أعتقد أن سفير الامارات "العتيبة"
في الولايات المتحدة الامريكية نصب فخا
لتحويل مجرى الازمة من مسارها الطبيعي الى مسار آخر مفتوح تماما أمام
التأويل والاستطراد بحيث تتحول من كوَنها أزمة مادية "حصار
وعدوان " إلى قضية فكرية قابل للنقاش ولكنها غير قابلة للحسم لأنها مستوردة
من الاساس ونبته لم تُزرع بعد في أرضنا الخليجية ولاأعلم إذا كان العتيبة يقصد ذلك
أم لا ,أم أنه استخدمها سياسيا لمخاطبة العقل الغربي الذي يفهمها جيدا حيث هي إحدى سياقاته التاريخية وأعتقد أن
هدفه كان سياسيا وليس فكريا ولي هنا بعض الملاحظات:
أولا: معظم المعلقين والمتحدثين إجتزأ لفظ "العلمانية" وبدأ في تحليله
وتفسيره وكأنه لفظ"خُلص" له
مدلول واضح , في حين أن كان نتيجة لسياقا
مجتمعي طويل مرتبط بمفاهيم اخرى
كالديمقراطية والانوار والعقلانيه وكشف السحر عن العالم ... وغير ذلك
من المصطلحات التي أخذت سياقات عميقة من
تاريخ الغرب.
ثانيا:هو فخ لأنه وجه الانظار الى الوجهة الخطأ التي يجب أن تتوجه لها أنظار
شعوب الخليج الآن بالذات وهي قضية الاصلاح السياسي, فبدلا من تناول هذه القضية
التي تضع الدول والشعوب في هذه المنطقة أمام مسؤولياتها, أصبح الموضوع إتهام تاره
ونفي تارة أخرى ومحاولات خجولة للتبرير
بين علمانية استبدادية وعلمانية عقلانية وكلاهما
غير ذي صلة بواقع مجتمعاتنا الخليجية.
ثالثا: كشفت هذه الواقعة أزمة الثقافة في مجتمعاتنا بشكل واضح حيث
لافضاء حر ولا مجال عام لها بعيدا عن سلطة
الدولة ورغبة الانظمة, هذا موضوع فكري فلسفي تناولته وسائل الاعلام والمحللين
بشكل دفاعي لأن "العلمانية " في نظرنا "تُهمة" وليست
سياق تاريخي , واتينا بالتفسيرات الجاهزة من المعاجم من علمانية شاملة واخرى جزئية "المسيري"وهي
دراسات قامت لتفسير نمط الراسمالية
وتطورها واثرها على النظام الاجتماعي في مجتمعات الغرب.
رابعا:كان من الاجدر بدلا من الرد على
السفير"العتيبة" ومحاولة اسقاط
ما تلفظ به على مجتمعاتنا بالذات وعلى
السعودية بالاخص واستنكار ذلك , أن ينبري أحد مسؤولينا أو وزرائنا لتصحيح ذلك بالاشارة الى إستبدال لفظ
"العلمانية" التي تلفظ بها او
المجتمع العلماني بصوره أدق الى لفظ "الاصلاح السياسي" حتى يمكن حصره في
زاوية محددة متفق عليها بدلا من أن يبدو وكأنه يمتلك زمام الاثارة التي لاتزال تتفاعل. فتحولت
أزمة الثقافة التي أبرزها مثل هذه التصريح الذي قفز الى النتيجة قبل أن يوضح
الاسئلة والاجوبة التي أوصلت إليها إلى أزمة "لقافه" من جانب الردود عليها والتفاعل معها بشكل سطحي ومبتور.
خامسا:مجتمعاتنا ليست عقلانية بمايكفي وليست ديمقراطية بعد وليست تعددية
ومع ذلك يأخذ منا مفهوم
"العلمانية" كل مأخذ وهو اشبه
بالنسيج الضام لكل هذه المفاهيم مع
بعض في سياق تاريخي يزداد كثافة هنا وتقل كثافته هناك .فليس هناك
علمانية تقف لوحدها حتى يمكن رجمها أو
شتمها أو في المقابل إحتضانها, هذا الانكشاف الثقافي دليل على غياب المجال العام
الثقافي البعيد عن السلطة
أو ليس له سوى مساحة هامشية لاتذكر.
سادسا: العلمانية كما اشرت سابقا هي
سياق تاريخي داخل المجتمع يكون مساوقا لسياق التدين فيه , فهناك علمانية
بعدد سياقات التدين في المجتمعات, أما في مجتمعاتنا فسياق التدين فيها "فقهي " وليس لاهوتي لذلك تنتج
سياقات فقهية مقابلة لها يعظم من شأنها
الاستبداد السياسي الذي يستخدمها لتطويل
مدة بقاؤة في السلطة, فالسياق الحقيقي في مجتمعاتنا إذن هو الاستبداد ويستعين
بالتدين الفقهي, لذلك السياق الذي يجب
أن نُركز عليه كمقابل لهذا السياق"الاستبداد" ,هوسياق
الاصلاح السياسي للخروج من الاستبداد وليس العلمانية التي نشأت كسياق مقابل للسياق
الديني اللاهوتي في الغرب.
سابعا: كما أشرت الازمة ثقافية بالدرجة
الاولى وأول خطوات إجتيازها هي في تحرير
الثقافة والفكر من قبضة الدولة والسلطة في
جميع دول المنطقة, حتى لانطرح الاسئلة
الخطأ في المكان والزمان الخطأ ومن ثم
تأتينا الاجابات خارج الزمان والمكان,فاثبتت
الازمة أم ن مثقفي السلطة اشد خطر على
المجتمعات من أزماتها السياسية أو هم من أعراضها وسبب في ديمومتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق