عبد العزيز الخاطر
2005 / 11 / 1
كيمياء التطرف تتمثل في تماهي العقيدة مع الذات بحيث تصبح هي الذات ويصبح بالتالي أي نقد أو مخالفة تُرى لهذه العقيدة هي في الأساس موجهة إلى الذات واستقصاؤها . فالمتطرف لا يرى تلك المسافة الضرورية التي تفصل بين الذات الإنسانية المتمثلة في خلق الله أجمعين وبين العقيدة التي يتبناها هو وقد لا يتبناها غيره من الناس ، بل من الواقع ألا يعتنق الجميع نفس العقيدة الواحدة لان سنة الله تقتضي الاختلاف فتراه يثور عندما يرى أو يسمع من يخالف عقيدته أو عندما يرى البعض يعتنق عقيدة أخرى فيصبح الأمر لديه قضية وجود ولان قدرته على التحمل أو معايشة أصحاب العقيدة الأخرى ضئيلة ولأنه يرى في ذلك فناءً للذات واضمحلالاً لها فإنه يسعى الى إلغاء الآخرين بشتى السبل المتاحة ، فيُقصي اذا أمكن الإقصاء ويقتل عندما يكون ذلك ملجأ لابد منه .
فناء الذات في العقيدة هو كيمياء التطرف التي يجب إيقاف تبلورها وتفكيك جزيئاتها بشكل أو بآخر . ثمة وسائل عديدة لفعل ذلك منها بل من أهمها اللجوء الى الأسبقية التاريخية لوجود كل من الذات والعقيدة والتركيز على أن الذات هي الأساس أو هي صاحبة الأسبقية قبل تبني أي عقيدة كانت بمعنى أن الإنسان يولد ذاتاً ومن ثم يتبنى العقيدة التي يشاء وللعوامل الجغرافية والاجتماعية تأثير في ذلك بلا شك .
وللذات الإنسانية صفات تميزها عن غيرها من الذوات المخلوقة فهي إنسانية الطابع أي تقبل التعايش وان كانت مختلفة في اللون والشكل واللسان فمن الضرورة بمكان ألا تغير العقيدة المتبناة من تلك القابلية الإنسانية للتعايش ، بمعنى آخر أن تحافظ تلك العقيدة على إنسانية الذات ولو بنت فوقها رؤيتها المختلفة وتصورها للكون ولها كل الحق في الدفاع عن ذلك والاستماتة في ذلك بشرط أن يبقى الأساس في حرمة الذات الإنسانية وأحقيتها في الوجود والتواجد .
التراكم والفهم التاريخي اللذان أديا الى فناء الذات في العقيدة هما الكيمياء التي يخرج بها المتطرف من المختبر فيرى العالم بشكل أحادي وضيق فلا إنسانية دون ما يعتقده ولا عقيدة غير تلك التي تخرج مع أنفاسـه ، والعالم بالنسبة إليه بؤرة ضيقة لا تحتمل غير المختلف ، ان إشكالية التطرف في كونه يبدأ بالبعيد ثم يأتي الى القريب . فذوات الآخرين تنكمش باستمرار لينفرد المتطرف وحده ذاتاً وعقيدة ، كنت أرى وما زلت بأن عملية التدريس يجب أن ترتكز على مستويات أولها المستوى الإنساني ومن ثم المستويات الأخرى بما فيها البعد الدينى فاختلاف المدارس على أشكالها من الضرورة ألا يخرج عن تلك المستويات فلا يخرج أصحاب أي من تلك المدارس بأولوية أخرى ترى في اعتقادها الديني أسبقية ( أو في أثنيتها أو في عنصرها الاجتماعي) على العامل الإنساني المشترك لجميع بني البشر . لا انفكاك من خطورة التطرف الا بإدراك بأن هناك مسافة بين تلك الذات الإنسانية التي تقوم عليها الحياة واستمراها وبين ما تعتقد به وأن تطرفها يبدأ في تماهيها مع ما تعتقد بشكل ينسيها بعدها الإنساني ويجنح بها الى شاطئ الإقصاء الذى يرى في الآخرين ذواتاً لا تستحق الحياة لا لشئ إلا لكونهم مختلفين وفي ذلك تجنٍ على ما جاءت به جميع الأديان والرسالات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق