المرحله الجامعيه وصدمة الوعي القومي 9-
تخرجت من الثانويه بمجموع جيد 75% وكانت الامتحانات في حينه تُصحح في جمهورية مصر العربيه والنتائج تأخذ وقتا طويلا لكي تٌعلن من خلال المذياع كان ذلك في السنه الدراسيه لعام 74-75 وكنت قد قمت بإعادة العام الأخير لأنني لم أحصل على المجموع اللائق للحصول على بعثه. في عامىُ الاخيرين بدأت مادة الفلسفه تستهويني أكثر من غيرها , مع الاستاذين الكريمين سليمان الستاوي وسعيد أبوزيد, لاحظت انها تساؤل مستمر ودائم , مما إنعكس على شخصيتي المتسائله بإستمرار فيما بعد. على كل حال, كان نصيبي من البعثات الجمهوريه اللبنانيه والدراسه في أحد جامعاتها, وكنت في حينها في لبنان مع العائله في لبنان في فصل الصيف من ذلك العام, كنت أحلم بمصر , مصر التي في خاطري, وكان أخي الذي يكبرني عبدالله قد عُين ملحقا ومن ثم قنصلا في سفارة قطر في القاهره, مما ضاعف الامل والشوق فيني للدراسة في القاهره , وعلمت أن الشيخ جاسم بن حمد رحمه الله كان يصطاف في لبنان في ذلك العام كذلك , فذهبت انا والوالد إليه لكي نطلب منه تغيير اتجاه البعثه من لبنان الى مصر, فلم نتمكن حيث لم تسمح لنا الظروف بذلك , فنصحني والدي بالرجوع الى قطر والذهاب إلى عمي عبدالرحمن بن خالد الخاطر أطال الله في عمره رئيس الديوان الاميري في ذلك الوقت, وبالفعل رجعت الى قطر وقابلت عمي العزيز , وبعدها بعدة أيام إتصل سعادة الاخ عبد العزيز بن عبدالله بن تركي السبيعي وزير التربيه والتعليم الاسبق والتربوي المعروف وكان وقتها على ما أذكرُ مديرا لمكتب الشيخ جاسم إن لم تخني الذاكره وهو بالمناسبه إبن خالي الشيخ عبدالله بن تركي السبيعي أحد رواد النهضه التعليميه في قطر في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم., قائلا: لقد وافق الشيخ جاسم الى ابتعاثك الى الجهه التي تريد والتخصص الذي ترغب , لم اتمالك فرحتي , سأذهب الى القاهره التي طالما إستمعت الى مذياعها وأناشيد عبدالوهاب الوطنيه مثل "دقت ساعة العمل" وحي على الفلاح " وأخي جاوز الظالمون المدى" فأخترت جامعة القاهره وتخصص سياسة وإقتصاد , أنهيت ترتيباتي في نوفمبر من ذلك العام وتوجهت بالطائره لأول مره الى مصر, وكان أخي العزيز عبدالله في استقبالي وأخذني الى شقته في شارع جامعة الدول العربيه.
كانت شقة أخي عبدالله موئلا لجميع اهل قطر فهو إنسان منفتح ولم يكن قد تزوج بعد, ويجتمع عنده دائماالطلبه والدبلوماسيين وغيرهم . فأسر إلي قائلا: عبدالعزيز انت طالب وأجواء الشقه لاتساعدك على أدائك لمهامك كطالب بصوره مرضيه من الافضل أن تسكن مع أحد الطلبه , فوافقت على ذلك فورا , وفعلا سكنت مع الاخوين العزيزين سلطان بن عبدالله السويدي وكيل وزارة العدل حاليا , والاخ عيد بن حمد العوامي الهاجري الذي يعمل في ادارة التخطيط العمراني في شقة متواضعه في شارع شعبي اسمه سليمان جوهر . لكنني كنت أشعر بخيبة أمل لم أُفق منها الا حين غادرت مصر , لم أرى مايدل على قليل مما كنت أتصور, كانت مصر للتوء خارجة من حرب أكتوبر والحاله الاقتصاديه في غاية التدهور, ولكني الذي شكل لي صدمة أكبر هو مستوى التعامل الردىء والازعاج الشديد في الشوارع والطرقات , وزاد الطين بلة , قاعة المحاضرات في الجامعه , تكدس رهيب وازعاج ولايكاد الاستاذ يرُى ولا يكاد يسمع البته, فكانت صدمتي الثقافيه كبيره , وأصبت بإحباط شديد وأدركت ان ماكنت اشاهده من خلال الافلام العربيه والدعايه السياسيه لم يكن حقيقيا, مع احتفاظي وإيماني بدور مصر ودور قيادتها في ريادة الأمه العربيه, أيقنت انه لايمكنني الاستمرار في الدراسه رغم محاولات الاخوان , وكنت اتطلع الى العوده الى الدوحه وإيجاد البديل لكنني لم أستطع أن أصرح لأخي عبدالله بذلك , وكان معي الاخ سلمان بن خالد بن حسن الثاني , وعبدالله حسين الجابر سفيرنا في هنغاريا حاليا والاخ حسن قاسم درويش التاجر ابن التاجر المعروف , كنت أقف في البلكونه لاشاهد طائرة طيران الخليج عائده الى الدوحه حسب تهيؤاتي, لانني كنت أفكر كذلك في الربيع والبر والرحلات , عشت صراعا نفسيا طوال تلك المده حتى علمت أن سيارة أخي عبدالله قد تعرضت لحادث كُسر على أثره الزجاج الامامي وكان يقودها الاخ عبدالله شريم رحمه الله وكان احد الطلبه حينئذ, وسررت أن الزجاج المطلوب غير متوافر في القاهره وبالتالي يجب إحضاره أو جلبه من الدوحه وعرضت على اخي عبدالله استعدادي للقيام بذلك مخبئا في نفسي أمرا آخر, كأن اخي العزيز عبدالله قد تردد مبدئيا إلا أنه وافق اخيرا , نمت تلك الليله نوما هادئا , حلمت اثناءه بروضة"العقوريات" وهي روضه كبيره مقابله للنصرانيه نرتادها دائما في كل فصل ربيع وشتاء كشباب , ويسكنها حاليا مخيما لسمو الامير الوالد حفظه الله. عدت الى الدوحه مشتاقا كأني قد غبت عنها اعواما وكل الفتره التي قضيتها في مصر لاتتعدى الثلاثة أشهر. فلما اخبرت والدي بأنني لااستطيع العوده للدراسه في مصر قال لي رحمه الله: خذ العلم وأترك أي شى آخر , قلت له :لاأستطيع العوده الى مصر طالبا , فسكت ثم قال إذا دورك على شغل.
10- العمل ثم العوده الى الدراسه
جلست فترة الشتاء بدون عمل ولادراسه , اتمتع بالذهاب الى البر والرحال والقنص الخفيف داخل قطر , لقد كانت قطر شيئا مختلفا عما تبدو عليه اليوم , حتى طلبني أبي يوما قائلا لي: لقد واجهت الاخ عبدالله بن ناصر السويدي وكان وزيرا للمواصلات وكلمته عنك فقال عندي وظيفة له فأبعثه الى مكتبي غدا صباحا"وخوال والدي للعلم رحمه الله من قبيلةالسودان الكريمه"
وبالفعل اخذني والدي صباحا الى سعادة عبدالله بن ناصر وزير المواصلات وتركني في مكتبه وكان رجلا كريما مهذبا من أهل قطر الاخيار صاحب دين وخلق , فوضع لي مكتب قريبا من مكتبه , وأوصى مدير مكتبه بالوكاله المرحوم علي بن حسن الخاطر ايجاد عمل مناسب لي, فكنت اقوم بمهمة تسجيل الوارد والصادر أولا ثم القيام بدور سكرتير مكتب الوزير في حالة غياب الاخ علي رحمه الله, قضيت عاما أو يزيد قليلا, ومن الطرائف التي لازلت أذكرها عن تلك الفتره :أنني قد ذهبت يوما لأودع الوزير رحمه الله وكنت برفقة إبنه الأكبر الاخ سلطان متعه اله بالصحه وبعد توديعه في المطار عدت لمكتبي وإذا بالفراش يفاجئني قائلا:الوزير يطلبك , قلت له , الوزير قد سافر , قال :لا هو في مكتبه فهرولت مسرعا لمكتب الوزير لأجد ابنه سلطان وقد إحتل كرسي الوزير فرحب بي وقال إذا اردت شيئا فأنا موجود , كان شخصيه لطيفه , كثيرة المزاح.أذكر في ذلك الوقت مدير الطيران الاخ عمران الكواري الرجل الخلوق وكذلك الاخ اكبر الباكر وقد كان محاسبا , والاخ عبد العزيز النعيمي وقد كان مديرا لمطار الدوحه والمرحوم محمد سيف المعضادي مدير البريد, كانت كلية التربيه في بداية تحولها الى جامعة قطر , ففكرت الامر مليا وذهبت خلسة من العمل أسأل عن طريقة الالتحاق بها, فإذا بي أجد الترحاب الشديد وسهولة الاجراءات مجرد موافقه من العمل مع بقاء راتبك منه بالاضافه الى راتب تتقاضاه من الجامعه, فذهبت مباشره الى احد أصدقائي المقربين وهو محمد بن ناصر الكعبي وكان منتدبا من الخارجيه لمكتب الشيخ سحيم رحمه الله الخاص, فذكرت له ماسمعت فرحب هو الآخر , وكنا على وشك بداية الفصل الثاني للسنه الدراسيه الجامعيه وتوجهنا بعد حصولنا على موافقة طرفي العمل لكلينا الى الجامعه, وحضرت اول محاضرة وقد كانت في علم الاجتماع لدكتور اثر فيً كثيرا هو الدكتور سيد الحسيني" ولازلت اذكر كلماته الاولى" الفلاح حرُ في المجتمع الراسمالي لكنه فقير" فشعرت وكأنني وجدت ضالتي
إنتهى الفصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق