ليست الازمة أزمة عابرة كما يظن البعض , حتى لوتجاوزتها الدول المعنية, فإنها ستظهرثانية
وستتتكر بشكل أو بآخر وستعود لأنها في
كينونتها أزمة "الدولة" في المنطقة وليست أزمة
في سياق سياسي دستوري منتظم . ولي هنا عدة
ملاحظات:
أولا: من مظاهر الدولة , دستورية القرارات, وتعقيد إتخاذ القرار
الاستراتيجي, وهو ما يلحظ الجميع غيابة في هذة الازمة, سرعة في التلفيق , عدم رجوع
لمرجعية شعبية أو دستورية أيا كانت , قرارات فردية خطيرة.
ثانيا:إنتقال للسلطة متعسر يتطلب التضحية بشىء ما لتبريره , وهو ما تمت ملاحظتة بسهولة
اثناء اوج اشتعال الازمة عندما تمت
التضحية ب الامير محمد بن نايف رجل الامن
القوي وتنصيب الامير الشاب محمد بن سلمان وليا للعهد بديلا, وظهور الشيخ خليفة بن
زايد في حالة يرثى لها في العهد استعدادا
لتنصيب محمد بن زايد الحاكم الفعلي للامارات مكانه, هنا تظهر الدولة ليست سوى هذه اللحظة
التاريخية والباقي مجرد توزيع ريع لإكتساب الولاءات وبناء التحالفات بين القبائل.
ثالثا:غياب دور النخبة وغياب
الرأي العام , الجميع يسأل ما الذي حصل ؟ على الجانبين , ومسلسل غانم السليطي
دليلا واضحا على ذلك "شللي يصير" وهذا يثبت تكورالنظام حول نفسة بشكل
أعاق تبلور ظهور الدولة ومؤسساتها.
رابعا:إنعكاس الخلافات القديمة بين القبائل على الخلاف بحيث
اصبح مفهوم الدولة متلاشيا او غير
واضح الى حد بعيد, ومعروف ان هذة الدول في
مراحل تشكلها كانت مرتعا لصراع بين القبائل الحاكمة اليوم في السعودية والبحرين وقطر والامارات , أيضا ان
استمالة بعض القبائل واللعب على حبل القبيلة واضحا من جانب السعودية مما يعكس
هشاشة ادعاءاتنا بوجود الدولة.
خامسا:إلتفاف الشعوب حول قياداتها
جاء إنطلاقا من الالتفاف حول الرمز
وهو التفاف عفوي مثل التفاف الغريق حول عامود النجاة حيث لابديل
والدولة اساسا ليست سوى مجموعة
بدائل , فعد الشروع في بناء دولة طوال هذة العقود جعل من الازمة نمطا متكررا
ولايطرح بدائل للخروج من هذة الازمة.
سادسا: الاستعانه بالدين
لمساندة القبيلة لأن دولة المؤسسات لاتحتاج الى الدين اصلا , وقد لاحظنا ذلك في تصريح المفتي السعودي
حول فائدة الحصار لشعب قطر او العبارات
الاخرى التي لاتمت الى السياسة بصلة بقدر
ما تمت الى العقيدة.
سابعا : كذلك يظهر التعاطف مع
قطر أو مع ضدها جانبا من الاغراءات ليس لها علاقة
بالدولة ومؤسساتها, فهناك شيكات مفتوحة لمغردين يسبون قطر وعطايا ريعية
للآخرين المناصرين لها , إختراق كبير
للقبيلة وميكانزماتها للدولة ومؤسساتها لو وجدت.
ثامنا:" ووالدٌ وما ولد"
لم يُعهد في تاريخ السعودية ولا في
الكويت أن إنتقل الحكم من أب الى ولده إلا في هذة الايام وهو إنتقال تاريخي الى الصف الثاني , بينما كان
الأمل ان يذهب الى آفاق أخرى أوسع بإدخال
نوع من المشاركة الشعبية في صنع القرار المصيري , وهذا يعني أن الخيارات اصبحت ضيقة عن ذي قبل وهي عرضة للتغير خاصة ان القرار
فردي وسريع وحاسم وبالرغم من أن قرار
الملك عبدالله تعيين مقرن وليا للعهد كان" محصنا " كما أُعلن إلا أنه
جرى الانقلاب عليه بسهولة .
تاسعا: لذلك المنطقة في مرحلة
حرجة لايمكن تجاوز المنطق وظروف العصر
باستمرار دونما النظر بعيدا الى المستقبل , الحلول المتاحة الآن تكتيكية
ليس أكثر وليست استراتيجية للمدى البعيد , أرجو أن يكون الوعي واضحا لتقليل خسائر هذا الانتقال التاريخي من القبيلة الى الدولة ومن الحاشية الى الشعب ومن الفداوي الى المواطن