إذا لم تُحدث الثورات العربيه تحولا جذريا إجتماعيا فى المجتمعات العربيه, و اقتصر أثرها فقط على تغيير الانظمه, حتى ,وإن وضعت دساتير تحد من أبدية الحاكم وتنص على تدوال السلطه, حتى مع ذلك , لن تحدث الاثر المرجو والمؤمل منها كثورات شعبيه لم يشهدها تاريخ الامه. عليها إذن إحداث تغيرات هيكليه فى طريقة تناول المجتمع ونظرته الى أمور كثيره , أو ما يمكن قياسه ومدى تأثيره وهل هى فعلا , تحولات إجتماعيه ناقله للمجتمع أم عملية تدوير لتاريخه المغلق ومن هذه الامور والتغيرات المرجوه مايلى:
أولا: الموقف من الدين فى السياسه والسياسه فى الدين,الإستعمال الدينى الكثيف فى أمور السياسه وتقلباتها وتغير موازينها , لايفيد المجتمعات ويؤذى الثورات الشعبيه ويقسم المجتمعات كما نرى, الدين صوره مثاليه ونقاء ما فوقه نقاء فهو مثال يسعى اليه المجتمع دائما , ولايمكن لأحد ان يدعى ملكيته , بينما الامور الدنيويه السياسيه نسبيه وتحتمل الظروف والحاكم بشر يحتمل الخطأ والتصويب ثم أن تحويل الخطب الدينيه للاستخدام السياسى غير مبرر , والاحرى الاستعاضة عن ذلك بإنشاء المجتمعات المدنيه أو مساعدتها على التبلور فى تناول المجتمعات لمشاكلها, حيث الرأى مدنى وليس دينى أو فتاوى فبالتالى يمكن للمجتمع أن يتطور من خلال التفاعل المدنى المتساوى بعيدا عن القدسيه الدينيه التى هى فوق الجميع والتى يسعى الجميع كذلك للإمتثال بها لابمن يدعون ملكيتها.لو لاحظنا جميع الثورات لم تحمل لافتات طائفيه ما عدا ما حدث فى البحرين, فلم التركيز على عمليه الفرز الطائفى فى الخطب أو على الاقل الاشاره الى فئه دون غيرها وكأنها فئه محرومه طائفيا دون غيرها . وترك مفاهيم كالمواطنه والحريات والتمدن والحداثه بدل من التركيز عليها كأساس ومرتكز لقيام الدوله الحديثه.
ثانيا: تأميم السلطه والموقف منها , وإخراجها من دائرة الوعى العربى كزمن وليست أفراد, فهى ليست زمن هى فرد أو أفراد محاسبون وكسر إحتكارها بالتالى ككتله أو تجمع مهما كان شكله قبلى أو دينى أو طائفى وتحت أى دعوى كانت تاريخى أو إجتماعى أو غير ذلك.
ثالثا: الموقف من الثروه, فهى بالتالى ثروة وطن وليست ثروة نظام, , الانقلابات العربيه على كثرتها , غيرت فى الواجهه ولم تحدث تغييرات إجتماعيه ضروريه داخل الوجدان والشعور العربى بالنسبه لهذا الموضوع , فهللت الشعوب لها وكأنها صاحبة الثروه كونها ثوره أو إنقلاب على وضع سىء , لتدرك لاحقا "الشعوب" أنها استبدلت سيئا بأسواء وذلك لإغفالها لما يجب التنبه له أو لحسن نيتها فى القادم الجديد ولم "تدرك أن المال السائب يعلم السرقه" أو أن التنازل عن الحق فى دنيا البشر يحول الاخر الى ملاك معصوم.
رابعا: موقف المجتمع ونظرته لذاته, هل يستحق العيش بكرامه كحق أو يستحق الرعايه مع الكرامه, التى قد تتخلف حينا, وتختفى أحيانا أخرى .
خامسا: الموقف من الحريه والقانون , بمعنى أن ينتقل الشعور بالحريه الى كونه الوجود ذاته و الى مرحلة ما قبل إقامه النظام, أى أن النظام القادم عليه أن يبنى نفسه على أساس من حرية الشعب فى خياراته ومصيره, بمعنى أن يكون النظام ثمره لهذه الحريه, كما أن يعى الشعب كذلك أن القانون فوق الافراد والمكانه الاجتماعيه . بناء على هاذين العاملين يجرى تقييم الوضع والنظام لاأن يَجمُد فى الذهن أن النظام وقانونه هما الثابتين بينما الشعب هو المتغير.
إذا لم تستطع الثورات العربيه الحاليه تغيير الذهنيه العربيه وإدخال محتوى إجتماعى ضرورى فى بنيتها بحيث يتغير المجتمع من داخله ذهنيا وإدراكيا , وأن يستعبد السطوات أى كان شكلها ورائحتها , من قريب أو من بعيد ,وأن يدرك أن جميع المعطيات جاءت لتكرم الانسان ومدنيته وبشريته فهى بالتالى تابعه لوجوده, وليس وجوده إمتدادا لها. أرى ثمة إدراك ووعى قادم بلا شك ولكن تبقى مسألة ديمومه وإتصاله بعيدا عن تأثيرات التاريخ , بل ربما أعتقد بضروره قيام قطيعه مع الماضى السياسى العربى بعد هذه الثورات والتحولات, فهى فعلا الطريق الوحيد لوأد" الفتن" ما ظهر منها وما بطن ولكنه امنيه لن تتحق وقنوات الطائفيه تتكاثر كما الفطر والفتاوى تنهمر كعناقيد الغضب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق