تسكن منطقة دخان في أعماق ذاكرتي , منذ الطفولة والشباب الاول , لااعرف بحراً سوى بحرها ولا جواً سوى جوها , الساحل الغربي قريب منا أهل الريان والمنطقة الوسطى امتداداً من الوجبة الى الرفاع الى رياض الطمآن مروراً بالبصيَر والعقوريات وروضة الفرس والنصرانية وصولاً الى العوينة ومن ثم زكريت , مناطق ورياض تسكن القلب والمشاعر عاش في أحضانها أبائنا ونزلناها شتاءً , وفي الصيف بحر دخان وزكريت وصولاً الى الهملة كان مجالاً لرحلاتنا حيث لم يكن السفر متاحاً كما هو الآن. عرفت كثيراً من الاخوة الاعزاء من أهل دخان ومن العاملين في حقول النفط وفصل الغاز في دخان وما جاورها , كنا نتردد كثيراً في العطل الاسبوعية وغيرها في زيارات وفي رحلات و"كشتات" في غارية دخان و شاطىء "إدعسه" واحياناً زكريت , لازلت أحمل حنيناً رغم تغير الحال بها وقد أصبحت مدينة وبها محلات تجارية وأسواق , كنا نعجب بالنظام داخل "كمب" الشركة , حيث الشوارع على صغرها مرقمة والبيوت الخشبية منتظمة والكانتين وهو يشبه المول الصغير , و"ميز" الأكل لعمال الشركة حيث كنا ننتظم للحصول على وجبة الغداء بسعر زهيد , وسينما دخان الشهيرة الغير مسقوفه في ليال الصيف ونجوم الليل فوقنا في السماء , ونادي الشركة , وملعب الغولف الطبيعي ,كم كانت جميلة دخان بتضاريسها وبنظامها وبسكونها وبساكنيها, كانت المسافة من الريان الى دخان طويله لعدم وجود مرافق على الطريق اللذي كان سكة واحدة للقادم والذاهب , وضياء نيران حرق الغاز قبل الاستفادة منه كنا نلحظها من بُعد ونحن على الطريق وحتى في الطائرة قدوماً الى الدوحة, كانت دخان ولاتزال مصدر الخير لقطر وتضاريسها الجميلة بما حولها من منطقة "بروق" وزكريت من أجمل معالم قطر الطبيعية , كنت ادعو بالاهتمام بها حينما كانت قرية صغيرة واليوم نالها كثيراً من الاهتمام من قبل المسؤولين الى درجة غابت معها بساطة المكان وأختفى معها هدوء الزمان المنسدل على شواطئها, لكنها سنة الحياة في التبدل والتطور , سيبقى الساحل الغربي دستورأً لجيلنا وشاهداً على بساطة وقت مضى لايعوضه كل تقدم مادي اتت به الحياة الحديثة.
السبت، 17 مايو 2025
الجمعة، 16 مايو 2025
الماضي" المقدس" والحاضر" المُدنس"
السقف المرتفع جدا من النظر إلى الماضي الذي يردده كثير من الأئمة والوعاظ وغير ذلك كثير جدا من القصص والامثلة ذات السقف المرتفع التي تجعل من الحاضر لا يرتقى ولا يستحق أن يعاش، له دور سلبي كبير على عقول النشء الحاضر بحيث يصبح طوبائيا فوق جميع الظروف وإمكانيات العيش، التجربة الإنسانية تقول لا يوجد مجتمع إنساني مثالي. مفهوم الرشد المستمد من فترة الإسلام الأولى أصبح مرادفا لمفهوم المثالية القصوى وأصبح بالتالي ملاصقا لكل من عاش في الاربعين سنة الأولى من الدعوة، مع أنه كان هناك كثير من السلبيات حتى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب استصدر عقوبات جديدة لمواجهة مشاكل مجتمع البشر كاستحداث السجون. مقاربة النشء بهذا السقف العالي جدا، يضعهم في حيرة مع حاضرهم بل مع حياتهم ويسهل استجذابهم لأجندات طوبائية توافقا مع ما يسمعونه ويتكرر على آذانهم ومسامعهم، التطرف هو الفجوة بين سقف من التوقعات بين ما يُسمع وما يُعاش واقعيا.
أتمنى على أصحاب الشأن أن لا يرفعوا سقف التوقعات من الماضي بقدر ما يلامسون مصاعب الحاضر، أتمنى منهم أن لا يلقوا بالأمثلة على عواهنها حتى اصبح النشء يحفظ من الصور المتخيلة أكثر مما يحفظه من كتاب الله، أتمنى منهم أن يراعوا الحاضر، ويجعلوا فهم الماضي انطلاقا من هذا الحاضر وليس العكس، هذا النزف الشبابي الذي نلاحظه سببه سقف الماضي المرتفع أمام حاضر بائس، هذا النزف الذي نعاني منه سببه تجريد الحاضر من القيمة والحياة من الاستحقاق، هذا النزف الذي نعاني منه سببه صور ذهنية أكثر منها واقع متحقق في الزمان. لا يمكن أن نعيش حاضرنا قياسا على ماضينا لا يمكن لأمة أن تستمر بمثل هذه العقلية ستفنى في ماضيها وهي على قيد الحاضر، وهذا ما نفعله بأنفسنا، ابتعدوا عن الاستغراق في الماضي وعيشوا الحاضر بإرادته وفي سياقه وما تمليه شروطه كمسلمين أبناء لهذا الحاضر المتطور، ولا تخافوا فالنص الإلهي مورد لا ينضب وإن قل الوراد، ومن يستسقي فالزمن يحمل في طياته سرمدية الإله وسرمدية دينه.الأربعاء، 14 مايو 2025
" إستاد الدوحة" قديمك نديمك
خطت الدولة خطوات جبارة في تطوير الرياضة وفي إبداع الإنشاءت الرياضية من ملاعب وصالات وخلافه، نرى مشاريع عملاقة ودوريا حامي الوطيس واسماء عالمية، لكن روح استاد الدوحة لا تزال تشتعل في ذاكرة الجيل السابق، ولاتزال تحدث دويا لمن يقرأ تاريخ الرياضة في قطر من الاجيال التالية.
لحظة دخول الشيخ جاسم رحمة الله في تمام الرابعة عصرا يترقبه الجمهور في مدرجات استاد الدوحة بفارغ الصبر ليعيش لحظات حاسمة من الصراع الكروي الجميل بين أندية قطر، لاتزال صورة أبوجبرة وهو مستلقي بكامرته خلف المرمى ليقتنص فرصة تسجيل هدف لتنشر في اليوم التالي في مجلة العروبة في الأذهان، لايزال أبو أسعد بشنطته الطبية واقفا على أتم استعداد للتدخل واسعاف اللاعب المصاب، عاهد الشنطي حكمنا الدولي وأول من اعطى «بيليه» إنذارا.لحظة مشهودة من تاريخ استاد الدوحة، كان التدافع مشهودا في لقاءات الاندية الاكثر شهرة كالعروبة وقطر والريان والوحدة والنجاح والتحرير، ولاحقا السد.
كان استاد الدوحة ليس ملعبا لكرة القدم فقط كان يمثل ترجمة حقيقية لنشاط المجتمع الشبابي القطري واهتماماتة في ذلك الحين. كان عاكسا للروح القائمة بين ابناء الفريج الواحد سواء في الدوحة أو في منطقة شرق أو في الريان أو الوكرة أو الخور، كان يمثل قمة الارتباط الاجتماعي بين هذه المناطق على شكل لقاءات كروية ممتعة يلتقي ليس فقط الكبار وانما الاشبال كذلك في الساعة الثانية ظهرا ومع ذلك تجد المدرجات ممتلئة بالحضور، استطاع استاد الدوحة أن يشد حتى كبار السن وليس الشباب في ذلك الوقت، كنا نرى عددا كبيرا منهم حريصا على حضور المباريات تجد عوائل أهل قطر ممثلة كذلك في الاندية حيث تواجدهم سواء كلاعبين أو إداريين، البعد الاجتماعي لاستاد الدوحة كان كبيرا ويعادل البعد الرياضي الذي أنشئ من أجلة، دليلا على أن كرة القدم أو الرياضة بصفة عامة لاحم اجتماعي هام عندما تكون بعيدة عن عامل الربح والخسارة المادي، أوقل قبل أن تترسمل. كان ظهور الاندية في قطر بين رغبة الشباب في حينه وامتناع المجتمع ممثلا في الاجيال السابقة مثار تحدي كبير وتضحية، لذلك كان وجودةا قضية وليس ترفا، لذلك كان اللاعب القطري الجيد، فرصة لا تعوض، لذلك كان استاد الدوحة مسرحا للتألق، لذلك كان اهتمام المسؤولين في محله، اليوم نشكو اليوم من قلة حضور الجمهور رغم الملاعب الفاخرة والاستعدادات الضخمة، ونستعيض عنةم بقوالب جاهزة من هنا أو هناك، هذا شيء طبيعي بعد اختلاف المعادلة بين المجتمع والرياضة أو كرة القدم بشكل خاص، أصبحت . الرياضة في العالم أجمع سوبر ماركت تعرض فيه كل المنتجات وهناك بائع ومشتر، لكن يبقى استاد الدوحة بطقوسه المتعارف عليها، حاضراً في اعماق ذلك الجيل والاجمل أن استاد الدوحة لا يزال كمعلماً قائماً، رغم غياب الطقوس واصحابها في مفارقة تاريخية، حيث درجنا على تغيير الرسم وبقاء الاسم.
لايزال صدى صفارة عاهد الشنطي يرن في اذني وفلاش أبو جبرا في ذاكرتي وشنطة أبو اسعد المسعف الطبي تلوح أمامي «قديمك نديمك لو الجديد أغناك».
الاثنين، 12 مايو 2025
الثقافة سؤال بلا جواب
لابد لكي يصبح المجتمع مجالاً للتداول الثقافي المستمر أن تكون هناك أسئلة بلا أجوبه في وعيه بإستمرار, الأجوبة تقتل الثقافة وتسطحها وتقفل الابواب في وجه الفكر أن يتفتح ., ما قتل الثقافة في مجتمعاتنا العربية أنها ثقافة أجوبة بإستمرار, تكره السؤال ولا تطيقه لذلك أحكمت عليه بثنائية قاتلة ظلت مجتمعاتنا تتناقلها سنوات طويلة وهي ثنائية "لكل سؤال جواب" لاتترك هذه الثقافة أسئلة بلا أجوبة فإن لم تجد إصطنعت أو إخترعت , أو تخيلت. السؤال يفتح الباب بينما الجواب يحكم إغلاقه فينقطع حبل التفكير , ثم يأتي السؤال: لماذا تموت الثقافة والحراك الثقافي مجتمعاتنا؟ والجواب بسيط وواضح وهو أنها مجتمعات تقتل السؤال أو تحرمه أو تتهم صاحبه بالمروق من الثقافة والتراث. إذا اصبحت اجوبة المجتمع أكثر من اسئلته أصابه الخمول والكسل والاعتياد وفقد طاقة الاحتمال المستمر لتكرار الايام واستجداد الامور. والاغرب ان معظم الاجوبة ليست وليدة الحاضر لأسئلة حاضرة أو لتوها مستجدة, كل ما يتعلق بالثقافة مرتبط بالسؤال وليس بالجواب , الثقافة الحقيقية لاتجيب وانما تفتح المجال للأجوبة , ولاتغلق المجال في وجه السؤال التي يستجد باستمرار مع تعدد الاجوبة.مع السؤال تزدهر الثقافة , ليس بالضرورة أين يكون هناك جواب قد يأتي المستقبل بالجواب, وقد لايأتي به , المهم ان يبقى السؤال هو الملح والحافز لتطوير الثقافة في المجتمع.
الأحد، 11 مايو 2025
مجتمع على مفترق طرق
أذكر عندما انتقلنا للدراسة إلى الدوحة في المرحلة الاعدادية في أواخر الستينيات، حيث كانت ضواحي الدوحة تمثل ريفا بالنسبة للمدينة التي هي الدوحة، أذكر أنني فوجئت ببعض مظاهر الفردانية التي لم تكن واضحة لنا قبل الانتقال إلى الدوحة كطلاب، منها على سبيل المثال لا الحصر، خروج الطلبة أثناء اليوم الدراسي وخروجهم خارج أسوار المدرسة وكذلك غياب قوة الضبط الاجتماعي الذي كانت تمارسه الأسرة على أبنائها مقارنة بالوضع ونحن في الضواحي، كذلك الشللية السلبية نتيجة عدم التشابه، مقارنة بالشللية الايجابية المتشابهة إلى حد كبير «عيال فريج واحد» أيضا لاحظت قدرة الطالب على اتخاذ القرار بمفرده دون الرجوع إلى العائلة نظرا إلى البعد عنها والسكن في القسم الداخلي مع الطلبة الآخرين والعودة للعائلة كل نهاية أسبوع، لا أنسى البعد العربي وتأثيره كذلك على نمط تفكير ذلك الجيل فكانت أمانيهم مرتبطة بسقف أعلى يصل إلى حدود الوطن العربي الكبير.كنا نتسابق لشراء مجلة العروبة ومن بعدها جريدة العرب حيث لم تكن هناك مكتبات خارج نطاق الدوحة. يمكن القول إن القبيلة اختفت شيئا ما وراء المدينة وبعد ذلك في المرحلة الثانوية وظهور الأندية الثقافية في الدوحة وإصدار مجلة الدوحة الثقافية، فتمدن الريف وتخرج من بين ابنائه المهندسون والأطباء والباحثون، كل ذلك تأثير «مديني». ما ألحظه منذ فترة أن اختفاء دور المدينة والثقافة المدينية آخذ في التلاشي شيئا فشيئا في حين تعاظم دور قيم المرجعيات الأولى التي تمثل تجذرا واضحا في الثقافة الريفية، ومع تزايد عدد سكان المناطق المحيطة بالدوحة من جميع الجنسيات، أصبح هناك نوع من التكور والتشرنق حول الذات أثر سلبيا على الحياة في المدينة وبدأ يصدر ميكانزمات هذا التشرنق حول الذات على شكل دعاوي الحفاظ على الهوية وعلى اللهجة الاصلية وما إلى ذلك ووصل حتى للاعلام. بل ربما هناك محاولات لاجتثاث صور التنوع أمام الحشد للشمولية والنمطية , اختفى دور المدينة أو تلاشى بعد اختفاء أهم أحيائها الحضرية، أين دور نادي الجسرة الثقافي الذي كان رائدا على مستوى العالم العربي في الثمانينيات مثلا، ؟ فمراكز تحضر مهما كان نوعها , نواد , هيئات , نقابات... تحمل قيم المدينة بتنوع سكانها من جميع الفصائل بدوا كانوا أم من الحضر، مع تزايد عدد سكان هذه المناطق على حساب المدينة، بالاضافة أننا ربما نمارس جمع الاضداد دونما قدرة على الخروج من ذلك بمركب ثالث يدفع إلى التطور، فنضع قيم القبيلة إلى جانب الجامعة الغربية الحديثة والفكر السلفي إلى جانب قيم الفندقة الحديثة الاستهلاكية. مجتمع صغير متجانس يحتاج وقت لينتقل الى ثقافة الاندماج الشمولية , فلانستعجل.