السبت، 27 فبراير 2021
المنكَشف أو اللامتحجب
يصف هايدغر الحقيقة أنها إنكشاف أو لاتحجب, أن يظهر الشيء كما هو وهذا هو الوجود الحقيقي أو الاصيل كما يراه فلا أعمق من حياة يتصل عاجلها بآجلها بكل صدق , ولا أصدق من إنسان يتصل ظاهره بباطنه بكل شفافية.
يصارع المنكشف أو المتجرد وسط امواج عاتيه في مجتمع المظاهر والزيف والتملق , يبدو غريباً لأنه واضح وسط غموض يخفي تحته كثيراً من الحيَل الاجتماعية, شدة وضوحه تحرج المجتمع لأنها تتحدث عن الجانب الذي يود المجتمع لو يخفيه او يتناساه ,حياته بسيطه ," انا كما ترونني , إنسان خطاء, لاادعي كمالاً ولا اعترف بمحاولة المجتمع ادعاءالكمال لأنه لن يصله ولن يحققه"المعنى عند المتجرد اكبر واعظم من طول الحياة وامتداد العمر لذلك تراه لايندم على شىء فهو مأخوذا باستمرار الى ما سوف يحدث وليس ماقد حدث, الغربة وطن عند المتجرد حتى وهو في بيته وسط اهله وخلانه , المتجرد لايشفق كثيراً ليس قسوة في القلب وانما حدةً في النظر الى الحياة وطبيعتها, صمته اكثر طويلاً من كلامه , لايتدخل في شئون الناس ولا يضع اعتباراً لثرثرتهم , يعيش يومه في تطابق تام مع وجوده ليست هناك دقيقة واحدة زائدة من الوقت تتجاوز هذا الوجود فتيحله الى وجود زائف من الثرثرة , عالمه الداخلي اعمق كثيراً من مظهرة الخارجي , لايجاري المجتمع الابالقدر الذي لايفسد عليه تجرده واحساسة بأنه وجود متزمن , يعيش الزمن في داخله اكثر مما هو يجاري ويسابق الزمن في مروره وعبوره ,يعطي وان كان لايملك شيئاً, وان امتلك لايدخر , الحياة لديه عطاء وليس اكتنازاًمادياً وهو المتجرد معنوياً, لجظة الصدق عنده ليست موضوعاً للمساومة, يقذفه المجتمع بالمروق وبالخروج عن سياقه الاجتماعي , فينظر الى المجتمع بشفقة اكبر من نظرة المجتمع اليه , يدرك أن المجتمع لديه ظاهر وباطن ويمارس التوريه بينما هو باطنه ظاهرهُ من هنا تأتي شفقته على مجتمعه وحزنه عليه,قلبه كبير ومحب وابيض لأنه يرى الحياة بوضوح اكثر , لايحمل حقداً ولا كرهاً لأحد لأن تجرده همش مشاعر الكراهية لدية بل انه اصبح موضوعاً لها في أعين الاخرين , اخطاؤه لايتبرأ منها , شطحاته لاينكرها هوبشر يعيش الظلال وليس المثال الافلاطوني, فالظلال ليس سوى صورة مشوةٌ عن المثال,لكن المجتمع المتصنع يصدر احكامه عليه انطلاقاً من المثال ومن هنا تبدو المفارقة ويبدو المنكشف اكثر صدقاً واعظم التصاقاً بوجوده الانساني من المجتمع المتكدس فوق طبقات التحجب وثياب النفاق.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق