> 22- >جامعة الخليج العربي
وقعت عيناي ذات يوم على إعلان منشور في إحدى جرائدنا القطريه عن فتح باب القبول في عدة تخصصات في جامعة الخليج العربي بالبحرين , وهي مشروع رائد لو لم تصبه لعنة السياسه العربيه وتقلباتها, بين تمويل وتأجيل ومناشده لإستمرارها من جانب بعض مثقفي الخليج وأذكر منهم الدكتور أحمد الربعي رحمه الله الذي ناشد الدول الخليجيه المحافظة عليها وعلى شركة طيران الخليج بوصفها مشاريع وحدويه مشتركه ,وهي لاتزال قائمة كمشروع في حين إختفت شركة طيران الخليج إلا أنني اعتقد انها لاتحظى بنفس الزخم من الاهتمام كما بدأت , على كل حال ,كانت التخصصات المطروحه محدوده ومختاره لكي تسد النقص الذي تعاني منه الجامعات الحكوميه في كل دوله على حده, مثل تخصص التصحر وادارة التقنيه والكيمياء الحيويه بالاضافه الى كلية الطب,فوجدت اقربها الى تخصصى هو تخصص إدارة التقنيه , وهي إداره صناعيه بالاضافه الى بعض التطبيقات لمفهوم الاستراتيجيه , فتقدمت بطلب الى سعادة الوزير بالسماح لي بالالتحاق بهذا البرنامج مع استمراري في العمل بعد حضورى المحاضرات لعام دراسى واحد, فوافق سعادة الاخ عبدالله بن صالح المانع وزير المواصلات في ذلك الوقت على طلبي مشكورا.وعن طريق إدارة البعثات انهيت جميع إجراءت الإلتحاق, ولم يتبق سوى المقابله الشخصيه التي تمت مع الدكتور حافظ المطوع شقيق وزير الدوله البحريني الحالي محمد المطوع وبرفقة عدد من الاساتذه, حيث وضعوا شروطا علي أن أجتازها للالتحاق بالبرنامج في مقدمتها اجتياز امتحان الاحصاء, وبالفعل تم ذلك فالتحقت في خريف 1994 بالجامعه بوصفي طالب دراسات عليا , ومن اصعب المقررات التي واجهتني كان مقرر بحوث العمليات" الذي كان يدرسه الدكتور عبد اللطيف الزياني الامين الحالي لمجلس التعاون , حيث كان جديدا علىً واجتزته بصعوبه, أما أمتع المحاضرات فكانت مع الدكتور محمد جابر الانصاري استاذ الحضاره الاسلاميه في الجامعه ومستشار جلالة ملك البحرين حاليا, والذي كان متطلبا أساسيا لكل طلبة الجامعه, وفي أول محاضرة له طلب مني تلخيص كتابا مختارا وعرضه على الطلبه وهو كتاب "الاسلام وأصول الحكم " لعلي عبدالرازق, وفعلا قمت بذلك وأبديت رأيي حول تصورات الكتاب وتم نقاش مطول حوله من جانب الطلبه , وبالمثل كان على كل طالب أن يقوم بعرض كتاب مختار كما يبدي رأيه فيه , وكلها كانت من الكتب التي أثارت ردود فعل كبيره عند نشرها لجدة محتواها ولصدمتها للعقليه التراتيبيه التي لاتقبل التجديد أو المس بالتقليد,, مثل كتاب "خرافة الميتافيزيقا " لزكي نجيب محمود والاسلام واصول الحكم لعلى عبد الرازق , وكتاب دارون والتطور . وغيرهم كتب كثيره تداولناها بحثا ونقاشا , أثرت لدي ذائقة نقديه التي كانت موجوده لكنها في حالة عطاله وكسل, فنشرت في ذلك الوقت أول مقالة لي بعنوان على ما أذكر" إشكاليات تنمويه " في جريدة الخليج التي تصدر في الشارقه, ومقالا آخر بعنوان "التنميه والبعد المنسي" ونُشرا في مكان لائق لم اكن اتصور بأن أحظى به بوصفي كاتب مستجد.
كان اغلب الطلبه من دولة الكويت ودولة البحرين وبعض القطريين في تخصص الطب , وكان مدير الجامعه انئذاك الدكتور عبدالله الرفاعي من دولة الكويت , الدراسه في جامعة الخليج العربي أوحت بشعور جديد يتلمس بُعد المسافة بين المقررات وبين الوظيفه العامه التى لاتتطلب مؤهلا بقدر ماتتطلب اداء روتينيا , كما اشعرتني بشكل لايدع مجالا للشك بعدم حساسية النظام الادارى الحكومي أصلا للعلم كقيمه, فالدراسات العليا في وعىُ المجتمع لاتزال تشكل نوعا من الهروب من الفراغ الوظيفي فبدأت أتساءل ماذا يمكنني أن أقدم للعمل بعد تخرجي وهو قائما ومستمرا بدون تواجدي كل هذه الفتره؟ , ما يمكنني أن أقدم للعمل والوزاره أصلا كلها بدون استراتيجيه واضحه مفهومه؟ماذا يمكن أن يقدم تخصصي الجديد أو أن يضيف لعملي السابق؟ماذا يمكن أن يقدم مفهوم الثقافه الاسلاميه الجديد الذي إكتسبته بماهي ثقافة نقد لاثقافة رواية وقصه تاريخيه إضافة لعملي السابق؟ماذا يقدم فكر الهامش المعزول الذي درسته والمحارب من التيار العام ككتب "مستقبل الثقافه في مصر لطه حسين"وجان جاك روسو لمحمد حسين هيكل" والاسلام وأصول الحكم "لعلى عبدالرازق" لعملي السابق؟ أدركت لحظتها وأنا لازلت ادرس أن النظام التعليمي القائم سيواجه مشكله مع ذاته, فأما أنه يصبح العلم قيمة في حد ذاته للفرد بإعتراف المجتمع , وأما أن يوقف هدر الاموال في بعثات لاتضيف الى الانتاج شيئا, بل تزيد من الشعور بالاحباط بعد نيل الشهادات.
بالفعل تخرجت بعد أكمال المقرر برساله محدوده عن صناعة البتروكيماويات في قطر التحديات والفرص المتاحه ,تعتمد اساسا على الموضوع الى جانب طريقة العرض بالكمبيوتر. وعدت بعد ذلك الى عملى السابق في مكتب وزير المواصلات الذي إحتله الشيخ أحمد بن ناصر بن فالح ال ثاني , بعد الوزير السابق عبدالله المانع , فلم أضف لعملي أي إضافه لأنه اصلا لايتطلب إضافه , وأقنعت أكثر بما كنت أحس به وأستشعره قبلا,من حالة الانفصام بين العمليه التعليمه بوصفها حاله لإنتاج الوعي وبين الواقع الملتبس المستمر والثابت , فترجمت ذلك في شكل اول مقال نشر لي في جريدة الوطن القطريه في شهورها الاولى من عام 95 عن ما اسميته في المقال الذي لم اعد اذكر أسمه بهزيمة 6 اكتوبر , عبرت فيه عن إعتقادي بأن زيارة الرئيس السادات للقدس بعد "نصر" أكتوبر هي بمثابة هزيمه نفسيه وعن أن الاشكاليه هي في فكر الهزيمه المتجذر وليس في الهزيمه كحدث في حد ذاته عندما كانت ملحقه بوعي الإرادة والمقاومه كما كان الحال في عام 67, نُشر المقال في حينه ولفت الانظارلأفاجأ باسمي ملحوقا بصفة "الكاتب القطري", وليبحث عني البعض ويتصل بالخارجيه وبالتربية والتعليم , ليجدوني في مكتب صغير في وزارة المواصلات والنقل ,الهامش الذي أعشقه لأطل به على الدنيا بعيدا عن صخبها وثرثرتها .
إنتهت الحلقهb>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق