الأربعاء، 10 يوليو 2024
عرفته في الهزيع الأخير
حينما أتصل بي الأخ الدكتور أحمد عبد الملك يخبرني أنه قد كُلف بإعداد كتاب عن الراحل العزيز جاسم صفر, طالباَ مني إمكانية المساهمة فيه بما تجود ذاكرتي به من مواقف وذكريات لي مع الراحل العزيز الاخ جاسم صفر, قفز الى ذهني ذلك الانقسام بين مرحلة ماقبل وما بعد فيما يتعلق بالعلاقة الانسانية بين البشر, إنطباع ماقبل المعرفة ومرحلة مابعد المعرفة, المرحلة المتخيله التي تحمل فيها تصوراً عن الشخص والمرحلة الواقعية بعد أن عرفته وجالسته وتمكنت منه عن قرب.كان الاستاذ جاسم صفر من أوائل من قرأت لهم في الصحافة القطرية باكراً مع بداية صدور جرائدها ومجلاتها بالإضافة الى الدكتور أحمد عبد الملك وشخص آخر يدعى أحمد العيلان في منتصف السبعينيات من القرن الماضي, تلك المرحلة كان الكاتب فيها يمثل قيمة أكبر مما هو عليه الآن, كان كاتباً رمزيا الى حد الكبير ولم يكن قد أوغل فيها كماحصل في آخر عهده بالكتابة, فأوجس في نفسي إنطباعاً عنه بأنه متكبر أو يطل على المجتمع من نافذة صغيرة تفتح هناك بعيداً ,وفي أحد الايام إستدعاني مدير تحرير الشرق وهو أخ سوداني الجنسية لم أعد أذكر أسمه رحمه الله أيام كان رئيس التحرير الاستاذ عبد العزير المحمود, ليقول لي عليك أن تختار بين الشرق أو الوطن حيث أنني كنت انشر في كلا الجريدتين , وأذكر أنه قال لي " دولا ضراير" عليك أن تختار ونحن أولى بك , في تلك الاثناء كان الاخ جاسم صفر جالساً يتحدث الى شخص آخر عن مقالاته وتأثيرها وفجأة التفت الى البواب او الشخص الواقف عند مكتب رئيس التحرير قائلاً لايدخل أحد قبلي الى رئيس التحرير, هنا قلت صدق حدسي فهو فعلاً متعال. وذهب كل منا الى طريقه وتشاء الظروف وبعد سنين طويلة منذ ذلك التاريخ أن نلتقي بعد أصبحنا في عداد المتقاعدين, عن قرب لأكتشف الانسان في داخل الاخ جاسم وقدكان قد انضم الى مجموعتنا في مقهى في اللاندمارك يومياً عدا يوم الجمعة ولم يزل يحمل ذلك الكبرياء ,في البداية كان يسأل عن الاخ محمد الفضالة المخرج التلفزيوني الذي زامله العمل في التلفزيون فإن كان متواجداً طاب له البقاء وإلا استعجل في الذهاب والعودة من حيث اتى, فبدأت علاقتي معه وتبادلنا الاحاديث واهداني كتاباً جمعه عن الفنان الراحل فرج عبد الكريم الذي كان يعتبره نصفه الآخر فنياً, الاخ جاسم كان متعدد المواهب بالاضافة الى الكتابة, كان ينظم الشعر ويؤلف المسلسلات وله عدة مسلسلات من تأليفه في تلفزيون قطر أذكر منها مسلسل "تناتيف"وهو أشهر من كتب الاغنية الرياضية في قطر"حيوا فريقي" وغيرها وهو من كتب الاغنية الخالدة في وجدان كل قطري " يافر ياحب في عيون البشر أفديك بماي عيني ياقطر"بعد اللقاء الاول معه بدأت مرحلة من العلاقة مرحة بيننا حيث يصر رحمة الله انه من جيل آخر لايمكن لكتاب اليوم ان يصل الى مستواه كان شديد الاعتزاز بما انجزه شديد الحساسية أمام من لايعرفه ويؤكد دائماً على ضرورة الانتقاء حتى مع من هم في المقهى العام , يتساءل عن كل جالس جديد الى درجة التوجس , تأثر كثيراً بعد ايقاف الجريدة له ككاتب يومي وهو كان الكاتب القطري الوحيد الذي يكتب يومياً, لقد عرفته في الهزيع الاخير من حياته رحمه الله فكنا ثنائي على نقيض ليس عناداً وانما اسلوباً محببا لديه ان يقول أنا هنا دائماً عند احتدام الحوار داخل المجموعة حتى اصبح غيابي يشغله وغيابه يشغلني , كان يأتينا متحاملاً على مرضه رحمه الله , وقد أشرت عليه أن يأتي على كرسي متحرك فرفض بشده, كان عزيز النفس يأنف من المتكبر الذي لايرد التحية كما يجب ان يكون الرد " فتبخر اعتقادي السابق فيه, في صيف عام 2022 سافرت الى بريطانيا وقد ودعته على أمل أن القاه ثانية وكنت اسمع عند الاصدقاء انه سيذهب للعلاج في تايلند وبلغني فيما بعد انه غادر الى تايلند وحين رجعت كنت كثير السؤال عنه وكانت الاخبار مطمئنه ان حالته تتحسن وان عودته قريبه حتى انتكست حالته بعد اصابته في الحوض وتعطل الكلية عن العمل وحين رجع الى قطر كنت انتظر الاذن لنا بالسماح بزيارته في المستشفى الاأن قدر قد سبق وانتقلت روحه الى بارئها, عندما استعرض كتاباته أدرك من خلالها شخصيته , بما فيها من تحدي واصرار, وبأحكامه بما فيها من مطلقات, يعتب على الزمن بما فيه من متغيرات لايستجدي أحداَ ولاينافق مسؤولاً , ينكشف على الاخرين من خلال ذاته , فيعتقد البعض أنه يكتب لنفسه ولو ان هناك نوع من التمعن لادركوا ان اسقاطاته على الواقع كانت واضحة لكل ذي بصيرة , رحم الله الأخ جاسم بقدر ما قدم لقطر , وبقدر رسوخ كلماته في حبها في وجدان كل الاجيال , سنذهب جميعاَ وستبقى"يافرح ياحب في العيون البشر" في قلب كل قطري يولد ليستكمل المسيرة ويسلم هذا الحب الذي اضاء شعلته جاسم الى من هو بعده
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)