الاستحقاق الحضاري….. وهروب الأمم
عبد العزيز الخاطر
2007 / 5 / 22
قد يهرب الإنسان ، قد يتوارى عن الأنظار ولكن هل تهرب الأمم ؟ هل تخرج من التاريخ ؟ لماذا وكيف ؟ للإجابة على مثل هذا السؤال لابد من " المجاز " لأنه لا يمكن تصور هروب الأمم كهروب الأفراد اختفاءً لان الأمم لاتختفى هكذا ولكنها تغيب ، تعيش العصر مادياً دونما إسهام فيه ، تلتف حول استحقاقاته ، تتطفل على غيرها من الأمم وتسرق ديكورات انجازاتهم ، تتحرك ولكن في مكانها ، تضع الشعارات البراقة وتعلم ذلك ومع ذلك تصدقها قبل غيرها . الفرق الواضح بين هروب الأفراد وهروب الأمم يتمثل في أنهم ( الأفراد ) يهربون الى المكان ولكن الأمم تهرب الى الزمان قد يكون ذلك الزمان ماضياً وقد يكون مستقبلاً كذلك . المثال الصارخ لترجمة مثل هذه المقدمة هي أمتنا العربية وهي تمارس كلا النوعين من الهروب الزماني ، الهروب الى الماضي والهروب الى المستقبل . لكن الهروب الى الماضي يمكن استبصاره ولكن كيف يمكن للأمة أن تهرب الى المستقبل ؟ في عصرنا المعاش حالياً تضع التكنولوجيا المستقبل متاحاً قبل أوانه ويمكن استيراده دون بنيته التحتية وهنا المفارقة ، سأضع بعض الأمثلة موضحاً لكلا النوعين من الهروب .
أولاً : مظاهر الهروب الى الماضي تتمثل قبل كل شئ باللجوء الى التراث ليس لدراسـته وإنما للتعلق به واستحضاره دائما والعيش بين جنباتـه ، لك أن تتصور عدد الفضائيات المعنية بالشعر والشعراء رغم ضحالة الكثير ، ولك أن تتصور عدد الفضائيات الدينية المختصة في الفتاوى وتضاربها ، لك أن تتصور عدد الفضائيات المعنية بتفسير الأحلام وقراءة الكف وغيرها ، لك أن تتصور عدد المنشورات والمؤلفات المتزايدة حول الأنساب والقبائل وأنسابها وفروعها ومعظمها من غير المختصين أساساً ؛ تلك بعض مظاهــر الهروب الماضي . أما الهروب الى المستقبل فهو يتجلى بسطوع فى استحضار لفظ " الديمقراطية " في كل شئ ولم يبق إلا الأكل لتضاف إليه ليصبح أكلاً ديمقراطياً ! اقامة أبنية ظاهرها عصري وباطنها لم يتغير البته خاصة في المجال الإداري والسياسي ، كذلك الاستخدام الكثيف للتكنولوجيا مع بقاء البنية البيروقراطية الطائفية القبلية محركاً لذلك الاستخدام وموجهاً له ، المواطن العربي اليوم يستخدم أخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في جميع المجالات ولكن لا يستطيع أن يدافع عن مصيره وعن وجوده بل يمكن اجتثاثه وبسرعة ، فهو مُستهلك وسطي بين الأنظمة والسوق العالمية ، جميع الانتخابات العربية تثبت أن البنية القروسطية لا تزال قائمة وتقوى بين يوم وآخر وجميع الشعارات بالالتحاق بالعصر وما هي إلا " فاترينة " معروضة في المحلات و المعارض والمؤتمرات الكبرى للاستهلاك الخارجي . بقى أن نشير الى أسباب مثل هذين النوعين من الهروب أنها وببساطة عدم مواجهة الاستحقاق الحضاري والتاريخي والتحرك في هذا الاتجاه ، وعدم وجود النية الحقيقية للتحول الديمقراطي السلمي المفروض عصرياً ، عدم الاتفاق على دستور ديمقراطي والالتفاف حوله بحكم عدم النضج وطبيعة المجتمع وغير ذلك أسباب كثيرة يمكن اللجوء إليها للتبرير ولكن إذا ما استمر الهروب الى ما لا نهاية قد يضيق الزمان نفسه كما يضيق المكان ويختفي أمام الهارب فلا الماضي الذاهب يحمل دواءً للجوء إليه ولا المستقبل يبقى مستقبلاً الى ما لا نهاية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق