نتغير ولكن لا نتطور
عبد العزيز الخاطر
2005 / 12 / 15
المداخل الحتمية والممكنة لمجلس التعاون
التغير سنة كونية والتطور إرادة إنسانية ، هذا التمازج بين هذه السنة الكونية وتلك الإرادة الإنسانية هو قاطرة التقدم ولكن ليس كل تغير هو بالضرورة تطور فانفلات الترابط والتلازم بينهما أو بالأصح فقدان الإرادة الإنسانية في هذا الجانب تجعل من التغير شيئاً آخر ليس بالضرورة تطوراً وتقدماً .
ما أود الإشارة إليه في هذا الخصوص وفي هذا الوقت بالذات هو أننا نشهد تغيراً في مجلس التعاون الخليجي وأجزائه المختلفة بين حين وأخر ولكن هل يمكن أن نسمى ذلك تطوراً وقد رأينا في معظم سنوات حياته حتى الآن تبعثراً وفقداناً للإرادة الإنسانية اللازمــة لدفع عملية التغير هذه إلى الأمام بل تصادماً بين الإرادات في داخله . لنعط مثالاً على نموذج آخر تلاقت فيه سنة التغير مع الإرادة الإنسانية بشكل دائم بعيداً عن الأهواء الشخصية وهو الاتحاد الأوروبي . لقد بدأ بتسهيلات لصناعة الصلب والحديد بين فرنسا وألمانيا وانتهى اليوم باتحاد كامل تخلت معظم دوله حتى عن آخر مظاهر السيادة وهي العملة النقدية إيماناً بضرورة التطور وحتمية التغير نحو الأفضل وإيماناً بالمصير المشترك .
ثمة حلقة مفقودة بين صيرورة التغير وإرادته الإنسانية مر بها مجلس التعاون الخليجي منذ فترة إنشائه فتعطلت مسيرة التطور والانطلاق نحو الأمام ولكن ما الذى يتطلبه ضرورة الجمع بين التغير والتطور ؟ لكي يستقيم الأمر لابد اذن من مراعاة الواقع السياسي العالمي أولاً وبديلاً عن كل شئ آخر إيديولوجيا كان أم شخصياً . وما هي أهم مظاهر الواقع العالمي السائد اليوم .
يمكننا ملاحظة ما يلي :-
أولاً : أنه ليس عصر أيديولوجيات وإنما عصر يغلب عليه الطابع البراجماتي النفعي بصورة ملحوظة .
ثانياً : أنه ذو صبغة أمريكية واضحة حيث أنها القوة الأوحد والأعظم ولا منازع لها يلوح في الأفق في الوقت الحالي على الأقل .
ثالثاً : أنه عصر لـه مداخل محددة ومعينة لا يتأتى إلا من خلالها .
ولابد لنا أن نشير هنا إلى شكل ونوعية تلك المداخل الوحيدة للاتساق مع العصر المعاش بشكله الذى تمت الإشارة إليه .
أولاً : المدخل العسكري وهو ما تحاول إيران الولوج من خلاله بحصولها على تكنولوجيا القوة النووية الرادعة . وهو مدخل لا تستطيع أن تملكه كل الدول فسوف تواجه بالضرورة بممانعة قوية وشرسة من قوى النظام القائم الجديد .
ثانياً : المدخل الاقتصادي وهو ما تحاول تركيا الولوج من خلاله بالاندماج في الاتحاد الأوروبي ويتطلب بالضرورة الانصياع إلى مطالب كثيرة وعديدة وتنازلات سيادية أيضاً وهو مرتبط بالمدخل التالي بل ويقوم على أساسه .
ثالثاً : المدخل السياسي الديمقراطي وهو ما نجحت دول أوروبا الشرقية في الولوج من خلاله بتطبيق العديد من الإصلاحات السياسية ومراعاة حقوق الإنسان وبناء المؤسسات الديمقراطية .
تلك هي المداخل الحتمية للاتساق مع العصر . ما لم تع الإرادة الإنسانية في مجلسنا الخليجي ذلك لا يمكن أن يحدث تطوراً وكل ما يمكن أن يقوم هو تغير في الشكل والأشخاص والإطار الديكوري العام . ولكن أي تلك المداخل أنسب وأقرب إلى مجلس التعاون للولوج من خلاله الى داخل النظام العالمي الجديد بلا شك أنه ليس المدخل الأول العسكري ولكنه بالضرورة أولاً المدخل السياسي الديمقراطي استعداداً لبناء القاعدة الاقتصادية نحو التكامل وربما الاتحاد الخليجي الاقتصادي .
تأتي القمة الخليجية الحالية وهناك الكثير من التساؤلات لدى شعوبه عن مستقبله في ظل تباين واضح بين رؤية الماضي والضرورات التي فرضت قيام المجلس وبين الحاضر وتحدياته واختراقاته فالتغير واضح ولكن التطور غير ملموس ، فثمة تغير في شكل القيادة في أجزاء المجلس فرضتها سنة كونية ولكن المجلس لا يزال متردداً في بعض أنحائه في ولوج مدخل التطور الهيكلي نحو إقامة الدولة الدستورية في بعض أجزائه ، بمعنى أن البعض الآخر وعد أو قدم وعوداً في سبيل احداث ذلك فلا مندوحة عن مواجهة الأساسيات والضرورات إذا أراد المجلس أن يرفع عن أنفاسه كمامة الأوكسجين اللازمة للحياة والابتعاد عن الشكليات والإفرازات التي قدمتها لنا العولمة على صحن من ذهب مثل البرامج المفتوحة الحوارية التي تقدمها القنوات الفضائية والتي أصبحت هاجساً للمجلس واجتماعاته وهي بالذات من مظاهر التغير العشوائي الذى لا تحكمه ولا تسيطر على إفرازاته السيئة الإرادة الإنسانية القادرة على ذلك .
ما لم يستطع المجلس تحديد مدخله بوضوح مع النظام العالمي القائم اليوم وهو بالضرورة إنساني ديمقراطي وما لم تتفق إرادات أصحابه أولاً مع شعوبهم على ضرورة إدخال الإصلاحات الضرورية اللازمة التي تجعل من الشعوب مصدراً للسلطات والنأي بالتالي بالمجلس عن الصراعات الفردية والشخصية المتقلبة ، سيبقى المجلس كما هو منذ إنشائه لا يذكرنا شيء بوجوده سوى اجتماعه السنوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق