التراث بين ضرورة النقد ورهبة التقديس
عبد العزيز الخاطر
2005 / 9 / 15
هناك جانبان لتشخيص اشكالاتنا مع التراث .
الجانب الأول : نفسي فالتراث بشقيه المادي والمعنوي ذاكرة للأمة والذاكرة في الأساس قدرة على استرجاع أحداث الماضي ولكن قد تحتل الحاضر أو معظمه كذلك إذا ما أصبحت هاجساً وأصبح الحاضر فضاءً فارغاً لا يملؤه شي يذكر .
عدم تبلور آلية للتعامل مع هذا التراث بالشكل الذى يجعل منه ذا نفع بحكم أنه ماضٍ يستفاد منه لا أن يعاش وبحكم أن الأشياء لا توخذ بشكل شمولي غثها وسمينها وآلية التعامل مع التراث تتطلب عنصرين هامين لتحقيق الغرض المرجو منها وهما – المسافة اللازمة للحكم على الأشياء والنظرة النقدية وليس النظرة النوستالجية المتشوقة أو الحنون الى الماضي وعدم تحقق هذين العنصرين في تعاملنا مع تراثنا أصبح عبئاً على حاضرنا وشغل يومنا وغدنا .
إن دراسة أي شئ تتطلب حيادية الدارس أمام الموضوع الذى يراد دراسته وتتطلب الفصل بين الذات الدارسة والذات المدروسة ، نحن ندرس الماضي والتراث ونحن نعايشهما بشوق كبير نلتصق بالماضي حفظاً لذاتنا الضائعة وخوفاً عليها من الاندثار ، نتشوق الى الماضي وتراثه بحنين يفوق حنين الام الى وليدها الرضيع لان الحاضر مرعب ولا ندرك من أشيائه الكبرى أو الصغرى ذرة ً تطمئننا أو تهدىء من روعنا . أية موضوعية نتقصاها بعد ذلك نحن نذوب في ماضينا كما يذوب الملح في الماء وننزوي في أركانه وزواياه كما ينزوي الخائف من أشعة الشمس أو برد الشتاء .
إن انتصار نظرة التقديس للماضي وتراثه على تيار النظرة النقدية الفاحصة له كان لها الأثر الكبير في تراجع دور هذه الأمة بين الأمم ، قد تجنح النظرة النقدية نحو التحامل قليلاً ولكن لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ما نمارسه اليوم في حاضرنا عندما نحاول استعادة الماضي وتراثه العريق تحت العديد من الشعارات سواء أكانت دينية أم قومية أم غير ذلك هو قمة التقديس لـه . لقد أباد بُول بُوت نصف شعبه الكمبودي في محاولة لاستعادة تاريخه ومزق صدام حسين العراق وجيرانه في محاولة لاستعادة تاريخ بنوخذ نصر وقادسية العرب .
لقد كان اقتحام الحاضر بأسلحة الماضي وبالاً على الأمة لأننا لم نفرق بين عناصر الزمن الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل . لقد كانت قلوبنا غُلف ونحن نقف أمام النقد ونعتبره سباً وهجاءً لان قاموسنا اللغوي لا يعرف كلمة النقد وملئ بأبواب السب والهجاء الى جانب المدح المبتذل . ننظر كيف كانت وقفتنا مع من أراد أن ينظر ببصيرة الى التراث ويفرزه فرزاً في الماضي والحاضر فمن جرى تكفيرهم أو طردهم أو قتلهم ألم يكن من الأجدى التحاور معهم وفتح باب النقاش بدلاً من تكميم الأفواه وسد الثغور وترحيل الإشكالية من زمن الى آخر ومن جيل الى آخر . لقد كان انتصاراً كبيراً للشمولية السياسية والعسكرية التي تزهق أرواحنا يومياً وانهزاماً للكيفية التي لو قدر لها لوضعتنا على خريطة الأمم الرائدة . ما لم يرتفع التراث الى مستوى النقد وما لم نضع المسافة المطلوبة بينه وبين حاضرنا وذواتنا المعاشة اليوم وما لم يكن النقد منهجاً أساسيا يفوق مناهجنا العربية البيانية كلها لن نستطيع أن نعايش حاضرنا إلا بقدر تدخل ماضينا فيه وبقدر ما ينعكس عليه من ذلك الماضي والتراث وسنظل نتحرك في فضاء اليوم بذاكرة الزمن الذاهب الى غير رجعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق