الاثنين، 29 سبتمبر 2014
"حول الإنسان وذاكرة المكان" يوميات ريانيه – الحلقه الثالثه
5_ الجغرافيا المغلقه
كان مايربطني بالدوحه هو الذهاب الى المدرسه صباحا أو الذهاب الى مستشفى الرميله عند الحاجه وأيام الأعياد حيث نستأجر تاكسيا وأذهب وبعض الاخوان إلى منطقه"البدع" حيث يسكن أخوالي " آل تركي" السبيع , وكان البدع عباره عن فريج ضيق الأزقه والممرات يسكنه السودان والربان وبعض العطيه وآخرين عموم, وأذكر أننا كنا نمر على جميع البيوت ما أمكن للحصول على العيديه ولانرجع الى الريان الا وقد كنا استنفذناها , حيث البحر قبل الكورنيش الحالي مجاور للبيوت وبعضنا يتعلم "الحداق" والبعض الآخر يقضى وقته على البحر أو أمام أحد االدكانين في البدع مع الاصحاب والاهل او الاقارب من الشبان في ذلك الوقت. في غير هذه المناسبات المحدده كنا محكومين بجغرافية الريان صيفا وشتاء ماعدا الخروج للبر أو للبحر . كان للريان طبيعة خاصه وهي على ما أعتقد التي أعطته هذا المسمى الجميل فهو محاط تقريبا بالمزارع و حتى كنا نستيقظ باكرا على أصوات ماكينات جلب المياه في هذه المزارع وبه العديد من برك السباحه ففي بعض المزارع هناك أكثر بركه ,نقضى أوقاتنا صيفا في السباحة فيها وفي صيد الطيور , وكنا نواجه ممانعه ورفض أحيانا من المشتغلين فيها من أهل عمان أو البلوش ,وكان زرع الشيوخ موكولا به رجل من أهل الحوطه أسمه "إبن غميان" ومعه على العقيلي رحمه الله والد عبد الرحمن العقيلي رئيس شركة البريد حاليا وكان والدي يمتلك مزرعه في غرافة الريان داخل سور المدينه التعليميه الآن بها بركتان للسباحه , في الليل ليس هناك سوى جلعة "قلعة " عبدالله بن جاسم الذي يسكنها حفيده الشيخ جاسم الذي كان يحبه محبة خاصه حتى أنه كان يدعي بأسمه جاسم بن عبدالله وهو جاسم بن على بن عبدالله , لكنها ليس لمن كان في مثل سني حيث انني كنت صغيرا بالنسبة لأولاد الشيخ فأحيانا يسمحون لمن هم في سني بالدخول واحيان لايسمحون او ان يضعوا شروطا لذلك كسؤالك إن كنت تحب فريد الاطرش الذي يحبه الشيخ حمد بن جاسم أو عبدالحليم حافظ الذي يحبه الشيخ خليفه رحمه الله فإذا كان أحدهما على الباب وأجبت بما لايحبه لن تدخل لتشاهد الفيلم. وكان اشهر الافلام فيلم مغامرات عنتره بن شداد بطولة سراج منير وكوكا و وكان يعرض باستمرار بالاضافه الى فلم آخر فظيع أسمه "لص بغداد" لاادري ماجنسيته أو من هم ابطاله , كان في بيتنا "دجه" أو دكه خارجيه للجلوس عليها في الليل حيث الهدوء التام والسكون الجميل, ومعظم بيوت اهل قطر كانت تحتوي على "دكيك"حيث لم يكن الضيق معقولا والمساحات خاليه والفضاء واسع. بالاضافه الى المجلس بالطبع , تلفزيون ارامكو أدخل وعيا جديدا , فلم يكن في المنطقه سوى تلفزيون الكويت وكان إرساله ضعيفا ونادرا مايكون واضحا ومستمرا , حين كنا نتشوق لمسلسل "أبو جسوم" الشهير في تلك الايام ,أما تلفزيون ارامكو من الظهران فكان من الممكن مشاهدته بشكل شبه منتظم, وكان حقيقة على قدر من التخطيط الواعي لثقافة المنطقه كانت كانت جميع افلامه مدبلجه تماما باللغه العربيه, كما أنه ذو اجنده ثقافيه فهناك برنامج "زاوية الكتب" لاسماعيل ناظر, وهناك "بابا حطاب برنامجا للأطفال ,هناك ايضا المصارعه الحره التي إمتلكت قلوب الكبار"الشيبان" في ذلك الوقت وكأنهم ملًوا من دعة الحياه وسكونها ويريدون استرجاع أيامهم الاولى في مصارعة البحر بحثا عن اللؤلؤ, من كثر ما كانوا حريصون على متابعة المصارعه الحره, ولازلت أذكر أسماء بعض مذيعي ذلك التلفزيون وهما عيسى الجودر من البحرين وعثمان الورثان من السعوديه. ايضا كان نجمنا في تلك الايام فريد شوقي واحمد رمزي ومن ثم رشدي أباظه , وكان أحدانا يخبر الاخير إذا ما استعلم عن موعدا لعرض فلم لفريد شوقي , ليقوم بإصلاح الأريل "الهوائي" وتوجيهه الوجه السليمه ليتمتع بمشاهده مثيره وممتعه تمتص انفعالاته الداخليه ليستلقي في فراشه ساكنا مستسلما للحظات من النوم الهانىء. ولم يكن يمر وقتا طويلا حتى نظفر بعزيمه أو يقيم الوالد عزيمه , كان ذلك سلوكا حميدا فهناك العائد من السفر وهناك الحاج الراجع من البيت الحرام وهناك الوافد الجديد , وهناك من رزق للتوء بولد وهكذا.
6- البعثات الدراسيه والصدمه
شرعت الدوله بارسال بعثات للخارج والى امريكا بالذات ومصر وبيروت وبعض الدول العربيه الاخرى وبريطانيا التي كان نظامها في ذلك الوقت صعبا , فتحول معظم طلبتها الى الولايات المتحده الامريكيه و ولايحق للطالب الرجوع في اجازه الا بعد عامين من الدراسه مما شكل صدمه كبيره فلم يقوى على ذلك سوى القليل,فعاد الكثيرون أو انتقلوا الى جامعات عربيه قريبه ثم كانت صدمه اخرى تمثلت في استيعاب البعض للحياه وسهولتها عل حساب الدراسه فأستمروا طويلا ولم يكملوا إلا أن هناك من أبلى بلاء حسنا
كان المجتمع حريصا على تجانسه الى حد كبير وعلى زيه, حتى انني مره حاولت ان أقلد لبسة المطرب الكويتي الذي رحل مؤخرا عبد الحليم السيد في طريقة لبسته للغتره "الترينمبه" بعد أن اعجبت بإغنيته "هيله يارمانه" فنهرني والدي قائلا "هذه ليست لك ولا لأمثالك" كان يظهر تماسك المجتمع بشكل خاص في احتفالاته وفي العرضات الجماعيه في المناطق واشهر عرضه اهل قطر في الريان امام قصر الحاكم في حينه الشيخ احمد بن علي رحمه الله , وكان من اشهر العارضين سعود الدليمي ومحمد بن زويران الدوسري واحمد بن يوسف الخاطرو أما اشهر الأدويه فهو الدواءالشعبي "العشرج" الذي نتجرعه مرضى وأصحاء لكي نتغيب عن المدرسه.
7- التهديد الجديد
أقام بعض اهل الريان المتحدرون من ثقافه اكثر إنفتاحا نتيجه لقضاء شطر من حياتهم في البحرين الشقيقه "صنادق" أكشاك ووضعوا أمامها طاولات وكراسي للعب الكيرم والدامه والورقه"الزنجفه" وتناول الشاي او المرطبات وسماع الاغاني عن طريق مايكروفونات مثبته فلجأنا إليها كشباب خاصه في عطله الصيف الطويله الممله, مما أغاظ حفيظه "الشيبان" واعتبروا ذلك خطرا على مستقبل ابنائهم فتنادوا محذرين ومتوعدين الابناء بأن لايذهبوا ولايجلسوا في هذه الاماكن , وأتذكر أنه في تلك الاثناء لأول مره أستمع الى كوكب الشرق السيده أم كلثوم وهي تشدو بأغنية "أمل حياتي" أما التهديد الخطير الثاني فكان إفتتاح نادي الريان, وكلمة نادي لها مدلول سىء لدى "شيبان الريان وقطر عموما وعانى المؤسسين للنادي من صعوبات وترحيل وشكوى بين الحين والاخر من الجيران وإعدام أي كرة تتعدى حدود النادي داخل بيوت الجيران ناهيك عن تحدي سابق كانوا يواجهونه بحزم وهو وجود قهاوي الهنود وتكاثرها حتى أصبحت "الكيمه" والسبجي" وهي أكلات هنديه هي للاطباق المضله لدينا وكان خوف الشيبان على اولادهم من سوء الخلق عند الجلوس فيها وصحبة السفهاء و"السرابيت " من الناس ,حيث كان النمط السائد تناول الاكل داخل البيت أو عند صديق أو قريب وليس في الشارع مما يعرض شخصية الانسان للاهتزاز في نظر الآخرين , في مثل هذه الجغرافيا المغلقه نشأنا , وقد كان المد القومي على أشده ولربما شكل هو كذلك لفتيان في اعمارنا تاريخا مغلقا إلا انه إستطاع ان يمس قلوب الكبار قبل الصغار فتحولت الحياه الى موقف حتى وإن كانت صعبه أو قاسيه طالما عصب الكرامه والعزه والأنفه لم يُمس.
إنتهت الحلقه الثالثه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق