الخميس، 24 أغسطس 2017

هوية مابعد الحصار



أسوأ ما تمخض عنه الربيع العربي  ليس فقط هذه الفوضى العارمة هنا وهناك وهذة الدولة الممزقة  في جميع ارجائة في الشرق او في الغرب , أسوأ نتائج الربيع العربي  في إعتقادي  هو القضاء على  إمكانية الخروج من كوجيتو الهوية المغلقة ,الى فضاء جديد  غير هوياتي يتشكل تبعا للحرية  ومناط سيرها وإتجاهها, أهم ما خسر مجتمعنا العربي  هو "الأنا " الحرة, التي عانت طويلا من  ألاخر كبديل لها. تلك الجموع التي خرجت  خارج نطاق الهوية التي فرضتها الدولة عليهم, ليس لها طابع ايديولوجي سياسي أو ديني أو غير ذلك, لم تخرج من أجل زعيم  أو قائد , خرجت تمثل رمزية الكثرة  لشباب عاطل عن العمل , خرجت  تبحث عن هوية أخرى مفتوحة  لايملؤها رمز سوى  رمز الانا الحرة ,  خرجت تبحث عن نوع جديد من الشهادة ليست الشهادة من أجل الحزب أو الزعيم أو القائد  ولكن من أجل الشهادة كرمز إنساني أخلاقي ,فالشباب صيغة حيوية  تماما كما حصل في ربيع باريس 1968 حين تفجرت الهوية عن هويات  وتبع ذلك تعددا في الهويات والذوات الحره كان المجتمع الفرنسي  على استعداد للتعامل معها  نظرا لامتلاء المجال العام  بالناشطين الاحرار , بعكس ماتم في ربيعنا العربي  حيث إنقضت الهويات الجاهزة الموروثة والذهنيات الزعامية حيث كل زعامة هي في الاساس هوية عنيفة  على الثورة  التي قامت اساسا  للخروج من مجتمع الهوية  المنغلقة التي تمثل الزعامة فية  أقسى  وأعنف  أشكال الهوية.

أنا اعتقد أن  ازمة الحصار التي تفرضة الدول الاربع على قطر  هوية ازمة هوية, وإستباق قبل أن تتفجر الارض معلنةً قدرة الشعوب على التحرر المفتوح على كل آفاق المستقبل للخروج من هوية الثبات الميتافيزيقية  التي تمثلها أنظمة الدول الاربع أفضل تمثيل , في حين تبدو أكثر حراكا  في قطر  إلا انه لايعني أن الازمة لم تكسر الجمود الهوياتي  في قطر كذلك, بل أن بوادر ظهور القطري بهوية  أكثر إنفتاحا  كذات حرة  كانت واضحة لم يشوبها سوى البعض الذي كان يرى   أنه ليس رقما بمفردة  وإنما  رقما  إلتحاقيا  لاأكثر, تجد ذلك في وسائل الاتصال  الجماهيري , تجد ذلك في السؤال عما يجري , كل من يطرح سؤلا في هذة الازمة هو  ذات حرة وهوية مفتوحة  , اطلقت الازمة حمى الاسئلة وحجمت الاجوبة بشكل كبير  هذا دليلُ واضح على  كسر  نسق الهوية  الرسمية التي تعطيك أجوبة  حتى بدون أسئلة , لعل إشارة سمو الامير في خطاب سابق له "قطر تستحق الافضل من أبنائها" دليل أو إشارة الى الهوية الغير جاهزة  وأهميتها, أخشى ما أخشاة أن قوى "الرجعية" في المجتمع  تكون أكثر حرصا من أصحاب الشأن في التمترس وراء الهوية "الجاهزة  الموروثة" في حين أن العصر القادم هو عصر  الحرية كمولود جديد دائما   لأجيال بلا هويات سياسية إلا ماتصنعها برغبتها  وإختيارها.

الأحد، 20 أغسطس 2017

الأزمة والوعي الزائف



علينا  الانتباه على أن اي وعي  يقودنا إلى مادون الوطن  هو "وعي زائف".أخشى ما اخشاه من تشظي الوعي بحيث يسيطر على فرد أو جماعة فيعتقد أو يعتقدون انهم على حق وغيرهم على باطل, أو أنهم  وحدهم من يمثل الوطن  أو البطل في الدفاع عن الوطن , لذلك فإن مؤسسات المجتمع تلعب دورا هاما في تكوين الوعي الحقيقي الذي  ينطلق من الواقع, لأن في ذلك شرطا رئيسيا حتى لايكون زائفا. فهي وحدها القادرة على تنمية الجانب الفكري والعقلي  بدلا عن  التلقين المجرد الذي يُخلق بالتالي وعيا زائف. اليوم في هذه الازمة , المراد كما يخطط المحاصرون أن  نكون مجتمعا تابعا ومسيطرا عليه وهذا لن يتحقق لهم  طالما كان الوعي حقيقيا وليس زائفا  أي  أن ينطلق من الوطن مؤسسة وليس من الافراد والجماعات والطوائف. من صور الوعي الزائف   التي قد تسبب إشكاليات كثيرة للمجتمع في المستقبل أن يُربى النشء على التلقين  تربويا , حينها يصبح صيدا  سهلا  لحبائل تزييف الوعي سواء دينيا أو سياسيا  . نحن في أشد الحاجة اليوم  الى  أن يكون مصدر الوعي هو الوطن  وليس غيره  فالوعي الحقيقي يساعد في تغيير الواقع أما الوعي الزائف فيقوم على تكريسه, خاصة عندما يكون الانسان في مرحلة من عدم ادراك ما يدور حولة في زمن التضليل والفتن والصراعات. فالملاذ الوحيد هو ان ينطلق الوعي من الوطن ومن قيم المجتمع النبيلة. النظام التعليمي يتحمل جزءا كبيرا  من  هذه المسؤولية العظمى وهي تبديد الوعي الزائف الذي يتبرمج عليه الاطفال والذي يبقى مسيطرا عليهم طوال حياتهم ومهما حملوا من شهادات بأرقى الجامعات إلا أن وعيهم  لم يتغير ويظل مرتبطا بوحدات صغرى  مادون الوطن  سواء دينية كانت أم إجتماعيو فأول خطوة يحققها الانسان في معرفة ذاته هي هو شعوره بإنتمائه لمجتمع يتطور تاريخيا وحضاريا , إذا فقد المجتمع هذة الخاصية تبدأ طبقات الوعي الزائف بالتراكم على العقول , أزمتنا الراهنة أزمة وعي زائف  يمثله هذا الحصار الجائر , وأول خط دفاع  نواجهه به هو  الوعي الحقيقي النابع من الوطن الواحد , من قطر , هي القبيلة وهي الطائفة  , أحذروا من الوعي الزائف الذي تحمله كثيرٌ من وسائل الاتصال الاجتماعي ,  وبذور الشك  والتفرقة التي تُلقى هنا وهناك وأعتصموا بعد الله بحبل الوطن  وبالوفاء للأمير .وبالمكاسب التي تحققت  حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

السبت، 19 أغسطس 2017

وعي الأزمة أم أزمة الوعي




أوجدت اأزمة الخليج الراهنة وعيا جديدا لدى المواطن القطري  أو بالاحرى أعادت تركيب الوعي  بحيث يُصبح وعيا وطنيا بإمتياز يعمل على تأهيل الذات وإمتلاك حقائق العصر  ومتغيراته  ويبني أفقا جديدا للأسئلة  على جميع المستويات. جاءت الازمة لتخلق وعيا  جديدا  في العلاقة بين الوطن  والمواطنين , بين المجتمع والقيادة , بين أفراد المجتمع بعضهم البعض , جاءت الازمة  لتعيد تركيب الوعي الوطني بحيث يصبح الاعتماد على الذات مصدرا للوجود , جاءت لتزيح  عادة الاستهلاك وتحولها إلى إرادة الانتاج, جاءت  لتملأ مساحة الانتظار في  نفوسنا الى  خطوات عمل حثيثة, اعادت الأزمة إنصهار الوعي في بوتقة واحدة  بوتقة الوطن بعيدا عن أي مرجعية اخرى , طرحت الازمة تساؤلات ثقافية جديدة  على المجتمع  مثل "إلى أين " وكيف السبيل"؟ لأول مرة يشعر المجتمع أنه يُسير قطاره بإرادته  وبقوة دفعة متجاوزا كل العراقيل التي أوجدها الحصار في طريقه .الازمات عادة غير مرتبطة فقط  بمسؤولية من يحكم , لكنها مسؤولية جميع  المنظومات والشرائح في المجتمعات سواء  كانت سببا مباشرا أو كانت  مجرد موقفا سلبيا  وانسحابيا . لقد كان سمو الامير الشيخ  تميم حفظة الله صادقا تمام الصدق  عندما قال أن قطر" لن تعود الى مرحلة ماقبل الحصار" فعلا لايمكن أن يعود وعي ما قبل الازمة , لقد أحدث الحصار كما قلت وعيا جديدا  لايمكن تجاوزه  والعودة الى ما مضى. المجتمع القطري يتطلع للمستقبل  منفتحا على جميع الثقافات , متحررا من جميع القيود التي تقف أمام حريته وممارسته  لإرادته ,لأول مرة أشعر بأن المجال العام  في قطر ممتلىٌ  بالصحفيين والكتاب والاعلاميين  يتحدثون الى القنوات الدولية بكل حرية  يبثون بآراءهم ومقتراحاتهم  وأفكارهم دونكا خوف أو مراقبة أو وجل , وبعض هذه الافكار  لاتتفق مع الرؤية الرسمية , إلا أنه  لايضير الدولة  ولا الحكومة , هذا الوعي بالحرية أوجدته الأزمة, لكن الرهان هو على استمرارة  وعدم إنزلاقه الى أن يُصبح أزمة بحد ذاته وهو ماتسعى دول الحصار جاهدتة  الى تحقيقة  من خلال اختلاق الهشتاقات القبلية والطائفية  وبث سنابات التفرقة  وإثارة النعرات واللعب على وتر القبيلة الممتدة  والانزلاق الى قصائد  تمجيد القبيلة  وتفضيلها على غيرها  من القبائل داخل المجتمع الواحد وإرجاع المجد   الى فئة دون غيرها وتسجيل النقاط على أن ذلك إنجاز للقبيلة   أو للعائلة على حساب   الوطن . يتعرض الوعي الذي أوجدتة الازمة الى ضغط شديد ليتحول الى أزمة في الوعي  وإنشطارٌ في داخله , لذلك يجب الانتباه الى خطورة ذلك , هناك هجمة شرسة من طرف دول الحصار  لتجزئة وعي مجتمعنا الذي أنتجته الازمة والذي  كان بمثابة إنتصارا تاريخيا في قوة تماسكة وصلابته. وعملا دؤوبا  لايجاد أزمة وعي  تقوم على ماقبل الوطن من عشائرية وقبلية وطائفية , أستمع الى تسجيلات من هنا وهناك بعضها مدسوس وبعضها مغررٌ به  تعتمد على  الدفع بالقبيلة وبالعائلة وبالافراد  في محاولة كما قلت لتجزئة  الوعي الوطني المتحقق .... حذار أن يتحول  وعي الازمة الى أزمة وعي  لايمكنهم تحقيق أي نصر سوى أن يتحقق لهم ذلك  وإن تحقق لهم ذلك لاسمح الله فإن إنتصارهم عظيم حتى بعد رفع الحصار لأن أزمة الوهي ذاتها  هي أشد أنواع الحصار الذي يمارسه شعبا على نفسه.

الأربعاء، 9 أغسطس 2017

الأزمة ...أزمة نظام تعليم أيضا



هب ان مجموعة من الناس استقرت في صحراء قاحلة فإن أول ماسيفكرون فيه هو إنشاء مجتمعا وسيبدأون اولا بحاجاتهم الضرورية اللازمة لحياتهم , وبعد فترة وبعد أن يجتازوا صعوبات البداية وبعد ان يتكاثر عددهم بحيث يصبح بعضهم مزعجا للبعض الآخر وتبدأ المصلحة الفردية في السيطرة على الانفس  تنشأ الشرور , يبدأ المجتمع في التفكير في تشكيل حكومة او يجهاز يدير المجتمع فالحكومات أساسا تنشا لمنع الشرور من التفاقم كما ان الاتحادات الاقليمية تنشأ كذلك  خوفا من شرور العالم المحيط, فلو أن النوايا تظل صافية وموحدة وملتزمة  فليس هناك حاجة لقانون أودستور, ومن هنا جاءت فكرة العقد الاجتماعي.ولكن كيف تستطيع الحكومات ان تحافظ على الأمن ؟ لكي تحقق ذلك و تقوم بإنشاء مدارس حتى تضمن أن يكون الناس مطيعين وستدعو الى التعليم وستنيط بالمدرسة دعم البناء الاجتماعي ومحو الامية ستتمكن الاجيال من القراءة والكتابة وسترسل البعثات للدراسات التكميلية بشرط أن تظل الاجيال محكومة  وضمن نطاق السيطرة  سواء من ناحية المنهج أو من ناحية الثقافة المسيطرة التي تجعل من الهوية  تأتي  أولا قبل الحرية, سيتمكن الناس من المعرفة ولكن لن يتثقفوا ولن يصاحب ذلك نموا في شخصياتهم, وسيصبحون جزءا من المشكلة المتفاقمة  في المستقبل , كما نشهد اليوم في ازمة الخليج  حيث أن الدور المناط بالمجتمعات ليس هو الفهم وانما التكتل والدفاع. يذكر "لينين" أنه لاوجود للسيلسة بدون قراءة وكتابه بل بدونهما لايوجد سوى الكراهية والاحقاد والاشاعات.  أليس هذا مانشهده اليوم في ازمتنا الراهنة في الخليج , لان العلاقة الضرورية بين التعليم والحقوق السياسية مفقودة  في جميع دولنا الخليجية سوى الكويت حيث مناهج التعليم مكرسة  للحفاظ على الاوضاع الراهنة  وتخريج أجيال مطيعة  لضمان استمرار السيطرة, متى ما استخدمت المدرسة من اجل بناء المستقبل  يصبح المجتمع أكثر قوة ومناعة  واكثر تعددية , في مجال الرأي  وإيجاد البدائل , تحتضر الدول عندما تستنفد برامجها التعليمية دورها  واقتصارها  فقط في إنتاج الطاعة  والخضوع , مناهجنا التعليمية بل أنظمتنا التعليمية في الخليج  تحتضر ويحتضر معها مجتمعاتنا ودولنا كذلك, التعليم من أجل البقاء ليس التعليم من أجل التغيير , العلاقة بين نظام التعليم  والحقوق السياسية  علاقة متلازمة  لكي تمارس حقك السياسي لابد لك من التعليم ولكن تتعلم لابد لك من ممارسة حقك السياسي كذلك و في خليجنا جرى فصل واضح نظرا لقصور الدولة عن الاكتمال  مما جعل عملية التعليم مبتوره  ويجد المتعلم نفسه بعدها مضطرا للدخول في الانفاق الاجتماعية الاولية التي لم تصلها السياسة بعد., فرصة أن نعيد التفكير في نظامنا التعليمي وفرصة مؤاتية هذه الازمة لربط  بالبدء في العملية السياسية  الدستورية ولو على خطوات  حتى لايصبح التعليم هدرا  وتعيش الشعوب الازمة  تلو الازمة وهي لاتعلم  كيف بدأت وإلى أين ستنتهي.

الأحد، 6 أغسطس 2017

علمانية "العتيبه" الفخ المنصوب



أعتقد أن سفير الامارات "العتيبة" في الولايات المتحدة الامريكية نصب فخا  لتحويل مجرى الازمة  من مسارها  الطبيعي الى مسار آخر مفتوح تماما أمام التأويل  والاستطراد  بحيث تتحول من كوَنها أزمة مادية "حصار وعدوان " إلى قضية فكرية قابل للنقاش ولكنها غير قابلة للحسم لأنها مستوردة من الاساس ونبته لم تُزرع بعد في أرضنا الخليجية ولاأعلم إذا كان العتيبة يقصد ذلك أم لا ,أم أنه استخدمها سياسيا لمخاطبة العقل الغربي الذي يفهمها  جيدا حيث هي إحدى سياقاته التاريخية وأعتقد أن هدفه كان سياسيا  وليس فكريا  ولي هنا بعض الملاحظات:

أولا: معظم المعلقين  والمتحدثين إجتزأ  لفظ "العلمانية" وبدأ في تحليله وتفسيره  وكأنه لفظ"خُلص" له مدلول  واضح , في حين أن كان نتيجة لسياقا مجتمعي طويل  مرتبط بمفاهيم اخرى كالديمقراطية  والانوار  والعقلانيه وكشف السحر عن العالم ... وغير ذلك من المصطلحات التي أخذت سياقات  عميقة من تاريخ الغرب.

ثانيا:هو فخ لأنه وجه الانظار  الى الوجهة الخطأ التي يجب أن تتوجه لها أنظار شعوب الخليج الآن بالذات وهي قضية الاصلاح السياسي, فبدلا من تناول هذه القضية التي تضع الدول والشعوب في هذه المنطقة أمام مسؤولياتها, أصبح الموضوع إتهام تاره ونفي تارة أخرى  ومحاولات خجولة للتبرير بين علمانية استبدادية وعلمانية عقلانية وكلاهما  غير ذي صلة بواقع مجتمعاتنا الخليجية.

ثالثا: كشفت هذه الواقعة  أزمة الثقافة في مجتمعاتنا بشكل واضح حيث لافضاء حر  ولا مجال عام لها بعيدا عن سلطة الدولة ورغبة الانظمة, هذا موضوع فكري فلسفي تناولته وسائل الاعلام  والمحللين  بشكل دفاعي لأن "العلمانية " في نظرنا "تُهمة" وليست سياق تاريخي , واتينا بالتفسيرات الجاهزة من المعاجم  من علمانية شاملة واخرى جزئية "المسيري"وهي دراسات  قامت لتفسير نمط الراسمالية وتطورها واثرها على النظام الاجتماعي في مجتمعات الغرب.

رابعا:كان من الاجدر بدلا من الرد على السفير"العتيبة"  ومحاولة اسقاط ما تلفظ به على مجتمعاتنا بالذات  وعلى السعودية بالاخص واستنكار ذلك , أن ينبري أحد مسؤولينا أو وزرائنا  لتصحيح ذلك بالاشارة الى إستبدال لفظ "العلمانية" التي  تلفظ بها او المجتمع العلماني بصوره أدق الى لفظ "الاصلاح السياسي" حتى يمكن حصره في زاوية محددة متفق عليها بدلا من أن يبدو وكأنه  يمتلك   زمام الاثارة التي لاتزال تتفاعل. فتحولت أزمة الثقافة التي أبرزها مثل هذه التصريح الذي قفز الى النتيجة قبل أن يوضح الاسئلة والاجوبة التي أوصلت إليها إلى أزمة "لقافه"  من جانب الردود عليها  والتفاعل معها بشكل سطحي  ومبتور.

خامسا:مجتمعاتنا ليست عقلانية بمايكفي  وليست ديمقراطية بعد  وليست تعددية  ومع ذلك  يأخذ منا مفهوم "العلمانية" كل مأخذ  وهو اشبه بالنسيج الضام لكل هذه المفاهيم  مع بعض  في سياق تاريخي  يزداد كثافة هنا وتقل كثافته هناك .فليس هناك علمانية  تقف لوحدها حتى يمكن رجمها أو شتمها أو في المقابل إحتضانها, هذا الانكشاف الثقافي دليل على غياب المجال العام الثقافي  البعيد عن  السلطة  أو ليس له سوى مساحة  هامشية لاتذكر.

سادسا: العلمانية كما اشرت سابقا هي سياق  تاريخي داخل المجتمع  يكون مساوقا لسياق التدين فيه , فهناك علمانية بعدد  سياقات التدين في المجتمعات, أما في مجتمعاتنا فسياق التدين فيها  "فقهي " وليس لاهوتي لذلك تنتج سياقات فقهية مقابلة لها  يعظم من شأنها الاستبداد السياسي الذي يستخدمها لتطويل  مدة بقاؤة في السلطة, فالسياق الحقيقي في مجتمعاتنا إذن هو الاستبداد  ويستعين  بالتدين الفقهي, لذلك السياق الذي يجب أن نُركز عليه كمقابل  لهذا السياق"الاستبداد" ,هوسياق الاصلاح السياسي للخروج من الاستبداد وليس العلمانية التي نشأت كسياق مقابل للسياق الديني اللاهوتي في الغرب.

سابعا: كما أشرت الازمة ثقافية بالدرجة الاولى وأول  خطوات إجتيازها  هي  في تحرير الثقافة والفكر من قبضة الدولة  والسلطة في جميع دول المنطقة, حتى  لانطرح الاسئلة الخطأ في المكان والزمان الخطأ  ومن ثم تأتينا الاجابات خارج  الزمان والمكان,فاثبتت الازمة أم ن مثقفي السلطة اشد خطر  على المجتمعات من أزماتها السياسية أو هم من أعراضها وسبب في ديمومتها.

الجمعة، 4 أغسطس 2017

الأزمة الخليجية.... "الحكم" على التاريخ أم محاولة تفسيره.






أعتقد أن مشكلتنا التاريخية هي مع التاريخ ذاته, وتمثل أزمة الخليج الراهنة  إحدى صور هذة الأزمة  بشكل سافر . التاريخ كعلم في عالمنا العربي وإسلامي  لم يتطور بشكل يجعل منه  علما مستقبليا , كما هو الحال عند الغرب حيث ظهرت مدارس تاريخية كبيرة كان لها أبلغ الاثر في  دفع تلك المجتمعات نحو المستقبل  من خلال "تفسير: التاريخ وليس من خلال "الحكم عليه . من أشهرها مدرسة الحوليات وفروعها المتعددة,وغيرها من المدارس  مثل مدرسة توينبي المؤرخ الانجليزي المشهور ونظرية التحدي والاستجابة الى غير ذلك. ظلت مدرستنا التاريخية تنطلق  من  خلال "الحكم على التاريخ " وليس من خلال تفسيره" حتى يمكن حلحلته وتحريكة وبالتالي تجاوزه. أنظر مثلا كيف نحكم على مراحل الدولة العربية  عبر التاريخ  وفي العصر القريب أنظر كيف جرى الحكم على الحقبة القومية  مثلا وكيف تم إصدار حكم بالاعدام عليها. لايمكن تجاوز التاريخ إذا حكمت عليه  قبل أن تفسره  حتى تستخلص العبرة  وتميز الغث من السمين فية , لاتخلو حقبة  من السلبيات ولكن أيضا لاتخلو من الايجابيات أو بعض الايجابيات , هذة العقلية  ليست عقلية تاريخية إيجابية وهي مانتوارثها  جيلا بعد جيل مع الاسف , وجدت  شبابا  لم يعاصر أحداث ومع ذلك متزمتٌ أقسى التزمت على الحكم علىها دونما إمعان النظر  في محاولة تفسيرها  ودراسة لماذا حصل ماحصل .نحن نعيش اليوم في الخليج أزمة  متفاقمة لم يكن أحدا يتصور أن تحدث بين أشقاء يجمعهم مجلس واحد وتربطهم علاقات قُرى وأواصر محبة  وتواصل ودين واحد  ومصير مشترك واحد, ومع ذلك نجد صعوبة بالغة في إيجاد حل لهذه الازمة  فنحتار ويحتار العالم معنا حتى بدا العالم يتسائل كيف يحدث ذلك بينكم في "رمضان" وأنتم جميعا مسلمون صائمون ؟.أعتقدُ أن هذه الازمة وجميع أزماتنا السابقة  تنطلق من نفس العقلية , وهي عقلية الحكم على التاريخ , لا من عقليةتفسير التاريخ وتفكيك خيوطة ومحاولة الدفع به الى الايمان ,أنظر مثلا إلى مايحاول معسكر  المحاصرين التشبث به كسبب رئيسي لحصارهم  وهي المكالمة أو التسجيل  الذي تم للمكالمة بين سمو الامير الوالد والشيخ حمد بن جاسم مع العقيد القذافي, ومادار فيها , إذا إنطلقنا من الحكم عليها  فليس هناك مجال لتجاوزها , أما إذا ما إنطلقنا من محاولة تفسيرها فبالإمكان تجاوزها ومعرفة لماذا تمت وتحت أي ظروف, وبالتالي يتم تحييدها تاريخيا في وقتها  وعدم  سحبها على التاريخ الحالي  خصوصا وإنها تمت منذ عقد مضى تقريبا , أيضا محاول "الغزو" الذي كان مخططا لدولة قطر من قبل الامارات والسعودية  بُعيد إستلام الشيخ الوالد حمد  الحكم في قطر , إذا حكمنا عليها حكما تاريخيا فهى محاولة إعتداء آثم لايمكن أن يُغتفر أما إذا حاولنا تفسيرها وتفكيك خيوطها أمكننا وضعها في  مكانها وزمانها التاريخيان بحيث لاتتعدى  هما. بهذه العقلية تجاوزت فرنسا وألمانيا جراحهما , وبنفس العقلية تجاوزت الصين واليابن حروبهما. عقلية تفسير التاريخ تنقصنا . لذلك كل تاريخنا كأحكام محمول على ظهورنا , ومن خلال هذا الحكم  تنبعث الصراعات  بين من يمجد ومن ينتهك , بين من يُعظم ومن  يستهزىء, إذا إجتمعت عقلية المقارنة وعقلية الحكم على التاريخ  دون تفسيره , بلغت الامور أقصى درجات المواجهة  حول التاريخ كماض وليس  كمستقبل آت.أعتقد أن ذلك ناتج من  إعتبار التاريخ عقيدة وليس أحداث , كما نحكم على العقيدة بأنها صحيحة أو  غير صحيحة , وهو معيار متعسف وذاتي  ويتعارض وحرية الاعتقاد , كذلك نحكم على التاريخ  من منظور ذاتي وضيق , بدلا من تفسيره ومعرفة لماذا حصل بالطريقة التي حصل بها , ننحي الظروف جانبا  ونطلق حكم مؤبدا  لايمكن الفكاك منه لأنه متجاوز للظروف  الموضوعية التي إستدعت ذلك. الأزمة الخليجية اليوم فرصة سانحة لنا  للإنطلاق من تفسير التاريخ وليس من الحكم علية حتى  يمكننا الافلات من مصيرنا المحتوم بالخروج من التاريخ  لأنه هو من سيصدر الحكم علينا هذه المرة لأننا عجزنا عن تفسيره ومعرفة مغزاة.  

الأربعاء، 2 أغسطس 2017

الخلط بين الموقف والمنطق في الأزمة



 أصبح من الواضح والجلي أن هناك خلطا واضحا في المجتمع بين الموقف من الازمة وبين منطق تشخيصها  ومحاولة بيان اسبابها وبالتالي علاجها. يمكن ملاحظة ذلك بجلاء من خلال متابعة تعليقات المحللين والضيوف من المواطنين الذين تستظيفهم القنوات للتحليل او التعليق على الحدث.

الموقف من الأزمة لاغبار عليه وواضح فنحن دولة  تم الاعتداء عليها وحصارها فموقف الشعب هو موقف الأمير وموقف الحكومة ضد هذا العداء المباشر فنحن كقطريين جميعا نقف خلف سمو الاميروحكومته  ضد هذا الفعل العدائي الاثم. لكن منطق الازمة  لم يظهر بوضوح  كما ظهر الموقف من الازمة في تحليلات الاخوة وتعليقاتهم  سواء في تلفزيون قطر اوحتى القنوات الاخرى. المنطق من الأزمة  يتطلب عرض الموقف منها  اضافة الى التحول للمنطق في تفسيرها , انطلاقا من رؤية  المجتمع وتأثيرها علية ومدى مساهمته في  إحداثها, الطرف الاخر, كذلك وقع تأثير هذا الخلط بشكل فج كذلك, الامر الذي صعد من حدة الأزمة  وشدتها , كان الرهان ليس على المسؤولين الرسميين حيث تتطلب الوظيفة منهم أن يتماثل موقفهم مع منطقهم من الأزمة , الرهان كان  على وعي  الطبقة المؤثرة الثقافية في المجتمع لتبين الفرق بين موقفها  وتشخيصها  ومنطقها من الأزمة , الأمر الذي لم يحصل تماما  وهو كما قلت أدى الى  تصاعدها وتكتلها في العقل الجمعي لكل فريق.

سأعطي أمثله ولو محدودة مما لاحظتة في وسائل إعلامنا القطرية من خلط واضح بين الموقف من الأزمة كما فلت وبين المنطق الذي كان من الممكن  أن يفتح مجالا أوسع للرؤية , وكما ذكرت فأن الجانب الاخر من الازمة لديه نفس الاعراض إن لم تكن اشرس وأقوى.

أولا:لاحظت أن معظم المحللين والمعلقين من الاخوة القطريين الذين حقيقة أبدعوا  في وقوفهم  صفا واحدا مع قيادتهم ككل افراد الشعب القطري , لاحظت أنهم يعلنون عن موعد خروجهم على القناة الفلانية والقناة الفلانيه  بشكل ملفت للنظر  وبكثافة واضحة وبتسابق كبير شىء جميل , لكن  هذا الاندفاع الكبيريدل بوضوح على أنهم يمتلكون الاجوبة حتى قبل أن تطُرح الاسئلة انطلاقا من الموقف من الازمة,وليس لمحاولة تفسير الاحداث لذلك أصبح التكرار هو السائد  وماقيل بالامس يقال اليوم  وسيكرر في الغد.

ثانيا:حلقات" شللي يصير" كنت قد قلت انها تمثل حالة المواطن الخليجي حيث لايعلم مالذي يحصل حولة ولعل ذلك سببا جوهريا واضحا  لعملية الخلط بين الموقف والمنطق في هذة الازمة  لأنه لايعلم مالذي حصل فهو متضامن  مع  قيادته ومجتمعه تضامنا عضويا  كالجسد الواحد لكنه لايستطيع تفسير الازمة ولا  تفكيك خيوطها ولا من أين بدأت ولا إلى أين ستنتهي.

ثالثا: حلقات "شللي يصير " للسليطي في بدايتها كانت قوية  لأنها خاطبت  عاطفة المواطن  ولكن لايمكن ان تستمر بنفس القوة اذا لم تخاطب عقله ومنطقة , وقع الظلم على المجتمع القطري  وجرى تصويره  ببلاغة جيدة , إذا لم تتطور هذه الحلقات نحو المنطق  بالتركيز على دور المجتمع  وضرورة التأكيد على دوره  خاصة وإن عنوانها يدل دلالة واضحة على غيابه ,وكشف بعض الاشكاليات الاجتماعية  في داخله وماكان ينقصه  ومالذي يجب  استشرافه من عمل بعد انتهاء الأزمة, فستظل في دورالعاطفة في الدفاع عن الموقف ولاتتجاوز ذلك الى دور المنطق في بحث ما كشفته الازمة من فراغات واضحة في دور الثقافة والاعلام والفن.

رابعا: الأزمة كشفت عن عقلية التماثل بشكل كبير والغنيمة الى حد ما. وفي المجتمع التقليدي يصبح التماثل ملجأ يُشعر بالامان وبالاطمئنان حتى دون اقتناع, في الحقيقة أن الجميع  يريد أن يشارك في الدفاع عن ألامير وعن الوطن هذا حق مشروع ولكن بشرط أن يُقدم جديدا   أو يقول شيئا آخر , شاهدت أعمالا لاتضيف جديدا وانما تكرار  وأي كلام يمكن أن يقوله أي فرد ,مثل" منعونا من الحج, قطعوا الارحام , لم يحترموا الشهر الفضيل ... وما الى ذلك مما قاله السليطي , فلم إذن تكراره .الصمت أحيانا منطق عظيم عندما لايوجد ما يستحقُ أن يُقال.

قضية الجدارية أيضا بدأت عظيمة ولكن  جرى استسهالها بشكل لايليق  فالشيخ تميم مكانه في القلوب عند أهل قطر بل وأصبحت مصدر تنافس  وكادت أن تكون قبلية أو كانت وهي في الاساس جدارية وطنية بإمتياز.

خامسا: تشخصنت الازمة في أشخاص  وغابت الاسباب أمام التفاصيل وزاغ الرأي العام نحو التفاصيل مما جر ثقافة السباب والشتم بدلا عن الواقعية والاتزان , أصبح "دليم" القحطاني  من السعودية , وعبدالله العذبة من قطر, والمزروعي من الامارات وخلافهم محور القضية وتابع الرأي العام تغريداتهم  وتعليقاتهم بشكل  يجعلهم يبدون وكأنهم    مصدر للأزمة لانتاج لها أو بعض من أدواتها, ايضا مثل هذا الوضع يدل على غياب ظاهر للرأي العام المستنير في هذه الدول  ويحعل من الازمة أزمة مركبة تبدو خارجية ولكنها في الحقيقة أزمة داخلية تتمثل في غياب المجتمع المدني  وصوته المتزن  الذي يراعي حقيقة وجوده  ويحرص على مكتسباته.حيث في غيابه تصبح الشخصنة موضوعا


هذه بعض النقاط التي تدل على الخلط الذي يمارسه المجتمع سواء على مستوى النخبه او مستوى العامة بين  الموقف من الازمة ومنطق الازمة المستحكم الذي يجب  أن  ننطلق منه عند التحليل , ولكن هناك نقطة لابد من إضافتها وهي  أن الشعوب لاتدرك من الازمة سوى جلدها الظاهر على السطح لذلك   قد يبدو أن الموقف منها هو السبيل في مواجهتها فقط  وليس المنطق في استجلاءها  ومحاولة سبر أغوارها  وهنا يصبح الوضع برمته تكريسا  للوضع القائم قبلها لاأكثر.

إذا كان ماركس قد قال أن الفلاسفة قضوا اعمارهم في تفسير العالم  بينما كان من المفترض أن يعملوا على تغييره.

فإننا مع هذه الازمة نقول أننا قضينا جل الوقت في إستهلاك الأزمة  لافي العمل على تفسير حقيقة أسبابها.