تحول الحق من فكر الى ممارسه ,طريق طويل ليس من السهولة ارتياده لكن التكنولوجيا التواصليه جعلت من ألأمر ممكنا. نحن نعيش على الحقوق كفكره , نتعامل معها كواجب مفترض . نطلبها مع الإفتراض بوقوعها حتما , مستعينين بالدين وبالواجب وبالتراث العربى , لكنها لا تاتى كذلك , يستبد المال بالحق فإذا هو زاهق , نعم يزهق الحق ليستبد المال. تصبح الحقوق لواقح لكل مستجد وآت. فكرة الحق مثاليه قرانيه . تفترض فى الانسان البراءه وفى المجتمع الوداعه و عاش عليها مجتمعنا العربى عقودا , ينتظر الحق وينتظر الوعد ولكن الفكره لم تتحق و لأن الافكار لا تنزل على الواقع دون تكلفه أو ثمن يُدفع. المجتمعات تفترق عند تحول الحق من كونه فكره الى كونه , ممارسه , النزول الى الشارع أحد اشكال الممارسه, واعنفها التظاهر الدائم والمستمر وهو نزول الى الشارع ولكن دون موعد للعوده, فهو بالتالى إحتجاج مزمن . نوعية السلطه وقربها من الشرعيه عامل حاسم للتعامل مع مثل هذا الوضع. علمنا التاريخ أن الحقوق تؤخذ ولا تعُطى. الحق المُعطى حق مبتذل خاصة إذا كان فى دولة اللادستور أو اللامواطنه. ما يجرى فى عالمنا اليوم هو محاولة من جانب الشعوب لإنزال الحق من كونه فكره الى كونه ممارسه. حق الشعوب فى العيش الكريم, حقها بالاستمتاع بثرواتها على أكبر قسط من العداله. حقها فى المشاركه فى تقرير مصيرها. كان الحق مسلوبا إلا فى ديباجة الدساتير المصطنعه والمزوره. التقارير الدوليه على أشكالها تشير إلا أن بلادنا العربيه بلاد الحق المسلوب بأمتياز. وشعوبها شعوب منزوعة الحيله قليلة الإراده. مجتمع فكرة الحق لا ممارسته مجتمع غير مثقف وإن أحتفل بالثقافه , مجتمع لاينتمى للعلم وإن أقام له المحافل , الحق ليس فقط أن تعيش ولكنه كيف تعيش, الحق ليس فقط أن تأكل وتنام ولكنه حكاية وجود فاعل. التنازع الذى يعيشه العربى اليوم بين منطق التحول ومنطق الجمود هو فى الأساس تنازع فى تصوره لبنية الحق فى ذهنه, هل من الحق الانفصال أو" التنكر" للماضى ؟ وهل من الحق قبول التحول القادم لامحاله والتضحيه بالرموز.؟ فكرة الحق فى ذهنيته أصبحت تعنى اللاتغير أو الإزمان. فكل ماهو مزمن حق وكل ماهو ثابت من الحق إستمراره. فلذلك إحتفظ بالحق كفكره وترك ممارستها لمن يختاره القدر مزمنا أوثابتا من رموز. الحق عندما يمارس ينتج حقوقا أخرى ويتحول المجتمع بأكمله إلى ورشة عمل , الحقوق ليس فقط فى السماء ولكنها فى الأرض كذلك تعاش . السلطه تريد فقط أن تذكر بالحقوق السماويه المؤجله وتفصل ما عدا ذلك على مقاسها . اليوم العالم كله يحبس أنفاسه أمام مطالبة شعوب الأمه العربيه بحقوقها المغتصبه من قبل جلاديها.
عشنا طويلا على يوتوبيا التغيير فيما كان الواقع ساكنا ينساب أمسه كغده . كانت اليوتوبيا هى غذائنا وشرابنا ,أنشأنا لها المعاهد وحلقات الدراسه وعقدنا لها المؤتمرات والندوات. اليوتوبيا مستقبل لايأتى وإلا خرجت من نطاقها وثوبها. ولأن الواقع كان صلبا وصلدا , قفز وعينا الى المستقبل ليرسمه بعد أن عجز عن الحاضر لَتمنعه. طال بنا الإنتظار ولكن اليوتوبيا حالمه رومانسيه يسكنها كل جميل لايمكن التخلى عنها إلا أنها لاتبنى حاضرا, هى الأمل والأمل دائما مستقبل لايسكن الحاضر . منذ التحرر من الاستعمار ويوتوبيا الوطن تغذى مشاعرنا وإحساسنا , عشنا عليها بأشكالنا الثقافيه وأيديولوجياتنا السياسيه المختلفه , يوتوبيا الوطن الذى يسمو فوق الصغائر ويعلو فوق الفروقات كانت تملأ فضاءاتنا .نعم نحن نحتاج اليوتوبيا ولكن ليست الواقع الممكن تحقيقه , عندما تصبح واقعا يمكن تحققه تنتفى عنها صفة اليوتوبيا , هنا مفارقتنا العربيه , اليوتوبيا لدينا واقع عند الآخرين , يوتوبيا الوطن للجميع , يوتوبيا دولة المواطنه , يوتوبيا الدستور الديمقراطى كل هذه اليوتوبيات هى واقع لدى الغير, ما نشهده اليوم فى عالمنا هو إنقلاب أو إنفلات الواقع على اليوتوبيا المؤجله والمتأخره فقط لاغير . هى فى الحقيقه أوهام اليوتوبيا وليست يوتوبيا الفطره السليمه والواقع المعاش , هى ليست مستقبل هى حاضر يعاين , لليوتوبيا صفه شموليه كونها جامعه ومستقبليه ,أما يوتوبيا الانسان العربى فإنها واقع يعايش خارج عالمه فقط لتعلو ثانية الى مستوى الأحلام فى وطنه . ما أصعب أن نعيش الغد ما ضيا حتى قبل أن يأتى, ما أصعب أن نرى المستقبل ينتحر قبل أن يصل أبوابنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق