أنظمة ديموقراطية أم مصالح استراتيجية ؟
عبد العزيز الخاطر
2002 / 9 / 15
هل يهدف الغرب حقيقة الى قيام أنظمة ديموقراطية في منطقتنا العربية ؟ هل الديموقراطية هدف انساني يسعى الغرب الى تحقيقه في جميع أنحاء العالم؟ للإجابة عن هذه الاسئلة علينا أولا التعرف إلى الفرق بين التعامل مع النظام الديموقراطية والنظام الآخر غير الديموقراطي وأيهما أسهل في التعامل من الآخر بالنسبة للغير؟ لقد اشتكت الادارات الاميركية المتعاقبة من صعوبة التعامل مع اسرائيل ومع أعضاء الكنيست بالذات لإقناعهم بتقديم تنازلات مهما كانت صغيرة للطرف العربي. في حين امتدحت هذه الادارات خصوصا في العقود الثلاثة الاخيرة التي تلت حرب تشرين، التعامل مع الانظمة العربية الكبرى ما عدا سوريا، وذكر مهندسو الاتصال الاميركيون وفي مقدمهم هنري كيسنجر ان مسألة الاقناع تبدو أسهل مع الطرف العربي المفاوض عنها مع الطرف الاسرائيلي، وكان ذلك واضحا في محادثات كامب ديفيد الاولى في السبعينيات من القرن المنصرم. فمسألة الاقناع تبدو أسهل عندما يتعلق الامر او المصير بفرد او قائد معين منها لو كانت عن طريق مؤسسة دستورية تشريعية ممثلة للشعب بكافة توجهاته. فهل يهدف الغرب إذاً، لاقامة انظمة ديموقراطية في منطقتنا الخليجية، وهو الذي استطاع، بعيدا عن اقتناع الاوساط الشعبية، ان يأتي بكل هذا الوجود العسكري والاقتصادي؟ هل كان من السهل عليه فعل ذلك لو وجدت مجالس منتخبة تمثل إرادة هذه الشعوب؟
عندما يكون حكم الفرد او النظام الواحد خطرا على مصالح الغرب يدعو الغرب الى إزالته بآخر <<ديموقراطي>> وهو ما شهدناه عندما اقتنع الغرب وشجع وساند آخر الرؤساء السوفيات (غورباتشوف) في تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق، وانفرد بالتالي بجمهورياته الواحدة بعد الاخرى يساومها على ما تملكه من أسلحة نووية واستراتيجية مقابل تقديم الدعم المادي لإعادة بنائها كدولة مستقلة. لكن، عندما يكون حكم الفرد يعمل على خدمة مصالحه، يكتفي الغرب فقط بالمناداة بمراعاة حقوق الانسان ويكتفي كذلك بالبيانات الرسمية التي تقدمها تلك الانظمة.
ان طبيعة حكم الفرد في حد ذاتها تمثل فرصاً عظيمة لأولئك المنتفعين وأصحاب المصالح سواء كانوا دولاً أم شركات أو حتى أفراداً ، في حين يمثل رأي الجماعة عبئاً ثقيلاً. ان الغرب المعاصر والمدفوع من قبل شركاته الضخمة والعابرة للقارات لا يمكن الا ان يبحث عن مصالحه وعن فتح أسواق جديدة لتسويق منتجات هذه الشركات، ولا يمكن لإدارته الا ان تفعل ذلك نظراً لدور المال في نظام الانتخابات والدورة السياسية في آلية الحكم هناك.
بالطبع ليس من السهل إلقاء اللوم على نظام يبحث عن مصالحه ويعمل على تحقيقها، لكن اللوم يقع على من لا يتلمس آلام الشعوب بالقدر الكافي.
يدّعي البعض ان اشارة البدء لطلب مساندة الغرب يجب ان تأتي من الداخل، باعتبار ان الطلب على الديموقراطية لا بد من ان يأتي أولا من الداخل، كذلك لا يدرك هؤلاء وهم يدعون ذلك ان مثل هذا القول يسقط تحول الديموقراطية الى <<قيمة>> لدى الغرب كما يدعي. فالديموقراطية حاجة برغم وجود بعض أمثلة <<المستبد العادل>> في عالمنا حتى اليوم، ولذلك فان مشاكل المجتمعات والشعوب لا تعالَج من خلال أمثلة ناصعة البياض من تاريخها السابق بل من خلال حاجاتها الراهنة ومتطلبات عصرها المعيش. ان من يدعي ان الديموقراطية هي تلك الامثلة الواضحة والنقية من تاريخ بعض عظماء الأمة عندما تولوا أمر المسلمين، ويشيرون عند الحديث عن الديموقراطية الى مواقفهم العظيمة ودعوتهم المسلمين بإسداء النصيحة وإصلاح اعوجاجهم اذا حصل ذلك منهم، اولئك لا يفرقون بين الموقف والنظام وبين صلاح الفرد وحاجة الأمة الى نظام يحمل في طياته بذور صلاحه على مدى الزمن.
©2002 جريدة السفير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق