الخميس، 1 مايو 2025

شباب الأمس وشباب اليوم

 قام البعض بإقامة أكشاك  ونسميها «صنادق»   ووضعوا أمامها طاولات وكراسي للعب الكيرم والدامة والورقة«الزنجفة» وتناول الشاي أو المرطبات وسماع الاغاني عن طريق مايكروفونات مثبتة فلجأنا إليها كشباب صغار خاصة في عطله الصيف الطويلة المملة، مما أغاظ حفيظه «الشيبان» واعتبروا ذلك خطرا على مستقبل ابنائهم فتنادوا محذرين ومتوعدين الابناء بأن لا يذهبوا ولا يجلسوا في هذه الاماكن، وأتذكر أنه في تلك الاثناء لأول مرة أستمع إلى كوكب الشرق السيدة أم كلثوم وهي تشدو بأغنية «أمل حياتي» أما التهديد الخطير الثاني فكان افتتاح النادي، وكلمة نادي لها مدلول سيئ لدى «شيبان الريان وقطر عموما وعانى المؤسسون للنادي من صعوبات وترحيل وشكوى بين الحين والآخر من الجيران وإعدام أي كرة تتعدى حدود النادي داخل بيوت الجيران ناهيك عن تحدي سابق كانوا يواجهونه بحزم وهو وجود القهاوي وتكاثرها حتى أصبحت «الكيمة» والسبجي» وهي أكلات هندية هي للاطباق المفضلة لدينا وكان خوف الشيبان على اولادهم من سوء الخلق عند الجلوس فيها وصحبة السفهاء و«السرابيت» من الناس،حيث كان النمط السائد تناول الاكل داخل البيت أو عند صديق أو قريب وليس في الشارع مما يعرض شخصية الانسان للاهتزاز في نظر الآخرين، في مثل هذه الجغرافيا المغلقة نشأنا، وقد كان المد القومي على أشده ولربما شكل هو كذلك لفتيان في اعمارنا تاريخا مغلقا إلا انه استطاع ان يمس قلوب الكبار قبل الصغار فتحولت الحياة إلى موقف حتى وإن كانت صعبة أو قاسية طالما عصب الكرامة والعزة والأنفة لم يُمس.

الثلاثاء، 29 أبريل 2025

مثقفي " المول" وكيفية الاستفادة منهم

 مع ازدياد عدد المولات والمتاجر التجارية في البلاد ومع ازدياد عدد المتقاعدين القطريين القادرين على البذل والعطاء، كرست المقاهي ثقافة جديدة في المجتمع، هي ثقافة الهوامش، شباب ورجال على قدر من الثقافة ويحملون درجات علمية من جامعات عريقة، تسمعهم يحللون ويناقشون مشكلات المجتمع والمحيط العربي والعالمي بكثير من الرؤية الصائبة والعقلانية، إلا أنهم يعيشون على الهامش    دون التبصر بالاستفادة من خبراتهم   خارج  الإطار الرسمي  مما أفقد المجتمع قدرة تداولية واتصالية هامة جدا، ثقافة المقهى، تختلف عن ثقافة المجلس، ثقافة المجالس تقوم على التشابه فأن تذهب للمجلس الذي يوافق ميول افراده، بينما ثقافة المقهى أكثر انفتاحا على الآخر وتنشأ بالتالي علاقة جديدة مع الآخر، هؤلاء الشباب والكبار الذين هم خارج إطار الفاعلية وخارج تيارالمشاركة الفعلية في وضع تصورات نظرا لخبرتهم المكتسبة وتجربتهم العملية، أنا لست مع استيعابهم حكوميا مرة أخرى، لكنني مع تشجيعهم وتطمينهم في إنشاء ثقافة موازية للثقافة الرسمية، مع الوقت وتزايد عدد السكان سيفتقد المجلس دوره أو سينعزل المواطنون بين جوانبه، بينما ستنشأ  ثقافة موازية  على جنبات المقاهي، ويمكنك ملاحظة ذلك اليوم وبسهولة في مقاهي المولات كل فئة لها مقهى أو عدد من المقاهي تجتمع فيها، بل ولاحظت كذلك أنه حتى بحسب تخصصاتهم فالرياضيون منهم في مقهى والبقية في مقهى آخر أو طاولة أخرى، مجتمعنا قادم إلى ثقافة المقهى بلا شك، ويجب تعزيز الدور القطري فيه لأنه مشاركة أكثر منه عزلة كما تمثل ثقافة المجلس، بعد فترة قادمة سيصبح لثقافة الهامش المتمثلة في المقاهي المنتشرة في الدوحة بتكاثر واضح دور في تشكيل الرأي العام، وستعاني ثقافة المركز من ضغط كبير،   مع تزايد عدد السكان وجنسياتهم وثقافاتهم، قد يصبح المجلس مثل «الكوجيتو» بعد أن كان هو الثقافة العامة المشتركة. نشاطات تشجيع المحافظة على الهوية الذي نشهده شتويا كل عام لا يكفي لأنها مقتصر عن ملاحقة التطورات وقائمة فقط على إعادة ما سبق من عادات وتقاليد للمجتمع، المقهى شكل من أشكال التعبير الحر، وقطر بلد مضياف  يكفي فقط زيارة سوق واقف لترى بروز أماكن ومجال واسع لثقافة جديدة هي ثقافة المقهى، وهذه لا يمكن أن يتعامل معها سوى آليات المجتمع المدني والقادرة وحدها على تهذيبها وإعلائها، وستمكن المجتمع  من التعامل مع ندرته السكانية بشكل أكثر كفاءة وستبسط سيطرته على الرأي العام، حتما سيتشكل رأي عام في المستقبل، فإن ترك المجتمع   دون آليات واضحة فسيكون خارجه مستقبلا،  .

الاثنين، 28 أبريل 2025

العيش الرغيد

  أذكر أن والدي اشترى ماكينة لجلب المياه من الآبار الارتوازية أو العيون التي يتم حفرها يدويا قبل ذلك , ماكينة جلب المياة    أحدثت تطوراً هاماً في التوسع في حفر الابار في المزارع

  كانت المزارع  أو الزروع كما نسميها هي صيفنا ننتشر بين خضرتها ومائها وطيورها، مجتمع متشارك، وهي مزارع لأفراد سواء من الشيوخ أو من عوائل وقبائل قطر، نموذج بسيط للعيش المشترك نفتقده اليوم حين انتقلنا من بيئة المزارع المنبسطة القريبه من بعضها البعض  في المعاني والصفات  لاصحابها  إلى ثقافة الأبراج الانعزالية التي تشعر صاحبها   بالعزلة والتقوقع خوفا من العين والحسد، وظهور ما  قد يشكل   طبقية  حادة وهو ما حذرت منه طويلا في مقالات عديدة منذ ما يزيد على العقد حتى اللحظة حول تحلل وغياب الطبقة الوسطى الهشة التي أنشأها إلى حد ما التعليم المبكر واهتمام الدولة بشكل  عظم من وجودها. انذاك     


الريان كان رئة للتنفس وبيئة صالحة للعيش خالية من التلوث وبها من الطيور الكثير، بل إن هناك موسما لطائر السمَن ويسمى «السمان» أوغيره من الطيور  المهاجرة ا حيث كنا ننتظر هذا الموسم   بفارغ الصبر لاصطياد ما يمكن اصطياده منها حتى أنه كان بإمكاننا في ذلك الوقت، توفير ما يحتاجه البيت من لحم طازج لأسبوع أو لمدة أطول، الأمر الذي اندثر بعد إزالة هذه المزارع، وأصبحنا نعتمد على دجاج «ساديا» المثلج.

لقد كان الريان نموذجا للتعايش للإنسان كذلك كما كان للطير حيث ضم جميع قبائل وعوائل قطر بل ومركزاً سابقاً للحكم   هذه جغرافية الريان البشرية حينذاك  والعديد من الجاليات آسيوية من باكستان وإيران، بعضهم تحصل على الجنسية لاحقا، وبعضهم لم يتحصل حتى الآن. كما أن جميع فرجان وقرى قطر  في ذلك الوقت مجالاً للتعايش الرحب والطمأنينة المجتمعية والتواصل الاجتماعي الودود والبسيط الذي يشعرك بنوعية وجودة الحياة الأمر الذي إنعكس على شخصية الانسان القطري  فعرف بالكرم والترحاب ومساعدة  الاخرين على فعل الخير, الحياة كانت تسير بطمأنينة وكأن المستقبل  بعيداً  بل وكأن الحياة كلها حاضراَ قائماً, لم تغزونا بعد التكنولوجيا المرعبة  التي عكرت صوف  الهدوء ورحابة الايام, 

 

الأحد، 27 أبريل 2025

الواقع والمحاكاة

 هل نحن نعيش الواقع  أم المحاكاة ؟ ثم ماهي المحاكاة؟ 

المحاكاة كما يعرفها عالم الاجتماع الفرنسي  بودريار هي انتاج واقع زائف  يحل محل الواقع الحقيقي بحيث يصبح من الصعب التمييز بين الاصل والصورة بل في النهاية تختفي فكرة الاصل تماماً. بمعنى آخر تصبح  المحاكاة بديلاً عن الواقع 

مراحل  انتقال الواقع الفعل الى محاكاة او صورة زائفة عنه عديدة حين تتسلل المحاكاة رويداً رويداً  وهي زيغ أو إنحراف بسيط  أو تشويه بسيط للواقع وتستمر في انتاج صور  عديدة لتصبح هي الواقع  بعد أن تزيحه أو تلغيه , أمثلتها كثيرة في مجتمعاتنا , حفلات الزواج  مثلاً أصبحت  المحاكاة فيها تتراكم  لتصبح هي الاصل بعد أن أزاحة الواقع الحقيقي  لمعنى الزواج والاحتفال به في مجتمعنا في السابق , حيث الطمأنينة  والتقارب   والارتياح , فأصبح صورة  تُلتَقط  وحشود  لاعلاقة لها بالحفل كمنسبة حميمية وإنما لضرورة اجتماعية  طارئة.

 من أمثلة المحاكاة كذلك في الاعلام  الاخباري  انه لايعرض الواقع كماهو  بل يعيد بناءه بطريقة انتقائية تجعل من الحدث  نسخة معدلة  من الواقع. حسب الطلب والاستهلاك

 الاعلانات التجارية  تخلق عالماً مثالياً لحياة لاتشبه حياة البشر لكن الناس  يتصرفون وكأن هذا هو العالم الحقيقي

الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي  تعرض حياة الناس بصورة محسنة ومفلتره لاتعكس واقعهم الفعلي  فيصبح من الصعب التمييز بين الواقع والمصطنع . يقول بو دريار ان حرب الخليج الاولى لم تحدث  كما نظن  بل عشنا محاكاة لحرب عبر الاعلام  ويقصد ان ماشهادناه عبر التلفاز  لم يكن حرباً وانما عرضاً اعلامياً منظماً لصور مصممة ومفلتره بعناية كانت اللقطات تركز على لقطات رائعة لصواريخ ذكية  تطلق من البحر وتخفي مشاهد المار الحقيقية  لمدن العراق , فلم تكن الحرب شيئاً وقع وانما شيئاً عشنا كمحاكاة  تلفزيونية بلا ألم .   لقد ذاب المعنى واصبحنا نعيش في عالم صور بلا جوهر