أزمة الطبقة الوسطى فى دول الخليج
عبد العزيز الخاطر
2007 / 6 / 26
تخشى غدر الدولة لأن شروط إنتاجها وقيامها خارج نطاق سيطرتها فهي خائفة ، لأن بقاءها مرتبط بمدى وقدرة الانفاق الحكومي على حضانتها فهي في تقرب دائم ، لأن ذلك كله مرهون بصمتها ومسايرتها للوضع القائم فهي لا تؤدى دورها بالشكل المطلوب ، لأنها لم تأت نتيجة لتحولات اجتماعية واقتصادية حقيقية مر بها المجتمع فهي هلامية الشكل وتتشكل حسب الطلب ، لأنها تجني فقط فائض الريع المتبقي فهي تعاني رعب الانكماش المحتوم . ( تلك هي الطبقة الوسطى في مجتمعات الخليج ولتعريفها يجب الرجوع إلى أدبيات الاقتصاد والاجتماع ) .
لم تعد هي صمام الأمان للمجتمع ، لم تعد تمثل امتداد التاريخ داخل أوعية المجتمع ، ولم تعد الحامل الأمين لقيم المجتمع بين " نهم " الطبقة العليا وأخلاقيات " البقاء " لدى الطبقة الدنيا بما تحمله من ابتذال وانسحاق . لقد أتت عليها رياح جديدة تتمثل في القطاع الخاص الذى تسكن داخل أحشائه وأوردته وشرايينه أطراف الدولة . لقد نعمت تلك الطبقة برعاية الدولة فترة التوازنات الدولية فكانت الابن الوفي والبار فاستطاعت أن تبث في أرجاء الوطن من أبنائها العديد من المهنيين والمتخصصين والمثقفين الذين نهضوا بالوطن وحققوا لـه الإنجازات . حيث كان التعليم الجيد والمتميز مجانياً ومتوفراً والرعاية الصحية المتميزة كذلك وكافة المرافق الاجتماعية والاقتصادية على قدر من التميز في الخدمة مقدمة مجانياً ومتوفرة للجميع فاستفاد منها بالذات أفراد تلك الطبقة المتوسطة أكثر من غيرهم .
وكما أشرت آنفاً فإن الطبقة الوسطى في مجتمعات الخليج وليدة الدولة مع اختلاف في النسبة بين دولة وأخرى ؛ فبعد تدفق النفط أصبح أولئك القريبين من الطبقة الحاكمة هم من يمكن أن يطلق عليهم هذا الوصف نظراً لدخولهم ضمن دائرة الريع بمعنى آخر؛ انها بالأساس اجتماعية البنية وربما في بعض المجتمعات الخليجية الأخرى هي اقتصاديـة البنية إلى حد ما كذلك . لكنها اليوم خائفة من غدر الدولة وتنكر الدول لها . خاصة بعد أن تعرض مفهوم الدولة نفسه للارتجاج وأصبحت الدول في معظمها عبارة عن امتدادات لتجمعات اقتصادية رأسمالية خاصة هادفة إلى الربح وفوضت ما غير ذلك من أمور سيادية وأمنية إلى الخارج فبالتالي ثمة إنفكاك لابد لـه من أن يحدث وثمة هوة لابد من أن تتحقق بين الطبقات الاجتماعية ، سوف تعاني مثل هذه الطبقة من صعوبة استمرارها للمحافظة على طابع المجتمع وقيمة وعقلانيته في مثل هذا الوضع وسيكون المجتمع ككل هو الخاسر الكبير عند احتكاك الأعلى بالأسفل بسبب تآكل هذه الطبقة ، فالطبقات الأخرى غير قادرة على لعب أي دور تاريخي كما أثبت التاريخ نفسه ذلك فالنظرة الموضوعية التي يجب التركيز عليها هي ضرورة المحافظة على هذه الطبقة حتى في ظل الظروف الراهنة التي تتميز بانسياب التأثيرات الاقتصادية الرأسمالية المحمومة التي حولت المجتمعات إلى أسواق استهلاك والبشر إلى مستهلكين فليس أدنى من المحافظة على نظام تعليمي مجاني متميز ونظام صحي مجاني جيد كذلك إلى جانب القطاع الخاص حيث لا يمكن الاستعاضة بالقطاع الخاص لدى السواد الإعظم عن القطاع الحكومي إلا بروشتة اقتصادية جديدة ترفع من مستويات الدخل لدى الأفراد من خلال السياسات النقدية والاقتصادية للدولة لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية حتى يمكنهم ليس فقط شراء تلك الخدمات فحسب بل وحيز من التوفير كذلك وروشة سياسية اجتماعية تقوم على مساعدة المجتمع لبناء ذاته من الداخل من خلال جمعيات المجتمع المدني الوسيطة بين الدولة والأفراد فهي كذلك كفيلة بتخفيف وهج القطاع الخاص المتعولم أمام الأفراد الضعفاء حيث يمكن لتلك الجمعيات والتنظيمات الوسيطة أن تساهم وتجمع الجهود لكي يساعد المجتمع نفسه وينهض وبغير هاتين الروشتتين ستظل الدولة مسؤولة ، مسؤولية تاريخية عن تكويناتها بشكل مباشر وعن الطبقة الوسطى بالذات لأنها الوحيدة القابلة للتلاشى دون غيرها وفي ذلك بلاء لو تعلمون عظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق