مفهوم الحداثة ليس مفهوما متفق عليه وليس له صورة واحده في جميع المجتمعات نظرا لطبيعتها الاجتماعيه والإقتصاديه ومراحل النضج التي تمر بها, لكن ماأود أن أشير اليه هنا هي تلك اللحظة التاريخيه التي إنتقل فيها الفكر والثقافه في المجتمع إلى مرحلة – المابعد. لما أحدثته هذه اللحظه من وعي جديد داخل أروقة الثقافه السائده والفكر السائد . ودولة قطر كغيرها من دول العالم مرت خلال تاريخها بفواصل تاريخيه ثقافيه في الاساس قد تكون ارتكزت على حدث سياسي إلا أن تأثيرها الايجابي والاشمل كان على نطاق الثقافة والفكر لتشابة الاحداث السياسيه في منطقة الخليج التي تتم ضمن الفكر السائد فلا أعتقد بحداثه سياسيه شهدتها هذه المنطقه سوى ما قام به الشيخ عبدالله السالم في الكويت لتأسيس الاماره على دستور وطني , إلا أنه في تاريخ الثقافه والادب فالصوره أكثر شموليه وأكثر إتساعا. وفيما يتعلق بدولتنا الحبيبه قطر تلمست بكثير من العنايه أدوار من شكلوا القفزه الى مرحلة-المابعد في المجالات السياسيه والاجتماعيه والثقافيه وحاولت ان أشير هؤلاء تحت مسمى آباء الحداثة في قطر نظرا لدورهم الاساسي في انتقال الفكر داخل كل نشاط الى مرحلة جديده غير تلك التي كانت سائدة قبل ذلك.
أولا: سمو الشيخ علي بن عبدالله بن جاسم أل ثاني رابع حكام قطر(1894-1974) أدخل مجانية التعليم والعلاج والكهرباء في قطر وهي الميزه التي لاتزال دولة قطر تمتاز بها عن سائر دول العالم قاطبة, كما أهتم بنشر وطباعة الكتب من دواوين الشعر العربي والاحاديث والسير التاريخيه والسيره النبويه وأفتتح أول مستشفى في عصره "مستشفى الرميله" الذي كان علامة فارقه في المجال الصحي في المنطقه. رحمه الله
ثانيا: سمو الأمير الأب الشيخ خليفه بن حمد ال ثاني :سادس حكام قطر(1932-) ظهرت بوادر الطبقه الوسطي القائمه على بيعها لجهدها ومعارفها في عصر الشيخ خليفه , حيث لم يكن ذلك واضحا في المجتمع فتشكلت بناء على ذلك طبقه اداريه قطريه في جميع المجالات ذات كفاءه عاليه , ودخلت قطر مرحلة تقطير واسعة المجال حتى أضحت جميع ادارات الدوله ومناصبها العليا بأيدي شباب قطر فأكتمل الجهاز الاداري والدبلوماسي وخطت الرعايه الصحيه والتعليم خطوات كبيره ومشهوده , وشكل أول مجلس شورى كذلك وعُرفت قطر بمواقفها القوميه والعروبيه والخليجيه الثابته خلال تلك الفتره .أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافيه.
ثالثا:الشيخ عبدالله بن تركي السبيعي(1897-1968) رئيس الشئون الدينيه في قطر , شكلت حداثة الشيخ عبدالله بن تركي السبيعي بعدا جديدا لم يكن المجتمع على وعي به في حينه , حين لم يجد تناقضا بين سلفتيه ودعوته لتحرير العقول وانفتاحها على معطيات العصر والعلم في وقت كان المجتمع لديه توجس وشك في كل جديد يأتي من هنا وهناك واعتباره بدعة تؤدي الى ضلالة تؤدي الى النار, اضافة الى ذلك رأى أن هناك تلازما بين بين الاسلام والعروبه فكان له دور بارز مشهود في جمع التبرعات لنصرة الشعب الجزائري في معركة التحرير التي خاضها مع المستعمرومساندة مصر ابان العدوان الثلاثي عليها 1956ونادى بحق الفتاه القطريه في التعليم,وكان لجهوده دورا كبيرا في تحقيق ذلك , كان رحمة الله على إدراك ووعي كبير بمتطلبات الشريعه وبحقوق المجتمع وبعدم التناقض بين العروبة والاسلام فقد إحتفظ في حياته بعلاقة طيبه مع الزعيم العروبي جمال عبد الناصر, ونال وسام الاستحقاق من الجزائر إعترافا بجهده ودوره في مساندة كفاح الشعب الجزائري , رحمه الله وأكرم مثواه
رابعا: الشاعر ماجد بن صالح الخليفي(1873-1905) رغم أنه لم يعمر طويلا فقد عاش فقط خمسة وثلاثون عاما إلا أن كان له شرف الرياده في قرض الشعر العربي الفصيح في تاريخ قطر الثقافي وله السبق في ترك نصوصا شعرية عربية في منتهى الجمال في تاريخ المجتمع القطري كما تشير الدكتوره مريم النعيمي في مقالها عنه المنشور في جريدة الرايه بتاريخ 5-11-2009
خليلي هذا ربع دار تغيرا
ورسم عفت آثاره فتنكرا
قفا نسأل الاطلال هل كان أهلها
على العهد أم كان الوداد تغيرا.
وهناك تناص واضح بين شعره وبين كبار شعراء العربيه كما تشير الدكتوره في مقالها السابق, مما يدل على قوة ملكته الشعريه
وصاحب إذا صاحبت حرا فإنه
تقاس به وأجعل نديمك دفترا
في تناص واضح مع قول المتنبي
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الانام كتاب.
وشاعرنا من عائلة عرفت بالثقافه عموما من أعيانها ورجالاتها الاديب مبارك بن صالح بن ماجد الخليفي المصلح الاجتماعي والاقتصادي ورجل التربيه يرحمه الله.
خامسا:السيد عبدالله حسين نعمه(1915-1995) عميد الصحافه القطريه وأول من أصدر مجله وجريده في قطر فقد صدرت مجلة العروبه بتاريخ 5 فبراير عام 1970, ثم أصدر جريدة العرب بتاريخ 6 مارس عام 1972, كذلك أنشأ أول مكتبه لتوزيع الصحف والمجلات في قطر, فاحدث تيارا جديدا على ساحة المجتمع لم يكن موجودا من قبل , ونشر أوائل القطريين انتاجهم الادبي والشعربي من خلال صحافة عبدالله حسين نعمة , أدخل عبدالله حسين نعمة الصحافه كمهنه في قطر ومنذ ذلك التاريخ تغيرت نظرة المجتمع للصحافه رويدا رويدا لنجد اليوم ان جميع رؤساء التحرير من القطريين , يرحمه الله.
سادسا: الموسيقار عبدالعزيز ناصر العبيدان: مؤسس اول فرقة موسيقيه في قطر عام 1966 التي فتحت المجال أمام مجموعة كبيره من الشباب القطري الموهوب لابراز مواهبهم الموسيقيه والغنائيه, كما انه إهتم بالتراث القطري وعمل على حفظه من خلال الموسيقى , ورغم صعوبة المهمه في مجتمع تقليدي ينظر الى الغناء والموسيقى نظره دونيه إلا ان الموسيقار عبدالعزيز ناصر فرض موهبته وإحترامه على الجميع مما يثبت أن الغث من التقليد ليس سوى رهبة من التجديد, قدم عبدالعزيز ناصر من الالحان القطريه التي وصل صداها الى جميع انحاء الوطن العربي وغنيت ورددت بأصوات مطربين عرب من الخليج ومن المحيط منها "أغنية ولهان ومسير" وأحبك ياقدس الرائعه , وأفضل أغنية وطنيه على الاطلاق "الله ياعمري قطر" كما لحن السلام الوطني للدوله والذي نردده صباحا مساء مع مناسباتنا واحتفالاتنا , أحدث عبدالعزيز ناصر قفزه في تاريخ الفن في قطر فهناك فن ما قبل عبدالعزيز ناصر وهناك فن ما بعده , متعه بالصحه وبمزيد من النشاط والابداع.
علينا أن نطرح سؤالا هاما بعد هذا العرض , وهو هل لانزال مع سيرورة الحداثة التي فتح آفاقها هؤلاء , أم أن هناك تراجعا أصابها أو أنتكاسا راودها سياسيا وإجتماعيا وثقافيا ؟ وعلينا كذلك أن نفرق بين الحداثة والتحديث , فالتحديث يتطلب حديثا آخر وآباؤه كثر وفي جميع المجالات , لكننا أردنا اليوم الحديث عن آباء الحداثه الذين حققوا الطفره الثقافيه التى أخشى عليها من التراجع بإسم المحافظه أو بإسم الانفتاح والاستهلاك.
الثلاثاء، 9 يونيو 2015
الاثنين، 8 يونيو 2015
مقدمة مختصره لرمضان جديد
هناك ثلاثة محددات رئيسيه في حياتنا وتاريخنا , يقوم على فهمها فهما انسانيا مآل هذه الأمة ومستقبلها .هذه المحددات الثلاث تحولت عند الغير الى موضوع ينظر اليه من خارج الذات وليس من داخلها . النظر من داخل الذات يجعل من الذات مركز الفهم وامتلاكه , فيصبح ماهو في الخارج موضعا للتغيير فقط وليس موضوعا للإدراك والتبصر والاستفاده.
هذه المحددات هي أولا: النص "القران " بالذات . ثانيا: الطائفه . وثالثا:القبيله
أولا: النص "القران": ينطق به الرجال كما قال على بن أبي طالب كرم الله وجه, إذن فهمه جزء من البيئه المحيطة به عبر مروره بالزمن تبعا لخلوده وأزليته وحفظه الذي تكفل به الله عز وجل, لايمكن فهمه خارج إطار ذلك , لأنه موجه للبشر على إختلافهم واختلاف بيئاتهم,وبما أن البيئة والزمن في حالة سيلان مستمر وتغير دائم .الجزء البشري المكمل للنص الالهي الثابت هو الفهم الانساني له , لا النص الالهي الموحى به, الاشكاليه كما اراها هي في تعالمنا مع النص الالهي كإمتلاك وليس كفهم , الممتلك للشىء لايريد تفسيرا لإمتلاكه بقدر اهتمامه بامتلاكه والمحافظة عليه وكل ما يشعر به هو حالة الدفاع المستميته الى النهايه عنه. مجموع معارف وعلوم الزمن تدخل ضمن تفسيرات وتأويلات النص , استلاب النص للإنسان يفقده دوره الاساسي في الحياه وفي الوجود,وبالتالي يفقد النص ذاته دوره الاساسي في توجيه الانسان وارشاده في الكون , مظاهر الاستلاب "غياب الإراده المحدده لجوهر الانسان "هذه واضحة اليوم بشكل كبير في قتل المسلم للمسلم استرشادا بالنص وانتهاك الاعرا ض تفسيرا له كحالة إستلاب للإنسان , المطلوب إذن أن ينظر الانسان في النص ويتأمله ويدرك معانيه كما يدرك حاضره وظروفه , فالانطلاق في اعتقادي يبدأ من الواقع لفهم النص في سياقه , وليس الانطلاق من النص ذاته كحرف . تحول فهم الخطاب يبدأ من الخارج حيث تغير الظروف وتبدل الزمن لا من داخله , هنا تبدو قيمته وأزليته وإتساعه وبهذا الفهم كان العصر الاسلامي في أوجه وقمته.
ثانيا: الطائفه :أيضا الطائفه لايمكن التفكير من داخلها الا تحولت الى أداة استبداد وإقصاء , لابد من أن ينظر اليها من خارجها , حتى تبدو إحدى الطوائف وليست الطائفه الوحيده, وهذا الأمر كذلك مرتبط بالأمر الأول الذي هو فهم النص فهما من الخارج أي من الزمن المعاش , حيث أنه رافد يمد الزمن باستمرار بما يكفل التعايش والسلم والايمان وليس حالة انقباض تاريخي مكتمله في ذاتها, منفصله عن واقعها حتى يسعى لامتلاكها . كما يسعى البعض لتفسير آية" كنتم خير أمة أخرجت للناس" بهذا الشكل المبستر المتجمد , وكانها كبسوله نبحث عنها لإبتلاعها حتى نعود خير أمة أخرجت للناس.
القبيله: فهمنا للقبيله أيضا فهما دينيا , أي اننا ننظر من داخل القبيله لنرى العالم من خلال بوابتها , وكل قبيلة من الفبائل تمارس هذا النمط من التفكير, لذلك مجتمعاتنا عصيه على التغيير والابداع , وإلا كيف نفسر بيانات تصدرها القبيله من داخل الوطن , فنحن لاننظر من الخارج أي من الوطن الى القبيله , وإنما ننظر من داخل الفبيله الى الوطن.
عالمنا العربي اليوم يعيش صراعا وجوديا حاسما لأنه لايزال يعيش داخله الذي لم يتحول تحولا بإتجاه المستقبل رغم جميع المحاولات, فكل ما حققناه ونحققه فقط هو تغيير السلطه لا الثقافه , فتصبح السلطه مع مرور الوقت وإنحسار الشعارات جزءا من الثقافة لامحاله , علينا أن نعي أن الهوية إنجاز لا محافظه .
اللهم بلغنا رمضان وأرزقنا صيامه وأغفر لمواتنا وأرحم ضعافنا , وأهدي حكامنا الى سواء السبيل.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)