الخميس، 13 أبريل 2023
تراثنا بين التقديس والتدنيس
هناك جانبان لتشخيص أشكالتنا مع التراث:
الجانب الأول : نفسي فالتراث بشقيه المادي والمعنوي ذاكرةً للأمة والذاكرة في الأساس قدرة على استرجاع أحداث الماضي ولكن قد تحتل الحاضر أو معظمه كذلك إذا ما أصبحت هاجساً وأصبح الحاضر فضاءً فارغاً لا يملؤه شي يذكر.
أما الجانب الثاني فيتمثل في عدم تبلور آلية للتعامل مع هذا التراث بالشكل الذى يجعل منه ذو نفع بحكم أنه ماض يستفاد منه لا أن يعاش وبحكم أن الأشياء لا توخذ بشكل شمولي
غثها وسمينها وآلية التعامل مع التراث تتطلب عنصرين هامين لتحقيق الغرض المرجو منها وهما – المسافة اللازمة للحكم على الأشياء والنظرة النقدية وليس النظرة النوستالجية المتشوقة أو الحانة الى الماضي وعدم تحقق هذان العنصران في تعاملنا مع تراثنا أصبح عبئاً على حاضرنا وشغل يومنا وغدنا.
إن دراسة أي شئ تتطلب حيادية الدارس أمام الموضوع الذى يراد دراسته وتتطلب الفصل بين الذات الدارسة والذات المدروسة، نحن ندرس الماضي والتراث ونحن نعايشهما بشوق كبير نلتصق بالماضي حفظاً لذاتنا الضائعة وخوفا عليها من الاندثار، نتشوق الى الماضي وتراثه بحنين يفوق حنين ألام الى وليدها الرضيع لان الحاضر مرعب ولا ندرك من أشياءه الكبرى أو الصغرى ذرة تطمئنها أو تهدى من روعنا. أية موضوعية نتقصاها بعد ذلك نحن نذوب في ماضينا كما يذوب الملح في الماء وننزوي في أركانه وزواياه كما ينزوي الخائف من أشعة الشمس أو برد الشتاء.
إن انتصار نظرة التقديس للماضي وتراثه على تيار النظرة النقدية الفاحصة له كان لها الأثر الكبير في تراجع دور هذه الأمة بين الأمم، قد تجنح النظرة النقدية نحو التحامل قليلاً ولكن لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ما نمارسه اليوم في حاضرنا عندما نحاول استعادة الماضي وتراثه العريق تحت العديد من الشعارات سواء كانت دينية أو قومية أو غير ذلك هو قمة التقديس لـه.
لقد كان اقتحام الحاضر بأسلحة الماضي وبالاً على الأمة لأننا لم نفرق بين عناصر الزمن الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل. لقد كانت قلوبنا غُلف ونحن نقف أمام النقد ونعتبره سَباً وهجاءً لان قاموسنا اللغوي لا يعرف كلمة النقد وملئ بأبواب السب والهجاء الى جانب المدح المبتذل. لننظر كيف كانت وقفتنا مع من أراد أن ينظر ببصيرة الى التراث ويفرزه فرزاً في الماضي والحاضر ممن جرى تكفيرهم أو طردهم أو قتلهم أليس كان من الأفضل التحاور معهم وفتح باب النقاش بدلاً من تكميم الأفواه وسد الثغور وترحيل الإشكالية من زمن الى آخر ومن جيل الى آخر. لقد كان انتصاراً كبيراً للشمولية السياسية والعسكرية التي تزهق أرواحنا يومياً وانهزاماً للكيفية التي لو قدر لها لوضعتنا على خريطة الأمم الرائدة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)