فى نعي العربي الأخير
عبد العزيز الخاطر
2007 / 12 / 29
الوعي الزائف لجيل الأمس
هو أخير لتفرده في عروبته ، هو أخير لتوهمه بأن ذلك سبيله الوحيد حيث مصيره ومستقبله يبدأ منها ليعود اليها فلا مجال لأنصاف الحلول ، هو أخير لاعتقاده بأن حضن العروبه كفيل بحمايته الى الأبد ضد تقلبات الزمن وبنى جلدته ، هو أخير كذلك لأنه كان قادراً على معرفة أبناء مجتمعه وعلى تعدادهم فرداً فرداً ، هو أخير لأنه اتكأ على التاريخ وأسلم له أمره فالتاريخ لا يعرف الغدر ولا المكر لدية فآمن به كحافظ دائم ومستمر لمكتسباته ، هو أخير لأنه ظن أن التعليم العروبي الموحد هو النبع الصافي لبناء الوطنية وصيانة الأمة ، هو أخير لأنه افترض أنه لن يأتي اليوم الذى سيبحث فيه عن هويته في وطنه فلا يجدها ، هو أخير لأنه لم يفكر ولو لبرهة بأن موقعه سوف يتسع لغيره ولو كان على حساب عروبته ، هو أخير لأنه وثق بأن المال لا يمكن له أن يسبق القيم الإنسانية ، هو أخير لأنه أعتقد بأن جغرافية الوطن لا يمكن لها أن تتمدد الى الدرجة التي يصبح معها لا يرى بالعين المجردة ، هو أخير لأنه ظن أنه عملة صعبة لا تتدهور قيمتها بمرور الزمن ما لم يتدخل البنك المركزي النخبوي لإنقاذها وهو لم يفعل بالطبع ، هو أخير لأنه أراد للحلم الجمعي أن يستمر ولم يدرك أن الأحلام كذلك أصابها التخصيص والزمن أصبح فردي الطابع والإيقاع ، هو أخير لأنه كان يرى ويطمئن بأنه لا ثمة حاجة للخوف من المستقبل فإيمانه بعروبته وبتاريخه وبأنظمته كفيل بأن يوارى سوءته ونقصه ، هو أخير في تصوراته وأحلامه نحو وطنه وأمته ولم يدرك بأن التاريخ حقب وكل حقبة تحمل في طياتها شروط بقائها الخاصة بها دون غيرها ، هو أخير لأنه كان يرى التاريخ خطاً مستقيماً يمكن البناء عليه فاطمئن إليه والى نتائجه مستقبلاً ، هو أخير لأنه راهن على عدم زوال أو اختفاء الطبقة الوسطى اللتى حملت وتحمل رؤاه وتطلعاته ولم يدرك أن أمراض الرأسمالية المتوحشة تصيب الأطراف والوكلاء بدائها حتى برغم عدم توفر شروط وجودها ، هو أخير لأنه آمن بأن الأرض لا تزال تتكلم عربي ولم يدرك بأن اختبار " التوفل " تفوّق على فصاحة وحكمة أبي الطيب المتنبي وعبقرية المعري وأن تراث بغداد والقاهرة وغيرهما تعادله مكتبة صغيرة في احدى جامعات الغرب ، هو أخير لأنه آمن وصدق شعارات المصير المشترك ولم يع ِ أن البقاء للأقوى في عالم اليوم وأنه من " سبق لبق " هو أخير لأنه اعتقد بأن مكانته لدى أنظمته وحكوماته لها الأسبقية وخيولا تحرسها وجنود . هو أخير لأنه آمن بأنظمته وشعاراتها ولم يع بأن النظام قد يتخلى عن دوره ليصبح وكيلا يصرف البضائع كيف ما يُملى عليه, هو أخير لأنه آمن بأن العروبة والاسلام جناحان لطائر واحد فاذا بالشعوبية والعصبية والقبلية تحولانهما الى شيع وفرق وطوائف لاتكاد تحفظ اسماؤهم من تعددهم وكثرتهم.
هو أخير لأنه يمشي في جنازته برغم أنه لم يمت ولكن زمانه ورجال ذلك الزمان ماتوا فشروط حقبته التاريخية انتهت خيارا لا قصرا، ما يتخلق الآن فى رحم العروبة الثكلى اليوم هو عربي من جنس ثالث مطواع لكل أمر لا يحمل من العروبة سوى جلبابها فهو هوان على الدنيا بأكملها لأنه فقد هويته وما التاريخ سوى هوية ومغزى وهدف فهو يعيش اليوم فى ملاجىء الأيتام ينتظر من يتعرف عليه أو يتبناه .يا لها من فداحة تسطرها يد الأحفاد فى حق التاريخ وفى حق الآباء. فلنقم سرداق العزاء ولنتقبل أحر العزاء في وفاة العربي الأخير اذا كان ثمة ما يعزي أمة أضاعت بوصلتها بمحض ارادتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق