نادي الجسرة 29-2-2020
يحتل موضوع العلاقات الاجتماعية في علم الاجتماع مكانة هامة, حيث يعكس ارتباط
الجماعة البشرية ببيئتها وثقافتها ومدى وقوة هذا الارتباط.
طبقاً "لدانيال ليرنر"وهو استاذ وباحث في العلوم الاجتماعية أن
مراحل التطور التي يمر بها المجتمع تكشف عن نوعين من الانقسام تجدها في كل مجتمع
!- انقسام عمودي حيث التمايز تبعاً للهوية الموروثة سواء القبيلة او الطائفة
او الدين أو الجنس
2- وانقسام اخر افقي حيث يتمايز الناس حسب الهوية التي يختارونها مثل انتماء
الفرد الى حرفة او حزب او جمعية بمعنى
انتماء ثقافي , فبالتالي فأن العلاقات في المجتمع
تعكس هاذين النوعين من الانقسام على شكل علاقة عمودية وعلاقة اخرى افقية.
لاحظ علماء الاجتماع ميل المجتمعات
التقليدية للإحتفاظ بالنوع الاول من الانقسام "العمودي", بينما المجتمعات الصناعية
الميل فيها الى الانقسام الاخر الافقي حيث التلاقي على مستوى الافكار والمصالح ,
حسب تقسيم دوركايم لانواع التضامن
فالتضامن العضوي يسود حين يكون الناس متشابهون
بينما التضامن الالي يكون حيث الناس مختلفون بمعنى يحتاجون لبعضهم البعض في المجتمعات التي
فيها تقسيم للعمل .
فيما يتعلق بمجتمعنا القطري لاحظت أن هناك انقساماً عشوائياً أدى الى تشوه نمط
العلاقات الاجتماعية خلال العقود الاخيرة.
هناك ملاحظة أود لو أشير إليها وهي أن معظم دول الخليج جاء
المجتمع تمظهراً لارادة الدولة وليست الدولة تمظهراً لارادة المجتمع كما هو في معظم دول العام بمعنى أن الدولة سبقت
المجتمع وبالتالي عملت على صياغته و هنا أفرق بين المجتمع والتجمع , المجتمع يحيل
الى الارادة اي القدرة امتلاك الارادة وتحقق
ذلك في حين ان التجمع لم تتبلور ارادته بعد. وهذا كله بالطبع يأتي مروراً بظروف كل
مجتمع التاريخية وكانت العلاقة العمودية علاقة حاجة وفي أقل تجلياتها ليس كما حصل فيمابعد حين تحولت الى علاقة ريعية.
نلاحظ مثلاً: ان العلاقة داخل المجتمع القطري خلال فترة الستينيات السابقة من
القرن الماضي علاقة افقيه الى حد كبير تحكمها طبيعة الفرجان
المتكونه من فسيفساء جميلة من جميع القبائل والعوائل والتضامن فيها عضوي حيت التشابه الكبير بين المجتمع وفترة الاستقرار الطويلة اوجدت
نوعاً من الرضا وكذلك قدراً كبيراً من اصالة الوجود وبالتالي اقل مستوى من مستويات
التمظهر الاجتماعي الكاذب .
في بداية السبعينيات ومع الاستقلال وظهور اثر العلم بعد عودة البعثات الدراسية
واستلام كثير من الشباب القطري لزمام العديد من الاجهزة الحكومية والوزارات
السيادية ظهرت طبقة وسطى حكومية
"كبار الموظفين " فحصل نوع من التغير داخل العلاقات الاجتماعية
نتيجة لوجود هذة الطبقة التي ارتبطت في
داخلها بعلاقة نخبوية حيث اصبحت هناك نواد
واستراحات خاصة بها وكذلك حافظت في نفس الوقت على العلاقة
الافقية بالمجتمع كما استمر المجتمع كذلك
في علاقة افقية ومسافة اجتماعية معقوله حفظت له طمأنينته واتزانه.
بعد ذلك اتبعت الدولة سياسة تسكين
تمشياً مع زيادة عدد السكان انطلاقاً من مرجعيات المجتمع الاولى ولم يكن هناك وعي كاف بما قد تسفر عنه من بتر للهوية السردية القائمة اصلاً في
المجتمع وهي اقامة الاحياء والفرجان على
اساس قبلي وعائلي وكذلك ازالة مناطق وفرجان تاريخية فيها نمط من التعايش المشترك وبذلك قضت على على الفسيفساء التي كانت قائمة
ايام الستينيات واوائل السبعينيات فاصبح
لكل عائلة او قبيلة فريج تأثرت العلاقات
بلاشك بفعل الانعزال شيئاً ما واصبح هناك اخر داخل وضمن ابناء الفريج الواحد
الذي كان في السابق .
اثر ذلك ايضاً في اعتقادي على نمط
الهوية كما ذكرت حيث كانت الهوية في
الفرجان السابقة كما ذكرت هوية سردية بمعنى انها كانت تحكي قصة الفريج او ابناء الفريج كلهمُ او قصة قطر كوطن , اصبحت مع فرجان ومناطق
العائلات والقبائل تحكي قصة العائلة او القبيلة في وعي ابناء الفريج
شكلت الطبقة الوسطى الحكومية مجالاً عاماً بين المجتمع والدولة حيث امسك الشباب المتعلم بزمام الوظيفة الحكومية
في عملية تقطير واسعة انتهجتها الدولة –مدراء – مسؤولين كبار – فيما احتفظ الجيل
الاول بالمناصب الوزارية وعضوية مجلس الشورى الاول والثاني وربما الثالث كذلك فيما كان ابناء الطبقة الوسطى يديرون العملية
التنموية في البلاد.
جراء ذلك احتفظ المجتمع بنمط افقي من
العلاقات مع وجود مسافة اجتماعية بينه
وبين جيل الوجهاء الكبار الذي كان يتمتع بثبات نسبي اعتماداً على بعد تاريخي وبعد اخر اجتماعي أو مايسمى بالرأسمال الاجتماعي أيضا هناك مسافة بين المجتمع وبين السلطة
العليا .
كانت السلطة على مسافة واحدة من الجميع فشعر المجتمع بالاطمئنان
وبالتوازن فذهب المواطن يحقق ذاته كشخصية مستقلة
.
فإذا كان نمط العلاقة في الستينيات هو البساطة والتلقائية
ونمط العلاقة في السبعينيات قائم على بروز قيمة العلم والتعلم
والثمانينات كذلك شهدت استكمالاً لنمط
هذه العلاقة الافقية بين افراد المجتمع
لاحظ هنا ان العلاقة في تلك
الفترة كانت اقرب الاوقات الى كونها
علاقة قائمة على الانتاجية وذلك لبروز
قيمة المتعلم والعلم فيها اكثر من اي وقت مضى
والشروع الدولة في عملية التقطير بناء هذه القيمة.
في التسعينيات ونتيجة للظروف والتحديات المحيطة دخلت الدولة في مشاريع
تنموية واستراتيجية ضخمة في جميع المجالات
وادى ذلك الى التوسع في نشاطات
ريعيه وطبيعة الريع السائلة ادت الى
اختلال في طبيعة العلاقة داخل
المجتمع وبالتالي حصل بروز واضح لنمط علاقة رأسي أو عمودي يتجه نحو مصدر الريع المباشر سواء التحاق بنشاط او من خلال ايجاد علاقات ريعيه مع
تحتاجه هذه العلاقة من مؤهلات وقيم
تختلف بالضرورة مع ماتحتاجة العلاقة
الانتاجية الافقية,وبالتالي انتجت مثقفاً من نوع آخر او عممت نمطاً من الثقافة الزبائنية.
خطورة العلاقة العمودية او الرأسيه انها اختزاليه تختزل المجتمع
في مركز سلطة يتوجه اليه الوعي
مباشرةً وتجعل من المصلحة الشخصية تتقدم على المصلحة العامة وبالتالي تعمل على توقف
حركة المجتمع نحو ذاته ومع ذاتهه بشكل
كبير.
ونلاحظ ان المسؤولين الكبار بما فيهم الوزراء واعضاء مجلس الشورى في السابق
ايام سيادة نمط العلاقة الافقية كانوا
اكثر قرباً وحضورؤاً وفاعلية في المجتمع مما هم عليه اليوم. يظهر ان سرعة تحرك
الدولة ووضع اهداف استراتيجية كبرى
وطموحة واستخدام الريع بشكل كبير لتحقيق ذلك ادى بروز هذا التغير في
العلاقة من النمط الافقي الى النمط
العمودي الرأسي.
اليوم يواجه مجتمعنا تحديات كبيرة , نعيش كثافة سكانية غير مسبوقة, نعيش حدثاً
عظيماً غير مسبوق في تاريخ المنطقة العربية بأسرها"كأس العالم", أمامنا إنتخابات لمجلس شورى لأول مره في تاريخ
البلد.نعيش ثورة اتصالات غير مسبوقة,تأتي على الاخضر واليابس , نعيش حصارأ جائراً . ثمة فوضى في نمط العلاقة نتيجة كل هذا وبالتالي لغة حوار شبه معدومة وتراجع العلاقة الافقية امام تيار العلاقة العمودية الغالب, وعودة الهوية الشخصية على حساب الهوية السردية التي كانت سائدة أيام الفرجان الطبيعية التي كانت قائمة من قبل وتراجع إمكانية إقامة مجتمع مدني حر عن ماكانت علية فترة السبعينيات والثمانينات من القرن المنصرم .
كيف يمكن أن نقيم نمط علاقات يحفظ لنا
هويتنا ووسطيتنا وفي نفس الوقت يحفظ للمجتمع مكتسباته التاريخية وللمواطن القطري مركزيته؟
اصبح هناك سباق واضح لاقامة علاقات عمودية مباشرة مع مصدر الريع سواء فرد او
جهة او مؤسسة من الجميع من المواطن
والمقيم كذلك , وبالتالي لم تعد iناك
مسافة إجتماعية تحفظ للمجتمع استقراره
وتوازنه. مالعمل؟ كيف يمكن اعادة نمط العلاقات الافقية المتوازنه في المجتمع وما أهمية وجود مثل هذة العلاقة للفرد وللمجتمع
وللدولة؟
1- العلاقة الافقية مصدر اساسي ورئيسي
في بناء ارادة مجتمعية, ليس هناك ارادة
للمجتمع دون وجود علاقة سليمة بين افراده.
2-لأنها سمة من سمات وجود الطبقة الوسطى في المجتمع التي هي صمام أمان توازن
المجتمع ومستودع القيم فيه.
3-لأنها أساس لقيام ممؤسسات وتنظيمات
المجتمع المدني الذي يسعى كل مجتمع
لقيامة كوسيط بينه وبين الدولة حيث الفرد
أمام الدولة مباشرة يساوي صفراً كبيراً.
اليوم العلاقات الافقية في المجتمع
تتلاشى أمام العلاقات التي أنشأها الريع الاقتصادي, التي يبدو المجتمع من
خلالها وكأنه يقف على رأسه لاقدميه
وبالتالي يتراجع مفهوم القيمة المعنوي امام مفهوم القيمة المادي الآني .
على كل حال لايمكن اخفاء تأثر
الدولة بما يتعرض له العالم من نزعة
استهلاكية عارمة وجارفة تحول معها الانسان الى مستهلك دائم لا مجال لاشباع نهمه وتحولت الحاجة المحدودة لدى الافراد الى رغبة
لاتشبع , إلا أننا كمجتمع وكمثقفين لابد
لنا من دور في إذكاء الوعي لاعادة الاعتبار
الى الانسان كقيمة والى العلم كقيمة , كما على الدولة مسؤولية عظمى في فك الارتباط بين الريع كوسيلة وبين استقرار المجتمع والحفاظ على جوهره التاريخي والاجتماعي كغاية. لايمكن ان
تستقر علاقتك بالآخر قبل ان تستقر علاقتك بنفسك ,وبالتالي لايمكن ان يستقر المجتمع
دونما علاقات حقيقية قائمة على فكرة الاستقرار لافكرة الغنيمة. ولن يتحقق ذلك الا
بوجود علاقات أفقيه سليمه بين جميع مكوناته وإعادة طرح قضية الوعي نحو أسئلة المجتمع لاسؤال الفرد على المجتمع أن يعيد ترتيب اوراقه وليساعد
الدولة حيث وعي الدولة لايكفي دون وعي
المجتمع
سؤال العلاقة الافقية هو سؤال المجتمع
المدني هو سؤال الطبقة الوسطى هو سؤال
المواطنة هو سؤال الدستور الذي يحكم العلاقة في المجتمع . الوعي بهذه الامور
أولوية قبل انجراف المجتمع نحو سؤال
البنية الثقافية والسياحية والترفيهية. يكفي المجتمع الوعي بذلك ويكفي الدولة في
السعي الى تحقيقه, لماذا الدولة شريك بل
واساس لايجاد علاقات سليمة في
المجتمع لأنها كما تلاحظون منذ
البداية أن أصالة الوجود في منطقتنا للدولة حسب الظرف التاريخي الذي التي
مرت به المنطقة بينما المجتمع ليس سوى امتداد او ماهية لها
لكن في المقابل وجودها مرهون بوجوده وتقدمها مرهون بتقدمه ,فإرادة المجتمع
تنطلق من رغبته ومن ايمان الدولة بهذه
الرغبة ولايكتفي المجتمع فقط بتبني خطاب الدولة
بل من المهم ان يشارك في انتاج هذا الخطاب .
تذكروا ان نمط العلاقات السائد حالياً
ليس نمطاً سليماً ويضر بالمجتمع
بكل فئاته من مواطن ومقيم , بروز العلاقة الرأسية على حساب العلاقة الافقية يجعل المجتمع في سباق مع نفسه دون هدف مشترك
يلوح في الافق , التعويل على دور الدولة من خلال التشريعات القانونية التي تصب في
ايجاد علاقة افقية سليمة كبير والامل في
قيادتنا كبير بعد ان اثبتت ازمة الحصار تلاحم المجتمع والقيادة بشكل اذهل العالم
واربك دول الحصار.
قبل أن أنتهي أود الإشارة الى بعض المفاهيم التي أرى انها ضرورية لفهم موضوع العلاقة في المجتمع عبر الحقب الثلاث او الأربع السابقة.
المسافة الاجتماعية:هي المسافة بين الجماعات المختلفة وكذلك بين الافراد ومواقعهم الاجتماعية.
المجال العام: هو البنية التحتية لمجتمع مدني فعال, غيابه يلقى بالمسؤولية على أجزاء أخرى لاتمتلك ان تقوم بدوره مثل خطيب المسجد او مغرد تويتر او ناشط في الاتصال الاجتماعي مما يسبب احباطاً للمجتمع .
العقل الاداتي: عقل مهيمن في المجتمعات الرأسمالية الحديثة , تحوَل من مَلَكَة فكرية الى مجرد أداة لتحقيق أهداف معينة.
العقل التواصلي: عقل لم يعد مكتفياً بدوره كجوهر وانما صار معملاً به أي يبحث عما هو عقلاني ولايقوم على الضغط وانما على التوافق
الهوية السردية:الهوية الشخصية+ الزمن
شكراً لكم على حسن الاستماع.