الجمعة، 1 مارس 2024
أدوار المثقف كفي المجتمع القطري
ثنائية التغير والثبات ثنائية قديمة قال بها فلاسفة ماقبل سقراط وعلى وجه الخصوص بارمنيدس الذي قال بالثبات
وأن الكون كله مكتمل وليس مانراه من تغير سوى غبار كوني داخل نسق الثبات , في حين قال هيراقليطس بالتغير المستمر وأنك لاتنزل النهر الواحد مرتين وسواءً كان العالم بين ثبات يتضمن في داخله تغيراً لايزيد عليه أم بين صيرورة تغير لاتنتهي حتى تبدأ, فأن جميع المجتمعات عبر التاريخ عرضة لهذا التغير المستمر والتحول الدائم , بودي هنا للإجابة على سؤال ملامح التغير الثقافي الذي شهده مجتمعنا القطري خلال العقود الماضية أن أقسم التاريخ الى ثلاثة مراحل حتى يَسهل علينا الاختصار والتكثيف كذلك , فالمرحلة الاولى في إعتقادي مرحلة المجتمع التقليدي وتبدأ ربما من منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم حتى مرحلةنهاية الستينيات , والمرحلة الثانية وهي من بداية السبعينيات حتى منتصف التسعينيات وهي مرحلة اسميتها ميتافيزيقا العلم أو العلم كإلهه منقذ واقصد بالاله هنا مايعول عليه . أما المرحلة الثالثة التي بدأت من منتصف التسعينيات حتى الآن فهي مرحلةميتافيزيقا التقنية والريع وكل مرحلة من هذة المراحل انتجت نمطاً من المثقف يتلائم وطبيعتها وثقافتها, وربما المرحلة الاخيرة التي هي مرحلة التقنية او التكنولوجيا يشترك فيها معظم المجتمعات خاصة النامية منها. نأتي أولاً لمرحلة المجتمع التقليدي الذي كان سائداً قبل إستقلال الدولة في بداية السبعينيات من القرن المنصرم, كان طبيعة العلاقات في تلك الفترة تقوم التضامن الآلي حيث التشابة كان سمة الشرط المعرفي لتلك الفترة وكان مستوى تلك العلاقات افقياً الى حد كبير نتيجة لهذا التضامن الذي يجعل الجميع في حاجة الجميع, وكانت الفرجان ممتدة كذلك أفقيأً والفريج بأكمله يحكي سردية واحدة للجميع , وبرز في الفترة نمط المثقف العضوي بالمفهوم الاجتماعي بالذات , حيث كان في كل منطقة من مناطق الدولة شخص أو أكثرينتمي اليها وتجده أو تجدهما يطالبان عن البقية بحقوق هذة المنطقة الاجتماعية من مواصلاات وهاتف وخدمات بريدية وكهرباء إتصالاً بالدولة ومكاتبها الموجودة أساساً في الدوحة العاصمة, وقد شهدت شخصياً العديد من هذه الشخصيات في تلك الفترة وهم يقومون بدور المثقف العضوي المنتمي لطبقته أو قريته أو فريجه ومنطقته.نأتي الى المرحلة الثانية الممتدة من أواثل السبعينيات الى قبل منتصف التسعينيات والتي كان سمتها التعلم كشرط معرفي أو ميتافيزيقا التعليم وذللك للتدليل على انها كانت مرحلة" قيامية" حملت كل أماني المجتمع والدولة حيث شهدت نهضة تعليمية كبرى وبوادر عودة الخريجين من جامعات العالم التي تم ابتعاثهم اليها لاكمال دراساتهم من أجل النهوض بالمجتمع في جميع النواحي حيث أصبح التعليم في نظر المجتمع المثقف المتعلم هو المنقذ وحبل النجاة للفرد لكشف قدراته وللمجتمع لكي يتقدم وينهض على الرغم من القاع الاجتماعي الذي لم يحرث جيداً بعد حيث لم تزل المرجعيات الاولى قوية ولم تتبلور مرجعيات وسطى ثقافية بديلاً عنها لعدم وجود مجتمع مدني حقيقي بعد مثل معظم دول الخليج من أجل إستثمار أفضل للتعليم , الامر الذي أوجد مثقفاً متعلماً في حدود الوظيفة في الاغلب , فغاب الموقف الثقافي لأن وجوده يتطلب بُعداً إنطولوجياً "وجودياً" مستمداً من مرجعيات ثقافية وليس مرجعيات أوليه ومع ذلك انتعش المجال العام وشهدت تلك الحقبة نشاطاً ثقافياً واضحاً سواء في مجال الصحافة أوالتلفزيون والاذاعة أو الاندية الثقافية كذلك, المرحلة الثالثة والمستمرة منذ منتصف التسعينيات حتى يومنا هذا فالشرط المعرفي لهذة الحقبة كان الريع ونشاطاته , تبؤأت فيها التقنية صورة الاله الذي جاء لينقذ البشرية على مستوى العالم فظهر نمط المثقف الاداتي في مقابل النقدي وفي مجتمعنا أخذ المثف شكلاً ريعياً زئبيقياً حيث أننا مجتمعات استهلاكية بالدرجة الاولى, ويظهر ذلك واضحاً مع شيوع وسائل الاتصال الاجتماعي بجميع أنواعها واضمحلال دور الوسائل التقليدية من صحف ومجلات التي كانت تتطلب مثقفاً قارئاً على الاقل وسيطرت الصورة على الثقافة واختزل العقل في مجرد لحظات ولقطات وغابت سمة التمييز بين الغث والسمين وجعلت التقنية من الجميع صفاً واحداً أمام تجلياتها واشكالها وقد اشار الكاتب الكندي" الان دونو" الى ذلك في كتابة " نظام التفاهة الى ذلك بكثير من التفصيل والشرح, واصبحت ميتافيزيقا التقنية هي التي تحكم اليوم وترسم طريق الخلاص الى المستقبل, والذي يبدو كئيباً لمن يستهلك هذه التقنيات ولا ينتجها , وهذه المرة نحن في حاجة ملحة الى إله حقيقي لينقذنا وعناية إلهية ربانية لننجو بأنفسنا وبمجتمعاتنا,واللافت للنظر أن المثقف في مجتمعنا بدأ عضوياً وانتهى ريعياً وهو أمر يحتاج الى دراسة ونقاش مستفيض ربما في وقت آخر,,
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)