إذا وصل المجتمع الى مرحلة تأويل الفساد فأقم عليه مأتما وعويلا, والمعنى البسيط الذي اريد ادراجه لعملية التأويل هو إخفاء الغرض
الحقيقي من ممارسات فاسده تحت مسميات ا خرى وطنيه , أو استخدام الاسم التاريخي النزيه ليغطي أغراض شخصيه
غير نزيهه. ولي هنا بعض الملاحظات:
أولا: النشاط الاقتصادي بإسم الدين:من خلال نظره سريعه حول إقتصادات دول الخليج , نجد أكثر المناطق التي تشهد ممارسات فاسده
هي تلك التي تحمل او تصطبغ
بصغة الدين أو ماتسمى بالاسلاميه, سواء كانت بنوك أو بيوت زكاه او جمعيات خيريه, فالمجتمعات متدينه بالفطره وتلجأ دائما الى
حلول اقتصاديه لاتحمل شبهات , ولكن يأتي الفساد مستغلا الفطره الانسانيه السليمه من خلال اليافطه الاعظم وهي لافتة الدين لكي
يمارس نشاطه وشيطنته , فكم سمعنا عن افلاس شركات اسلاميه وعن بنوك اسلاميه تنهب من الداخل وعن بيوت زكا ه محصولها
يذهب الى اهداف سياسية اخرى ليس لها علاقة بمصارف الزكاه الحقيقيه.
ثانيا:الميزانيات العامه :هذا الاسم الكبير الذي ينتظره المواطن بكل شغف اعتقادا منه بأن زيادته ونماءه كل عام سيعود عليه بشكل
أو بآخر تحت هذا المسمى يندرج اخطر انواع الفساد من خلال طرح المشاريع وتزكية العطاءات, وعملية التفضيل بعيدا عن
المعايير العلميه والاقتصاديه المحايده . كيف تؤول المشاريع لتصبح موافقة لفئة دون اخرى وقد رأينا أثر ذلك في كثير من
المشروعات ,.
ثالثا: الاخطر هو ممارسة النشاط دون علم بأن ذلك يدخل ضمن مفهوم" الفساد المؤئل" , بمعنى صرف وعي المجتمع ,عن حقيقة
وضعه والمخاطر المحدقه به أو
عن هشاشتة الاقتصاديه وإقباله على كارثة اقتصاديه مثلا ,قد يعىً المجتمع ذلك أو قد لايعيه , قد يعلم المسؤولون ذلك أو لايعلمه ,
لاأعني هنا بالفساد السرقه او النهب , ولكن اعني سرقة الوعي وزغيانه بمباركات رسميه غير واعيه, ماذايمكن أن نسمي مسابقة
"اسرع حالب" في مهرجان حلال قطر مثلا؟ أو المهرجان ذاته, هذا نشاط لايقصد منه ذاتيا الفساد , والقائمون عليه كان قصدهم برئيا
تحت مسمى التراث , لكنه ثقافيا يعنى صرف الوعي بل والاخطر من ذلك هو أنه يحول القطريين الى أقلية رسمية معتمده عندما
تقام "مسابقه بإسمهم داخل مجتمعهم"هناك فرق بين مفهوم الاقليه العدديه وبين مفهوم الاقليه الثقافيه , مثل هذه البرامج تركز مفهوم
الاقليه الثقافيه وهو مفهوم اخطر بكثير من مجرد مفهوم الاقليه العدديه, وما اخشى منه مستقبلا الاتجاه نحو مفهوم الاقليه الطائفيه,
فعلينا بالحذر والحيطه.
رابعا: الفساد المستورد من خلال روشتات عالميه او غربيه بالذات خطير جدا , واذا لم يمتلك المجتمع ارادة في مقاومتها فمصيره
مجهول , وهي نوع من الفساد المؤئل تحت اسم التنميه ومن اشهرها روشتة البنك الدولي لاصلاح الاقتصاد , وروشتات المعاهد
البحثيه الغربيه كمؤسسة راند وغيرها لأن هذة المعاهد تغفل الجانب الاجتماعي وطبيعة مجتمعاتنا وحقيقة الترابط بين مكونات
المجتمع ,ما اراه يحدث اليوم من اعادة لترتيب المجتمع وطبقاته اجتماعيا واقتصاديا , أمر خطير , يعيد الصراع على تاريخ
المجتمع بشكل يصبح الجميع خاسر مع مرور الوقت , ويبعد اهل المجتمع عن حقيقة ما يجرى في مجتمعهم.
خامسا: يحتمل الفساد الموئل هنا استخدام الاسم الشخصى المشهور في وعي المجتمع بالنزاهه والتدين , تماما كما يستخدم اسم الدين
ليمرر روشتاته واطماعه, فهذا شيخ دين, وهذا ابن ذلك الرجل الورع , مع أنه ليس كل شيخ هو أهلا بإسم الدين , وليس كل إبن هو
أهلا لإسم أبيه ثقافة وورعا وتقى.
سادسا: عندما وضعت تحويشة العمر في شركة "المدينه" ذهب خوفي وزادت ثقتي , عندما رأيت لافته المدينه الاسلاميه في المكتب
المجاور , فذهبت في اجازتي , وعندما عدت لم أصدق ولازالت لاأصدق أن الاسلام يَسرق , ولا أن شيخ الدين يكذب , ولا ان
المصرف المركزي لم يغلق الشركه وهو يعلم ,,, لا,,لا كل هذه تأويلات , الحقيقه مختلفه تماما , الحقيقه اننا لم نصل الى
مرحلة"الاحسان" بعد , نعم نحن نعبد الله دون ان نعتقد أننا نراه , وربما هناك شكا بأنه يرانا ايضا , صراع الأمة في السابق كان حول تأويل النص واختلافهم حول إمكانية واهداف ذلك , لكن ان يصبح المجتمع كله قابلا للتأويل , فهذه مرحلة تستعيد إمكانية أو احتمالية وجود العقل الموئل أو الانسان كإنسان من الاساس.