ضمور ثقافي .... تورم استهلاكي
عبد العزيز الخاطر
2010 / 3 / 1
فى عام وعاصمة الثقافة
فى مقال سابق تكلمت عن إن ما نمارسه هو فائض ثقافي لعصور مضيئة فى تاريخنا العربي مضت . وفى هذا المقال أود أن أشير وأضيف أمراً آخر يؤكد أزمتنا الثقافية المعاصرة فى عقود قليلة سابقة كنا نعتقد أن الايديولوجيا ستساعدنا للانتقال قدماً وستمثل رافعة للوصول الى الافضل مجاراةً للعصر ولكن مع سقوط الايديولوجيا لكونها مستوردة أكثر منها نابعة من جوف المجتمع ملأ الصراخ الطائفي والقبلي والجهوي الفضاء المجتمعى العربي من أقصاه حتى أقصاه وأصيبت الثقافة باعتبارها مناخاً عاملاً يحتضن بذور التغير والاستمرار لأي مجتمع بالضمور والاضمحلال واتجهت الطبيعة البشرية أكثر فأكثر نحو الاستهلاك نتيجة لليأس أو فقدان الامل من البعد الثقافي أو حتى من الثقافة ككل ومن جدواها وجدوى أهلها أو من يعولون عليها والاكتفاء بابراز الماضى بديلاً عن الحاضر والولوج الى مستقبل لا نملك منه شيئا سوى أننا نملك ثمنه مستخرجاً من ثروات أرضنا فخيرات أرضنا هو ما ينفق علينا وعلى بقائنا وبمجرد نضوبها لا قدرة لمجتمعاتنا على الاستمرار والحياة . تثبت تجارب التاريخ أن الثقافة هى عنصر البقاء والاستمرار الأقوى من غيره من العناصر ؛ ثقافة البدائل الثقافة المتولدة من حاجة العصر المعاش .
الشعوب الحية فى تحول مستمر انظر الى الحراك الثقافي فى ايران منذ عصر الشاه مروراً بالخميني وحتى الآن تجد ديناميكية مستمرة باتجاه المستقبل قد يكون المستقبل تارة فى شكل أو تصور معين لكنه لا يلبث أن يتطور أو يستبدل . في مصر اليوم حراك ثقافي لم تشهده منذ عقود ؛ ثقافة الاتفاق وليست ثقافة الاقصاء , ثقافة التحول السياسي وليس الاقتتال الدموي ، ثقافة التغيير وليس التأبيد.
ان ترشح البرادعى والاتفاق عليه يعد مخرجاً لعقم أو غياب السياسة كثقافة تتوسط بين الفوضى والاقتتال. لم يكن سقف السياسة بما هى ثقافة عالياً فلم تخرّج أحزابنا العربية قادةً ولم يفتح لها المجال أصلا لكى تتأصل كثقافة فى ظل الحزب الحاكم أو حزب الحاكم. خوفي فى الولوج أكثر فأكثر فى الاستهلاك نفوراً من الثقافة نفسها ، الأمر الذي قد يجعل منها دخيلة على أذهان الاجيال واحتفالاتنا القائمة قد تنتقل من صفة اللصيق الى صفة الغريب رويدا رويدا اذا لم نسارع بتأصيل جديد يقوم أساسا على عناصر الثقافة السائدة اليوم والمتملكة للعصر وأدواته من كرامة للانسان وحرمة حقوقه وممارسته لواجباته وفتح المجال للحراك السياسي والاجتماعي عبر أنساق ايديولوجية فكريي ترتفع بالمواطن بعيدا عن مرجعياته الأولى لأن الفراغ ستملؤه تلك المرجعيات الأولية من طائفية أو قبلية أو دينية . الاستهلاك فى حد ذاته مرجعية أولية تفضّل الذات على المجموع والحاضر على المستقبل الا اذا ارتبطت بثقافة أخرى غير ثقافتها فكان بعداً لا أصلا. أما مانشهده اليوم فهو ثقافة الاستهلاك أساسا وفائض من ثقافة عصور الأمة فى أوج قوتها وازدهارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق