لاأعرف حقيقة دعوة الكاتبه السعوديه بدريه البشر لإلقاء محاضره فى جامعة قطر ولكنى لاحظت حمى التهليل والتصفيق لإنتصار إرادة طلبة الجامعه فى إلغاء هذه المحاضره أو تأجيلها من خلال وسائل الاتصال الاجتماعى, فبدا الأمر وكأن ارادة الطلبه انتصرت على إرادة الجامعه. هناك من يقول أن احد صديقاتها فى الجامعه قامت بدعوتها وليست إدارة الجامعه. وهناك من رأى أن الغاء المحاضره إنتصار لإرادة الشباب الرافض اساسا لفكرها وحفاظا على المجتمع منه. مثل هذه الامور تطرح على البساط دور الجامعه فى المجتمع وهل هو كيفى أم كمى الطابع ولى هنا بعض الملاحظات أود لو أذكرها:
أولا: فهمت أن الاحتجاج على ليبرالية الكاتبه وتعرضها للذات الالهيه فى أحدى رواياتها , بينما عنوان محاضرتها المقترحه " معنى أن تكون كاتبا". وهنا فرق بين فكر الكاتب الذى هو ملكه الخاص وبين موضوع المحاضره الذى قد نستفيد منه كونها كاتبه فى مجتمع محافظ جدا.
ثانيا: فرق كبير بين رفض المجتمع ورفض نخبة المجتمع, المجتمع قد يرفض بدون حوار كميكانيزم دفاعى ولكن نخبة المجتمع "طلبة الجامعه" ليسوا كذلك بالضروره هم يحاورون ويناقشون هنا يبدو الدور والتحصيل الجامعى وأثره فى التغيير من عدمه. لذلك مثل هذه المحاضرات تقام فى الجامعات وليس فى الاماكن العامه, الشخصيات المثيره للجدل والمواضع الحساسه دائما ماتواجه النخب وليس العامه, لذلك رفض طلبة جامعه قطر للاستماع لها وحوارها رفض مجتمعى أولى فى الاساس .
ثالثا: اذا لم تستطع الجامعه خلق وسط ثقافى يقبل الرأى الآخر ويناقشه من خلال طلابها فمجتمعنا سيستمر فى هشاشته الفكريه بالرغم من تنوعه العمرانى والسكانى, للجامعه دور لاصق بين الجانبين مجتمع يقبل الماده ويصادر الفكر, نجاح استهلاكى يقابله فشل تعليمى جامعى.
رابعا: المحافظه على ثوابت المجتمع تتأتى من خلال فهمها واستيعابها بشكل عصرى فهى ثوابت متحركه مع العصر وكل فكر يبدو مقبولا اليوم كان فى مرحله سابقه فكرا شاذا, تعليم المرأه و سياقتها وعملها كان نوعا من الخروج على التقاليد والدين سابقا.
خامسا: مهمة الجامعه أى جامعه هى الأخذ بيد طلابها نوع العصر لا أن تنزل الى حيث الواقع فقيام الجامعات اساسا بقصد تغيير الواقع والارتقاء به لامسايرته. والسقوط بين فجواته.
سادسا: ليس بالضروره أن تنصاع ادارة الجامعه لرغبة الطلاب إذا كانت تمتلك رؤيه مستقبليه واضحه, عليها الاستمرار فى تنفيذ رؤيتها التى قد تغيب عن ادراك الطلبه فى حينه.
سابعا: خوف الطلبه الجامعيين من الفكر كارثه فمعنى ذلك ان التغيير قادم على شكل صدمات لامحاله, لأنهم فى الاساس من يمتصه أولا ويتعامل معه .
ثامنا: بودى لو جاءت والقت محاضرتها فليقاطعها الطلبه أفضل من الرفض المطلق , أو ليحاورها الطلبه وهى مرحله أعلى وأرقى لهم وللجامعه.
تاسعا: من مهمات الجامعه الارتقاء بفكر الطلبه من مقاطعة الفكر إلى الاحتجاج عليه, الاحتجاج عليه يعنى محاورته ودحضه والرد عليه أما المقاطعه فهى عدم قبول الشخص كشخص وهى مرحله أوليه لاتليق بالعصر , وتاريخيا فى فترات التمكين تمت محاورة الملحدين والكفار والرد عليهم ولم يتم الرفض والاقصاء الا فى مراحل الهبوط والانحسار والتشرذم فى تاريخ الأمه.
عاشرا: نقطة الالتقاء بين الجانبين المجتمعى الرافض والجامعى المحاور والمناقش كان من الممكن أن تتم لو أن الجامعه لم تلغى المحاضره وقاطعها من يريد من الطلبه وحضرها من أراد ولو كان قليلا وحاورها من شاء , فالقله من الحاضرين كان يمكن أن يكونوا جسرا الالتقاء بين الرفض والاحتواء أو بين الرفض والاحتجاج البناء, أساءت الجامعه برفضها بعد دعوتها وانتشار ذلك على الملأ وكسبت الكاتبه بدريه فكرها الذى أخاف جامعه تطمح أن تتصدر الجامعات العربيه.
أحد عشر: قرأت مانشر مما كان يقال عنه مساسا بالذات الالهيه ولم أجد شيئا مباشرا واضحا وكل مارأيت نوع من المحسنات البديعيه كرأيت الله فى أبى من شدة الخوف أو رأيت الله فى أمى من شدة خوفها منها, لايقبل المجتمع ولاحتى النخبه القطريه المساس بالذات الالهيه ولكن تفسير ذلك يجب أن يكون علميا ومباشرا فالروايه والشعر فنان ياتبس معهما فكر العامه منذ قديم الزمان.
اثنا عشر: للطلبه الحق فى رفض المحاضره ولكن ليس لهم الحق فى إلغائها وإلا كنا أمام جامعه أحاديه الفكر والمنتوج أو جامعه للأكثريه على حساب الاقليه وهذه أدهى وأمر , استجابة الجامعه لرغبة الطلبه ليست ديمقراطيه كما يصورها البعض إلا أذا كان هناك استفتاء وحتى فى حاله كهذه فأننا أمام جامعه تخرج موظفين لا فكر, من الاستحاله أن يتماثل فكر الجميع.