يعتمد النظام الاجتماعي في تشكله في دول الخليج العربي قاطبة كما اشرت , على دور المجتمع في الاسهام في اللحظه التاريخيه التي تتشكل فيها بنية السُلطة , في كل مرحله من مراحل المجتمع, أو هو المسافه بين المجتمع وبئر النفط المتفجر في أرضه, وهل يقطعها بشكل يحفظ له ارادته , أو يتغلب الوعي الفطري على النظره المستقبليه التي تضع شروطها في حينه بما يخدم المجتمع مستقبلا في ظل تغير الظروف ةالاحوال .فاكثر نظام إجتماعي قائم اليوم ومعبر الى حد ما عن ارادة المجتمع , هو النظام الاجتماعي في دولة الكويت نظرا لتواجد المجتمع عند صياغة بنية السلطه في حينه وبوعي وادراك من الامير السابق الشيخ عبد الله السالم رحمه الله,فبالتالي أصبحت مصالح الُسلطة أو العائلة الحاكمة تمر من خلال الشعب عن طريق مجلس الامة الأمر الذي أحدث نوعاً من التوازن والاعتدال أماالانظمه اإجتماعية في دول الخليج الأخرى فإن مصالح السلطة لاتمر من خلال المجتمع فأصبحت السلطة وكأنها وجوداً ميتافيزيقياً خالصاً لاعلاقة له بالمجتمع ومصالحة الا بما تفيض عليه أو تتكرم به عليه ,إلا أن هناك درجة من الاختلاف نظرا لطبيعة كل مجتمع وتفاعله الايجابي مع اللحظات المصيريه في تاريخه واستمرار هذا التفاعل وعدم انقطاعه,ووجود الريع وقدرته على تغطية التباين , فيبنما يبدو النظام الإجتماعي في المجتمع القطري متماثلا مع طبيعة السلطه أو هو بالاحرى نتيجة لها حيث لم يكن المجتمع متواجدا او حاضرا بفعاليه عند بزوغ اللحظه او اللحظات التاريخيه التي اعيد فيها تأسيس العلاقه بين الاقتصاد "الريع"والسلطه الأمر الذي جعل خطابهما واحدا , يظهر النظام المعرفي الاجتماعي في البحرين تباينا واضحا وربما نوعا من التصاد م مع السلطه, التي تنتج وعيها وخطابها بعيدا عنه نظراً لعدم تماثل أحد ركائز البنية التحتية للنظام المعرفي ألا وهي الدين كما هي في قطر واستنادا على وعي الطائفه التي تختلف عنه طائفيا,فهو وعي تاريخي لايستند على الريع بقدر ما يستند على التاريخ والطائفه . أما النظام الاجتماعي السعودي الرسمي فهو في حالة استنفار دائم , لاسباب كثيره منها اتساع رقعة البلاد واختلافها العرقي والطائفي , وسوء الاداره ومركزيتها وكبر حجم وامتيازات العائله الملكيه وتركز السلطه في الجيل الأول الذي بدا في الانقراض فهناك اكثر من بنيه إجتماعية معرفبة تنتج خطابها داخل المملكه على الرغم من وقوع الريع داخل خطاب السلطه ,أما النظام المعرفي الاماراتي فقريب من النظام المعرفي القطري من جهة التماثل إلا أنه اقل تماثلا من ذلك نظرا لوجود اكثر من رؤيه لأن الدوله مكونه من عدة إمارات أوجد نوعا من الاختلاف والتباين , يفيض عليها الريع احيانا واحيانا اخري تنفر منه الى الايديولوجيا .
فيما يتعلق بالنظام الإجتماعي في المجتمع القطري منذ منتصف التسعينيات الى اليوم , هناك وعيا معرفيا للسلطه تدير به المجتمع بشكل مباشرنظراً لثبات الالواح التحتية للنظام المعرفي في المجتمع سواء دينياً أو قبلياً كنظام حكم أو إقتصادياً كنظام ريعي , وعلى الرغم من ان المسافه بين المجتمع وبين الريع سابقا كانت مقدره اجتماعيا دون وسيلة ضغط أيا كانت وتحمل نوعا من الابعاد التاريخيه , الا ان ذلك اختفى او في طريقه الى الاختفاء . لذلك تبدو العلاقات الانسانيه في المجتمع تتأخذ شكلا عموديا مباشرا , ومع زيادة عدد سكان البلاد وانخفاض نسبة القطريين الى حدود 17% كما تشير بعض الاحصائيات, فانه حتى العلاقات الافقيه المتبقيه بين افراد المجتمع في طريقها الى الاندثار والتآكل.
في حين أن عدم مشاركة المجتمع أو عدم اعتباره في انتاج الخطاب العام جعلت منه مثل اللعبه المضغوطه في صندوق صغير ما أن تفتحه حتى تقفز وتظهر وتثبت وجودها , فهو محصور الظهور في شهرين أو ثلاثة اشهر من السنه يمارس فيها نشاطاته , وبعد ذلك يعود الى الاختفاء , فليس له خطاب مستمر فهو مجتمع موسمي , وكل ما اخشاه من تقاطع الخطابات داخل المجتمع الواحد , خطاب التراث وخطاب الحداثه ,خطاب البداوه ,خطاب الحضاره و خطاب الدين باشكاله والخطاب المدني بتفرعاته القوميه وغيرها كل هذه الخطابات التي تشكل انظمة معرفية مختلفه موجوده في المجتمع . وتعمل الدوله بين الحين والاخر على تلافي اخطاءها بإعادة الاعتبار للغه العربيه وللنظام التعليمي بعدما شعرت بخطورة وعدم ملائمة توجهها السابق , لكنها في حاجه ماسه الى المشاركه في انتاج الخطاب الثقافي المعرفي مع المجتمع وهذا هو الاساس وليس العوده اليه واصلاحه كمنتج . وبما ان الدوله التزمت بالتزامات دوليه مستقبليه أملت عليها شروطها , فإننا حتى المستقبل المنظور , أمام نظام معرفي يتشكل بناء على ذلك بين الدوله وبين التزاماتها الخارجيه. فلم يعد هناك خطاب إجتماعي واضح وأنفرد الريع مباشرة في تكوين نظام معرفي بعيدا عن الاعتبار لأية مسافة بينه وبين المجتمع يحده مستوى الطموح المرتفع لدى السلطه نتيجة لهذا الالتزام وأحدث ذلك خللا ثقافيا ناهيك عن التغييرات الماديه السريعه التي اوجدت فجوه بين التاريخ وذاكرة الجيل في مده قصيره جدا , فيمكن بالتالي ملاحظة أن هناك تنوع في جميع المجالات الى درجة الازدواج وهناك تقسيم ثقافي لايقوم على الاثراء بقدر ما يقوم ارتباطه كوسيله للعيش ,فأصبح المواطن يثقف نفسه في المجال الريعي الذي تنتجه السلطه وليس املا في الثقافه كقيمه أو زيادة في الاثراء, والشعور بالوجود والتأثير وعلى سبيل المثال أنه من الصعب عليك اليوم أن تحصر كم منشوره أو مجلة ابحاث تصدر من قطر ولكن المجتمع لايدرك ذلك لتوجهها لفئات معينه دون غيرها , وأنا شخصيا , وجدت جهلا كبيرا وعزوف وعدم اهتمام وعدم درايه لدى قطاع كبير من الشباب عن المجلات البحثيه المتخصصه والمكلفه التي يصدرها المركز العربي لابحاث السياسات في الدوحه , وعدد الفضائيات كذلك يتزايد وعدد المؤسسات بالاضافه الى الوزارات والادارات الحكوميه لايمكن حصره عند المواطن , كل هذا التنوع جميل لو ان القاعده السكانيه والتطور التاريخي هما اللذان يفرزان ذلك . فإذا كان الريع هو "الابستمي""الشرط"" الرئيس " الذي يشكل النظام االاجتماعي في المجتمع فلا يجب تقسيمه بشكل يشكل , للقطريين ا نظاما ثقافياً تراثيا بدويا تقليديا وإعلاميا خاصا بهم ولباقي السكان نظاما ثقافياً مدنيا خاصا بهم يخاطب به العالم.
أ اعتقد ان الريع نفسه أصبح ثقافه مباشره في هذه المرحله دون ان يحتاج للمرور من خلال المواطن بشكل يحفظ نوع من المسافه ولو حتى شكليه واصبجنا امام مرحله يسيل فيها اللعاب أمام سحر الريع بشكل غير مسبوق بحيث يصبح مفهوم المثقف أشبه بمفهوم الطلل الذي يظهر من بعيد فقط متأملا ما يحدث دون القدره على الولوج والتأثير نظرا لكونه كان احد خيارات الريع وليس من صميم كينونته .
يبقى أن أعيد وأذكر أن النظام الاجتماعي في قطر هو نتيجة لبنية معرفية ثلاثية هي الدين والقبيلة والريع هي الالواح التكتونيه البركانية الكامنة في الأرض وأي تغير أو تحرك في شكل أو طبيعة هذا الالواح سيتبعه تغير في البنية الاجتماعية السطحية كما رأينا .ففي حين يبدو الريع هو العامل الأضعف في الاستمرار والديمومة, يبدو خطاب الدين وخطاب القبيلة ومفرداتها كالعائلة أو الفرد وكأنهما قدر الله المُنزَل.
وشهد العقدان السابقان انفكاك الرابطة بين الريع والقيمة الاجتماعيه التي كانت تحكم الى حد ما الحراك الاجتماعي بشكل لم يسبق من قبل , حيث خضع المجتمع لأشبه بعملية هندسة إجتماعية ومزيدا من التغير في التركيبة السكانية , نتيجة لذلك ,بالإضافة الى حدوث بعض الحراك بالنسبة الى البنية التحتية الدينية كذلك أفرزت نوعاً من الزيادة في السلطة للدين المٌسيس على حساب النمط التقليدي للتدين الذي كان شائعاً في السابق ,أما التغير فيما يتعلق بالقبيلة أو العائلة فأصبح واضحاً دور سمو الشيخة موزا في تمكين المرأة من المشاركة في جميع المجالات على الرغم من كل ذلك طغت على النظام الاجتماعي سمات الشكلية الصورية والزيادة في النزعة الاستهلاكية , ومع بداية الحصار أخذ المجتمع يتعامل معه برصيده الكبير فيما يتعلق ببنيةهذا النظام المعرفي الثلاثية , الاقتصادية والاجتماعية والدينية , حيث لايبدو أن تغيراً حدث فيها حتى الآن جراء ذلك.ومن الصعب الآن الحكم على نتائج الحصار مستقبلا فسيما يتعلق بهذا الخصوص إلا أنه يبدو أن المجتمع يبدو في وضع أصعب من ذي قبل حيث أصبحت المنطقة بأسرها تحت رهانات جديدة و وربما قادمة على نظام معرفي جديد في هذة المرة قد تكون مكونات عالمية أكثر منها محلية فبالتالي نحن أمام ألواح تكتونية متحركة لايمكن التنبؤ متى ستتوقف وأين ؟ وماهو الشكل الذي ستتخذه بعد توقفها وسكونها؟.