصلاح في
السجون والاعتقال , كما استنفرت التاريخ الهش
من قضايا حدود مفتعله وجميعنا
يعرف اشكالية ترسيم الحدود وقيام هذه
الدول من ملفات الخارجية البريطانية, هناك
فرق واضح بالنسبة الى وجهتي نظر دول
الحصار بالنسبة للحصار , فبينما تنظر الدول المُحاصرة"السعودية والامارات
والبحرين " الى الحصار وكأنه إمساك باللحظة التاريخية لتجديد الداخل والقضاء
على ما يهدد بقاء الدولة العميقة, تنظر اليه قطر الدولة المُحاصرة وكأنه مرجعية جديدة تستند عليها الدولة للإنطلاق منها الى المستقبل, هناك يكمن مأزق الدولة على الجانبين .سواء إعتباره إمساك بالحاضر من
التفلت أو مرجعية جديدة يمكن الانطلاق منها فقط وتحديد
شكل الدولة والمواطنة بناءً على ذلك .إذاً يبدو سؤال الدولة العميقة
مطروحاً وهو السؤال الملح الذي لم يساعد
الربيع العربي ولاالربيع الخليجي كذلك على إيجاد جواب شاف له.ولعل أسبقية الدولة على المجتمع من حيث هو قدرة على التنظيم واستجلاء الطلب الفعال جعل منها قادره على تشكيله حيث تشاء ومع ذلك اعتقد أنها اكثر ديمومة واستقرارا حتى الآن نظراً لطبيعة الاقتصاد الريعي إلا أنه مستقبلا نظراً لتزايد عدد السكان والتجنيس الكثيف سيصبح التهديد وجودياً نظرا لتغيير التركيبه السكانية والانتقال طبقاً لذلك ربما الى نوع من الراديكالية لم يعرفه سكانها الاصليين حين قيامها. على كل حال فإن الفكرة الوطنية عبر
تاريخها العربي الطويل إتخذت اشكالا متعددة منها منها التخلص من الاستعمار وقبل
ذلك التخلص من الارث العثماني للدولة العثمانية حتى وصلت الى الدولة العربية
الحالية فأصبح من الصعب عليها التخلص منها مالم تجد تصورا واضحاً
ينتجه من المجتمع بفعل انساني بشري
توافقي من داخله, فكان اللجوء الى الطوبى الاسلاميه او النزوع الى التجربة
الاوروبيه ومحاولة الاسقاط لهما ليسا أكثر من ترسيخ للدولة العميقة في
المنطقة لاأكثر.