أبعد من الثوره, وأعمق من التغيير
المتابع للأحداث فى تونس ومصر , يدرك جيدا مدى عمق الأزمه , بل أن كل ما حصل ليس سوى تفجير لمكوناتها ليس إلا. مستوى العيش المرتفع ووجود السياسه الاجتماعيه الجيده اللذين هما معيارى لشعبية أى نظام ومدى نجاحه فى العالم المتقدم , لا أثر لهما البته فى هاذين المجتمعين اللذين دخلا مرحلة مابعد الثوره. المتابع لأتصالات فئات المجتمع المختلفه مع الجزيره مباشر تتكشف له هذه الحقيقه المُره. بينما تتكلم البيانات الرسميه عن ثروة النظام وثراء الرئيس وعائلته. فالثورتين إذا ليستا فقط مؤشر لقوة الشعب العربى بل لبؤسه وضعفه كذلك , كل الديكتاتوريات تترك الشعوب ضعيفه لاغبار فى ذلك, ولكن الأمر فى إعتقادى يختلف مع الأمه العربيه, لكون الأمر تكرارا سمجا من نظام لآخر , سقوط النظام وإعادة بناء الدوله من جديد , تتزامن مع إضرابات العمال فى كل مكان مطالبة بتحسين أوضاعهم ورفع مستويات أجورهم. لذلك يبدو الوضع كارثيا بإمتياز. تترك الحكومات شعوبها بأحسن قدر من الرفاه الاجتماعى وتقاس شعبية أى نظام كما ذكرت بما يحققه من نتائج على صعيد السياسه الأجتماعيه. لكن الوضع فى عالمنا مختلف جدا, يمتص النظام دماء الشعب , حتى إذا ما جرى إستئصاله بعمليه جراحيه مؤلمه , انكشف الأمر عن بؤس أجتماعى لامثيل له. وإنفصال بل بترا واضحا بين المجتمع ومصادر دخلة المرتبطه بالرئيس أو القائد, كل شى حيوى يذهب معه فجميع الخيوط بيده وبنظامه , فتتقطع الاوصال كما ينقطع التيار الكهربائى عن المبنى ويتطلب الأمر بالتالى إعادة أولا وقبل كل شىء منتهى الانهاك ومنتهى الفشل الحضارى, لكنها السياسه العربيه وخصوصيتها كما يقال. لابد إذن من تأسيس حقيقى لعمليه سياسيه لاتعود بالمجتمع الى مرحلة الصفر عندما يسقط النظام أو يتغير . هذه هى معركة الأمه التى هى أبعد من الثوره , وأشد عمقا من مجرد التغيير. اليوم الوضع فى مصر وفى تونس ,يراوح بين الحفاظ على مكتسبات الثوره , من خلال إنقاذ الواقع المعيشى المتهالك. جريمة هذه الأنظمه مركبه , ليس فقط فى القضاء على حاضر الشعب بل حتى فى تهديد مستقبله. لذلك لدى العربى حنين دائما للنظام السابق الحاكم فى بلده , لأن من يأتى بعد ذلك لايستطيع أن يخرج من وضع اللاعوده الذى يجده فيفضل الاستمرار على مايبدو, فهو بين خيار أما أن يحكم أو أن يُصلح , وان يصلح يعنى أولا أن يضع برنامجا واضحا له هدف فوق الشخص وفوق الفرد ما أن يتحقق حتى تنتهى مهمته ويصبح التغيير ملزما.وهذا ملا يستطيع على إتيانه كعربى ,فالبرنامج المفتوح لأنظمتنا يعنى الافقار المطلق للشعوب. فلذلك المهمة اليوم صعبه بعد الثوره ,ربما أكبر مما كانت قبلها, أحزمة الفقر , والمرض , والجهل التى تركتها هذه الأنظمه تحتاج الى مراحل إنتقاليه متعدده فى نظرى, للخروج من نطاقها أو التخفيف من شدتها. فاللجو الى سياسة الهروب الى الأمام التى تجيدها الأنظمه العربيه لاتجدى هنا, بمعنى التعويل على البنيه الفوقيه من إعلام وصحافه وبرنامج تنمويه للاستهلاك المحلى وللتمكين لن تفيد كما هو معمول به قبل هاتين الثورتين. لابد من وقفه وأعتقد أن الشباب يعى ذلك جيدا . عنوان المرحله القادمه , البرنامج وليس الأشخاص, والمده وليس التمنى. تجارب الدول الأخرى كتاب مفتوح يمكن الرجوع إليه, تثور الطبقات المسحوقه اليوم لتحسين أوضاعها بعد أن أسقطت النظام ولكنها خائفه, مرتبكه , لاتثق فى الوضع العربى وتفتقد الى المثال. لاتعرف من الرقابة الا ما كان عليها لا لها, ولاتعرف من المساءله الا مساءلتها من قبل النظام, ولاتعرف للثقة ولا للوعود معنى إلا ما تقرأه فى كتب التاريخ . إن الأزمه أبعد من قيام الثوره وأعمق من كونه تغيير , إنها اشبه بعمليه سرقه ليس لشى مادى يمكن إسترجاعه أو إستعادته ,بل هى إختلاس المستقبل والحلم بعد أن ضحت الشعوب بالماضى وبالحاضر كذلك من أجل أن تعيشه واقعا فإذا به سرابا يلامس يدها وينساب إنسياب الماء من قبضتها.
انكشاف حالة اختلاس المستقبل و الحلم بمواجهة شعوب ضعيفة ... المفروض انها مرحلة يليها العمل و البناء و ترسيخ مبادىء جديدة. و كمثال على ذلك، ليس وضع مصر بأسوأ من اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. الطبقات المسحوقة رغم ارتباكها تصنع تجربتها الخاصة و تتعلم من الموقف و تطورها في التاريخ يسير إلى الأمام... و إلا فما فائدة التغيير..! يرتبط كل هذا بثقة الشعب بقدراته و إصراره. سمعت في تونس يستغني بعض الموظفين عن رواتب شهر أو شهرين لأجل دعم مشاريع صغيرة بمناطق معينة في المحافظات و القرى. هذا الوعي الذي يجب أن ينتشر بعد الثورة و ليس المطالبة بزيادة الرواتب لأن هذه المطالبة مستحيلة و محبطة بالوقت الحالي.
ردحذف