يتشاجرون ويسبق أحدهم الآخر بالحلف والقسم على أن يتحمل الغداء أو العشاء, ثم يصر الآخر على أن يكون بعده وهكذا يبدأ التسجيل في قائمة طويلة طيلة أيام العزاء وهناك من يغضب أو يزعل أو يأخذ على خاطره, لإمتلاء قائمة أيام العزاء الثلاثة دونما تسجيل إسمة ضمنها, مع أنه قام بواجب التعزية الأصلي خير قيام. مثل هذه الظاهرة دخيلة على مجتمعنا , أعرف أشخاصا ممن ثُكلوا بفقد عزيز أو حبيب حصلت لهم حالات إنهيار عصبي بعد إنتهاء مراسم العزاء لتفوق مظاهر المشاركة المادية التي أحالت التعزية الى مظهر من مظاهرالتنافس الاجتماعي على مظاهر المشاركة الوجدانية الحقيقية التي تتسم بعدم التكلف وبالاحساس المتبادل مع مايشعر به المصاب حتى إنك , أحيانا ترى سيارات المطاعم أو الفنادق أمام بيوت العزاء فتحسبه فرح يقام.
لم يكن كذلك الوضع في السابق , العزاء مناسبة حزينة لها محدوديتها التي لاتحتمل كثر اللغو أو المزايدة , كما لاتحتمل التطويل بشكل يجعل منها مظاهرة , بات من الضروري التنبه لمثل هذة السلوكيات , حتى لايتحول العزاء إلى ساعات إنتظار للغداء أو للعشاء , لذلك من الضرورة في إعتقادي عدم إستمر ساعات العزاء طول اليوم رحمة بأهل المصاب ولاتستمر ليلا حتى وقت العشاء المتأخر. إذا كانت الوليمة لأهل المصاب فهم ليسوا في وضع يجعل منها طقسا وإذا كانت للضيوف فيكفي أنهم قاموا بالواجب الديني والانساني الأول والأهم وهو تقديم التعزية والمشاركة حتى لايفسد جلوسهم على الوليمة أثر ذلك أو يشتته بعيدا عن القصد والمراد. الى درجة ان بعض المعزين يأتي وقت العشاء أو الغداء فيجلس على الوليمة , وكأنها الهدف الاول من مجيئة , هذه مناظر مشهودة وتتزايد وسلوكيات بحاجة إلى ضبط . يمكن أن يتم ذلك في أضيق الحدود وبين أهل المصاب فقط ولايعلن عنه أو يصبح قائمة تُسجل وأسماء تُكتب. نحن في حاجة لترتيب أولوياتنا الاجتماعية بحيث يصبح الفرح مصدرا للفرح والسرور والعزاء مناسبة للمشاركة الوجدانية لأهل المصاب , سواء من ناحية تحديد الوقت أو من ناحية إستقبال المعزين الذي ألحظه كذلك والذي يأخذ الامر لمنحى آخر جديد هو أن هناك تسابقا وتهافتا كذلك للسلام على الشخصيات الكبيرة القادمة للعزاء من قبل المُعزين , حتى قبل أهل المصاب الاولى بالتعزية والاكثر ضعفا وإنكسارا في تلك الساعة , فتصبح "مصائب قوم عند قوم فوائدُ"
اللهم علمنا ماينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما