العمل الأهلي الوسيط الآمن للتحول الديمقراطي
عبد العزيز الخاطر
2005 / 10 / 11
من الضرورة بمكان تشجيع إطلاق المبادرة الشعبية لبناء شبكات متعددة من الجمعيات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع لتعبئة الجهود الشعبية إلى جانب دور الحكومة أو الدولة . هذه نقطة جداً جوهرية لا يمكن بحال من الأحوال الاستغناء عنها لمجتمع يطمح إلى التطور والارتقاء ومقبل كذلك على خطوات إجرائية هامة في سلم الديمقراطية فهي البنية التحتية للنظام الديمقراطي سواء أكانت تلك الجمعيات جمعيات خيرية أم رابطة ثقافية أم نقابات مهنية فهي في الأساس تدريب لأصحابها وتجمعاتها على مهارات ضرورية لازمة لتأصيل النهج الديمقراطي في المجتمع مثل الالتزام بشروط العضوية وواجباتها وحقوقها وقبول الرأى الآخر والمشاركة في النشاط العام والتعبير عن الرأي .
من هنا يمكن أن ندرك أن أقرب المجتمعات إلى التحول الديمقراطي المنشود في منطقتنا العربية والخليجية على وجه الخصوص هي تلك التي تتواجد فيها مثل تلك الشبكات القائمة على المبادرات الشعبية حيث لا تنفع ممارسة الإجراءات الديمقراطية وحدها في إيجاد الأساس الديمقراطي الفعال اللازم لعملية التحول المنشود . فالأهمية القصوى التي يجب أن يدركها المجتمع وتعلمها الدولة كذلك هي في إيجاد مرجعيات وسطى ذات أبعاد فكرية وثقافية وبدون ذلك تصبح ممارسة الإجراءات الديمقراطية كالانتخاب والتصويت تتويجاً لدور المرجعيات الأولى من قبيلة أو طائفة غير ذلك . والمفترض من الدولة أن تكون داعماً ومشجعاً لإشهار الجمعيات والنقابات الشعبية وفق القوانين الموجودة ثم أن هناك دوراً آخر وهاما لمثل تلك الشبكات الاجتماعية الأهلية يتمثل في تنظيم الفكر وإمكانية تحويله إلى برنامج عمل ومن ثم اختباره وقبوله أو رفضه من قبل المجتمع دونما أحداث لما لا يحمد عقباه .
فإذا سلمنا بأن العنف كوسيلة هو في الأساس ناتج عن فكر فأن دور المجتمع في إيجاد الوسيط الآمن من خلال هذه الجمعيات والنقابات لتحويل ذلك إلى برنامج سلمي بعد مناقشة وإبطال قوته التفجيرية فالنقابات والأحزاب في الدول المتقدمة تحمل في بعضها الكثير من العنف مثل البرامج العنصرية المضادة للهجرة والمهاجرين من دول معينة ولأديان معينة كذلك ولكن قدرة الوسيط الآمن المتمثل في النظام الديمقراطي في تلك الدول حوّل مثل هذه البرامج وغيرها إلى مشاريع قد تقبل وقد تُرفض وقد يأخذ بعضها ويترك الآخر . كل هذه التطور مرجعه ذلك التنوع الكثيف من الشبكات الاجتماعية الأهلية داخل تلك المجتمعات لأنها مصدر التداول الشعبي ومنبع تصفية الآراء من شوائبها وليس ذلك مردّه إلى ما يتم هناك من إجراءات ديمقراطية فقط كما يعتقد البعض .
فالإجراءات الديمقراطية لا يمكن التعويل عليها كثيراً إذا لم تُحرث الأرض ويُبذر فيها ما ينفع الناس في حياتهم وليس أنفع للناس من تداول شؤونهم من خلال الجمعيات الشعبية وتلاقح الأفكار في المنتديات واللقاءات غير الرسمية بالذات فالعمل الوطني الشعبي لا يمثل انتكاسة ولا خطراً كما كان ينظر إليه في السابق بل أصبح رافد هاماً لا غنى عنه لاستكمال دور الدولة والجمعيات الأهلية على مستوى العالم تأخذ دوراً كبيراً يتضاءل معه دور الدولة ، فالمخاطر القادمة أكبر من أن يتحملها نظام لوحده أو دولة لوحدها كذلك ، فالمخاطر البيئية والصحية والثقافية التي تحاصر العالم اليوم لا يمكن مواجهتها بعيداً عن دور الجمعيات والهيئات والنقابات الشعبية . لذلك فأنا اعتقد بأن المرحلة القادمة الضرورية قبل التوجه إلى ممارسة إجراءات الديمقراطية لابد وأن تكون العمل على إيجاد وإشهار ما يمكن من جمعيات ومؤسسات أهلية أياً كان اختصاصها ومجالها فهي الوسيط الآمن لنقل حركة المجتمع من التقليد إلى الإبداع ومن التشبث بالمرجعيات الأولية إلى دائرة القناعات الثقافية والفكرية التي تؤكد على إنسانية المجتمعات وقدرتها على التطور الذاتي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق