الخميس، 2 أكتوبر 2014
"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه-الحلقه العاشره
17- الهروب من الذات
لم يكن عملى في وزارة المواصلات يناسب ميولي بتاتا , حيث كنت اميل الى القراءه والكتابه والى الفكر بشكل عام , وصدم بعض اصحابي عندما علموا بانني موظفا في هذه الوزاره الهامشيه في نظر المجتمع , حتى انني قابلت احد الاخوه الاردنيين بعد فترة من التخرج والذي كان موظفا في الجامعه , قبل ان يصبح استاذا في جامعة اليرموك في الاردن بعد نيله شهادة الدكتوراه بالاضافه الى كونه شاعرا متمكنا , ويدعى سليم سعيد, فبادرني : هل إنضممت الى قسم الاجتماع بجامعة قطر أم ليس بعد؟ فلما اخبرته بانني اصبحت موظفا في وزارة المواصلات , قال لي مصدوما لا ياعبدالعزيز مكانك الحقيقى التدريس في الجامعه , انت هكذا تضيع الفرصه على نفسك وعلى مجتمعك.ولازلت اجد مثل هذا السؤال من كثير من القراء ومن المغردين كذلك , حتى ان معظمهم يضفى علىً لقب "دكتور" وانا لم أحصل على شهادة الدكتوراه , بالرغم انني حصلت على شهادة الماجستير في تخصص الاداره منذ مايزيد على العقد من الزمن.كنت ولازلت أعتقد ان الحياه تبدو أوضح عندما تبتعدعن تيارها العام الذي يتسابق الناس لركوب موجته لأنه مجال واسع للتظاهر والزيف بينما النظر اليها من الهامش يجعلك اكثر صدقا مع نفسك , وأكثر قدره على رصد , حقيقتها, لذلك حرصت في كتاباتي رصد الهامش المغفل عنه والبعيد عن ادراك واعين المنشغلين بالتيار العام سواء كان على شكل منصب او وظيفه اوجاه وثروه أوإرث تاريخي, لذلك جاءت سلسلة نماذج انسانية التي كتبتها مؤخرا , وهذه المذكرات كذلك رصدا في معظمها للهامش وللشخصيات الانسانيه التي عاشت في الهامش بعيدا عن أعين الناس. واذكر ان الاخ العزيز عبدالرحمن بن حمد العطيه وكان وكيلا لوزارة الخارجيه في اواخر التسعينيات من القرن الماضي قد طلبني للانضمام الى مكتبه , بعد أن قرأ لي مقالات كنت أنشرها في ذلك الوقت حول التنميه وجلس التعاون الخليجي, واستدعاني غير مرة وأصر على ذلك , ولكنني عندما شاهدت أجواء العمل في الخارجيه وما فيها من مظاهر وتقسيمات اداريه حاده , إعتذرت عن ذلك
18- وزارة المواصلات, الوزاره المكافأه
على الرغم من اهمية المواصلات في العالم أجمع حيث أنها معيار التقدم في الدول , إلا أن الوعي الشعبي في مجتمعاتنا , جعل منها وزاره منسيه أو وزاره "هديه" بعد توزيع الوزارات السياديه أو الهامه بين المرشحين الاقوياء. وأذكر عند ثاني تغيير وزاري تشهده البلاد وكا ن ذلك في عام 1989 بعد تشكيل الوزاره الاولى عام 1971, ادرجت اسماء جميع المرشحين وانتشرت ولم يتبقى سوى اسم المرشح لوزارة المواصلات الذي لم نعلم بأسمه الا يوم اعلان الوزاره وكان الاخ عبد الله بن صالح المانع سفير قطر في المملكه العربيه السعوديه , وهو شخصيه لطيفه ومحترمه وخجوله, الا أن اعلان اسمه كان مفجأة له أكثر منه للغير , فلم يصدق وأخذ يردد الشكر لسمو الامير على هذه الثقه التي لم يشعر انه يستحقها , وطلبني للعمل كمدير لمكتبه مؤقتا , غلب على فترة توزيره سمة التردد , وكغيره من الوزراء السابقين والمحايثين له كان الدكتور عيسى الكواري مدير مكتب سمو الامير هو مايشكل وعيهم الرسمي إلا أن الاخ عبدالله بن حمد العطيه الذي كان مديرا لمكتب وزيرا الداخليه ووزيرا للطاقه فيما بعد ,يشارك الدكتور عيسى بن غانم في احتلاله لوعي السيد عبدالله بن صالح المانع وزير المواصلات في ذلك الوقت , مع أنه كان عضوا في مجلس ادارة طيران الخليج بينما وزير المواصلات كان رئيس الوفد الرسمي للدوله ويتناوب مع غيره من وزراء المواصلات في دول الخليج رئاسة مجلس ادارة الشركه.في التغيير الوزاري اللاحق , سمعنا ان المرشح لوزارة المواصلات سيكون من فرع"آل احمد" من آل ثان الكرام , إلا أنه أعتذر وأن هناك مرشحا بديلا قادما من نفس العائله الكريمه, وبالفعل اعلن اسم الشيخ احمد بن ناصر بن فالح وزيرا للمواصلات , وقد عرف عنه نجاحه في وظيفته السابقه كوكيل مساعد في وزارة الكهرباء والماء, وجدته شابا مثقفا مطلعا لديه رؤيه , لكنه يحتاج الى فريق عمل يساعده فلم يكن يعرف احدا في الوزاره المنهكه , فجلب بعض من كانوا معه في وزارة الكهرباء فتشكل فريق جديد في الوزاره يشعر بالولاء والانتماء لمكتب الوزير اكثر من انتمائه لمفهوم العمل بروح الفريق الواحد,أعتقد أن الاخ الشيخ أحمد لم يعطى الفرصه كاملة كما ينبغي , كما اعتقد أن وجود صقور في مجلس الوزراء , جعل انفكاك وزارة المواصلات وتحويلها الى هيئات ومؤسسات من صالح اتساع نفوذهم وسيطرتهم, بعد فشل الوزاره في القيام بما يرونه مناسبا من وجهة نظر مجلس الوزراء في ذلك الوقت, ولقد عارضت فكرة الغاء الوزاره ونقلت رأئي هذا للوزير , وقلت انه بالامكان تطويرها وجمع شتاتها حيث كانت الطرق لدى وزارة البلديه وهي من اهم وظائف وزارة المواصلات في العالم, ورفدها كذلك بالعناصر المؤهله , فلايمكن ان يتطور العمل فى أي وزاره وهي تمثل بؤرة طرد نظرا لتدني مستوى الحوافز والاجور فيها, مقارنة بغيرها كالخارجيه أو المؤسسه العامه للبترول أو الديوان الاميرى, لكن كان القرار تحويلها الى هيئات ومؤسسات , والقرار المثير الاخر هو جعل رئيس مجلس الاداره في هذه الهيئات او المؤسسات هو نفسه المدير العام وربط جميع موازناتها بوزارة الماليه العامه تحت اشراف وزير الماليه القوي الاخ يوسف حسين كمال,
فوجدنا لافته مؤسسه أو هيئه تدار بعقليه حكوميه بيروقراطيه , ووجدنا رؤساء مجالس ادارة يقومون بأعمال المراسليين , ومجالس إداره صوريه تجتمع من أجل المكافأه السنويه
إنتهى الفصل العاشر
"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه-الحلقه التاسعه
16- المنصب ومستقبل طالب الوظيفه أو الترقيه
بعثني أحد الاصدقاء لمقابلة خبير في المؤسسه العامه للبترول من اصل عراقي وجنسيه أما أمريكيه أو كنديه واسمه على ما أذكر ....خُضر" , لم يتحمس لي كثيرا عندما علم انني خريج جامعة قطر , وسألني سؤالا واحدا: ليس هناك وظائف متوفره في الدوحه , فاختار بين دخان أو أمسيعيد كمتدرب , وشكى لي من إصرار الشباب القطرى على العمل داخل الدوحه, وقال لي : كيف يابا تبنوا بلادكم وكلكم تريدون مكاتب داخل الدوحه؟ , وعدته بالتفكير والعوده لاحقا , لكنني لم أعد , وذهبت الى نائب الرئيس التنفيذي في ذلك الوقت الشيخ راشد بن عويضه بن محمد الذي حولني بدوره الى العمليات البريه, وكانت المؤسسه تتكون من ادا.رة للعمليات البحريه واخرى للعمليات البريه , والى السيد فاروق نعمه بالذات مدير الشئون الاداريه او الموارد البشريه على ما أظن, وبالفعل ذهبت , وقابلته وكان سؤاله التقليدي هل تجيد الانجليزيه , وأجبته بان لغتي متوسطه في ذلك الوقت, وظللت أتردد عليه وظل ترحيبه بي يتناقص حتى فاجأني أخيرا بقوله أنا آسف لاتوجد لدىً وظيفة لك. صدمت في بادىء الأمر وتسأءلت في نفسي لمَ لم يواجهني بذلك من أول لقاء,أدركت بعد ذلك أن أخطر منصب في الاداره الحكوميه او الخاصه هو منصب التوظيف وأن أهم شخص في الوزاره او في المؤسسه هو مدير التوظيف او الموارد البشريه, وهو منصب خطير إذا سُيس او كان أداة فرز , وللحقيقه , الفزعه سمة مشتركه لاهل قطر جميعا بل للعرب بصورة عامه ويدخل في نطاقها بشكل مباشر بعد قيام الدوله عملية التوظيف وخلق الوظائف. حتى أن احد الاخوه من الموظفين القدامي في الشركه قبل أن تتحول الى مؤسسه قال لي: قبل أن أذهب اليه "لن يوظفك" الا بواسطه أقوى من واسطتك التي بعثتك, أنظر الى وزارة. كذا... ستجد معظم الموظفين من قبيلة مدير شئون الموظفين , وانظر الى الوزاره الاخرى تجد أغلب الوظائف تذهب الى عائلة وجماعة مدير الشئون الاداريه, وهكذا وهو ليس استثناء اذا كان صاحب القرار .حاولت اجد وظيفة اخرى في منظمة الخليج للاستشارات الصناعيه وكانت في سنواتها الاولى ولم اوفق , بمجرد ان تذكر أنك خريج جامعة قطر تحتاج الى اكثر من الشهاده.لم اكن أبحث عن البروز هذه طبيعتي , ولم أكن أريد الغربه من جديد كموظف أو دبلوماسي . اخيرا استدعاني مكتب وزير المواصلات , وقال لي سعادة الوزير السيد عبدالله بن ناصر السويدي نحن نحتاجك ونحن أولى بك من غيرها , وضمني الى مكتبه كمساعد لمدير المكتب, استقر بي الأمر كذلك وعدت لمزاولة حياتي الاجتماعيه مع الاهل والاصدقاء بشكل طبيعي .كان الوزراء في ذلك الوقت من اعيان قطر , وعلى الرغم من عدم دراستهم في المدارس النظاميه الا أنهم كانوا اهل درايه بالمجتمع واهل مواقف واضحه , ولا زلت اذكر كلمة الوزير رحمه الله: الوظائف القياديه في وزارتي لاهل قطر أما البعثي والهندي ماعندي لهما وظائف قياديه طالما كنت وزيرا " . ولم ادرك تماما من يقصد حيث كان في حالة غضب حين ذاك من أمر قد حدث خطأ. لما عدت للوزاره بعد التخرج , كان هناك وكيل لها , هو الاخ احمد على معرفيه رحمه الله , حيث كان رحمه الله عضوا في مجلس شركة طيران الخليج الناقل الوطني لكل دول الخليج مع سعادة الوزير كذلك, فحقق من خلال صرف التذاكر للناس سمعة كبيره وتحولت الوزاره الى اشبه بمكتب السفريات , ومن ذكائه رحمه الله أن اقنع الوزير بأن يقتصر توزيعه للتذاكر على عائلته وأقرابه فقط , بينما هو سيوزع حصته على من يحتاج من الناس , وقد كان رحمه الله شخصيه لطيفه بين زعله ورضاه مسافة قصيره, كانت الوزارات تتلقى التعليمات من مكتب سمو الامير الذي كان يرأسه الدكتور عيسى بن غانم الكواري , والباقي كلهم جهاز تنفيذي بما فيهم الوزرا ء, إلا ان هناك وضوح في التخصصات وعدم تشابك بينها , كما ان الاداره العليا كانت من الفنيين اهل الاختصاص من اهل , ففي ادارة الكهرباء كان هناك محمد يوسف العالى, وفي ادارة الهندسه كان هناك المهندس خالد سلمان الخاطر وكذلك في البلديه كان هناك المهندس على الخاطر, وفي المياه كان هناك ايضا المهندس احمد الجتال , وفي الاعتده الميكانيكيه , كان هناك احمد محمد السبيعي. الا أن نظام الترقيات كان تعيسا كل التعاسه وبيد مدير شئون الموظفين الاخ خطاب عمر الدفع الذي بحكم بعده عن موقع الموظف لايدرك جهده ولا ما يؤديه من عمل , الأمر الذي يفتح المجال أمام التفاوض بشأن مستقبل الموظف , وأذكر ان المرحوم احمد معرفيه إذا أراد أن يرقي موظفا انتظرحتى موسم الصيف و السفر ليستخدم التذاكر المجانيه كوسيله لتحقيق ذلك. ولقد ذكر لي مره قائلا :لولا تذاكر طيران الخليج لما مرُ بوزارتنا حتى قطو" أي قط"
أنتهى الفصل
الأربعاء، 1 أكتوبر 2014
"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه – الحلقه الثامنه
14- كلية الشريعه والهيمنه
كنت أشعر بهيمنة كلية الشريعه على باقي الكليات الاخرى في الجامعه وكانت شخصية رئيسها الدكتور يوسف القرضاوي تعادل شخصية رئيس الجامعه أن لم تكن تفوقها سلطه ونطاق نفوذ, ورئيس الجامعه اصلا الدكتور ابراهيم كاظم كان استاذا من جامعة الازهر ونائبه كذلك الدكتور جابر, فالجامعه كانت اشبه بمعهد ديني كبير , أكثر منها جامعه تضم جميع التخصصات , وهناك اساتذه اجلاء اذكر منهم الدكتور محمد ابراهيم الفيومي رحمه الله استاذ الفلسفه الاسلاميه "ضمن كلية الشريعه"الذي أثار في محاضرة له لغط كبير عندما وصف موقف جد الرسول صلى الله عليه وسلم عبد المطلب "بالمتخاذل" و"الجبان" حينما أراد أبرهه الحبشى هدم الكعبه" وقال قولته الشهيره "إن للبيت رب يحميه", لذلك لم يكن مسرورا على مايبدو من النظره الضيقه للطلبه وخلطهم الاجتماعي بالديني كما كان يقول لي , لذلك أكتفى بفترة إعارته الاولى , في حين البعض من الاساتذه إلغى وظيفته من جامعته الاصليه في مصر وأستقر في قطر أذكر منهم عبدالصبور سعدان , والدكتور عبد العزيز بيومي على ما اعتقد ولربما لأنه كان يشعر رحمه الله بأنه لم يقدم ما ينبغي منه وكنت لصيقا معه واهديته كتاب الدكتور هشام شرابي "المجتمع العربي" فشكرني وذكر اسم في كتاب لاحق له عن العقليه العربيه وددت أنني لم أفقده ولعلني اجده يوما ما من كثر ما جمعت من كتب.وكان هناك ايضا قسم صغير للفلسفه وليس به سوى استاذ واحد على ما أذكر أسمه الدكتور "خليف" وقسم الاجتماع كذلك كان تحت رقابه لصيقه حيث ربط بقسم الخدمه الاجتماعيه, الذي كان تدريبا أكثر منه علم, في مجتمع كانت الدوله فيه في ذلك الوقت تقدم جميع الخدمات الاجتماعيه , فلم يكن إختيار هذا التخصص في حينه مناسبا إلا من أجل التقليل من دراسة نظريات علم الاجتماع ونظريات التغير الاجتماعي دراسة شموليه متعمقه , وسبق أن ذكرت كذلك عن تحيز لجنسيه دون اخرى ولفكر دون آخر نظرا لهيمنة كلية الشريعه , الكليه الأم في الجامعه.و هناك ايضا قسم جغرافيا يخرج مساحي خرائط. بالاضافه الى التخصصات العلميه المعروفه . لذلك كان علىٌ أن أضاعف الجهد لدراسة النظريات الاجتماعيه والفلسفيه بجهد ذاتي خارج نطاق الجامعه , حتى انني كنت استعير الكتب من المكتبه ولا أجد إقبالا من الطلبه على الاستعاره أو قراءة الكتب والمراجع كما شكا لي الاخ مسئول المكتبه . كان الشيخ القرضاوي يُدرس مادة الثقافة الاسلاميه على ما أذكر وكذلك الدكتور حسن عبد الظاهر رحمه الله, وكان له أسلوب مميز , في حين أن الشيخ القرضاوي كنا قد تعودنا على اسلوبه لكثرة ما كنا نشاهده اسبوعيا حتى قبل انشاء الجامعه من خلال برنامجه التلفزيوني , وفي أخر فصل لي في الجامعه , سمعت عن دكتور قطري قد إنضم الى كلية الشريعه وأسمه عبد الحميد الانصاري , الذي اصبح عميدا للكليه فيما بعد والذي أثار قضايا لم تحتملها الكليه والجامعه كذلك , فنحي عن منصبه بعد ذلك. كانت رئاسة الجامعه مرتبطه مباشره بمكتب سمو الحاكم الامير الشيخ خليفه بن حمد في ذلك الوقت . لم تستطع الجامعه منذ ذلك اليوم وربما الى الآن من إيجاد فكر نقدي لدى طلبها , بقدر ما اوجدت موظفين لم تزدهم الشهاده سوى راتبا وظيفة ومنصب, لذلك بالمقابل لم نرى ولم نسمع عن اساتذه جامعيين قطريين على مستوى إخوانهم من أبناء الخليج.فبدلا من ان تكون الجامعه مصدر إشعاع فكري , كانت مصدر لإعداد موظفين وليس متخصصين ولاحتى تربويين , مع مراعاة بعض الفروق الفرديه والامكانيات الذاتيه لدى البعض .
15- التخرج والعوده الى الفريج
تخرجت من الجامعه في صيف عام 82 في حفل سنوي معتاد يحضره سمو الامير وشخصيات الدوله وكان في الصيف وفي ساحة الجامعه الخارجيه حيث الحراره والرطوبه المرتفعه وضرورة ارتداء روب أو معطف الجامعه الثقيل , وكنا قد اجرينا بروفات قبل ذلك استعدادا للحفل وكان من زملائي في التخرج على ما اذكر الاخوه محمد ناصر الكعبي وحمد هزيم المريخي وناصر النعيمي وثلاب الهاجري ومن الاقسام الاخرى عبدالرحمن بن عمير النعيمي وكثيرون , ولازلت اعتقد جازما بأن جامعة قطر في بداياتها كانت ستشكل نقله حضاريه كبيره , لو أنها تخلصت من سلطة كلية الشريعه عليها , وكانت بالفعل ساحة لتبادل الافكار واستماع للمختلف من الرأي , فليس هناك مكان اجدر بذلك من قاعات الجامعات , حتى ان الجامعات قد تحتضن محاضرة او مناظرة ضد فكر واتجاه الدوله صاحبة الجامعه ومع ذلك لايعاقب ولا يجرم صاحبها او اطرافها , والطريف ان الوضع لايزال مستمرا فبينما تعتنق الدوله الانفتاح المادي في اقصى صوره وبشاعته , نجد فكر طلبة الجامعه يتقوقع وينكمش , ولاأدل على ذلك من تمترسهم وراء الغاء محاضره للكاتبه السعوديه "البشر" بدلا من مناقشتها ومواجهة الفكر بالفكر, أعتقد أن الجامعه تعيش تناقضا بين رسالتها الحقيقيه وبين الموروث الثقافي للمجتمع فبدلا من إعلائه , تماهت معه في مرحله الدكتور "كاظم" ,وأصطدمت به في مرحلة الدكتوره" شيخه المسند"., من جانب آخر لو قدر لمركز دراسات الخليج ان يستمر ويطور بحيث يصبح مركزا اقليميا لدراسات الخليج والجزيره لعززت الجامعه التواصل الافقي مع المجتمع بدلا من وضعها الرأسي المنعزل والمرتبط بالحكومه ,بعد التخرج عدت للبحث عن وظيفه والدخول في دوامة العمل من جديد , وفي ذلك الوقت كان بريق المؤسسه العامه القطريه للبترول يخطف الابصار من القطاعات الاخرى حيث الامتيازات, فذهبت حاملا شهادتي الجامعية إليها بينما هي ترنوا الى خريجي الولايات المتحده الامريكيه فخرجنا من الوصايه على التعليم الى الوصايه على التوظيف.
إنتهى الفصل
"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه –الحلقه السابعه
ا13-لرحلات الجامعيه , ومركز دراسات الخليج
في محاوله لجذب مزيدا من الطلبه القطريين للدراسة فيها, ادرجت إدارة الجامعه رحلات سنويه لطلبتها في العطلة مابين الفصلين الدراسيين, وحددت وجهات معينه لكل فصل على حده, فكانت رحلتنا الاولى كفصل إلى المملكه الاردنيه الهاشميه وإلى الجمهوريه العربيه السوريه بعد ذلك , وأذكر اننا وصلنا دمشق برا من الاردن في نفس اليوم الذي حل فيه الرئيس العراقي صدام حسين ضيفا عليها , مع بدايات الثوره الاسلاميه في إيران وقيام نظام المرشد فيها, وقمنا بزيارة جامعة دمشق وجامعة حلب كما قمت بتسليم درع جامعة قطر الى رئيس جامعة حلب وابلاغه تحيات الدكتور محمد كاظم رئيس جامعة قطر رحمه الله, في ذلك الوقت وأحد مؤسسي جامعة حلب قبل ذلك, وأذكر التفاف الطلبه السوريين حولنا طارحين العديد من الاسئله في مجملها عن الثوره الايرانيه وتداعياتها وموقف قطر والخليج منها, فلم نشف غليلهم بإجابات مقنعه , وتحليلات موفقه لبُعد الجامعه تماما عن التفاعل مع الاحداث وعدم وجود اتحاد للطلبه ,الأمر الذي جعلني أتطلع لاحقاالى مشروع دراسات الخليج على أنه سيكون حلقه الوصل بين الجامعه ومحيطها الاقليمي والعربي كما سنرى بعد قليل, على كل حال ,في السنه التي تلت تلك السنه كانت رحلتنا الدراسيه الى تونس عن طريق بلجيكا والتقينا رئيس الوزراء في ذلك الوقت محمد مزالي وكان متحدثا لبقا وذو رؤيه, واذكر أننا حضرنا حفله لطلبة الكويت هناك حضرها سفير الكويت وأسمه مقرن الحمد وأبدع طلبة الكويت في الغناء وأداء "الصفقه" الخليجيه بشكل أعجب الجمهور التونسي , أما اخر رحلة لي مع الجامعه كانت الى اسبانيا والمغرب وكانت قمة في الامتاع حيث الاثار الاسلاميه الخالده في الاندلس وأذكر اننا وقفنا أمام جملة "لاغالب إلا الله" على بوابة قصر الحمراء بفخر شديد , تميزت هذه الرحله بأن المسؤول فيها قطري وهو الاخ حسن بن عبدالله الرميحي صاحب سفريات المدينه رحمه الله وكان ذو خبره كبيره في مجال السفر ويجيد لغات , وكان البرنامج هو ان ننتقل من جبل طارق الى طنجه عن طريق البحر وقد تعرضت الرحله السابقه لرحلتنا هذه من طلبة الجامعه الى رياح شديده وأمواج أدت ببعض ممن لم يعتادوا ركوب البحر الى الدوار المستمر والغثيان وما الى ذلك من متاعب , وكانت خائفا اشد الخوف لأنني لم أركب البحر مطلقا قبل ذلك , فلاحظ الاخ حسن ارتباكي وخوفي فاستغل ذلك بمزيد من الترويع والتخويف, حتى انني لم اخرج من الغرفه ليلة السفر بالبحر , بينما هو كان يضحك مع بقية الطلبه , وفي الصبح نهاني أن لاأكل شيئا واعطاني حبتين قبل ركوب الباخره , وجلست الساعة الاولى بلاحراك بينما باقي الطلبه يتحركون ويمزحون ويأكلون والجو كان رائعا , فما كان مني إلا أن استجمع قوتي وعزيمتى فذهبت الى المطعم وتغديت وشربت المرطبات وتمتعت بالزمن الذي تبقى من الرحله أيما تمتع حتى تمنيت أن تستمر وقتا اطول, في المغرب قضينا وقتا ممتعا , والميزه التي حققتها لنا هذه الرحلات هي الجدول المعد مسبقا والذي يلزمنا بالتحرك من مكان الى آخر ومن مدينه الى أخرى لذلك كنا مجبورين على زيارة اماكن تاريخيه لولا هذا البرنامج وهذا التنظيم لم نقم بزيارتها ومعرفة تاريخها , نحن كعرب نجيد التحدث عن التاريخ ولكن لانجيد الاعتبار منه وجزء من الاعتبار به زيارته والوقوف على اطلاله.
في سنتي الاخيره على ما اعتقد فوجئت بمكتب وملحق صغير من الخشب بجاني مبنى الجامعه كُتب عليه اسم" مركز دراسات الخليج" ويعمل به احد الاخوه المصريين الذي سبق ورافقنا الى تونس في رحلة سابقه ويدعى "إسماعيل"
وعلمت بعد ذلك ان المركز تحت إشراف الدكتور على خليفه الكواري الشخصيه القطريه المثقفه المعروفه خليجيا وعربيا و الذي كنت قد سمعت عنه كثيرا , ولم يكن يعرفني وقتئذ. ودعينا كطلبه لحضور محاضره للدكتور محمد غانم الرميحي من الكويت لاأذكر عنوانها الآن إلا انها أثارت كثيرا من النقاش وحضرها العديد من الممهتمين بالشأن الثقافي القطريين الذين كنا نسمع عنهم كطلبه ولم نكن قد رأيناهم منهم سفراء وكبار موظفين, ثم إستمرت المحاضرات لعدد من مثقفي الخليج أحدهم الدكتور الطويل لاأذكر أسمه الأول أستاذ الاداره من المملكه العربيه السعوديه واخرى للدكتور على فخرو الوزير والمثقف البحريني المعروف, فحظيت هذه المحاضرات بشعبيه كبيره وخاصة بالنسبة لطلبة الجامعه الذين بدأو يشعرون بعوده الجامعه الى محيطها والتفاعل معه بدلا من كونها مجرد استمرار لمراحل التلقين وأداء الواجبات المدرسيه السابقه , ولقد لمست بنفسى نقاشا حول هذه المحاضرات من جانب الطلبه في الكفتيريا وفي الفصل أكثر من أي نقاش حول المحاضرات الاكاديميه المقرره كمنهج واعتقد انه لو إستمر المركز وطُور لكان قد حقق نقله نوعيه للجامعه ولمخرجاتها, لكن خيار الثبات إنتصر على خيار التحول , لنفاجأ بعد ذلك إلى إقفال المركز وإزالة لوحته وتحول مكاتبه إلى مخزن .
إنتهت الحلقه السابعه
في محاوله لجذب مزيدا من الطلبه القطريين للدراسة فيها, ادرجت إدارة الجامعه رحلات سنويه لطلبتها في العطلة مابين الفصلين الدراسيين, وحددت وجهات معينه لكل فصل على حده, فكانت رحلتنا الاولى كفصل إلى المملكه الاردنيه الهاشميه وإلى الجمهوريه العربيه السوريه بعد ذلك , وأذكر اننا وصلنا دمشق برا من الاردن في نفس اليوم الذي حل فيه الرئيس العراقي صدام حسين ضيفا عليها , مع بدايات الثوره الاسلاميه في إيران وقيام نظام المرشد فيها, وقمنا بزيارة جامعة دمشق وجامعة حلب كما قمت بتسليم درع جامعة قطر الى رئيس جامعة حلب وابلاغه تحيات الدكتور محمد كاظم رئيس جامعة قطر رحمه الله, في ذلك الوقت وأحد مؤسسي جامعة حلب قبل ذلك, وأذكر التفاف الطلبه السوريين حولنا طارحين العديد من الاسئله في مجملها عن الثوره الايرانيه وتداعياتها وموقف قطر والخليج منها, فلم نشف غليلهم بإجابات مقنعه , وتحليلات موفقه لبُعد الجامعه تماما عن التفاعل مع الاحداث وعدم وجود اتحاد للطلبه ,الأمر الذي جعلني أتطلع لاحقاالى مشروع دراسات الخليج على أنه سيكون حلقه الوصل بين الجامعه ومحيطها الاقليمي والعربي كما سنرى بعد قليل, على كل حال ,في السنه التي تلت تلك السنه كانت رحلتنا الدراسيه الى تونس عن طريق بلجيكا والتقينا رئيس الوزراء في ذلك الوقت محمد مزالي وكان متحدثا لبقا وذو رؤيه, واذكر أننا حضرنا حفله لطلبة الكويت هناك حضرها سفير الكويت وأسمه مقرن الحمد وأبدع طلبة الكويت في الغناء وأداء "الصفقه" الخليجيه بشكل أعجب الجمهور التونسي , أما اخر رحلة لي مع الجامعه كانت الى اسبانيا والمغرب وكانت قمة في الامتاع حيث الاثار الاسلاميه الخالده في الاندلس وأذكر اننا وقفنا أمام جملة "لاغالب إلا الله" على بوابة قصر الحمراء بفخر شديد , تميزت هذه الرحله بأن المسؤول فيها قطري وهو الاخ حسن بن عبدالله الرميحي صاحب سفريات المدينه رحمه الله وكان ذو خبره كبيره في مجال السفر ويجيد لغات , وكان البرنامج هو ان ننتقل من جبل طارق الى طنجه عن طريق البحر وقد تعرضت الرحله السابقه لرحلتنا هذه من طلبة الجامعه الى رياح شديده وأمواج أدت ببعض ممن لم يعتادوا ركوب البحر الى الدوار المستمر والغثيان وما الى ذلك من متاعب , وكانت خائفا اشد الخوف لأنني لم أركب البحر مطلقا قبل ذلك , فلاحظ الاخ حسن ارتباكي وخوفي فاستغل ذلك بمزيد من الترويع والتخويف, حتى انني لم اخرج من الغرفه ليلة السفر بالبحر , بينما هو كان يضحك مع بقية الطلبه , وفي الصبح نهاني أن لاأكل شيئا واعطاني حبتين قبل ركوب الباخره , وجلست الساعة الاولى بلاحراك بينما باقي الطلبه يتحركون ويمزحون ويأكلون والجو كان رائعا , فما كان مني إلا أن استجمع قوتي وعزيمتى فذهبت الى المطعم وتغديت وشربت المرطبات وتمتعت بالزمن الذي تبقى من الرحله أيما تمتع حتى تمنيت أن تستمر وقتا اطول, في المغرب قضينا وقتا ممتعا , والميزه التي حققتها لنا هذه الرحلات هي الجدول المعد مسبقا والذي يلزمنا بالتحرك من مكان الى آخر ومن مدينه الى أخرى لذلك كنا مجبورين على زيارة اماكن تاريخيه لولا هذا البرنامج وهذا التنظيم لم نقم بزيارتها ومعرفة تاريخها , نحن كعرب نجيد التحدث عن التاريخ ولكن لانجيد الاعتبار منه وجزء من الاعتبار به زيارته والوقوف على اطلاله.
في سنتي الاخيره على ما اعتقد فوجئت بمكتب وملحق صغير من الخشب بجاني مبنى الجامعه كُتب عليه اسم" مركز دراسات الخليج" ويعمل به احد الاخوه المصريين الذي سبق ورافقنا الى تونس في رحلة سابقه ويدعى "إسماعيل"
وعلمت بعد ذلك ان المركز تحت إشراف الدكتور على خليفه الكواري الشخصيه القطريه المثقفه المعروفه خليجيا وعربيا و الذي كنت قد سمعت عنه كثيرا , ولم يكن يعرفني وقتئذ. ودعينا كطلبه لحضور محاضره للدكتور محمد غانم الرميحي من الكويت لاأذكر عنوانها الآن إلا انها أثارت كثيرا من النقاش وحضرها العديد من الممهتمين بالشأن الثقافي القطريين الذين كنا نسمع عنهم كطلبه ولم نكن قد رأيناهم منهم سفراء وكبار موظفين, ثم إستمرت المحاضرات لعدد من مثقفي الخليج أحدهم الدكتور الطويل لاأذكر أسمه الأول أستاذ الاداره من المملكه العربيه السعوديه واخرى للدكتور على فخرو الوزير والمثقف البحريني المعروف, فحظيت هذه المحاضرات بشعبيه كبيره وخاصة بالنسبة لطلبة الجامعه الذين بدأو يشعرون بعوده الجامعه الى محيطها والتفاعل معه بدلا من كونها مجرد استمرار لمراحل التلقين وأداء الواجبات المدرسيه السابقه , ولقد لمست بنفسى نقاشا حول هذه المحاضرات من جانب الطلبه في الكفتيريا وفي الفصل أكثر من أي نقاش حول المحاضرات الاكاديميه المقرره كمنهج واعتقد انه لو إستمر المركز وطُور لكان قد حقق نقله نوعيه للجامعه ولمخرجاتها, لكن خيار الثبات إنتصر على خيار التحول , لنفاجأ بعد ذلك إلى إقفال المركز وإزالة لوحته وتحول مكاتبه إلى مخزن .
إنتهت الحلقه السابعه
الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014
"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه –الحلقه السادسه
11- توافق الجامعه والمجتمع
أحببت كثيرا مادة علم الاجتماع عن طريق أستاذها الدكتور سيد الحسيني رحمه الله الذي كان يدرس النظريه, وتخصصت في السنه الثانيه فيها حيث كانت تُدرس مع تخصص آخر هو الخدمه الاجتماعيه, وكذلك إستهوتني مادة علم النفس الاجتماعي التي كان يدرسها الدكتور محمد أحمد سلامه , وهو أحد الاساتذه الذين أحببتهم كثيرا لتمكنه الكبير من الماده ولغته العربيه الرفيعه و ولازلت أذكر وصفته الدائمه لنفسيه إجتماعيه سليمه, وهي إجتناب العزله حيث كان يقول لنا"العزله هي بداية اللامعقول", وكذلك كنت أفضل محاضرات الدكتور حسن عبدالظاهر رحمه الله في الثقافه الاسلاميه , .ميزة جامعة قطر في سنينها الأولى هي قلة الطلبه وتمكنهم من الاستاذ والماده نظرا لذلك , مقارنة بما رأيته من زحام وتراكم وضيق وازدحام في قاعات جامعة القاهره , فكانت فرصه كبيره لنا في ذلك الوقت للإستفاده بشكل مكثف من تلقي الماده مباشرة من الاستاذ في جو مريح, لم تخرج جامعة قطر في ذلك الوقت عن إطار تفكير المجتمع بشكل يجعلها قادره على توجيه بنيته الاجتماعيه من خلال طلبتها وخريجيها نحو مزيد من الانفتاح ومزيدا من التقبل للإختلاف ,بل اعتقد أنه كان أكثر تلقائية منها في هذا المجال, كما سنرى لاحقا, على كل حال , كان جميع الاساتذه والمدرسين إلا ماندر من جمهورية مصر العربيه , حيث طاقم إدارة الجامعه كله تقريبا من جمهورية مصر العربيه , وتلك أعتقد كانت نقطة ضعف لمستها فيما بعد, فأذكر استاذا جاءنا زائرا وهو امريكي من جنسيه عراقيه, ويدعى أياد القزاز وهو استاذ علم الاجتماع في جامعة سكرامنتو في الولايات المتحده , حيث أوضح لنا أن معظم كتب الاساتذه العرب عباره عن ترجمات لكتب غربيه , واستغرب كيف لم ندرس النظريه الماركسيه في مقرر التغير الاجتماعي وهي من أهم النظريات في هذا المجال, وكنت من أكثر المستفيدين منه وطالبنا بإستمراره لمدة أطول إلا أن رئيس القسم الدكتور سيد أبو بكر رحمه الله لم يوص بذلك رغم رغبة الطلبه, كما إشتكى لنا أحد اساتذة علم الاجتماع من الجزائر او المغرب على ماأعتقد من سيطرة الاخوه المصريين على الجامعه ,في حين وجدت من خلال محاضرته الوحيده جانبا جديدا مختلفا عن ما ندرس في تناوله للظواهر الاجتماعيه, بل أن الدكتور عبدالله الكبيسي"ليس الاخ الدكتور عبدالله جمعه الكبيسي مدير الجامعه لاحقا, وانما أحد أبناء عمومته " أستاذ علم الاجتماع وهو القطري الوحيد الذي كان استاذا جامعيا في الولايات المتحده الامريكيه عن طريقه بعثة من شركة أرامكو لتدريس ملتحقيها في أواخر الخمسنيات فدرس وعاش هناك. فأحضره الديوان الاميري لقطر رغبة من امكانية الاستفاده منه. كان غير مرحب به من قبل الكادر التعليمي المصري بالأخص , وكان محاضرا باللغه الانجليزيه , "ماينفعش" هذه الكلمه سمعتها من استاذ مصري كان حاضرا معنا اثناء إلقاء الدكتور الكبيسي رحمه الله لمحاضرته باللغه الانكليزيه , مترجما إياها لنا الدكتور سيد الحسيني .
في تلك الاثناء كانت الاستاذ القطري الوحيد في الجامعه على ما اعتقد الدكتوره جهينه سلطان سيف العيسى والدكتوره لطيفه الحوطي الكويتيه المتزوجه من قطري. كانت الدكتوره الفاضله جهينه تدرسنا مادة "التحديث في المجتمع القطري" واذكر انها طلبت منه بحوثا في هذا الخصوص , وقد قدمت بحثا صغيرا بإسم "النظره الدونيه للعمل اليدوي في قطر " فحاز على رضا وموافقة جميع الفصل حينما طلبت تحديد البحث الاكثر إتفاقا حوله.
12- الجامعه الشعبيه التقليديه أكثر إنفتاحا
خارج إطار الجو الاكاديمي كان هناك جوا ثقافيا شعبيا غير رسمي حرصت كما حرص غيري على حضوره والتمسك به وهو "جلسة العصر" مع كبار السن من اهل الريان , حيث كان مجلس و"دكة" و"حبس" عبدالله بن محمد بن فهد الخاطر رحمه الله يقع في مكان مرتفع في شمال الريان وجميع أهل الريان والغرافه والريان الجديد يعرفون ذلك المكان ويقصدونه حبا في صاحبه لما يمتلك من كرم وحسن خلق وتواضع , وأيضا هناك العديد من المجالس لان اهل قطر كلهم أهل مجلس وكرم ضيافه إلا ان مايميز مجلس عبدالله بن محمد التركيبه الانسانيه التي يحتويها كما سنرى وكما كنت ألاحظ, كان من رواد مجلس عبدالله بن محمد رحمه الله شبه الدائمين, بالاضافة الى والدي وابناء وإخوان المرحوم شيوخ الغرافه , فهد بن محمد بن ثاني وعيد بن محمد رحمهما الله وعويضه بن محمد أطال الله في عمره, كما كان هناك أيضا احمد بن محمد البادي رحمه الله وهو من رجالات قطر المعروفين والزعيم محمد بن عبدالله العطيه وأخيه خالد بن عبدالله العطيه في بعض الاحيان , ومحمد بن عيسى الخليفي وإبنه عيسى,وعبدالكريم بوصبار شقيق المطرب المعروف, والجيران من المسافره الكرام , فيصل بن طشال , وسلطان بن سعد رحمهما الله , و كذلك هناك عامر العماني الذي يعيش في كنف عبدالله بن محمد والذي عاش في قطر ومات فيها ولم يتمكن من الحصول على جواز سفر يسافر به , فهو لم يدرك بلده عمان , ولم يحصل على الجنسيه القطريه فعاش بجنسيته الانسانيه فقط رحمه الله , الطريف أن كل من زار هذا المجلس يصبح من رواده , فتجد الدكاتره , ناجي كمال ناجي اخصائي الانف والاذن والحنجره , وأحمد كمال ناجي شقيقه الطبيب كذلك الى جانب راعي الابل , والصقار , وتاجر الاغنام , تجمع عجيب شبه يومي في مكان واحد , حليب الأبل كان زادا مشتركا وكذلك وجبتي العشاء والغداء من اللحم ومن "الهروف" اللذيذه الى درجة أن أحد الاخوه الفلسطينيين وكان يدعى "سميح" ويمتلك كراجا في الريان "كان يسمي المجلس "الملحمه. واذا سألته أين اللقاء أجاب في الملحمه. هذه الخلطه الآدميه الانسانيه على اختلاف توجهاتها وثقافاتها ومراكزها الاجتماعيه تجتمع في مكان واحد , كنت ولازلت اعتقد ان إزالة الريان القديم خطاأ كبيرا بحق الثقافة والتاريخ , والبدع كذلك, والرميله , هذه مناطق تاريخيه لاتزال وإنما يحافظ عليها لكي يحتفظ المجتمع بذاكرته, حين توفى عبدالله بن محمد رحمه الله سمعنا كلاما عن النيه في ابقاء مجلسه لدوره وتاريخه في هذه المنطقه من وطننا العزيز إلا أنه ذلك لم يتحقق, وهناك الكثير من المساكن والمجالس لأهل قطر التى كان يفترض الابقاء عليها كآثار تذكرُ بثقافة أهل قطر المنفتحه على الآخر,دينا ولونا وعرقا والتى كان مجلس المرحوم مثالا واضحا عليها.
"حول الانسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه _الحلقه الخامسه
المرحله الجامعيه وصدمة الوعي القومي 9-
تخرجت من الثانويه بمجموع جيد 75% وكانت الامتحانات في حينه تُصحح في جمهورية مصر العربيه والنتائج تأخذ وقتا طويلا لكي تٌعلن من خلال المذياع كان ذلك في السنه الدراسيه لعام 74-75 وكنت قد قمت بإعادة العام الأخير لأنني لم أحصل على المجموع اللائق للحصول على بعثه. في عامىُ الاخيرين بدأت مادة الفلسفه تستهويني أكثر من غيرها , مع الاستاذين الكريمين سليمان الستاوي وسعيد أبوزيد, لاحظت انها تساؤل مستمر ودائم , مما إنعكس على شخصيتي المتسائله بإستمرار فيما بعد. على كل حال, كان نصيبي من البعثات الجمهوريه اللبنانيه والدراسه في أحد جامعاتها, وكنت في حينها في لبنان مع العائله في لبنان في فصل الصيف من ذلك العام, كنت أحلم بمصر , مصر التي في خاطري, وكان أخي الذي يكبرني عبدالله قد عُين ملحقا ومن ثم قنصلا في سفارة قطر في القاهره, مما ضاعف الامل والشوق فيني للدراسة في القاهره , وعلمت أن الشيخ جاسم بن حمد رحمه الله كان يصطاف في لبنان في ذلك العام كذلك , فذهبت انا والوالد إليه لكي نطلب منه تغيير اتجاه البعثه من لبنان الى مصر, فلم نتمكن حيث لم تسمح لنا الظروف بذلك , فنصحني والدي بالرجوع الى قطر والذهاب إلى عمي عبدالرحمن بن خالد الخاطر أطال الله في عمره رئيس الديوان الاميري في ذلك الوقت, وبالفعل رجعت الى قطر وقابلت عمي العزيز , وبعدها بعدة أيام إتصل سعادة الاخ عبد العزيز بن عبدالله بن تركي السبيعي وزير التربيه والتعليم الاسبق والتربوي المعروف وكان وقتها على ما أذكرُ مديرا لمكتب الشيخ جاسم إن لم تخني الذاكره وهو بالمناسبه إبن خالي الشيخ عبدالله بن تركي السبيعي أحد رواد النهضه التعليميه في قطر في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم., قائلا: لقد وافق الشيخ جاسم الى ابتعاثك الى الجهه التي تريد والتخصص الذي ترغب , لم اتمالك فرحتي , سأذهب الى القاهره التي طالما إستمعت الى مذياعها وأناشيد عبدالوهاب الوطنيه مثل "دقت ساعة العمل" وحي على الفلاح " وأخي جاوز الظالمون المدى" فأخترت جامعة القاهره وتخصص سياسة وإقتصاد , أنهيت ترتيباتي في نوفمبر من ذلك العام وتوجهت بالطائره لأول مره الى مصر, وكان أخي العزيز عبدالله في استقبالي وأخذني الى شقته في شارع جامعة الدول العربيه.
كانت شقة أخي عبدالله موئلا لجميع اهل قطر فهو إنسان منفتح ولم يكن قد تزوج بعد, ويجتمع عنده دائماالطلبه والدبلوماسيين وغيرهم . فأسر إلي قائلا: عبدالعزيز انت طالب وأجواء الشقه لاتساعدك على أدائك لمهامك كطالب بصوره مرضيه من الافضل أن تسكن مع أحد الطلبه , فوافقت على ذلك فورا , وفعلا سكنت مع الاخوين العزيزين سلطان بن عبدالله السويدي وكيل وزارة العدل حاليا , والاخ عيد بن حمد العوامي الهاجري الذي يعمل في ادارة التخطيط العمراني في شقة متواضعه في شارع شعبي اسمه سليمان جوهر . لكنني كنت أشعر بخيبة أمل لم أُفق منها الا حين غادرت مصر , لم أرى مايدل على قليل مما كنت أتصور, كانت مصر للتوء خارجة من حرب أكتوبر والحاله الاقتصاديه في غاية التدهور, ولكني الذي شكل لي صدمة أكبر هو مستوى التعامل الردىء والازعاج الشديد في الشوارع والطرقات , وزاد الطين بلة , قاعة المحاضرات في الجامعه , تكدس رهيب وازعاج ولايكاد الاستاذ يرُى ولا يكاد يسمع البته, فكانت صدمتي الثقافيه كبيره , وأصبت بإحباط شديد وأدركت ان ماكنت اشاهده من خلال الافلام العربيه والدعايه السياسيه لم يكن حقيقيا, مع احتفاظي وإيماني بدور مصر ودور قيادتها في ريادة الأمه العربيه, أيقنت انه لايمكنني الاستمرار في الدراسه رغم محاولات الاخوان , وكنت اتطلع الى العوده الى الدوحه وإيجاد البديل لكنني لم أستطع أن أصرح لأخي عبدالله بذلك , وكان معي الاخ سلمان بن خالد بن حسن الثاني , وعبدالله حسين الجابر سفيرنا في هنغاريا حاليا والاخ حسن قاسم درويش التاجر ابن التاجر المعروف , كنت أقف في البلكونه لاشاهد طائرة طيران الخليج عائده الى الدوحه حسب تهيؤاتي, لانني كنت أفكر كذلك في الربيع والبر والرحلات , عشت صراعا نفسيا طوال تلك المده حتى علمت أن سيارة أخي عبدالله قد تعرضت لحادث كُسر على أثره الزجاج الامامي وكان يقودها الاخ عبدالله شريم رحمه الله وكان احد الطلبه حينئذ, وسررت أن الزجاج المطلوب غير متوافر في القاهره وبالتالي يجب إحضاره أو جلبه من الدوحه وعرضت على اخي عبدالله استعدادي للقيام بذلك مخبئا في نفسي أمرا آخر, كأن اخي العزيز عبدالله قد تردد مبدئيا إلا أنه وافق اخيرا , نمت تلك الليله نوما هادئا , حلمت اثناءه بروضة"العقوريات" وهي روضه كبيره مقابله للنصرانيه نرتادها دائما في كل فصل ربيع وشتاء كشباب , ويسكنها حاليا مخيما لسمو الامير الوالد حفظه الله. عدت الى الدوحه مشتاقا كأني قد غبت عنها اعواما وكل الفتره التي قضيتها في مصر لاتتعدى الثلاثة أشهر. فلما اخبرت والدي بأنني لااستطيع العوده للدراسه في مصر قال لي رحمه الله: خذ العلم وأترك أي شى آخر , قلت له :لاأستطيع العوده الى مصر طالبا , فسكت ثم قال إذا دورك على شغل.
10- العمل ثم العوده الى الدراسه
جلست فترة الشتاء بدون عمل ولادراسه , اتمتع بالذهاب الى البر والرحال والقنص الخفيف داخل قطر , لقد كانت قطر شيئا مختلفا عما تبدو عليه اليوم , حتى طلبني أبي يوما قائلا لي: لقد واجهت الاخ عبدالله بن ناصر السويدي وكان وزيرا للمواصلات وكلمته عنك فقال عندي وظيفة له فأبعثه الى مكتبي غدا صباحا"وخوال والدي للعلم رحمه الله من قبيلةالسودان الكريمه"
وبالفعل اخذني والدي صباحا الى سعادة عبدالله بن ناصر وزير المواصلات وتركني في مكتبه وكان رجلا كريما مهذبا من أهل قطر الاخيار صاحب دين وخلق , فوضع لي مكتب قريبا من مكتبه , وأوصى مدير مكتبه بالوكاله المرحوم علي بن حسن الخاطر ايجاد عمل مناسب لي, فكنت اقوم بمهمة تسجيل الوارد والصادر أولا ثم القيام بدور سكرتير مكتب الوزير في حالة غياب الاخ علي رحمه الله, قضيت عاما أو يزيد قليلا, ومن الطرائف التي لازلت أذكرها عن تلك الفتره :أنني قد ذهبت يوما لأودع الوزير رحمه الله وكنت برفقة إبنه الأكبر الاخ سلطان متعه اله بالصحه وبعد توديعه في المطار عدت لمكتبي وإذا بالفراش يفاجئني قائلا:الوزير يطلبك , قلت له , الوزير قد سافر , قال :لا هو في مكتبه فهرولت مسرعا لمكتب الوزير لأجد ابنه سلطان وقد إحتل كرسي الوزير فرحب بي وقال إذا اردت شيئا فأنا موجود , كان شخصيه لطيفه , كثيرة المزاح.أذكر في ذلك الوقت مدير الطيران الاخ عمران الكواري الرجل الخلوق وكذلك الاخ اكبر الباكر وقد كان محاسبا , والاخ عبد العزيز النعيمي وقد كان مديرا لمطار الدوحه والمرحوم محمد سيف المعضادي مدير البريد, كانت كلية التربيه في بداية تحولها الى جامعة قطر , ففكرت الامر مليا وذهبت خلسة من العمل أسأل عن طريقة الالتحاق بها, فإذا بي أجد الترحاب الشديد وسهولة الاجراءات مجرد موافقه من العمل مع بقاء راتبك منه بالاضافه الى راتب تتقاضاه من الجامعه, فذهبت مباشره الى احد أصدقائي المقربين وهو محمد بن ناصر الكعبي وكان منتدبا من الخارجيه لمكتب الشيخ سحيم رحمه الله الخاص, فذكرت له ماسمعت فرحب هو الآخر , وكنا على وشك بداية الفصل الثاني للسنه الدراسيه الجامعيه وتوجهنا بعد حصولنا على موافقة طرفي العمل لكلينا الى الجامعه, وحضرت اول محاضرة وقد كانت في علم الاجتماع لدكتور اثر فيً كثيرا هو الدكتور سيد الحسيني" ولازلت اذكر كلماته الاولى" الفلاح حرُ في المجتمع الراسمالي لكنه فقير" فشعرت وكأنني وجدت ضالتي
إنتهى الفصل
تخرجت من الثانويه بمجموع جيد 75% وكانت الامتحانات في حينه تُصحح في جمهورية مصر العربيه والنتائج تأخذ وقتا طويلا لكي تٌعلن من خلال المذياع كان ذلك في السنه الدراسيه لعام 74-75 وكنت قد قمت بإعادة العام الأخير لأنني لم أحصل على المجموع اللائق للحصول على بعثه. في عامىُ الاخيرين بدأت مادة الفلسفه تستهويني أكثر من غيرها , مع الاستاذين الكريمين سليمان الستاوي وسعيد أبوزيد, لاحظت انها تساؤل مستمر ودائم , مما إنعكس على شخصيتي المتسائله بإستمرار فيما بعد. على كل حال, كان نصيبي من البعثات الجمهوريه اللبنانيه والدراسه في أحد جامعاتها, وكنت في حينها في لبنان مع العائله في لبنان في فصل الصيف من ذلك العام, كنت أحلم بمصر , مصر التي في خاطري, وكان أخي الذي يكبرني عبدالله قد عُين ملحقا ومن ثم قنصلا في سفارة قطر في القاهره, مما ضاعف الامل والشوق فيني للدراسة في القاهره , وعلمت أن الشيخ جاسم بن حمد رحمه الله كان يصطاف في لبنان في ذلك العام كذلك , فذهبت انا والوالد إليه لكي نطلب منه تغيير اتجاه البعثه من لبنان الى مصر, فلم نتمكن حيث لم تسمح لنا الظروف بذلك , فنصحني والدي بالرجوع الى قطر والذهاب إلى عمي عبدالرحمن بن خالد الخاطر أطال الله في عمره رئيس الديوان الاميري في ذلك الوقت, وبالفعل رجعت الى قطر وقابلت عمي العزيز , وبعدها بعدة أيام إتصل سعادة الاخ عبد العزيز بن عبدالله بن تركي السبيعي وزير التربيه والتعليم الاسبق والتربوي المعروف وكان وقتها على ما أذكرُ مديرا لمكتب الشيخ جاسم إن لم تخني الذاكره وهو بالمناسبه إبن خالي الشيخ عبدالله بن تركي السبيعي أحد رواد النهضه التعليميه في قطر في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم., قائلا: لقد وافق الشيخ جاسم الى ابتعاثك الى الجهه التي تريد والتخصص الذي ترغب , لم اتمالك فرحتي , سأذهب الى القاهره التي طالما إستمعت الى مذياعها وأناشيد عبدالوهاب الوطنيه مثل "دقت ساعة العمل" وحي على الفلاح " وأخي جاوز الظالمون المدى" فأخترت جامعة القاهره وتخصص سياسة وإقتصاد , أنهيت ترتيباتي في نوفمبر من ذلك العام وتوجهت بالطائره لأول مره الى مصر, وكان أخي العزيز عبدالله في استقبالي وأخذني الى شقته في شارع جامعة الدول العربيه.
كانت شقة أخي عبدالله موئلا لجميع اهل قطر فهو إنسان منفتح ولم يكن قد تزوج بعد, ويجتمع عنده دائماالطلبه والدبلوماسيين وغيرهم . فأسر إلي قائلا: عبدالعزيز انت طالب وأجواء الشقه لاتساعدك على أدائك لمهامك كطالب بصوره مرضيه من الافضل أن تسكن مع أحد الطلبه , فوافقت على ذلك فورا , وفعلا سكنت مع الاخوين العزيزين سلطان بن عبدالله السويدي وكيل وزارة العدل حاليا , والاخ عيد بن حمد العوامي الهاجري الذي يعمل في ادارة التخطيط العمراني في شقة متواضعه في شارع شعبي اسمه سليمان جوهر . لكنني كنت أشعر بخيبة أمل لم أُفق منها الا حين غادرت مصر , لم أرى مايدل على قليل مما كنت أتصور, كانت مصر للتوء خارجة من حرب أكتوبر والحاله الاقتصاديه في غاية التدهور, ولكني الذي شكل لي صدمة أكبر هو مستوى التعامل الردىء والازعاج الشديد في الشوارع والطرقات , وزاد الطين بلة , قاعة المحاضرات في الجامعه , تكدس رهيب وازعاج ولايكاد الاستاذ يرُى ولا يكاد يسمع البته, فكانت صدمتي الثقافيه كبيره , وأصبت بإحباط شديد وأدركت ان ماكنت اشاهده من خلال الافلام العربيه والدعايه السياسيه لم يكن حقيقيا, مع احتفاظي وإيماني بدور مصر ودور قيادتها في ريادة الأمه العربيه, أيقنت انه لايمكنني الاستمرار في الدراسه رغم محاولات الاخوان , وكنت اتطلع الى العوده الى الدوحه وإيجاد البديل لكنني لم أستطع أن أصرح لأخي عبدالله بذلك , وكان معي الاخ سلمان بن خالد بن حسن الثاني , وعبدالله حسين الجابر سفيرنا في هنغاريا حاليا والاخ حسن قاسم درويش التاجر ابن التاجر المعروف , كنت أقف في البلكونه لاشاهد طائرة طيران الخليج عائده الى الدوحه حسب تهيؤاتي, لانني كنت أفكر كذلك في الربيع والبر والرحلات , عشت صراعا نفسيا طوال تلك المده حتى علمت أن سيارة أخي عبدالله قد تعرضت لحادث كُسر على أثره الزجاج الامامي وكان يقودها الاخ عبدالله شريم رحمه الله وكان احد الطلبه حينئذ, وسررت أن الزجاج المطلوب غير متوافر في القاهره وبالتالي يجب إحضاره أو جلبه من الدوحه وعرضت على اخي عبدالله استعدادي للقيام بذلك مخبئا في نفسي أمرا آخر, كأن اخي العزيز عبدالله قد تردد مبدئيا إلا أنه وافق اخيرا , نمت تلك الليله نوما هادئا , حلمت اثناءه بروضة"العقوريات" وهي روضه كبيره مقابله للنصرانيه نرتادها دائما في كل فصل ربيع وشتاء كشباب , ويسكنها حاليا مخيما لسمو الامير الوالد حفظه الله. عدت الى الدوحه مشتاقا كأني قد غبت عنها اعواما وكل الفتره التي قضيتها في مصر لاتتعدى الثلاثة أشهر. فلما اخبرت والدي بأنني لااستطيع العوده للدراسه في مصر قال لي رحمه الله: خذ العلم وأترك أي شى آخر , قلت له :لاأستطيع العوده الى مصر طالبا , فسكت ثم قال إذا دورك على شغل.
10- العمل ثم العوده الى الدراسه
جلست فترة الشتاء بدون عمل ولادراسه , اتمتع بالذهاب الى البر والرحال والقنص الخفيف داخل قطر , لقد كانت قطر شيئا مختلفا عما تبدو عليه اليوم , حتى طلبني أبي يوما قائلا لي: لقد واجهت الاخ عبدالله بن ناصر السويدي وكان وزيرا للمواصلات وكلمته عنك فقال عندي وظيفة له فأبعثه الى مكتبي غدا صباحا"وخوال والدي للعلم رحمه الله من قبيلةالسودان الكريمه"
وبالفعل اخذني والدي صباحا الى سعادة عبدالله بن ناصر وزير المواصلات وتركني في مكتبه وكان رجلا كريما مهذبا من أهل قطر الاخيار صاحب دين وخلق , فوضع لي مكتب قريبا من مكتبه , وأوصى مدير مكتبه بالوكاله المرحوم علي بن حسن الخاطر ايجاد عمل مناسب لي, فكنت اقوم بمهمة تسجيل الوارد والصادر أولا ثم القيام بدور سكرتير مكتب الوزير في حالة غياب الاخ علي رحمه الله, قضيت عاما أو يزيد قليلا, ومن الطرائف التي لازلت أذكرها عن تلك الفتره :أنني قد ذهبت يوما لأودع الوزير رحمه الله وكنت برفقة إبنه الأكبر الاخ سلطان متعه اله بالصحه وبعد توديعه في المطار عدت لمكتبي وإذا بالفراش يفاجئني قائلا:الوزير يطلبك , قلت له , الوزير قد سافر , قال :لا هو في مكتبه فهرولت مسرعا لمكتب الوزير لأجد ابنه سلطان وقد إحتل كرسي الوزير فرحب بي وقال إذا اردت شيئا فأنا موجود , كان شخصيه لطيفه , كثيرة المزاح.أذكر في ذلك الوقت مدير الطيران الاخ عمران الكواري الرجل الخلوق وكذلك الاخ اكبر الباكر وقد كان محاسبا , والاخ عبد العزيز النعيمي وقد كان مديرا لمطار الدوحه والمرحوم محمد سيف المعضادي مدير البريد, كانت كلية التربيه في بداية تحولها الى جامعة قطر , ففكرت الامر مليا وذهبت خلسة من العمل أسأل عن طريقة الالتحاق بها, فإذا بي أجد الترحاب الشديد وسهولة الاجراءات مجرد موافقه من العمل مع بقاء راتبك منه بالاضافه الى راتب تتقاضاه من الجامعه, فذهبت مباشره الى احد أصدقائي المقربين وهو محمد بن ناصر الكعبي وكان منتدبا من الخارجيه لمكتب الشيخ سحيم رحمه الله الخاص, فذكرت له ماسمعت فرحب هو الآخر , وكنا على وشك بداية الفصل الثاني للسنه الدراسيه الجامعيه وتوجهنا بعد حصولنا على موافقة طرفي العمل لكلينا الى الجامعه, وحضرت اول محاضرة وقد كانت في علم الاجتماع لدكتور اثر فيً كثيرا هو الدكتور سيد الحسيني" ولازلت اذكر كلماته الاولى" الفلاح حرُ في المجتمع الراسمالي لكنه فقير" فشعرت وكأنني وجدت ضالتي
إنتهى الفصل
"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه-الحلقه الرابعه
8 – وعي الهزيمه وإنكار الذات
كنت في المجلس مع الوالد وبعض اهل الريان كالعاده بعد صلاة العصر حيث كنانجلس لتناول القهوه و الشاي, إلا أن اليوم كان مختلفا إنه الخامس من حزيران عام 76, وكانت مهمتي الذهاب بين حين وآخر لإستماع الى الاخبار من المذياع الكبير ذي البطاريه الزرقاء الضخمه خلفه والعوده الى المجلس لإخبارهم عن تطورات الحرب كما كنا نعتقد أولا , بينما هي في الحقيقه ضربة جوية قاصمه انتهت المعركه في الساعات الأولى, وفي كل مره أخبرهم بعدد الطائرات التي أسقطت لإسرائيل, واسمع كلمة "بعَدي"أي أحسنت من الجالسين , واستمر الوضع حتى إنفض المجلس قبيل المغرب , لنكتشف في اليوم التالي هزيمة بحجم الجبال الراسيه. كان المد القومي الناصري من القوه بحيث وحد الاجيال , فكبار السن كانوا أكثر حماسا من الشباب والصغار, لازلت اذكر الشاعر القطري الشعبي الكبير سعيد بن المحرول وهو يبكي الهزيمه , وعبدالناصر بعد ذلك , والمرحوم سالم بن على المحشادي " بوعشوان " وهو يرفض الهزيمه والمطروشي صالح وهو يكذب الاخبار من شدة إيمانه بالعروبه التي لاتُهزم, هؤلاء كانوا بعض رواد مجلس الوالد رحمهم الله جميعا, كانت الاحوال الاقتصاديه متواضعه جدا , لكن كانت الحياه تعقوم على المعنى أكثر من الماده, تفاعل اهل الريان مع الهزيمه بطريقه وطنيه بعيدا عن اي ايديولوجيا او تأنيب ضمير , وتطوع العديد منهم للذهاب للقتال مع صفوف المقاومه أذكر منهم الاخ فالح زويران الدوسري والاخ محسن سعيد السبيعي , كنت في صيف الانتقال من الابتدائيه الى الاعداديه, حيث قامت بعد ذلك حرب الاستنزاف التي ارهقت اسرائيل حتى عام 69 وطلب اسرائيل الهدنه , وفي عام 68 افتتحت إذاعة قطروكان يوم ثلاثاء على ما أذكروبصوت المذيع زهير قدوره شعور جميل احسست به تلك الليله وكأنها تتكلم بإسمي شخصيا. في تلك الاثناء كنت أمارس كرة القدم, في الريان الاأنني لم ألتحق بالنادي رسميا, وسبق للوالد على بن حمدالعطيه أطال الله في عمره أن طلب من أخي خالد إحضاري للتسجيل لنادي السد وبالفعل حضرت معه في منزل الوالد على , وغادرت بعد ذلك بمعية الامير الوالد وكان لايزال في الجيش الى مدرسة طارق بن زياد لمتابعة تمرين نادي السد , وسبق للأخ محمد بن مبارك وكان مسؤولا في نادي السد أن أقام عشاء لي برفقة أخي عبد الله ضمن هذا النطاق كذلك, إلا انني كنت ولا أزال لا أهوى ولا أحب الاضواء والشهره والظهور حتى إعتزلت الكره في عام 74, ربما بالامكان إطلاق مسمى رجل ظل علىً بأريحيه , الأمر الذي اضاع على كثيرا من الفرص في مجالات عديده على كل حال , كنت بالإضافة الى ذلك أستمع ليليا الى صوت العرب واتتبع باستمرار الاستعدادات للمعركه القادمه بين الأمة والعدو الاسرائيلي. وفي ليلة 28 من سبتمبر عام 70 كنت كالعاده في حوالى الساعه الثانية عشرة بعد منتصف الليل ,أستمع الى صوت العرب حيث قُطع الارسال , وتحدث المذيع عن بيان هام لنائب رئيس الجمهوريه محمد أنور السادات,فإذا بصوته الرخيم المتعب "فقدت الجمهورية العربية المتحده وفقدت الأمه العربيه , وفقدت الانسانية كلها , رجلا من أغلى الرجال ,أشجع الرجال هو الرئيس جمال عبد الناصر" لم استوعب الخبر لأنه صادم وبلا مقدمات, والكل حولى نائم والسكون يخيم وكنا ننام في غرفه كبيره أنا وأخواي فهد وتركي حفظهما الله, لم ادر ما أفعل وحتى الصباح وقت الفطور لم أتكلم حتى سالني والدي فبكيت وأخبرته فرد بإيمان عميق إنا لله وإنا إليه راجعون"
كان ذلك بعد أن انهيت الصف الثالث إعدادي وسانتقل الى المرحله الثانويه ولم يكن في قطر سوى ثانويه وحيده , هي ثانوية الدوحه في رأس بوعبود. السؤال الذي كنت اطرحه على نفسي , لكن كنت اخشى الاعلان عنه في حينه وفي تلك المرحله بالذات هو : هل كنا على صواب حين أنكرناالهزيمه ؟ وهي متحققه . كان والدي رحمه قد تم تعيينه مشرفا في إدارة الصحه العامه التى كانت تقوم بدور الوزاره في فريج عبدالعزيز, وكنت أذهب مع أخواي فهد وتركي في الصيف معه إلى المكتب , واذكر إضرابا لسائقي سيارات النظافه مطالبين بتحسين أجورهم, كان والدي رحمه الله من يفاوضهم للعوده للعمل مع النظر في طلباتهم.في الصف الأول الثانوي بمدرسة الدوحه الثانويه برأس أبي عبود كان المشوار طويلا من الريان الى المدرسه إلا ان الطرق كانت سالكه وميسره , وكان فصلنا يطل على فندق الخليج الذي كان في مرحلة الانشاء , وأذكر من زملاء ذلك الفصل محمد بن ناصر الكعبى السفير حاليا, والاخ محمد بن عيسى المهندي الوزير السابق, والاخ محمد بن مبارك المهندي السفير في الخارجيه والاخ سعيد بن زايد الخيارين رئيس المخابرات السابق.كان لي دور ثان في مادة الكيمياء في تلك السنه واجتزته وانتقلت للقسم الادبي في الثاني ثانوي حيث كنا مع حدث كبير وقاس على أهل قطر وأهل الريان بالاخص في بداية ذلك العام72 وفي شهر فبراير منه وهو غرق اليخت "الريان" بمن فيه ومعظمهم إن لم يكن كلهم من أهل الريان فكان الحادث المؤسف ريانيا بإمتياز, الأمر الذي سيتلوه حدثا سياسيا كبيرا وهو ماسمي بالحركه التصحيحيه وتولي الشيخ خليفه مقاليد الحكم في البلاد.
إنتهت الحلقه الرابعه
الاثنين، 29 سبتمبر 2014
"حول الإنسان وذاكرة المكان" يوميات ريانيه – الحلقه الثالثه
5_ الجغرافيا المغلقه
كان مايربطني بالدوحه هو الذهاب الى المدرسه صباحا أو الذهاب الى مستشفى الرميله عند الحاجه وأيام الأعياد حيث نستأجر تاكسيا وأذهب وبعض الاخوان إلى منطقه"البدع" حيث يسكن أخوالي " آل تركي" السبيع , وكان البدع عباره عن فريج ضيق الأزقه والممرات يسكنه السودان والربان وبعض العطيه وآخرين عموم, وأذكر أننا كنا نمر على جميع البيوت ما أمكن للحصول على العيديه ولانرجع الى الريان الا وقد كنا استنفذناها , حيث البحر قبل الكورنيش الحالي مجاور للبيوت وبعضنا يتعلم "الحداق" والبعض الآخر يقضى وقته على البحر أو أمام أحد االدكانين في البدع مع الاصحاب والاهل او الاقارب من الشبان في ذلك الوقت. في غير هذه المناسبات المحدده كنا محكومين بجغرافية الريان صيفا وشتاء ماعدا الخروج للبر أو للبحر . كان للريان طبيعة خاصه وهي على ما أعتقد التي أعطته هذا المسمى الجميل فهو محاط تقريبا بالمزارع و حتى كنا نستيقظ باكرا على أصوات ماكينات جلب المياه في هذه المزارع وبه العديد من برك السباحه ففي بعض المزارع هناك أكثر بركه ,نقضى أوقاتنا صيفا في السباحة فيها وفي صيد الطيور , وكنا نواجه ممانعه ورفض أحيانا من المشتغلين فيها من أهل عمان أو البلوش ,وكان زرع الشيوخ موكولا به رجل من أهل الحوطه أسمه "إبن غميان" ومعه على العقيلي رحمه الله والد عبد الرحمن العقيلي رئيس شركة البريد حاليا وكان والدي يمتلك مزرعه في غرافة الريان داخل سور المدينه التعليميه الآن بها بركتان للسباحه , في الليل ليس هناك سوى جلعة "قلعة " عبدالله بن جاسم الذي يسكنها حفيده الشيخ جاسم الذي كان يحبه محبة خاصه حتى أنه كان يدعي بأسمه جاسم بن عبدالله وهو جاسم بن على بن عبدالله , لكنها ليس لمن كان في مثل سني حيث انني كنت صغيرا بالنسبة لأولاد الشيخ فأحيانا يسمحون لمن هم في سني بالدخول واحيان لايسمحون او ان يضعوا شروطا لذلك كسؤالك إن كنت تحب فريد الاطرش الذي يحبه الشيخ حمد بن جاسم أو عبدالحليم حافظ الذي يحبه الشيخ خليفه رحمه الله فإذا كان أحدهما على الباب وأجبت بما لايحبه لن تدخل لتشاهد الفيلم. وكان اشهر الافلام فيلم مغامرات عنتره بن شداد بطولة سراج منير وكوكا و وكان يعرض باستمرار بالاضافه الى فلم آخر فظيع أسمه "لص بغداد" لاادري ماجنسيته أو من هم ابطاله , كان في بيتنا "دجه" أو دكه خارجيه للجلوس عليها في الليل حيث الهدوء التام والسكون الجميل, ومعظم بيوت اهل قطر كانت تحتوي على "دكيك"حيث لم يكن الضيق معقولا والمساحات خاليه والفضاء واسع. بالاضافه الى المجلس بالطبع , تلفزيون ارامكو أدخل وعيا جديدا , فلم يكن في المنطقه سوى تلفزيون الكويت وكان إرساله ضعيفا ونادرا مايكون واضحا ومستمرا , حين كنا نتشوق لمسلسل "أبو جسوم" الشهير في تلك الايام ,أما تلفزيون ارامكو من الظهران فكان من الممكن مشاهدته بشكل شبه منتظم, وكان حقيقة على قدر من التخطيط الواعي لثقافة المنطقه كانت كانت جميع افلامه مدبلجه تماما باللغه العربيه, كما أنه ذو اجنده ثقافيه فهناك برنامج "زاوية الكتب" لاسماعيل ناظر, وهناك "بابا حطاب برنامجا للأطفال ,هناك ايضا المصارعه الحره التي إمتلكت قلوب الكبار"الشيبان" في ذلك الوقت وكأنهم ملًوا من دعة الحياه وسكونها ويريدون استرجاع أيامهم الاولى في مصارعة البحر بحثا عن اللؤلؤ, من كثر ما كانوا حريصون على متابعة المصارعه الحره, ولازلت أذكر أسماء بعض مذيعي ذلك التلفزيون وهما عيسى الجودر من البحرين وعثمان الورثان من السعوديه. ايضا كان نجمنا في تلك الايام فريد شوقي واحمد رمزي ومن ثم رشدي أباظه , وكان أحدانا يخبر الاخير إذا ما استعلم عن موعدا لعرض فلم لفريد شوقي , ليقوم بإصلاح الأريل "الهوائي" وتوجيهه الوجه السليمه ليتمتع بمشاهده مثيره وممتعه تمتص انفعالاته الداخليه ليستلقي في فراشه ساكنا مستسلما للحظات من النوم الهانىء. ولم يكن يمر وقتا طويلا حتى نظفر بعزيمه أو يقيم الوالد عزيمه , كان ذلك سلوكا حميدا فهناك العائد من السفر وهناك الحاج الراجع من البيت الحرام وهناك الوافد الجديد , وهناك من رزق للتوء بولد وهكذا.
6- البعثات الدراسيه والصدمه
شرعت الدوله بارسال بعثات للخارج والى امريكا بالذات ومصر وبيروت وبعض الدول العربيه الاخرى وبريطانيا التي كان نظامها في ذلك الوقت صعبا , فتحول معظم طلبتها الى الولايات المتحده الامريكيه و ولايحق للطالب الرجوع في اجازه الا بعد عامين من الدراسه مما شكل صدمه كبيره فلم يقوى على ذلك سوى القليل,فعاد الكثيرون أو انتقلوا الى جامعات عربيه قريبه ثم كانت صدمه اخرى تمثلت في استيعاب البعض للحياه وسهولتها عل حساب الدراسه فأستمروا طويلا ولم يكملوا إلا أن هناك من أبلى بلاء حسنا
كان المجتمع حريصا على تجانسه الى حد كبير وعلى زيه, حتى انني مره حاولت ان أقلد لبسة المطرب الكويتي الذي رحل مؤخرا عبد الحليم السيد في طريقة لبسته للغتره "الترينمبه" بعد أن اعجبت بإغنيته "هيله يارمانه" فنهرني والدي قائلا "هذه ليست لك ولا لأمثالك" كان يظهر تماسك المجتمع بشكل خاص في احتفالاته وفي العرضات الجماعيه في المناطق واشهر عرضه اهل قطر في الريان امام قصر الحاكم في حينه الشيخ احمد بن علي رحمه الله , وكان من اشهر العارضين سعود الدليمي ومحمد بن زويران الدوسري واحمد بن يوسف الخاطرو أما اشهر الأدويه فهو الدواءالشعبي "العشرج" الذي نتجرعه مرضى وأصحاء لكي نتغيب عن المدرسه.
7- التهديد الجديد
أقام بعض اهل الريان المتحدرون من ثقافه اكثر إنفتاحا نتيجه لقضاء شطر من حياتهم في البحرين الشقيقه "صنادق" أكشاك ووضعوا أمامها طاولات وكراسي للعب الكيرم والدامه والورقه"الزنجفه" وتناول الشاي او المرطبات وسماع الاغاني عن طريق مايكروفونات مثبته فلجأنا إليها كشباب خاصه في عطله الصيف الطويله الممله, مما أغاظ حفيظه "الشيبان" واعتبروا ذلك خطرا على مستقبل ابنائهم فتنادوا محذرين ومتوعدين الابناء بأن لايذهبوا ولايجلسوا في هذه الاماكن , وأتذكر أنه في تلك الاثناء لأول مره أستمع الى كوكب الشرق السيده أم كلثوم وهي تشدو بأغنية "أمل حياتي" أما التهديد الخطير الثاني فكان إفتتاح نادي الريان, وكلمة نادي لها مدلول سىء لدى "شيبان الريان وقطر عموما وعانى المؤسسين للنادي من صعوبات وترحيل وشكوى بين الحين والاخر من الجيران وإعدام أي كرة تتعدى حدود النادي داخل بيوت الجيران ناهيك عن تحدي سابق كانوا يواجهونه بحزم وهو وجود قهاوي الهنود وتكاثرها حتى أصبحت "الكيمه" والسبجي" وهي أكلات هنديه هي للاطباق المضله لدينا وكان خوف الشيبان على اولادهم من سوء الخلق عند الجلوس فيها وصحبة السفهاء و"السرابيت " من الناس ,حيث كان النمط السائد تناول الاكل داخل البيت أو عند صديق أو قريب وليس في الشارع مما يعرض شخصية الانسان للاهتزاز في نظر الآخرين , في مثل هذه الجغرافيا المغلقه نشأنا , وقد كان المد القومي على أشده ولربما شكل هو كذلك لفتيان في اعمارنا تاريخا مغلقا إلا انه إستطاع ان يمس قلوب الكبار قبل الصغار فتحولت الحياه الى موقف حتى وإن كانت صعبه أو قاسيه طالما عصب الكرامه والعزه والأنفه لم يُمس.
إنتهت الحلقه الثالثه
"حول الإنسان وذاكرة المكان" يوميات ريانيه- الحلقه الثانيه
3- طابور الصباح وتعيش قطر
هذه كانت أول عباره نرددها في طابور الصباح المنتظم بعنايه وترتيب"تعيش قطر ..تعيش تعيش ...تعيش. وهي ما تسمى بتحية العلم واشهر من كان يؤديها المرحوم غانم بن على بن محمد المعاضيد , وشقيقي الكبير خالد بن محمد الخاطر,عندما كنت في الصف الاول والثاني كانت الجزائر وفلسطين هما قضيتا العرب الكبرى , وكانت كلمة الصباح لاتخرج عنهما بحال من الاحوال, وكان في مقابل الطابور في "ليوان" المدرسه رسمابارزا بعض الشىء ل"بن غوريون" رئيس وزراء إسرائيل في تلك الحقبه مخنوقا بحبل مشنقه ومن خلفه خارطة فلسطين الحبيبه , بعد الانتهاء من كلمة الصباح التي كانت تُعد بأهمية حضور الدروس وربما أكثر حيث يستمر الطابور وياخذ وقتا كافيا تكون المايكروفات قد نقلت كل حيثياته وتفاصيله الى جميع ارجاء الريان والمنطقه المحيطه بالمدرسه, ياتي دور التفتيش على اليدين ونظافتهما والاظافر وتقليمهما, فيبدا مربي كل فصل بالمرور على طلبته كإستعراض حرس الشرف يراقب وقوفهم ,وانتظامهم ونظافة أيديهم , ويتوقف عند المقصر أو المتكاسل منبها ومحذرا بعدم قبوله في الصف إذا تكرر منه ذلك مستقبلا. ثم يبدأ بعد إنصراف الطلبه الى صفوفهم اليوم الدراسي بالحصة الاولى وكانت ست حصص يوميا ما عدا يوم الخميس حيث كانت خمس حصص فقط.
كان معظم مدرسي تلك الحقبه في قطر من الاخوه المصريين والاخوه الفلسطينيين, اما الطلبه فجلهم قطريين ومع الوقت إلتحق بمدرستنا بعض الاخوه من البحرين الذين نزحوا الى قطر وسكنوا الريان أو غزه القريبة منه والتي هي اليوم مدينة خليفه الغربيه في الغالب. كان الوعي عموما في البحرين متقدما عنه في قطر, وخاصة الوعي القومي بالذات لذلك كانت اسماء الاخوه القادمين بالبحرين جديده نوعا ما على مجتمعنا التقليدي , على كل حال, كانت المدرسه تقدم لنا غذاءا تربويا متكاملا وليس فقط دروسا في المنهج المدرسي , فهناك مسرحيات وهناك تفاعلا مع الوضع العربي بشكل أشعرنا كطلبه بأننا نعيش العالم العربي كله بين جنباتنا ونحمل الهم الكبير من المحيط الى الخليج ضمن حقائبنا التي نحملها على ظهورنا متجهين الى مدارسنا, من اشهر المسرحيات التي لازلت اذكرها وربما كنت في حينه في الصف الثاني او الثالث, مسرحية"السيف والقلم" التى أدى فيها اخي عبدالله "السفير حاليا " دور القلم على مااعتقد في حين ادى الاخ على عبدالله المري "الدكتور في التوربينات حاليا" دور السيف , وهي ماخوذه من قصيدة المتنبىء المشهوره وبيته الاشهر :الخيل والليل والبيداء تعرفني.....والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ.
وفي أحد الايام وكنت في الصف الثالث الابتدائي وأعتقدأنه عام 63 ميلاديا وقبل طابور الصباح فوجئت بتظاهره تخرج من المدرسه يقودها الطلبه الاكبر سنا منا في الصفوف الخامس والسادس تتقدمهم صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر متجهين نحو شارع الريان القديم العام بين قصر الشيخ خالد بن حمد وبيت خالد بن عبد الله العطيه رحمه الله بعد ان اشاروا لمن هم في سني بالذهاب الى البيت. ولازلت اذكر الاخ راشد سلطان الذوادي يحمل صورة عبدالناصر في المقدمه
كانت المدرسه في حينه جزءا من النظام العربي ومن وعي الانسان العربي بذاته وبحقوقه ,كما كانت تقوم بدور إجتماعي وإقتصادي مهم وخطير, فعن طريقها كان الطلبه يتلقون المساعدات من كسوه سنويه كامله صيفا وشتاء بالاضافه الى رواتب شهريه بالاضافة كذلك الى تغذيه يوميه متمثله في توفير الالبان للطلبه بعد الحصه الثالثه وقبل الفسحه الرسميه بين الحصص.ومن الملاحظ أن عدد الطلبه القطريين وخاصة أهل الباديه قد تراجع قليلا بعد توقف المساعدات الاخرى مع الوقت ونجاح الدوله في ترسيخ مفهوم العلم ك قيمه في حد ذاته في ذلك الوقت, ولكن مالبث حتى عاد الجميع كبارا وصغارا يطلبون العلم في ذاته ولذاته.
لاحظت في تلك الاثناء تكًون نفسيه حاسده لدى بعض المدرسين من الاخوه العرب تظهر من خلال فلتات اللسان لحظة توزيع المعاشات الشهريه على الطلبه ومن خلال احاديثهم مع بعضهم البعض"مثل بيأخدوا فلوس وهم مش نافعين" أو خد معاشك وغور من وشي".
لايعني أنه لم تكن هناك مقاومه من بعض كبار السن لوجود المدرسه , فقد امتنع بعضهم من إدخال ابنائه المدرسه مدعيين أنها أصلا "مفسده", خلخلت المدرسه الوعي وأظهر التباين فيه بين أفراد المجتمع ,أما والدي فكان رحمه الله سباقا لإدخال أبنائه للمدرسه , فيما تلكأ البعض فاضاعوا سنينا على أولادهم , بعضهم تجاوزها أو إقتنصها والبعض الاخر لم يستطع .
أما بالنسبة للمرأه وتدريسها فقد أخذ المجتمع وقتا طويلا لكي يقتنع بتدريس البنت وأهمية ذلك بالنسبة لها وللمجتمع, وكانت لحظات صهر عنيفه للوعي التقليدي الذي يرى في المرأه كائنا ليس في حاجه للعلم بقدر حاجته للطاعه والانصياع لارادة المجتمع الذكوريه.
4- مدرسة قطر الإعداديه والوعي بالقطري الآخر.
بعد نيل الشهاده الابتدائيه محرزا المركز الثاني على دفعتي عام 67 بينما احرز المركز الاول الاخ سلمان ابراهيم الهجن شافاه الله, كان لابد من الانتقال الى مدرسة قطر الاعداديه في الدوحه , وهي المدرسه الوحيده الاعداديه في حينه على ما أذكر, هناك وجدنا مجتمعا طلابيا مختلفا نوعا وكما , بالاضافه الى الانتقال الى العاصمه من الضاحيه .كانت وسائل الاتصال المتاحه لنا كشباب شحيحه في ذلك الوقت ولم نكن نذهب الى الدوحه الا نادرا , ناهيك عن ذهابنا الى المناطق الاخرى من قطر كالشمال او الوكره ,كانت مدرسة قطر الاعداديه مجتمعا واسعا به جميع اطياف المجتمع القطري فإلتقينا بأهل شرق من قبائل قطر الكريمه كالسلطه والهتمي والخليفات , ومن قبائل الشمال الذين يسكنون القسم الداخلي من المهانده والكعبان والنعيم وغيرهم وكان بعض منهم يسكن الريان , لكن في قطر الاعداديه التقينا باطياف اوسع وأشمل من اهل قطر, تبدد الخوف من المدرس شيئا فشيئا مع انتقالنا الى الاعداديه في الدوحه ويمكن ارجاع ذلك لاتساع رقعة الضبط وبالتالي ارتخاءه,ماعدا أحد المدرسين ويدعى سعد الدين فقد كان شديدا وعنيفا وكنا نخافه في الصف الاول الاعدادي بدرجة كبيره, واراد الله يتوفى أحد الطلبه بحادث مأسوي عند خروج الباص من بوابة المدرسه الضيقه فيصدم رأسه الذي كان خارجا من النافذه يتحدث مع أحد الماره بالبوابه فيتوفى رحمه الله في الحال,مما جعل الاستاذ سعد الدين يبكي بكاء مرا عليه لان كان قاسيا عليه دائما معنفا إياه بسبب وبدون سبب , فيتفاجأ بسرعة رحيله. كانت الدوحه تمثل لمن هم في عمرنا في ذلك الوقت تمثل إغراء لايقاوم, فلم نكن نعرف في الريان سوى "المعاصر" جمع معصره, وبعض المطاعم الهنديه ,فأكتشفنا مطعم الفول بجانب البنك العربي , وكان الفول المدمس طبقا شهيا ولازال إلا انه احدث قفزه في الذائقه لدينا في ذلك الوقت, والمطعم الصومالي ايضا أعتقد ان كان في منطقة النجاده وطبق الكبده والآر كيك, كانت مدرسة قطر الاعداديه شاسعة المساحه ولم يكن بالامكان ضبط الطلبه من التسلل خارجها باي حال من الاحوال , وكان اشهر الاساتذه الذين يحاولون وقف هذا التسرب الطلاب استاذ سوداني أسمه الطيب على ما اعتقد و اما مدير المدرسه فهو السوري عادل كنعان واشهر المدرسين الملاكم المعتزل طه العطار وغازي الخطيب وكابتن النادي الاهلي المصري في الستينيات وجيه مصطفى ,اما اشهر المفوهين والخطباء في طابور الصباح فكان الاستاذ فتحي البلعاوي رحمه الله عضو منظمة التحرير الفلسطينيه فكان متمكنا من اللغه ويجيد الخطابه والتأثير في النفس.
من حسنات تلك المرحله أن الطالب لايطرد من الفصل ولا من الدراسه مهما تكرر رسوبه وإعادته للسنه الدراسيه, كان صحوة الضمير بالتعليم وأهميته تحتاج وقتا أطول في مجتمع محافظ لذلك كثير ممن أعاد السنه تنبه واستدرك وأكمل بنجاح وهم اليوم من حملة الشهادات العليا , والبعض الآخر تسرب مع الأسف خارج الدراسه ولكن تطور الدوله استوعبهم ضمن مؤسساتها الاخرى العسكرية منه بالأخص, لذلك تجد في الفصل مراحل عمريه متفاوته ومتباعده الأمر الذي لايقبل اليوم على كل حال, كانت تلك المرحله مرحلة نضال ضد العدو الصهيوني وكان النظام التعليمي العربي عامة معبأ بروح قوميه نضاليه ضد الصهاينه واحتلالهم وتدنيسهم للقدس ولازلت اذكر زيارة المناضله من الجبهه الشعبيه الفلسطينيه السيده ليلى خالد لنا في المدرسه والتفافنا حولها وهي تشرح لنا عن كيفية اختطافهاوزملائها للطائرات محاولة منهم للفت نظر الرأي العام العالمي, ولازلت اذكر صوت أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينيه قبل ياسر عرفات رحمهما الله هادرا في استاد الدوحه وقد إمتلأ بأهل قطر جميعا. ,كانت تلك المرحلة تمثل في نظرى اكثر مراحل مجتمعنا القطري قربا لبعضه البعض , مع ذلك كان على النظام التعليمي مسؤوليه أكبر مما سبق حيث تزايد أعداد الطلبه بشكل ملحوظ سواء القطريين أم الوافدين من الاخوه العرب وبالذات الفلسطينيين ,وقبل تخرجي من الاعداديه صدرت مجلة العروبه المجله الاولى في قطر فكان يوم صدورها واعتقد انه يوم الخميس من كل إسبوع يوما مشهودا لي حيث كنت أنتظرها بفارغ الصبر.
ومن طرائف تلك الفتره أن سمعنا عن عرض فيلم "الدكتور جيفاكو" وهو عن الثوره البلشفيه و من بطولة عمر الشريف في سينما دخان , فذهب الاخ خالد سلمان الخاطر لمشاهدته ولم يكن ذلك امرا هينا في حينه , حيث دخان بعيدا نسبيا عن الريان وبينهما أرض قاحله شاسعه وطريق ضيق رصفته الشركه لاعمالها, فلما عاد الاخ خالد من دخان تجمعنا حوله واخذ يقص علينا قصة الفيلم ونحن نتابعه بشغف وأهتمام وكاننا نشاهد فلما سينمائيا.
إنتهت الحلقه الثانيه i>
الأحد، 28 سبتمبر 2014
"حول الإنسان وذاكرةالمكان" مذكرات -الحلقه الأولى
1- مدرسة الريان القديم الابتدائيه للبنين
"عساك حلَيت الوظيفه" أول سؤال نطرحه على بعضنا البعض كطلبه عند دخولنا الفصل لحصة الاستاذ/ برهان رفيق محمود مدرس اللغه العربيه أخو الشاعر المعروف معروف رفيق رحمه الله,والاستاذ برهان حىً لايزال يرزق أطال الله في عمره. من لم يفعل ذلك عليه ان يواجه"ست الكل" عصى الاستاذ الخيزرانيه التي يجيد استخدامها بمهارة وسرعه فائقه حتى يحيل يد الطالب إلى قطعة حمراء من الدم.
ليس هناك خيارا آخر للطالب أما الحضور مؤديا الواجبات أو التغيب متعذرا بشرب "العشرج" أو المرض ,وفي بعض الأحيان يبعث بطالب آخر لإحضار المتغيب من بيته نظرا لقرابته أو صلته الحميمة به ومعاقبته , إذا شك في مرضه. أخذت المدرسه دور الأب أو ولي الأمر. لقد سلم الآباء ابنائهم طائعين فرحين تسليما غير مشروط للمدرسه في هذه المرحله المفصليه من تاريخ قطر ,وأعني بدايه الستينيات من القرن الماض."لك اللحم ولنا العظم" هذه العباره سمعتها مرارا وتكرارا من العديد من الآباء القطريين في حينه وهم يحادثون مدير المدرسه في حينه " الاستاذ محمد أبو حزيمه" رحمه الله ذو الاحمرار الشديد في الوجه حتى قبل أن يتكلم مما يبعث الخوف في قلب الطالب بمجرد أن ينظر إليه حتى أن أحد الاخوه من شدة ارتعابه منه نسىً أسم والده عندما سأله عنه فقمت بتذكيره به." أحضر والدك" هي كلمته الدارجه لانقاش مع طالب يتأخر ولايقوم بواجباته المنزليه , حتى أن سلطة المدرس تعدت جدار المدرسه الى المجتمع والمحيط حولها , عندما يصل الى علم الاستاذ بأنك قمت بفعل مشين أو سىء خارج الدوام المدرسي. كانت المدرسه النظاميه وعيا جديدا لذلك الجيل خاصة في ضواحي مدينة الدوحه الهادئه نظرا لصرامة قوانينها ورغبة المجتمع الشديده في تعليم ابناؤهم. إختلفت المدرسه عن رحابة المجلس والحريه المتاحه فيه, بنظامها وقوانينها وبغربة جنسيات اساتذتها عن وعي الطلبه في حينه ,حيث لم يكن هناك في الريان في ذلك الوقت سوى أهل قطر وبعض "الصبيان" والمزارعين من جنسيات محدوده كالايرانيه والعمانيه , شكل دخول المدرسه نفسيه جديده لدى ىشباب ذلك الزمان من الطلبه وتحدي عليهم التعامل معه بشكل لم يعهدونه سواء في مجالسهم أو في عامة الفريج المتجانس والمتقارب بشكل تلقائي , فكان الحديث دائما عن المدرس الطيب , والمدرس الشديد الذي يجلب الخوف ويدخل الرعب بمجرد دخوله الفصل, واذكر هنا الاستاذ "زهير" ذو البنيه الضخمه والنظاره السميكه والبنطال الواسع الذي يقوم برفعه بين دقيقة واخرى وهو أول من إستخدم أسلوب "الفلقه" ضرب رجلي الطالب بعد استلقائه حتى الاحمرار والطلبه الاخرين يشهدون ذلك للإتعاظ فقد كان مصدر رعب وخوف وحصته كانت بلاء شديدا لاينقذنا منها سوى الجرس ,أما مثال الاستاذ الطيب المحبوب فقد كان المرحوم الاستاذ "محمد بديع قاسم" لهو ذكرى طيبه لدى جميع من درس في مدرسة الريان القديم , كنا نتلهف لدرسه ولمادته في العلوم والاجتماعيات ونقوم بأداء الواجبات حبا لاخوفا, بينما كان الاستاذ برهان وسطا بينهما الا انه كان كثير الصراخ في وجه الطلبه.
2-المطوع"حسن مراد" مطوع الشيوخ ومدرس بمرتبة الشرف.
جيلي والجيل الذي سبقني من اهل الريان يعرفه تمام المعرفه, فهو مطوع الشيخ جاسم بن على بن عبدالله ,شقيق الحاكم في حينه الشيخ أحمد بن علي رحمهما الله جميعا المطوع حسن مراد يصلي بالشيخ جاسم ويقرأ عليه الحديث يوميا على "الحبس" امام مجلسه حيث يجتمع كبار أهل الريان , فقام الشيخ جاسم رحمه الله بتعيينه مدرسا في المدرسه وراعيا ومشرفا لابنائه كذلك, فكان المطوع حسن رحمه الله يشعر بتفوق وبميزه عن جميع المدرسين كونه معين من قبل الشيخ جاسم مباشره وليس عن طريق وزارة المعارف في حينه. فاصبح مدرسا للقران والفقه, ولم يكن يلتزم بالنظام ولابالطابور وشهدته وهو يخترق الطابور نحو أحد الطلبه ويعنفه على فعل بدر منه في قصر الشيخ جاسم مساء حيث يلتقي الشباب لمشاهدة بعض الاقلام العربيه القديمه,, كان رحمه الله يخلط بين الفصل الدراسي والحياه الاجتماعيه خارجه خاصة اولئك الذين يرتادون قصر الشيخ جاسم سواء طلبه أو حتى آبائهم , فقد ينقل ملاحظه على أب شاهده في مجلس الشيخ لولده في المدرسه. كان رحمه الله بحكم وظيفته الاصليه وهي تدريس اولاد الشيخ ومراقبتهم والعناية بهم وعمله كمدرس رسمي في المدرسه يشكل تداخلا بين حياة المجتمع الصغير وطبيعة عمل المدرسه , فقد كان يشكل لنا كطلبه صغار لغزا محيرا لانعرف كيف ومتى سيفاجئنا بسؤال قد نقف أمامه حائرين لانستطيع الجواب أو الرد , رحمه الله, و بما أن أبنه المرحوم عبدالرحمن حسن مراد المسؤول عن تشغيل السينماء في قصر الشيخ مساء لعرض الافلام كذلك فقد إمتدت سلطته رحمه الله الى الجانب الترفيهي في حياة الطلبه أيضا , رحمه الله شكل حالة خاصه تشبه الى حد حالة وزير الأمير في تاريخنا العربي او بعض مراحله.
إلا أنني لاأزال أتذكر وبفخر شديد أول مدرس قطري رأيته وعرفه جيلي من أهل الريان وهو الاستاذ علي بن حسن الدرهم رحمه الله الذي كان مربيا للفصل الثاني والثالث الابتدائي وكان قريبا جدا من الاباء والأبناء الطلبه و لايمكن أن ينسى جيلي ذلك الاستاذ القطري الوحيد في حينه في مدرسة الريان الابتدائيه للبنين.
انتهت الحلقه الأولى
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)