الأربعاء، 24 ديسمبر 2014
اليقظه ليست بالضروره نهضه
النهضة أساسا مفهوم غربي قام على ركائز ثلاث أولها: تغير في البنية الاجتماعية وظهور للطبقة الوسطى وثانيها: إصلاح ديني ميز ما للملك وما لله. وثالثهما: تطور مادي في البناء والتشكيل والرسم وظهور للمدن.. هذه الترويكا الثلاثية احدثت نوعا من النهضة في الغرب. تغير في البنية وتغير في التفكير.
تبعه تغير في الانماط السلوكية. نلاحظ هنا ان مفهوم النهضة لا علاقة له بالماضي. النهضة بمعناها نهوض عن الماضي وليست تجليا له او لاعادته. بمعنى أن مفهوم النهضة ليست له جذور تاريخية عربية. النهضة اساسا مفهوم يرتبط باللحظة اذ هو ليس مفهوما يحيل أي الماضي بأي شكل من الاشكال، ثمة مفاهيم أخرى تحمل إعادة الماضي على انه نهضة بينما هو في الحقيقة إحياء للماضي، ولكن المفهوم الحقيقي والواضح لاعلاقة له بالماضي بل إنه قطع مع الماضي بكل اشكاله. يظهر من تعاملنا كمجتمعات مع ما احدثته الثورات العربية من تغير وازاله لرؤوس الاستبداد والطغيان أن الذهنية العربية لاتزال عاجزة عن ادراك مفهوم النهضة الحقيقي كفعل مستقبلي لا يأخذ من الماضي إلا ذكراه وتجربته ولكن لا يستورده ولا يستورد شخصياته او يحاول استنساخها، لذلك كان تعاملنا أو تعامل اصحاب اليقظة بالماضي وبرامجهم تعامل شمولي مع الاحداث واستبدال نموذج ساقط بنموذج جاهز ومكتمل ولم يعيروا التغيرات التي جرت على مفهوم السلطة ذاته وعلى كثير من المفاهيم السياسية الاخرى أى اهتمام فالسلطة لم تعد الملك او الرئيس فقط ليكفي ازالته لتستوي الامور والحزب لم يعد الحزب ذلك الحزب ذو العقيدة السياسية الجامدة والمجتمع لم يعد مجتمع الإعلام الرسمي كذلك. كل هذه الأمور تغيرت وأصبحت السلطة مجزأة ومقسمة داخل آليات المجتمع جميعها، والأحزاب لم تعد تحمل ايديولوجيا فقط وانما مصالح والمجتمعات لم تعد موجهة وانما تقود التوجيه. كل هذه الأمور لا يمكن التعامل معها بمفهوم "اليقظة" على أنه "نهضة" ولكي تتحول اليقظة الى نهضة لابد هنا من القطع مع الماضي كروشتة وعلاج لمشاكل اليوم، الاسم التاريخي للحزب ليس مشكلة المهم أنه يعيش الحاضر ويتبنى آلياته وفكر تقدمي للنهوض إذا لم تتحول اليقظة الى نهضة فإنها قد ترتد الى ذاتها وتصبح عقيدة صلبة كايديولوجيات العنصرية والعرقية وغيرهما بينما الأديان أساسا لم تكن عقائد صلبة ولكن فهم البعض لها حولها الى ذلك. اليقظة اساسا وعي بماض تام يتحول الى نهضة عندما يكون نسقا مفتوحا للتأويل وليس دليلا نصيا أو زيا يعاد لبسه أو تخيله. لذلك مفهوم النهضة ليس مكتملا أو لا يكتمل أنه حالة من الصيرورة والنسق المفتوح، تعامل مكونات المجتمع العربي وأحزابه التقليدية مع احداث ما بعد ثورات لم يكن كذلك سوى جزئية في تونس أما في مصر وليبيا فإن أحزاب اليقظة قد تعيق بل تستولي على النهضة المرتقبة لعدم ادراكها للتغيرات التي حدثت في العالم حول مفهوم السلطة والحكم. النهضة هو ما أحدثه الشباب من ثورات وتغيرات واسقاط للنظم الديكتاتورية ولكن أحزاب اليقظة هو من استلم الزمام ليوقف عملية تشكل النهضة العربية القادمة، عندما تحدث فو كوياما عن نهاية التاريخ بسيادة النموذج اللبيرالي الديمقراطي كان يعني انفتاحه على العصر وعلى التغير بمعنى انه في عملية تغير وصيرورة تاريخية دائمة وهنا تكمن قوته وسيادته، بينما مشاريع أحزاب اليقظة العربية الايدلوجية والدينية ترفض التحول الى ذلك وان اصبح بعضها مرنا بعض الشيء لتقبل مكونات المجتمع ودياناته الا أن ثمة انشقاقات هنا وهناك داخل هذه الأحزاب لا تساعد على الاطمئنان وعدم التراجع لصعوبة التعامل مع الفكر مالم تُحيد الافكار ضمن إطار الدولة المدنية. على كل حال، أود الاشارة مرة أخرى أن الإسلام ليس عقيدة صلبة لأنه رسالة عالمية للإنسانية جمعاء، ولكن فهمه سياسيا بمنظور السلطة وسعيا لها قد يجعله يحتمل التفريط للوصول الى السلطة ومن ثم الافراط بعد توصله واستيلائه عليها. التجربة العملية لفصائل الإسلام "السياسي" تنبئ بذلك في اكثر من مكان في عالمنا العربي والإسلام. أود الاشارة اخيرا أن بداية النهضة كصيرورة قد تمت من خلال الثورات العربية ولكن لكي تكتمل لابد من استمرارها كتجديد لمفهوم السلطة الحديث الذي يقتسم المجتمع بالعرض والطول وليس كجوهر فرداني يسهل حيازته والانفراد به كما هو حاصل اليوم في عالمنا العربي المأزوم.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق