الاثنين، 29 سبتمبر 2014
"حول الإنسان وذاكرة المكان" يوميات ريانيه- الحلقه الثانيه
3- طابور الصباح وتعيش قطر
هذه كانت أول عباره نرددها في طابور الصباح المنتظم بعنايه وترتيب"تعيش قطر ..تعيش تعيش ...تعيش. وهي ما تسمى بتحية العلم واشهر من كان يؤديها المرحوم غانم بن على بن محمد المعاضيد , وشقيقي الكبير خالد بن محمد الخاطر,عندما كنت في الصف الاول والثاني كانت الجزائر وفلسطين هما قضيتا العرب الكبرى , وكانت كلمة الصباح لاتخرج عنهما بحال من الاحوال, وكان في مقابل الطابور في "ليوان" المدرسه رسمابارزا بعض الشىء ل"بن غوريون" رئيس وزراء إسرائيل في تلك الحقبه مخنوقا بحبل مشنقه ومن خلفه خارطة فلسطين الحبيبه , بعد الانتهاء من كلمة الصباح التي كانت تُعد بأهمية حضور الدروس وربما أكثر حيث يستمر الطابور وياخذ وقتا كافيا تكون المايكروفات قد نقلت كل حيثياته وتفاصيله الى جميع ارجاء الريان والمنطقه المحيطه بالمدرسه, ياتي دور التفتيش على اليدين ونظافتهما والاظافر وتقليمهما, فيبدا مربي كل فصل بالمرور على طلبته كإستعراض حرس الشرف يراقب وقوفهم ,وانتظامهم ونظافة أيديهم , ويتوقف عند المقصر أو المتكاسل منبها ومحذرا بعدم قبوله في الصف إذا تكرر منه ذلك مستقبلا. ثم يبدأ بعد إنصراف الطلبه الى صفوفهم اليوم الدراسي بالحصة الاولى وكانت ست حصص يوميا ما عدا يوم الخميس حيث كانت خمس حصص فقط.
كان معظم مدرسي تلك الحقبه في قطر من الاخوه المصريين والاخوه الفلسطينيين, اما الطلبه فجلهم قطريين ومع الوقت إلتحق بمدرستنا بعض الاخوه من البحرين الذين نزحوا الى قطر وسكنوا الريان أو غزه القريبة منه والتي هي اليوم مدينة خليفه الغربيه في الغالب. كان الوعي عموما في البحرين متقدما عنه في قطر, وخاصة الوعي القومي بالذات لذلك كانت اسماء الاخوه القادمين بالبحرين جديده نوعا ما على مجتمعنا التقليدي , على كل حال, كانت المدرسه تقدم لنا غذاءا تربويا متكاملا وليس فقط دروسا في المنهج المدرسي , فهناك مسرحيات وهناك تفاعلا مع الوضع العربي بشكل أشعرنا كطلبه بأننا نعيش العالم العربي كله بين جنباتنا ونحمل الهم الكبير من المحيط الى الخليج ضمن حقائبنا التي نحملها على ظهورنا متجهين الى مدارسنا, من اشهر المسرحيات التي لازلت اذكرها وربما كنت في حينه في الصف الثاني او الثالث, مسرحية"السيف والقلم" التى أدى فيها اخي عبدالله "السفير حاليا " دور القلم على مااعتقد في حين ادى الاخ على عبدالله المري "الدكتور في التوربينات حاليا" دور السيف , وهي ماخوذه من قصيدة المتنبىء المشهوره وبيته الاشهر :الخيل والليل والبيداء تعرفني.....والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ.
وفي أحد الايام وكنت في الصف الثالث الابتدائي وأعتقدأنه عام 63 ميلاديا وقبل طابور الصباح فوجئت بتظاهره تخرج من المدرسه يقودها الطلبه الاكبر سنا منا في الصفوف الخامس والسادس تتقدمهم صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر متجهين نحو شارع الريان القديم العام بين قصر الشيخ خالد بن حمد وبيت خالد بن عبد الله العطيه رحمه الله بعد ان اشاروا لمن هم في سني بالذهاب الى البيت. ولازلت اذكر الاخ راشد سلطان الذوادي يحمل صورة عبدالناصر في المقدمه
كانت المدرسه في حينه جزءا من النظام العربي ومن وعي الانسان العربي بذاته وبحقوقه ,كما كانت تقوم بدور إجتماعي وإقتصادي مهم وخطير, فعن طريقها كان الطلبه يتلقون المساعدات من كسوه سنويه كامله صيفا وشتاء بالاضافه الى رواتب شهريه بالاضافة كذلك الى تغذيه يوميه متمثله في توفير الالبان للطلبه بعد الحصه الثالثه وقبل الفسحه الرسميه بين الحصص.ومن الملاحظ أن عدد الطلبه القطريين وخاصة أهل الباديه قد تراجع قليلا بعد توقف المساعدات الاخرى مع الوقت ونجاح الدوله في ترسيخ مفهوم العلم ك قيمه في حد ذاته في ذلك الوقت, ولكن مالبث حتى عاد الجميع كبارا وصغارا يطلبون العلم في ذاته ولذاته.
لاحظت في تلك الاثناء تكًون نفسيه حاسده لدى بعض المدرسين من الاخوه العرب تظهر من خلال فلتات اللسان لحظة توزيع المعاشات الشهريه على الطلبه ومن خلال احاديثهم مع بعضهم البعض"مثل بيأخدوا فلوس وهم مش نافعين" أو خد معاشك وغور من وشي".
لايعني أنه لم تكن هناك مقاومه من بعض كبار السن لوجود المدرسه , فقد امتنع بعضهم من إدخال ابنائه المدرسه مدعيين أنها أصلا "مفسده", خلخلت المدرسه الوعي وأظهر التباين فيه بين أفراد المجتمع ,أما والدي فكان رحمه الله سباقا لإدخال أبنائه للمدرسه , فيما تلكأ البعض فاضاعوا سنينا على أولادهم , بعضهم تجاوزها أو إقتنصها والبعض الاخر لم يستطع .
أما بالنسبة للمرأه وتدريسها فقد أخذ المجتمع وقتا طويلا لكي يقتنع بتدريس البنت وأهمية ذلك بالنسبة لها وللمجتمع, وكانت لحظات صهر عنيفه للوعي التقليدي الذي يرى في المرأه كائنا ليس في حاجه للعلم بقدر حاجته للطاعه والانصياع لارادة المجتمع الذكوريه.
4- مدرسة قطر الإعداديه والوعي بالقطري الآخر.
بعد نيل الشهاده الابتدائيه محرزا المركز الثاني على دفعتي عام 67 بينما احرز المركز الاول الاخ سلمان ابراهيم الهجن شافاه الله, كان لابد من الانتقال الى مدرسة قطر الاعداديه في الدوحه , وهي المدرسه الوحيده الاعداديه في حينه على ما أذكر, هناك وجدنا مجتمعا طلابيا مختلفا نوعا وكما , بالاضافه الى الانتقال الى العاصمه من الضاحيه .كانت وسائل الاتصال المتاحه لنا كشباب شحيحه في ذلك الوقت ولم نكن نذهب الى الدوحه الا نادرا , ناهيك عن ذهابنا الى المناطق الاخرى من قطر كالشمال او الوكره ,كانت مدرسة قطر الاعداديه مجتمعا واسعا به جميع اطياف المجتمع القطري فإلتقينا بأهل شرق من قبائل قطر الكريمه كالسلطه والهتمي والخليفات , ومن قبائل الشمال الذين يسكنون القسم الداخلي من المهانده والكعبان والنعيم وغيرهم وكان بعض منهم يسكن الريان , لكن في قطر الاعداديه التقينا باطياف اوسع وأشمل من اهل قطر, تبدد الخوف من المدرس شيئا فشيئا مع انتقالنا الى الاعداديه في الدوحه ويمكن ارجاع ذلك لاتساع رقعة الضبط وبالتالي ارتخاءه,ماعدا أحد المدرسين ويدعى سعد الدين فقد كان شديدا وعنيفا وكنا نخافه في الصف الاول الاعدادي بدرجة كبيره, واراد الله يتوفى أحد الطلبه بحادث مأسوي عند خروج الباص من بوابة المدرسه الضيقه فيصدم رأسه الذي كان خارجا من النافذه يتحدث مع أحد الماره بالبوابه فيتوفى رحمه الله في الحال,مما جعل الاستاذ سعد الدين يبكي بكاء مرا عليه لان كان قاسيا عليه دائما معنفا إياه بسبب وبدون سبب , فيتفاجأ بسرعة رحيله. كانت الدوحه تمثل لمن هم في عمرنا في ذلك الوقت تمثل إغراء لايقاوم, فلم نكن نعرف في الريان سوى "المعاصر" جمع معصره, وبعض المطاعم الهنديه ,فأكتشفنا مطعم الفول بجانب البنك العربي , وكان الفول المدمس طبقا شهيا ولازال إلا انه احدث قفزه في الذائقه لدينا في ذلك الوقت, والمطعم الصومالي ايضا أعتقد ان كان في منطقة النجاده وطبق الكبده والآر كيك, كانت مدرسة قطر الاعداديه شاسعة المساحه ولم يكن بالامكان ضبط الطلبه من التسلل خارجها باي حال من الاحوال , وكان اشهر الاساتذه الذين يحاولون وقف هذا التسرب الطلاب استاذ سوداني أسمه الطيب على ما اعتقد و اما مدير المدرسه فهو السوري عادل كنعان واشهر المدرسين الملاكم المعتزل طه العطار وغازي الخطيب وكابتن النادي الاهلي المصري في الستينيات وجيه مصطفى ,اما اشهر المفوهين والخطباء في طابور الصباح فكان الاستاذ فتحي البلعاوي رحمه الله عضو منظمة التحرير الفلسطينيه فكان متمكنا من اللغه ويجيد الخطابه والتأثير في النفس.
من حسنات تلك المرحله أن الطالب لايطرد من الفصل ولا من الدراسه مهما تكرر رسوبه وإعادته للسنه الدراسيه, كان صحوة الضمير بالتعليم وأهميته تحتاج وقتا أطول في مجتمع محافظ لذلك كثير ممن أعاد السنه تنبه واستدرك وأكمل بنجاح وهم اليوم من حملة الشهادات العليا , والبعض الآخر تسرب مع الأسف خارج الدراسه ولكن تطور الدوله استوعبهم ضمن مؤسساتها الاخرى العسكرية منه بالأخص, لذلك تجد في الفصل مراحل عمريه متفاوته ومتباعده الأمر الذي لايقبل اليوم على كل حال, كانت تلك المرحله مرحلة نضال ضد العدو الصهيوني وكان النظام التعليمي العربي عامة معبأ بروح قوميه نضاليه ضد الصهاينه واحتلالهم وتدنيسهم للقدس ولازلت اذكر زيارة المناضله من الجبهه الشعبيه الفلسطينيه السيده ليلى خالد لنا في المدرسه والتفافنا حولها وهي تشرح لنا عن كيفية اختطافهاوزملائها للطائرات محاولة منهم للفت نظر الرأي العام العالمي, ولازلت اذكر صوت أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينيه قبل ياسر عرفات رحمهما الله هادرا في استاد الدوحه وقد إمتلأ بأهل قطر جميعا. ,كانت تلك المرحلة تمثل في نظرى اكثر مراحل مجتمعنا القطري قربا لبعضه البعض , مع ذلك كان على النظام التعليمي مسؤوليه أكبر مما سبق حيث تزايد أعداد الطلبه بشكل ملحوظ سواء القطريين أم الوافدين من الاخوه العرب وبالذات الفلسطينيين ,وقبل تخرجي من الاعداديه صدرت مجلة العروبه المجله الاولى في قطر فكان يوم صدورها واعتقد انه يوم الخميس من كل إسبوع يوما مشهودا لي حيث كنت أنتظرها بفارغ الصبر.
ومن طرائف تلك الفتره أن سمعنا عن عرض فيلم "الدكتور جيفاكو" وهو عن الثوره البلشفيه و من بطولة عمر الشريف في سينما دخان , فذهب الاخ خالد سلمان الخاطر لمشاهدته ولم يكن ذلك امرا هينا في حينه , حيث دخان بعيدا نسبيا عن الريان وبينهما أرض قاحله شاسعه وطريق ضيق رصفته الشركه لاعمالها, فلما عاد الاخ خالد من دخان تجمعنا حوله واخذ يقص علينا قصة الفيلم ونحن نتابعه بشغف وأهتمام وكاننا نشاهد فلما سينمائيا.
إنتهت الحلقه الثانيه i>
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق